الجمعة العشرون 4 جمادي الاولى 1419

الخطبة الاولى



اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، توكلت على الله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.

بسم الله الرحمن الرحيم.

اللهم صل على محمد واله، وهب لي الغداة رضاك، واسكن قلبي خوفك، واقطعه عمن سواك، حتى لا ارجو ولا اخاف الا اياك. اللهم صل على محمد واله، وهب لي ثبات اليقين، ومحض الاخلاص، وشرف التوحيد، ودوام الاستقامة، ومعدن الصبر، والرضا بالقضاء والقدر. يا قاضي حوائج السائلين، يا من يعلم ما في ضمير الصامتين، صل على محمد واله، واستجب دعائي، واغفر ذنبي، واوسع رزقي، واقضي حوائجي في نفسي واخواني في ديني واهلي. الهي طموح الامال قد خابت الا لديك، ومعاكف الهمم قد تعطلت الا عليك، ومذاهب العقول قد سمت الا اليك. فانت الرجا، وانت الملتجا، يا اكرم مقصود، واجود مسؤول. هربت اليك بنفسي، يا ملجأ الهاربين باثقال الذنوب احملها عن ظهري، لا اجد لي اليك شافعا سوى معرفتي بانك اقرب من رجاه الطالبون، وآمل ما لديه الراغبون. يا من فتق العقول بمعرفته، واطلق الالسن بحمده، وجعل ما امتن به على عباده في سخاء لتأدية حقه، صل على محمد واله، ولا تجعل للشيطان على عقلي سبيلا، ولا للباطل على عملي دليلا.

اللهم انت السلام، ومنك السلام، ولك السلام، واليك يعود السلام، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام على الائمة الهادين المهدين، السلام على جميع انبياء الله ورسله وملائكته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام على علي امير المؤمنين، السلام على الحسن والحسين سيدي شباب اهل الجنة اجمعين، السلام على علي بن الحسين زين العابدين، السلام على محمد بن علي باقر علم النبيين، السلام على جعفر بن محمد الصادق، السلام على موسى بن جعفر الكاظم، السلام على علي بن موسى الرضا، السلام على محمد بن علي الجواد، السلام على علي بن محمد الهادي، السلام على الحسن بن علي الزكي العسكري، السلام على الحجة بن الحسن القائم المهدي، صلوات الله عليهم اجمعين.

اليوم اتحدث عن الاخوّة في الايمان، لاصل منها الى النتيجة التي وعدت بانجازها والتعرض لها في الجمعة السابقة.

والاخوة في الايمان من ضروريات الدين، ونص القران الكريم، قال تعالى: ((انما المؤمنون اخوة)) ودلالتها على الحصر بـ (انما)، اي لا يجوز غير ذلك، ولا يمكن غير ذلك. وان الرحم لا دخل لها بالموضوع، والنسب لا دخل له بالاخوة، كما قال في الحكمة: (رب اخ لك لم تلده امك). وهذه الاخوة شرطها الايمان، كما قال تعالى: ((انما المؤمنون اخوة))، وليس بعنوان اخر اطلاقا. فانك إذا ذقت طعم الايمان في قلبك، وبرد الايمان في نفسك، احببت كل مؤمن، سواء عاشرته، ام لم تعاشره، وسواء عرفته، ام لم تعرفه، مادمت تعلم انه على حق وعلى الصراط المستقيم. بل ان هذا من ضروريات الايمان، لانك ان كرهت اخاك المؤمن فانت المقصر وليس هو، وانما كرهت مؤمنا والعياذ بالله. وكراهة المؤمن بهذه الصفة كانها كراهة للايمان نفسه والعياذ بالله.

وواضح انك إذا كرهت الايمان فلست بمؤمن، فالعتب عليك وليس عليه. فاذا كنت متحدا معه في الايمان، وفي العمل، وفي الطريق، وفي الهدف، كفى اكيدا في حصول التحابب بينكما، وفي امكان التعاون بينكما.

وبعضهم ينقل قطعة من بيت شعر تقول: اختلاف الراي لا يفسد في الحب قضية. مع ان هذا ليس بصحيح، لان المراد من اختلاف الراي هو اختلاف الهدف، واذا كان هدفه غير هدفي، كيف احبه ؟ واذا كان هدفه غير هدفك فكيف تحبه؟ وانا اعلم ان هدفي حق وهدفه باطل، هدفي اخروي وهدفه دنيوي، هدفي رفيع وهدفه وضيع باذن الله وبتوفيق الله، فكيف احبه؟

وانما لا بد من الشعور فيه في مثل هذه الحالة، انه ليس لي بأخ، بل هو لي عدو، ونحن قوم وهم قوم ـ كما قلت في بعض الخطب السابقة ـ وان كنا نعيش سوية في مكان واحد، ولعله تحت سقف واحد، أيضاً هو ليس لي بأخ، حتى لو كان لي اخ بالنسب، فهو ليس لي بأخ في الايمان. ولذا قيل في الحكمة: (كن فيهم ولا تكن منهم). كيف وهم لا يتصفون بالايمان الذي هو الحد الحق للاخوة في الإسلام، وانما يكون مشمولا لقوله تعالى: ((الاعراب اشد كفرا ونفاقا واجدر الا يعلموا حدود ما انزل الله)) الا ان يتوب ويهتدي، فان تاب واهتدى، فاهلا به وسهلا. ويكون مشمولا لقوله تعالى: ((واخرين منهم لما يلحقوا بهم))، اي انه بالتدريج الناس يؤمنون ويتوبون، يوجد هناك اناس قابلين للتوبة لم يلحقوا باهل التوبة، سوف يلحقون بهم في المستقبل القريب أو البعيد.

والاخوة ليست هي الصداقة، بل هي اعمق منها وادق واخص. فليس كل صديق اخ، وليس كل صداقة اخوة. بل لعلك تصادق على الدنيا من تعاديه على الاخرة. كما انه ليس كل اخوة صداقة، لانك قد لا تعرف اخاك لانه في مكان بعيد أو زمان بعيد أو في جيل اخر، ومع ذلك فانك تحبه وتتعاطف معه ـ وان لم تره اصلا لماذا ؟ لانه اخ في الايمان ـ ومع كل الاخوة في الايمان والاخوة في الله سبحانه وتعالى الموجودين والماضين والمستقبلين وفي اي زمان ومكان ما دمت تشعر انهم على حق، وانهم معك على طريق واحد، وهدف واحد. بل انت هم وهم انت، لا تختلفان في شيء غير بعض الطبائع الشخصية غير المهمة والتي لا ربط لها بالمصالح العامة والاخروية.

وهذه الاخوة لها عمليا جانب سلبي وجانب ايجابي. اما الجانب السلبي، فبسلب الحـقد، والبغضاء، والاعتراض، والاضـرار، والاحتـقار للمؤمنين من بعضهم البعض. فان ذلك كله حرام في الاخ في الايمان، مهما كان عمله الدنيوي من المباحات، أو مهما كانت طبقته في المجتمع، أو ثراءه، أو فقره، أو بعده، او قربه. والجانب الايجابي، وهو التحابب، والتراحم، والتعاون على امور الدنيا وعلى امور الاخرة، والتشاور، وتبادل الثقة، والاحترام.

اذن فمن جملة ذلك ان يكون مقتضى احترامه، ـ الان ندخل الى المطلب الذي انتهينا منه في ذلك الاسبوع ـ هو ان تقبل يده لو كان ذلك مناسبا اجتماعيا. ومن هنا كان لتقبيل اليد عدة مبررات شرعية، فلماذا قلنا في الخطبة السابقة انها ليست بصحيحة:

اولا: التوقع الاجتماعي لذلك، بحيث لو لم تقبل يده فقد احتقرته، أو إذا لم تخاطبه بالجمع فقد احتقرته. واحتقاره حرام، لانه اخ في الايمان. واحتقار الاخ في الايمان حرام لا محالة.

ثانيا: انه نحو من الاكرام، وزيادة في الحفاوة للاخ المؤمن. والزيادة في الحفاوة للاخ المؤمن مطلوبة، ولو استحبابا في مثل هذه العلاقات.

ثالثا: ان صديقك قد يكون سيدا وعلويا من ذرية رسول الله (صلى الله عليه واله)، ولا شك ان اكرام واحترام ذرية رسول الله (صلى الله عليه واله) مطلوبة، واحتقارهم من اشد الكبائر، وايذاءهم من اشد الموبقات. إذن، فانت تقبل يده احتراما لهذه الذرية الشريفة، لان باحترامها احترام لرسول الله (صلى الله عليه واله) نفسه.

رابعا: انك تحترم العلم الديني الحق، وهذا عالم في الله أو في الشريعة الاسلامية. فيجب عليك ان تحترمه، وان لا تحتقره وذلك يكون غالبا بتوقع تقبيل اليد.

خامسا: انما سبق كله غايات مستحبة وصحيحة لتقبيل اليد. ولكن حتى إذا انحصر الامر بحاجة دنيوية، فلعل لها أيضاً ارتباط بالدين أو بالشريعة، كانقاذ شخص من ضرر بالغ، أو قضاء حاجته وضرورته، أو استهداف نفع عام من شخص دنيوي. فانت تقبل يده من اجل النفع العام الدنيوي، بالرغم من انه شخص دنيوي، وهكذا.

الان نبدأ المناقشة لهذه الامور المرتبة اللطيفة التي سمعتموها :

واذا غضضنا النظر عن هذا السبب الاخير مؤقتا، امكن تقديم عدة اجوبة على الاسباب الاخرى، منها واهمها :

انه حسب فهمي ان الشرط الاهم فيمن تقبل يده ان يكون اخا لك في الايمان. واما إذا لم يكن كذلك ـ اي ليس اخا لك في الايمان ـ فهو لا يستحق تقبيل اليد، كائنا من كان، حتى لو كان السيد محمد الصدر.

لانك عندئذ، انما تقبل يد عدو الله سبحانه، لانه ليس لك باخ في الايمان، إذن تقبل يد الشيطان من حيث تتخيل انك تقبل يد شخص صالح وتعمل مستحبا، من حيث تعلم أو لا تعلم، كما قال الشاعر:

ويد تكبل وهي مما يفتدى ويد تقبل وهي مما يقطع

وهي مما يقطع حتى لو كان سيدا علويا، ولكنه لم يكن لك اخ في الايمان فان تقبيل يده عندئذ يكون نصرا لدنياه، واعانة له على الاثم، وليس احتراما لرسول الله صلى الله عليه واله وذريته. فالافضل لك عند الله سبحانه، الكف عن مثل هذه الاحترامات السمجة، التي يصدق عليها قوله تعالى : ((كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار)). بل حتى لو كان لك اخا في الايمان، نتنزل ونقول ان شاء الله هو اخ لك في الايمان، أو انك تحرز وثاقته، وانه اخ لك في الايمان. لا بأس وعلى العين والرأس، لكن فيه نقطة واحدة، وهو انه يتوقع ان تقبل يده، أو يجد انه من الاحتقار له عدم تقبيل اليد. فان معنى ذلك انه يشعر بالانانية والتكبر والعظمة في غير عظمة الله سبحانه وتعالى، فيكون شيطانا من حيث يعلم أو لا يعلم، ومن حيث تعلم أو لاتعلم. فاذا قبلت يده، فانما تقبل يد الشيطان، وليس هو لك اخ في الايمان، كما تزعم ويزعم. والا لو كان حقيقة لك اخ في الايمان، كما تزعم ويزعم، لما قبل. أو على الاقل لم يهتم، سواء قبلت يده او لا تقبل يده. اما انه يتوقع منك ان تقبل يده فعلا، ولربما في ضميره، أو حتى في لسانه، ويغضب عليك، انه لماذا لم تفعل هكذا، إذن، اغضب عليه، انه لماذا تتوقع ذلك يا عدو الله. (وهنا صاح المصلون اللهم صل على محمد وال محمد). ولذا قلت في الخطبة السابقة : ان كل من يتوقع ان تقبل يده فهو خارج من رحمة الله وداخل في غضب الله.

توجد فكرة صغيرة اعرضها هي انني حين كنت ـ ولا زلت إلى الان ـ اسحب يدي عن التقبيل، كنت شاذا، وغريبا على الحوزة والمجتمع، والامل في الله سبحانه وتعالى، وفي المؤمنين امثال هذه الوجوه الطيبة، ان ياتي يوم قريب ان شاء الله، يكون الامر فيه بالعكس. بحيث يكون من تقبل يده شاذا وغريبا، ويكون من الواضح للمؤمنين انه بذلك يكون طالبا للدنيا والشهرة والشهوة، فتنتفي منه الناس، وتبتعد عنه الناس، ويعرفون انه غير مستحق لتقبيل اليد بينه وبين الله سبحانه وتعالى. ونكمل في الخطبة الاتية.

بسم الله الرحمن الرحيم اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا *

صدق الله العلي العظيم





الجمعة العشرون 5 جمادي الاولى 1419

الخطبة الثانية



اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، توكلت على الله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.

بسم الله الرحمن الرحيم.

لا اله الا الله الها واحدا، ونحن له مسلمون. لا اله الا الله، ولا نعبد الا اياه، مخلصين له الدين، ولو كره المشركون. لا اله الا الله، ربنا ورب ابائنا الاولين. لا اله الا الله وحده وحده وحده، انجز وعده، ونصر عبده، واعز جنده، وهزم الاحزاب وحده، فله الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، ويميت ويحيي، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير.

سبحان الله، كلما سبح الله شيء، وكما يحب الله ان يسبح، وكما هو اهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله. والحمد لله، كلما حمد الله شيء، وكما يحب الله ان يحمد، وكما هو اهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله. ولا اله الا الله، كلما هلل الله شيء، وكما يحب الله ان يهلل، وكما هو اهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله. والله اكبر، كلما كبر الله شيء، وكما يحب الله ان يكبر، وكما هو اهله، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله. سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر على كل نعمة انعم بها علي وعلى احد من خلقه، ممن كان او يكون، الى يوم القيامة.

اللهم اني اسألك ان تصلي على محمد وال محمد، واسألك من خير ما ارجو وخير ما لا ارجو، واعوذ بك من شر ما احذر ومن شر ما لا احذر.

اللهم صل على محمد سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وحجة رب العالمين، المنتخب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر من كل آفة، البريء من كل عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض اليه دين الله. اللهم شرف بنيانه، وعرف برهانه، واخلف حجته، وارفع درجته، وازد نوره، وبيض وجهه، واعطه الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة، والدرجة الرفيعة. وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الاولون والاخرون. وصل على علي امير المؤمنين، ووارث المرسلين، وقائد الغر المحجلين، وسيد الوصيين، وحجة رب العالمين. وصل على الحسن بن علي، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على الحسين بن علي، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على علي بن الحسين، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على محمد بن علي، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل جعفر بن محمد، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على موسى بن جعفر، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على علي بن موسى، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على محمد بن علي، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل علي بن محمد، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على الحسن بن علي، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. وصل على الخلف الهادي المهدي، امام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة رب العالمين. اللهم صل على محمد واهل بيته، الائمة الهادين، العلماء الصادقين، الابرار المتقين، دعائم دينك، واركان توحيدك، وتراجمة وحيك، وحججك على خلقك، وخلفائك في ارضك، الذين اخترتهم لنفسك، واصطفيتهم على عبادك، وارتضيتهم لدينك، وخصصتهم بمعرفتك، وجللتهم بكرامتك، وغشيتهم برحمتك، وربيتهم بمهدك، وغذيتهم بحكمتك.

اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.

ناتي الان إلى بعض النقاط المهمة السائرة اجتماعيا، اهمها :

انك تقبل يد السيد العلوي لمجرد احترام رسول الله (صلى الله عليه واله) وذريته، من دون ان يكون هو متوقعا لذلك، أو شاعرا بالانانية والتكبر وحب الدنيا، وهذا صحيح. ولكن بشرط واحد، وهو ان يشعر السيد نفسه الذي تقبل يده، انك تقبل يده ليس احتراما له، بل هو احترام مباشرة فقط لرسول الله (صلى الله عليه واله). لان صفة السيادة ليست من مميزاته، ليست من اكتسابه واختياره، وانما هي صفة تكوينية ولادية، منّ الله سبحانه عليه بها، فهو لا يستحق بذلك شكرا ولا ذكرا.

فاذا شعر السيد الذي تقبل يده ـ كما هو الغالب جدا لا استثني من ذلك احدا الا النوادر والا من عصم الله ـ إذا شعر باية اهمية في نفسه لاجل تقبيل يده، فقد اخطأ، مضافا إلى انك قد اعنته على الاثم من حيث تعلم أو لا تعلم. ولعل العلامة الاهم في عدم الشعور بالانانية والاهمية هو ما رايته من اثنين من السادة الزائرين من باكستان، وواضح كونهم سادة من خلال قطعة قماش سوداء صغيرة على راسيهما. واحد قبل يد الاخر، والاخر أيضاً قبل يد صاحبه. فكان هذا قد قبل يد سيد، وهذا قد قبل يد سيد، وجزاهم الله خير جزاء المحسنين.

لان الامر لو كان محضا لرسول الله (صلى الله عليه واله)، لكان كلا الطرفين مستحقا لها. لا انك تقبل يد سيد محمد الصدر وليس هو يقبل يدك. بالرغم من انك سيد، او قد تكون سيدا. فتحترمه لثواب الله الذي حصلت انت عليه، وهو يخسر ثواب الله الذي حصلت انت عليه!! اذن فالمسألة غير مرتبطة برسول الله، وانما لدعاوى وعناوين دنيوية، ومرتبطة بهذا السرطان الشديد الذي هُو النفس الامارة بالسوء.

لاحظوا ان عددا من فضلاء ورجال الدين (اعرفهم وسامع عنهم)، قد يصلي بعضهم جماعة وراء بعض . فاذا كان الاثنان عدولا ،فلماذا هذا يصلي وراء هذا ولا يصلي هذا وراء هذا. فيصلي كل منهما وراء الاخر جماعة ماذا سيحدث؟ بل هُو جدا لطيف، انه كل واحد يثق بالاخر، واخ في الله للاخر. كما هُو مروي عن السيد محمد صاحب المدارك (رحمه الله)، الذي هُو من اسرتنا و نسبنا ومن اولاد اعمامنا، والشيخ حسن صاحب المعالم، وقد كانا اولاد خالة، ومتعاصرين في زمن واحد، ومتعاشرين وفضلاء واصدقاء، ويثق احدهم بعدالة الاخر، فيصلي كل منهما وراء الاخر، على اختلاف الايام. لا ان احدهما يتقدم للجماعة دائما، والآخر يتاخر عنها دائما. بحيث يورث الشعور بالاهمية والانانية وحب الدنيا لامامة جماعته. وانما المهم هُو حصول الثواب.وهو يحصل فثواب الجماعة يصير للامام والماموم،فمرة امام ومرة ماموم وعلى كل حال فهو حاصل على ثواب الجماعة.

وقد كان احد ائمة الجماعة (لاحظوا هذا الطرف الاخر) حين يذهب إلى صلاة جماعته ـ وجملة من ائمة الجماعة موجودون هنا، فليسمعوا وليتعظوا، فانا ليس عندي مانع ـ يقول: انا اذهب إلى الدكان. يعتبره محل تجارته لا اكثر ولا اقل، أي يعتبره محل تجارة للحصول على لقمة العيش، أو الكسب الدنيوي.

في مقابل ذلك انني قد رايت جماعة من فضلاء اسرتي واولاد عمي (انا رايتهم ليسوا في جيل سابق، ولكنهم الان غير موجودين رحمهم الله) يصلي بعضهم جماعة وراء بعض.

فمن هُو من المراجع يرضى ان يصلي وراء مرجع اخر ؟! ليس الان فقط، بل في تاريخ النجف منذ تاريخ الشيخ الانصاري وقبله وبعده. اي اثنين من المراجع قابل كل منهما ان يصلي كل منهما وراء الاخر، هذا يصلي اولا ثم يصلي الاخر بعده، هل حدث هكذا شئ ؟ لم يصل ولا واحد اطلاقا، نقسم من الان. فمن هُو من المراجع يرضى بان يصلي وراء مرجع اخر؟

اما انا (يجوز انكم تريدون ان تحملوني المسؤولية ونعم ما تفعلون) فقد كتبت في الايام الاولى من صلاة جمعة الكوفة، إلى عدد من المراجع للحضور إلى هذه الصلاة، وقلت في الكتاب انك إذا حضرت فانا سوف اقدمك اماما للجماعة واصلي خلفك، فتكون الخطبة لي والامامة لك. وانا اقول بجواز تعدد الخطيب والامام في صلاة الجمعة. وحتى لو اراد ذلك المرجع (ايا كان منهم) والى حد الان ان يكون خطيبا، فانا اقول تفضل اخطب وصل بنا، وانا اكون مستمع واكون ماموم وبخدمتك.[1] ولازال هذا الامر نافذ المفعول إلى الان.

وقد قلت لبعض الاخوان : ان المراجع لو كانوا قد حضروا ـ والى الان يمكن تحصيل نفس النتيجة ـ لكان في امكان الحوزة والمذهب، بغض النظر عن السلاح طبعا ـ ونحن عزل من السلاح والحمد لله ـ لـكان في امـكاننا مـجابهة اسرائيل بنفسها[2]، بمـا يحصـــل فينا مـن تكاتف وتضامن وعزة بالله وحسن توفيق وعزة بالحق وعزة باهل البيت واطاعة الله واهل البيت. ولكنني ناديتهم فلم يجيبوا طبعا،كما قال الشاعر: لقد اسمعت لو ناديت حيا ….

بقي علينا ان نناقش السبب الاخير الذي ذكرناه في الاحترام وتقبيل اليد، وهو انك تحتاج إلى شخص دنيوي فتقبل يده، من اجل قضاء حاجاتك الشخصية، أو الدينية احيانا. لماذا لا ؟ وذلك لان الحاجة قد لاتكون شخصية دنيوية، بل قد تكون دينية، أو لاحد المؤمنين المضطرين. وانك تعلم مثلا، ان قضاءها بيد شخص من اهل الدنيا، فانت تقبل يده ليقضي لك الحاجة الدنيوية، وليس في ذلك ضرر. لا، انا اقول ان هذا تسويل من تسويلات الشيطان، كما قال الله سبحانه وتعالى : ((اصبر وما صبرك الاّ بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)). يعني ان الله مع الصابرين، وان الصابرين هم الذين اتقوا والذين هم محسنون. ولا حاجة إلى هذه الذلة والاعانة على الاثم والاهانة، وان جلبت مصلحة دينية. وفي الامكان الاستغناء عن تقبيل اليد بمجاملات اخرى، التي قد تكون اقل ذلة واكثر تاثيرا.

وقد ورد انه لا يجوز للمؤمن ان يذل نفسه. كما انه في نفس الوقت، لا يجوز له ان يعز نفسه بالعزة الدنيوية، وانما المؤمن فقط عزيز بعزة الله، ليس غيره جل جلاله. قال في الدعاء: (فاولياؤه بعزته يعتزون) وقال: ((ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)). واذا كانت العزة الحقيقية هي فقط لله سبحانه وتعالى، كما هُو الامر كذلك طبعا. إذن فالشعور بالعزة والانانية للذات أو للنفس، انما هي عزة وهمية وشيطانية ومن الشرك الخفي المذموم في الشريعة المقدسة.

فاذا كان الفرد، حتى اخوك في الدين وفي الايمان، يتوقع منك ان تكرمه، أو تحترمه، أو تخاطبه بالجمع، أو تقبل يده، فهو واهم بهذه العزة الوهمية، ومشرك بهذا الشرك الخفي. ومن ثم فهو وان كان لك اخ فى الايمان في الظاهر، إلا انه ممن يجب ان تبرا منه في الواقع. فان اكرمته والحال هذه، فقد اعنته على الاثم. ولكن ان احترمته واكرمته، من دون ان يتوقع هُو ذلك، فقد احسنت انت، واحسن هُو. اما انت ففي اكرامك لاخيك المؤمن. واما هُو فلانكاره الانانية والعزة الوهمية. وان اكرامك له فضل منك عليه دون استحقاق ذاتي له، لا يشعر باستحقاقه الذاتي. فما اكرم والطف هذا المحشر.

ولكن امثال هؤلاء في الناس قليلون، وقد ورد في ذلك : ( الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا) اي ان الامر بين هاتين الغربتين غير ذلك. وهو ان الذين يدّعون الدين والايمان والاخوة كثيرون، ولكن المخلص والمتفاني قليل على أي حال كما قال الشاعر :

اني لأفتح عيني حين افتحها على كثير ولكن لا ارى احدا

اي جامع للشرائط في الاخلاص، والايمان، والطاعة، والتوجه لله سبحانه وتعالى.

ولكن يوجد جيل، أو اكثر من جيل، وان شاء الله هذا الجيل، كذلك كما قال الله تعالى : ((إذا جاء نصر الله والفتح ورايت الناس يدخلون في دين الله افواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا))، انشاء الله الان يدخلون في دين الله افواجا.

صلوا على محمد وال محمد، (هنا صاح المصلون : اللهم صل على محمد وال محمد).

ففي الامكان ان يدخل الناس كلهم في دين الله افواجا، ويكونون كلهم متضامنين في دين الله سبحانه وتعالى، وليس انهم فقط على ظاهر الاسلام والشهادتين، بل على مستوى الاخلاص والتفاني والاخوة الواقعية. وليس هذا من رحمة الله ومن فضل الله ببعيد.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * اياك نعبد واياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين انعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضالين * صدق الله العلي العظيم





--------------------------------------------------------------------------------

[1] هنا صاح المصلون بالصلاة على محمد وال محمد.

[2] وهنا أيضاً صاح المصلون بالصلاة على محمد وال محمد.