هل يمكن أن نستفيد من تجربة الصين في التطور الأقتصادي؟

( بقلم : أ. د. حاتم جبار الربيعي* )
عندما حزمت حقائبي للسفر الى الصين توقعت أن أرى البيوت القديمة والأراضي الزراعية الشاسعة والدراجات الهوائية والمجتمع الزراعي البدائي كما يروجه لنا الإعلام ، إلا إنني فوجئت عندما حطت قدماي على أرض الصين في 21/10/2006 بأن هنالك تطوراً كبيراً في الإقتصاد وإنشاء المصانع والمباني الشاهقة والفنادق والطرق الحديثة والمطارات والجامعات والخدمات العامة التي لم أجدها في كثير من الدول الغربية المتقدمة، حتى بدا لي بأني أشاهد حوالي 1350 مليون من خلايا النحل وليس سكان الصين الذين يعملون نهارا وليلا وتذكرت حينها كيف إن الصين تتواجد يوميا في بيوتنا ومكاتبنا وأسواقنا من خلال ماتوفره صناعاتها لنا فكيف تم ذلك وهل يمكن أن نستفيد من هذه التجربة العملاقة؟


فبعد وفاة الزعيم الصيني ماوتسي تونغ في عام 1976 ووفاة رئيس وزرائه شوان لاي في العام نفسه، وبعد عامين من الصراع على السلطة وصلت الى الحكم ،ومن حسن حظهم، قيادة تمتلك رؤية مختلفة جسدها الرئيس دينج شياوبينج ليتصدر أولوياتها هدف تطوير الاقتصاد والإنفتاح على العالم وتحقيق مستوى من العيش الكريم للمواطن الصيني إذ تعد الصين للفترة 1949-1978 دولة فقيرة إقتصاديا حيث إن دخل الفرد متدني جدا وكذلك مجمل ناتجها المحلي ومعدل نموها الأقتصادي، أما الإستثمار الأجنبي فلم يكن له وجود في الصين قبل عام 1978 وقد شعرت القيادة الجديدة إن النهوض بالصين يتطلب:



أولا النهوض بالإقتصاد الصيني وهذا الأمر لايمكن أن يتحقق من دون إتباع سياسة خارجية مفادها الإنفتاح على مختلف دول العالم وكان ترتيب أوضاع الصين الداخلية يمثل أول هدف من أهداف السياسة الخارجية الصينية فالتحديث الداخلي يحتل دائما مكانا بارزا في السياسة الخارجية إذ تتميز الصين باتساع سوقها الشعبي وتنوع صادراتها وإستمرار النمو الإقتصادي وإستقرار الوضع السياسي وملائمة مناخ الإستثمار الأجنبي وانضمامها لعضوية منظمة التجارة العالمية.

عملت الصين على إستخدام الإستثمار الأجنبي كمبدأ استراتيجي حتى إن الرئيس الصيني الأسبق دينج شياو بينج جسد هذا التوجه بمقولته الشهيرة " ليس المهم لون القط أبيض أم أسود..مادامت القطة تصطاد الفأر فهي قطة جيدة" فهو يرى أن تحصل الصين على التكنولوجيا ورؤوس الأموال التي تحتاجها من أجل نهضتها.وقد وصل الإستثمار الأجنبي المباشر الى أكثر من الف مليار دولار وقد وافقت الصين عام 1999 على 315000 مشروع استثماري أجنبي بقيمة تعاقدية قدرها 600 مليار دولار وبذلك أصبحت الصين ثاني أكبر مستقبل للإستثمارات في العالم بعد أمريكا علما بأن نصيب الدول العربية من الإستثمار العالمي هو 1% فقط.

إن أهم وسائل إستخدام الإستثمار الأجنبي في الصين يشمل على:

1-توقيع قروض مختلفة بين الصين والحكومات الأجنبية والمؤوسات المالية الدولية.

2-إجتذاب إستثمارات أجنبية مباشرة من خلال إقامة مؤسسات استثمارية مشتركة ومؤسسات تعاون إداري ومؤسسات إستثمار شخصي للتجار الأجانب، اذ يتضاعف حجم الإستثمار الاجنبي في الصين بشكل دائم وكبير.

3-توسع محتوى وحجم الاستثمار وخاصة محتوى التكنولوجيا ومحتوى الإدارة فأصبحت التجارة والأعمال المصرفية بذرة إهتمام المستثمرين الأجانب.

إن أفضل إستراتيجية يمكن أن تلتزم بها الصين لمواجهة تحديات عصر المعلوماتيه والعولمة في إطار سياسة الإنفتاح على العالم أن تتفاعل مع الإستثمارات الأجنبية لكي تتعلم من الشركات متعددة الجنسيات وتتعاون معها وتتنافس في الوقت نفسه وذلك يتم عبر مرحلتين:

الأولى: إتاحة الفرصة للمشروعات الصينية كي تقتبس آخر ماتوصلت اليه عمليات التصنيع والمعالجة التي تنقلها الشركات متعددة الجنسيات الى الصين.

ثانيا : تعمل المشروعات الصينية على تقبل التطور التكنولوجي من الشركات متعددة الجنسيات بالإعتماد على التكنولوجيا المتطورة وتقوم المشروعات الصينية بتجديد وتطوير تكنولوجيتها لتصبح الشركات الصينية قوية وقادرة على ان تصبح شريكا استراتيجيا لشركات متعددة الجنسيات ومنافستها في السوق وتستفيد الصين من قدراتها كعامل جذب يرغم الشركات متعددة الجنسيات على توطين التكنولوجيا. إن الصين إتجهت الى تشجيع الإستثمار الأجنبي من خلال إعادة هيكلة المشروعات الصناعية وتحقيق تنمية اقتصادية شاملة وحرصت الدولة الصينية على أن تتجه الإستثمارات في مسار استراتيجية التنمية والتحديث مع التركيز على النوعية وشجعت الشركات على إقامة مراكز ابحاث وتطوير مراكز قيادية لها في الصين.

وبودنا أن نقول لدولنا العربية : إن جذب الإستثمار لايكون من خلال التصريحات الإعلامية ولا من إعفاء المستثمرين من الضرائب ولايمكن فقط تشييد المباني والعمارات بل ايضا بنقل التكنولوجيا في كافة المجالات ويمكن لنا من دراسة التجربة الصينية في النمو الإقتصادي وفي الإستثمار الأجنبي وفي نقل التكنولوجيا حيث تعتبر هذه التجربة فريدة لتحول البلد من دولة نامية الى دولة متقدمة في فترة قياسية لاتتجاوز ثلاثين عاما من التخطيط الشامل لكل جوانب الحياة والمتابعة الحقيقية وليس الإعلامية لوحدها.



* مستشار ثقافي عراقي في الصين