انهيار الرأسمالية؟


محمد عبد الجبار الشبوط


تثير الازمة المالية العالمية الراهنة، وهي ازمة رأسمالية في جوهرها حيث لا يوجد اقتصاد بديل في الوقت الحاضر، تساؤلات في الفلسفة السياسية تدور في محورين: الاول، مستقبل الرأسمالية، والثاني، وهو فرع من الاول، عودة الدولة الى الاقتصاد، وبالتالي استعادة الدولة لقوتها مرة اخرى.

في المحور الاول، سمحت التطورات الاخيرة، لعدد من قادة الدول ومدراء البنوك، في غير مكان، بالقول بان ما حصل ويحصل دليل على انهيار الرأسمالية وسقوطها، بعد انتصارها النهائي الذي سجله فوكوياما في اوائل التسعينات، حين اعلن نهاية التاريخ.

ولو كان كارل ماركس (1818 - 1883) حيا، لربما اعطى لنفسه الحق في ان يعلن ان الازمة الراهنة دليل على صحة نظرياته وتوقعاتها بحتمية انهيار الرأسمالية.

لكن فريد زكريا، رئيس تحرير مجلة "نيوزيويك"، الامريكية يقول ان هذا "غير صحيح" واعتبر ان ما يحصل الان هو ازمة مالية حادة لم نشهد لها مثيلا منذ ثلاثينيات القرن الماضي، "وهذا لا يعني نهاية الرأسمالية".

الكاتب الاميركي انطوني فاولا تساءل في "الواشنطن بوست" يوم امس الجمعة إنْ كان ما يحصل يمثل على الاقل نهاية الرأسمالية الامريكية. وهو تساؤل يمكن ربطه بتوقع نشره المؤرخ البريطاني اريك هوبزباوم في كتاب اخير له صدر عام 2007، قال فيه ان الامبراطورية الامريكية قد لا تستمر، عازيا ذلك، ليس الى تناقضات الرأسمالية الداخلية كما كان يقول ماركس، وانما، ببساطة، لأن المواطنين الامريكيين غير شغوفين بالامبريالية، او بالهيمنة الدولية، خاصة وان ضعف الاقتصاد الامريكي ربما سيدعو الحكومة والناخبين الى التركيز عليه بدل القيام بمغامرات خارجية.

بغض النظر عن هذا، فان الملموس من الاشياء هو ان الازمة الحالية تدفع قادة الدول الرأسمالية الى اتخاذ اجراءات ستؤدي الى استعادة الدولة الرأسمالية دورا في الحياة، لم يكن متصورا لها، حين اطلق المفكرون الاوائل شعار "دعهم يمرون". فقد قررت ادارة بوش "تأميم" عدد من المصارف عبر تخصيصها مبلغ 700 بليون دولار لشراء بعضها، الامر الذي سوف يجعل الدولة الرأسمالية مسؤولة بطريقة مباشرة وغير مسبوقة عن تأمين القروض العقارية والتأمين على الحياة لعشرات الملايين من المواطنين الامريكيين، وهذا امر لا يتساوق مع الفباء نظام السوق الحر. وتعتزم الحكومة البريطانية اتخاذ اجراءات مشابهة.

يحيلنا هذا الى الامر الثاني، المتعلق بتضخم دور الدولة في الحياة العامة. فبناء على ملاحظة هوبزباوم، اخذ دور الدولة في العالم الرأسمالي يتراجع بقوة منذ الستينات، منهيا بذلك تناميا متصلا على مدى 250 سنة قبل ذلك. ويعود هذا التراجع الى عدة عوامل، اولها، فقدان الدولة لاحتكارها للسلاح الذي اخذ ينشر تصنيعا وحيازة الى جهات خارج اطار الدولة. ويشار في هذا الصدد الى وجود 300 شركة للتصنيع العسكري في 52 دولة في عام 1994، والى وجود 125 قطعة سلاح كلاشنكوف في عالم اليوم. والعامل الثاني تراجع ولاء المواطن للدولة بما في ذلك جاهزيته للقيام أي عمل تطلبه منه، وتمثل هذا على سبيل المثال بالغاء الخدمة العسكرية الالزامية في عديد من الدول في مقدمتها الولايات المتحدة نفسها، واخيرا العولمة. وقد تعاضدت هذه العوامل كلها من اجل اضعاف سلطة الدول والحكومات خلال السنوات الثلاثين الاخيرة.

العالم الاقتصادي العربي فؤاد مرسي كان اصدر في مارس 1990 كتابا ضمن سلسلة "عالم المعرفة" الكويتية بعنوان "الرأسمالية تجدد نفسها" اشار فيه أنه بفضل إنجازات الثورة العلمية والتكنولوجية، وبفضل التدويل واسع النطاق للحياة الاقتصادية، استطاعت الرأسمالية أن تجدد قواها المنتجة، "وصارت من ثم أقدر على التكيف مع الأوضاع الجديدة في عصرها، الأمر الذي يتيح لها حتى الآن إمكانات النمو الاقتصادي، ويمكنها من الحفاظ على مواقعها الاستراتيجية، بل يمنحها قدرة على استعادة ما فقدته بطرائق مستحدثة"، كما قال.

فهل تكون الازمة الاخيرة سببا لتجديد جديد في مفاهيم الدولة الرأسمالية واليات اشتغالها؟ لننتظر، فالازمة ما زالت في اولها!!