الجمعة التاسعة والعشرون 9 رجب 1419

الخطبة الاولى



اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، توكلت على الله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين

بسم الله الرحمن الرحيم

يا من لا يخفى عليه انباء المتظلمين. ويا من لا يحتاج في قصصهم الى شهادة الشاهدين. ويا من قربت نصرته من المظلومين. ويا من بعد عونه عن الظالمين. قد علمت يا الهي ما نالني من فلان بن فلان (نتنياهو) مما حضرت، وانتهكه مني مما حجزت عليّ بطرا في نعمتك عنده، واغترار بنكيرك عليه. اللهم فصل على محمد واله، وخذ ظالمي وعدوي عن ظلمي بقوتك، وافلل حده عني بقدرتك، واجعل له شغلا فيما يليه، وعجزا عما يناويه. اللهم صل على محمد واله، ولا تسوغ له ظلمي، واحسن عليه عوني، واعصمني من مثل افعاله، ولا تجعلني في مثل حاله. اللهم صل على محمد واله، واعدني عليه عدوا خاضره تكون من غيضي به شفاءا، ومن حنقي عليه وفاءا. اللهم صل على محمد واله، وعوضني من ظلمه لي عفوك، وابدله بسوء صنيعه بي رحمتك، فكل مكروه جلل دون سخطك، وكل مرزئة سواء مع موجدتك. اللهم فكما كرهت لي ان أُظلم، فقني من ان اظلم. اللهم لا اشكو الى احد سواك، ولا استعين بحاكم غيرك حاشاك. فصل على محمد واله، وصل دعائي بالاجابة، واقرن شكايتي بالتغيير. اللهم لا تفتني بالقنوط من انصافك، ولا تفتنه بالامن من انكارك فيصير على ظلمي ويحاصرني بحقي، وعرفه كما قليل ما وعدت الظالمين، وعرفني ما وعدت في اجابة المضطرين. اللهم صل على محمد واله، ووفقني لقبول ماقضيت لي وعلي، ورضني بما اخذت لي ومني، واهدني للتي هي اقوم واستعملني بما هو اسلم. اللهم وان كانت الخيرة لي عندك في تأخير الاخذ لي وترك الانتقام ممن ظلمني الى يوم الفصل، ومجمع الخصم فصل على محمد واله، وايدني منه بنية صادقة، وصبر دائم واعذني من سوء الرغبة، وهلع اهل الحرص، وصور في قلبي مثال ما ادخرت لي من ثوابك، واعددت لخصمك من جزائك وعقابك، واجعل ذلك سببا لقناعتي بما قضيت، وثقتي بما تخيرت. آمين رب العالمين. (كلكم قولوا آمين رب العالمين) انك ذو الفضل العظيم وانت على كل شيء قدير.

اللهم صل على المصطفى محمد، والمرتضى علي والزهراء فاطمة والمجتبى الحسن والشهيد الحسين والسجاد علي والباقر محمد والصادق جعفر والكاظم موسى والرضا علي والجواد محمد والهادي علي والعسكري الحسن والمهدي المنتظر (عجل الله فرجه) ائمتي وسادتي وقادتي بهم اتولى، ومن اعدائهم اتبرأ في الدنيا والاخرة.

اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.

نستمر في ذكر بعض الاهداف التي بدأنا بذكرها في الجمعة السابقة مما سعى اليه الامام الهادي (سلام الله عليه)، وهو موقفه من غيبة حفيده محمد بن الحسن بن علي الحجة المهدي المنتظر (عجل الله فرجه). وذلك ان ان هذه الغيبة باتت قريبة نسبيا (في زمانه طبعا) ولابد من تحضير الذهنية العامة لدى قواعده الشعبية ومواليه لذلك (اي لفكرة الغيبة). لاجل تقبل فكرة الغيبة عموما، لانها اذا جاءت بشكل فجائي فانه يسبب انكار المجتمع لها، واستبعاده اياها، ومن ثم قد يوجب ارتداد الكثير من الناس عن المذهب الحق. واما مع التمهيد والتبليغ والتعويد للناس، فان امثال هذه النتائج الوخيمة ستكون غير متحققة، وكان موقفه من ذلك بالمقدار الذي نستطيع ادراكه يتلخص بامرين:

الامر الاول: التبشير بوجوده ووروده وظهوره، غير ان هذا التبشير والتبليغ كان خاصا بموالي الامام المعتقدين به، ومقتصرا على اصحابه، ولم يكن يعم الاخرين، لانهم لم يكونوا يؤمنون بتسلسل خط الائمة الاثنى عشر (عليهم السلام). اذن فيكون تبليغهم بذلك تبليغا بلا موضوع.

ويلاحظ في تبليغ الامام الهادي (عليه السلام) ضمناً، التخطيط لحماية الحجة المهدي (سلام الله عليه) عند غيبته. فنرى ان كلام الامام حوله محاط بهالة من القدسية والغموض، ومشفوع في التاكيد المتزايد على انه لا يحل لاحد ذكر اسمه. وذلك توصلا الى عدم تسربه الى الجهاز الحاكم. كما ورد في الرواية: (اذا وقع الاسم وقع الطلب).

وقد وردت عن الامام الهادي (عليه السلام) بهذا الصدد عدة احاديث، نقتصر على بعضها، فمن ذلك قوله في كلام له: (ومن بعدي ابني الحسن فكيف للناس بالخلف من بعده). قال الراوي: فقلت: وكيف ذلك يا مولاي ؟ قال: (لانه لايرى شخصه ولا يحل ذكر اسمه حتى يخرج فيملء الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا). ومن غامض قوله (عليه السلام) في ذلك: (اذا رفع علمكم من بين اظهركم فتوقعوا الفرج من تحت اقدامكم) والمفهوم من رفع العلم حصول الغيبة ومن توقع الفرج حصول الظهور بطبيعة الحال. وكذلك قوله (عليه السلام): (فانى لكم بالخلف بعد الخلف) والخلف للامام الهادي هو الامام الذي بعده وهو الامام العسكري (عليه السلام) والخلف بعد الخلف هو الامام الذي بعد العسكري وهو الحجة المهدي (سلام الله عليه).

الامر الثاني: هو اتخاذ الامام الهادي (عليه السلام) مسلك التخفي والابتعاد عن المجتمع، تمهيدا للغيبة التي تحصل لحفيده المهدي (سلام الله عليه)، لما قلناه من ان حصولها المفاجئ مما يسبب ارباكا وتشكيكا في العقيدة. فلابد من التدرج النسبي في التخفي، بحيث يراه الناس ويعهده المجتمع (التخفي طبعا) ويرى في الامكان الاستفادة من الامام المعصوم بدون حصول رؤيته مباشرة. وهذا هو التخطيط الذي بدأه الامام الهادي (عليه السلام)، واتمه وركز عليه الامام العسكري (عليه السلام). ثم تم وجوده حقيقة وعلى الوجه الكامل بيد الامام المهدي (سلام الله عليه). ومن هنا نرى ان هذا التخطيط قد مرّ باربعة مراحل:

المرحلة الاولى: تلك التي بداها الامام الهادي (عليه السلام)، حيث انه بدا بالتخفي الجزئي او القليل والابتعاد عن المجتمع تدريجا.

المرحلة الثانية: ما حصل من الامام العسكري (عليه السلام) بعد ابيه من التخفي والابتعاد، ولكن بشكل اكثر من ابيه. حتى انه كان لايدخل عليه الا بعض خاصة اصحابه. ولا يتصل بشيعته مباشرة وانما يتصل بهم عن طريق المراسلة. وهذا ما تدل عليه روايات عديدة.

المرحلة الثالثة: الغيبة الصغرى التي بداها الامام المهدي (عليه السلام) بعد ابيه مباشرة وهي تتمثل بزيادة في التخفي في الامامين السابقين. فكان بحيث لايراه احد الا حسب المصلحة الاكيدة والضرورية. والغالب انها لمجرد اثبات وجوده (سلام الله عليه) ضد المشككين طبعا. وتتميز هذه المرحلة بنصب السفراء او الوكلاء الاربعة، عثمان بن سعيد عليه الرحمة، ومحمد بن عثمان عليه الرحمة، والحسين بن روح عليـه الرحمـة، وعـلي بن محمد السمري رحمة الله عليه. وهذا معناه انه لا يراه بالتزام وفي كل وقت او في اي وقت الا واحد هو السفير الموجود منهم في زمانه.

المرحلة الرابعة: الغيبة الكبرى (وهي الفترة التي نعيشها في هذه الايام وفي هذا الدهر كله الى ان يأمر الله سبحانه وتعالى بالظهور اللهم عجل فرجه سهل ومخرجه واجعلنا من اصحابه وانصاره انك على كل شيء قدير واهدنا بهداه وارزقنا رضاه) التي ارادها الله تعالى وتسبب لها المهدي نفسه بقطع سلسلة السفراء بالحديث الوارد عنه الى السفير الرابع ( رحمة الله عليه) ونصه: (بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري عظم الله اجر اخوانك فيك فانك ميت ما بينك وبين ستة ايام. فاجمع امرك ولا توصي الى احد فيقوم مقامك بعد وفاتك. فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور الا باذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الامد وقسوة القلوب وامتلاء الارض جورا. وسياتي لشيعتي من يدعي المشاهدة. الا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).

وبهذا نجد ان هذه المراحل متدرجة في التخفي والابتعاد عن المجتمع. وان الغيبة الكبرى التي نعيشها الان قد خطط لها المعصومون (عليهم السلام) بثلاثة مراحل مقدمة لها، حتى ان الغيبة الصغرى تعتبر من هذه الناحية مقدمة للغيبة الكبرى، لاجل استساغة الناس لها، وحسن تلقيهم اياها، وعدم حصول المضاعفات بمفاجئتهم بها. فنرى الامام المهدي (عليه السلام) قد ركز واكد في هذا البيان على عدة امور :

الامر الاول : اخباره بموت الشيخ السمري السفير الرابع (رحمة الله عليه) في غضون ستة ايام، وهو من الاخبار بالغيب الذي نقول بامكان حصوله للامام (عليه السلام) بتعليم من الله ورسوله. ولم يشك احد يومئذ في صدق هذا الخبر. وقد غدى عليه اصحابه بعد ستة ايام فوجوده محتضرا يجود بنفسه. وهذا موجود في النقل التاريخي والروايات.

الامر الثاني : نهي الامام المهدي (سلام الله عليه) اياه (اي للسمري) عن ان يوصي الى احد ليقوم مقامه، او يطلع بمهام السفارة بعد وفاته. وبذلك يكون هو (اي السمري) آخر السفراء، ولا سفير بعده، ويكون خط السفارة قد انقطع، ويكون عهد الغيبة الصغرى قد انتهى.

الامر الثالث : انه لا ظهور الا بأذن الله تعالى ذكره. وهذا معناه الاغماض في تاريخ الظهور، وايكال علمه الى الله وحده، وارتباطه باذنه جل جلاله ((ولا يظهر على غيبه احدا)). ولهذا الاغماض عدة فوائد، اهمها اثنان:

الفائدة الاولى : بقاء قواعده الشعبية ومواليه منتظرة له في كل حين، متوقعة ظهوره في اي يوم. وهذا الشعور اذا وجد لدى الفرد، فانه يحمله على السلوك الصالح، وتقويم النفس، ودراسة واقعه المعاش، ومعرفة تفاصيل دينه جهد الامكان، ليحظى في لحظة الظهور بالزلفى لدى المهدي (عليه السلام)، والقرب منه. ولا يكون من المغضوب عليهم لديه والمبعدين عن شرف ساحته. بل ان الفرد ليشعر وهو في حالة انتظار امامه في اي يوم، ان انحرافه وفسقه قد يؤدي به الى الهلاك والابتعاد كليا عن العدل الاسلامي العظيم، الذي يسود العالم يومئذ تحت قيادة الامام المهدي (سلام الله عليه). فان الامام المهدي (عليه السلام)، بعد ظهوره سيكون حديا في تطبيق العدل الاسلامي، وسيذيق كل منحرف عقائديا او سلوكيا اشد الوبال. فانه لا مكان للانحراف في مجتمع العدل المطلق، كما ورد في بعض الروايات : (انه يضع السيف يقتل هرجا لا يرحم احدا). وفي رواية اخرى : (انه يقتل حتى يقال انه ليس من اولاد فاطمة لو كان من اولاد فاطمة لرحم).

الفائدة الثانية : للاغماض قي موعد ظهوره، حماية المهدي (عليه السلام) من اعدائه بعد ظهوره او عند ظهوره. فان الاغماض في التاريخ يوفر محض المفاجئة والمباغتة للعدو على حين غرة. وهذا من اقوى عناصر النصر واسبابه، وان لم يكن هو اهمها واقواها على الاطلاق، حيث توجد هناك عناصر اقوى منه. على حين لو كان الموعد معينا، لكان بالامكان تماما للاعداء ان يجمعوا امرهم ويهيئوا اسلحتهم قبيل الموعد المحدد. حتى ما اذا آن موعد الظهور قاتلوه واستأصلوه قبل ان يفهم به الناس، ويجتمع حوله الاعوان والاخوان. وبذلك تفشل حركته فشلا ذرعا. وحاشا لله من ذلك بطبيعة الحال.

لا يفرق في ذلك في اعداء المهدي (عليه السلام) بين من يعتقد بظهوره وبين من لا يعتقد. فان الموعد لو كان محددا طيلة هذا الزمان، لكان امرا مشهورا، ولأوجد في اذهان الاعداء احتمالا على الاقل بظهوره، وهو مساوق مع احتمال استئصال الاعداء واجتثاثهم. وهذا الاحتمال بنفسه يكفي للتألب عليه واعلان التعبئة العامة وحالة الطواريء باللغة الحديث ضد الامام المهدي (عليه السلام).

والان، ـ والظاهر انكم تعلمون بذلك ولكن هذا محل بيانه ـ يوجد من الاخبار ما يكفي من ان امريكا قد اسست منذ عدة سنوات، ربما عشرة سنين، ما يسمى بقوات التدخل السريع تحسبا لظهور المهدي (عليه السلام) وليس لشيء آخر. كما انها افتعلت حرب الخليج لاجل ان تملء بالبوارج الحربية، تحسبا لظهور المهدي (عليه السلام). كما ان من الاكيد ان له في البنتاغون ملفا كاملا وضخما عن اخباره التي تستطيع امريكا جمعها، حتى قالوا انه يفتقر فقط الى الصورة الشخصية له، وطبعا هي مفقودة. ولا شك ايضا انها تأخذه بنظر الاعتبار في كومبيوتراتها السياسية كاحد اهم المحتملات التغير الاجتماعي الممكن حصوله في الشرق المسلم طبعا، مع التعتيم التام على كل هذه الامور.

وعلى اي حال فيكون من الحكمة الالهية اخفاء موعد ظهور المهدي، وبقاء الموعد غامضا مجهولا منوطا بأذن الله سبحانه وتعالى.

الامر الرابع : الاشارة في التوقيع الشريف (الذي صدر إلى السمري)، الى ان امد الغيبة التامة الكبرى سوف يكون طويلا ومديدا. وانما ينص المهدي على ذلك حسب فهمنا، ليجعل الفرد المؤمن مسبوقا ذهنيا بطول الغيبة، ومتوقعا لتماديها في الزمان، فلا يأخذه اليأس ولا يتلبسه الشك، مهما طالت او تمادت وان اصبحت الاف السنين او الملايين. فانه ما دام المؤمن عارفا بانها ستطول، وانها منوطة باذن الله عز وجل عند تحقق المصلحة للظهور وتهيأ البشرية لتلقي الدعوة الاسلامية الكبرى. فان الفرد يعرف عند تأخر الظهور ان المصلحة بعد لم تتحقق، وان الاذن الالهي لم يصدر. وهذا السبق الذهني (يعني احتمال طول المدة)، لا ينافي باي حال، حال الانتظار وتوقع الظهور في كل يوم وكل شهر وكل عام. فان طول الامد الموعود به في كلام المهدي (عليه السلام)، لفظ عام ينطبق على السنين القليلة والسنين الطويلة والكثيرة على حد سواء. بل لو كان الامام المهدي (عليه السلام) قد ظهر بعد الغيبة الصغرى بقليل، لكان قد ظهر بعد طول الامد. لان السبعين عاما (التي هي طول الغيبة الصغرى تقريبا) مع الشعور بالظلم وحالة الانتظار، تكون امدا طويلا بحسب الجو النفسي للفرد والمجتمع لا محالة. هذا فضلا عما اذا تاخر الامام المهدي (عليه السلام) في ظهوره عشرات السنين او مئات السنين او الالاف، فان طول الامد يكون قد تحقق باوضح صوره واصعب انحائه. ومعه يكون الفرد متوقعا لانتهاء هذا الامد الطويل في كل ساعة وفي كل يوم ولصدور الاذن الالهي بالظهور.

الامر الخامس : مما يشير اليه الامام (عليه السلام) بالتوقيع الشريف الاشارة الى قسوة القلوب. والمراد به ضعف الدافع الايماني، وقلة الشعور بالمسؤولية، والمشارفة على الانحراف، او الوقوع في الانحراف فعلا، بل سقوط افراد او اغلب افراد المجتمع فيه، ولربما اكثر المجتمعات. وذلك لان الفرد يواجه امتحانا الهيا صعبا خلال الغيبة الكبرى من جهات ثلاثة يكون واجبا عليه امام الله ان يخرج منه ناجحا ظافرا في رضا الله سبحانه وتعالى. والخروج منه ليس باكل التمن والقيمة، فالخروج منه بنجاح يحتاج الى عمق في الايمان والاخلاص والارادة لا يتوفر الا في القليل من الناس.

الجهة الاولى : موقف الفرد تجاه شهوات نفسه ونوازعه الغريزية، التي تتطلب الاشباع باي شكل من الاشكال، وكما قالوا ان الغرائز لا عقل لها. فعلى الفرد ان يلاحظ ذلك فيكفكف من غلواء شهواته ويزعها بعقله وايمانه عن الحرام الى الحلال.

الجهة الثانية :موقف الفرد تجاه الضغط الخارجي الذي يعيشه، وما يتطلبه من تضحيات في سبيل دينه وايمانه ضد الفقر والمرض والسلاح والحرج الاجتماعي ونحو ذلك، من المصاعب التي تصادف الفرد في طريقه الايماني الطويل. فان كان الفرد شاعرا بالمسؤولية، قوي الارادة استطاع تذليل هذه الصعوبة ةالتضحية في سبيل الايمان.

الجهة الثالثة : موقف الفرد المؤمن تجاه الاعتقاد بامامه الغائب وقائده المحتجب (سلام الله عليه)، فانه بعد ان عرفه بالدليل القطعي لاينبغي ان تثبطه الشكوك، ولا ان تزعزعه الاوهام، ولا ان يؤثر في زحزحة اعتقاده طول الامد. وفي الحديث (ان الله علم ان اوليائه لا يشكون). ولو علم انهم يشكون لما غيب عنهم وليه طرفة عين. وعلى اية حال فاذا كان الفرد ناجحا من سائر الجهات في الدين واليقين، كان من الاقلين عددا المرتفعين شأنا الواعين لدينهم وسوف لن يبتلي بقسوة القلب التي اشارلها المهدي (عليه السلام) في بيانه وكلامه، تلك القسوة التي يبتلي بها الاكثرون الذين لا يكونون على المستوى المطلوب من الاخلاص والايمان.

الامر السادس : مما هو مبين في التوقيع الشريف: الاشارة في التوقيع الشريف الى امتلاء الارض جورا، وفيه تطبيق واضح للكلام النبوي الشريف حسب الرواية الستفيضة، بل المتواترة المنقولة عن النبي (صلى الله عليه واله) ما مضمونه: ان الامام يظهر فيملء الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. وهو الحديث المستفيض الذي رواه عدد من علماء الاسلام والمحدثين العظام من مختلف المذاهب وليس في مذهبنا فقط.

الامر السابع : اثبات حدوث السيفاني والصيحة، وهو امر يحصل التنبوء به قبيل ظهور الامام (عليه السلام) بصفتهما احدى العلامات القريبة وان كانت كثير من هذه الامور قابلة لتعلق البداء بها في الحقيقة الذي نؤمن بامكانه لله عز وجل، مثلا يظهر الامام والسفياني لا يظهر او يظهر الامام ولا توجد صيحة او لا يوجد خسف فهذا ممكن. والسفياني موصوف في الاخبار تفصيلا وليس هنا محل ذكره كما ان الصيحة مذكورة في الاخبار، ما هي الصيحة ؟ هي النداء من قبل جبرائيل الامين (سلام الله عليه) باسمه واسم ابيه وانه قد حصل ظهوره ووجب اتباعه ليأخذ له المؤمنون اهبتهم ويتوجهوا الى نصرته. وفي بعض الروايات انه نداء يسمعه كل اهل لغة بلغتهم وفي بعضها ما مضمونه انه من الوضوح والارتفاع بحيث يفزع الناس ويخرج العذراء من خدرها حيث يكون الظهور لدى وقوعه صريحا واضحا علنيا تدعمه المعجزة وتؤيده الارادة الالهية لا يستطيع المؤمنون التخلف عنه ولا يطيق الاعداء دحره وافشاله.

بسم الله الرحمن الرحيم * سبح اسم ربك الاعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى * والذي اخرج المرعى * فجعله غثاءا احوى * سنقرئك فلا تنسى * الا ما شاء الله انه يعلم الجهر وما يخفى * ونيسرك لليسرى * فذكر ان نفعت الذكرى * سيذكر من يخشى * ويتجنبها الاشقى * الذي يصلى النار الكبرى * ثم لا يموت فيها ولا يحيى * قد افلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى * بل تؤثرون الحياة الدنيا * والاخرة خير وابقى * ان هذا لفي الصحف الاولى * صحف ابراهيم وموسى * صدق الله العلي العظيم
الجمعة التاسعة والعشرون 9 رجب 1419

الخطبة الثانية

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم توكلت على الله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين

بسم الله الرحمن الرحيم

الهي لا تشمت بي عدوي، ولا تفجع بي حميمي وصديقي. الهي هب لي لحظة من لحظاتك تكشف عني ما ابتليتني به، وتعيدني الى احسن عاداتك عندي. واستجب دعائي ودعاء من اخلص لك دعاءه، فقد ضعفت قوتي وقلة حيلتي واشتدت حالي وآيست مما عند خلقك فلم يبقى الا رجاؤك. الهي ان قدرتك على كشف ما انا فيه كقدرتك على ما ابتليتني به، وان ذكر عوائدك يؤنسني، والرجاء في انعامك وفضلك يقويني، لاني لم اخلُ من نعمتك منذ خلقتني، وانت الهي، ومفزعي وملجأي، والحافظ لي والذاب عني، المتحنن عليّ الرحيم بي، المتكفل برزقي في قضائك، كان ما حل بي، وبعلمك ما صرت اليه، فاجعل يا وليي وسيدي مما قضيت وقدرت عليّ وحتمت عافيتي، وما فيه صلاحي وخلاصي مما انا فيه، فاني لا ارجوا لدفع ذلك غيرك، ولا اعتمد فيه الا عليك، فكن يا ذا الجلال والاكرام عند احسن ظني بك، وارحم ضعفي وقلة حيلتي، واكشف كربتي، واستجب دعوتي، واقلني عثرتي، وامنن علي بذلك، وعلى كل داع لك امرتني يا سيدي بالدعاء، وتكفلت بالاجابة ووعدك الحق الذي لا خلف فيه، ولا تبديل فصل على محمد نبيك، وعبدك وعلى الطاهرين من اهل بيته، واغثني فانك غياث من لا غياث له، وحرز من لا حرز له، وانا المضطر الذي اوجبت اجابته، وكشف ما به من سوء فاجبني، واكشف عني، وفرج همي، واعد حالي الى احسن ما كانت عليه، ولا تجازني بالاستحقاق، ولكن برحمتك التي وسعت كل شيء يا ذا الجلال والاكرام صل على محمد واله، واسمع واجب يا عزيز جل جلالك، وعم افضالك، ودام مجدك ولا اله غيرك. لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من الغم، وكذلك ننجي المؤمنين.

اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.

لاحظوا بدقة انكم تسمعون مني في كل جمعة تقريبا، وفي هذه الجمعة ايضا، وفي كل جمعة مكررا شيء لا تفهموه، او المظنون ان اكثركم لم يفهموه، وهي قوله تعالى ((اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون)) وهي اية كريمة واقعة في سياق قرآني للنصائح والمواعظ، وكل القرآن نصائح ومواعظ ونصائح القرآن دائما مؤثرة وصحيحة، فنسمع الان بعضا من هذا السياق. اقرأ لكم جملة من الايات، مع محاولة فهمها والالتفات والانتباه الى مضامينها بطبيعة الحال.

قال تعالى: ((قل يا اهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وانتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون يا ايها الذين آمنوا ان تطيعوا فريقا من الذين اوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم كافرين وكيف تكفرون وانتم تتلى عليكم ايات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها كذلك يبين الله لكم اياته لعلكم تهتدون ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واؤلئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واؤلئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فاما الذين اسودت وجوههم اكفرتم بعد ايمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون تلك ايات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين)).

ويمكن شرح الفقرة التي نتحدث عنها وهي قوله تعالى ((اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون)) في عدة خطوات:

الخطوة الاولى : انها وقعت في خطاب الذين امنوا، لانه تعالى قال ((يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون)) لوضوح ان من لم يكن من الذين امنوا، لا يناسب ان تطلب منه التقوى. وانما يطلب منه ان يكون اولا من الذين امنوا، فاذا كان منهم، كانت التقوى منه مطلوبة لان الايمان درجات ولا يمكن ان يطلب من الفرد درجتين او اكثر فورا، وانما تطلب بالتدريج طبعا، تطلب الاسبق ثم التي بعدها ثم التي بعدها وهكذا. وفي الحديث ما مضمونه القريب: (ان الاسلام عشر درجات اقصاها الايمان. والايمان عشر درجات اعلاها التقوى. والتقوى عشر درجات اعلاها اليقين. والناس تمسكوا من الاسلام باقل درجاته) وهي هذه الفضيحة.

ومن هذا الحديث، يتضح ان درجات التقوى بعد درجات الايمان مباشرة، ودرجات الايمان بعد درجات الاسلام مباشرة. ومن هنا صح ان يكلف بالتقوى او يخاطب بها المؤمنون خاصة دون من كان اقل منهم.

الخطوة الثانية: ان التقوى اصلها اللغوي من اتقاء الشر، وفي حدود فهمي ان الشر الذي يتقيه الإنسان، ان كان شرا دنيويا فهو التقية، قال الله تعالى: (الا ان تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه). وان كان شرا اخرويا فهو التقوى. اي اتقاء غضب الله وعقابه بالاقتصار على الطاعة وترك المعاصي والصبر على البلاء والرضا بالقضاء.

الخطوة الثالثة: انني وجدت حسب اطلاعي القاصر، ان اعظم من وعد بالاجر والثواب والمقامات العالية في القران الكريم هو عنوانين او مجموعتين: المتقون والصابرون، ونتحدث الان عن المتقين وليس عن الصابرين.

قال تعالى: ((وتزودو فان خير الزاد التقوى)). وقال: ((والعاقبة للمتقين). وقال: ((والعاقبة للتقوى)). وقال: ((والله ولي المتقين)). وقال: ((وازلفت الجنة للمتقين)). وقال: ((ان للمتقين مفازا )). وقال: ((واتقوا الله واعلموا ان الله مع المتقين)). وقال: ((وان للمتقين لحسن مآب)).

حتى انه من الممكن القول ان النجاة الحقيقية والعاقبة الحقيقية، انما هي للمتقي. ومالم يصل الفرد الى درجات التقوى تبقى نفسه غير صافية واخرته غير صافية، ومن ثم لا يكون ((في مقعد صدق عند مليك مقتدر)).

الخطوة الرابعة : اننا اذا فسرنا التقوى على انها اتقاء المحرمات، واتقاء العذاب الاخروي الناتج منها، اذن لا يبقى بينها وبين الورع اي فرق. لان الورع هو اتقاء المحرمات، والتقوى هي ايضا اتقاء المحرمات. وفي الحديث: (لا دين لمن لا ورع له). وفي الحقيقة لا دين لمن لا ورع له لان الذي تراه يستهين بالمعاصي ويرتكبها فهو انما يستهين بامر الله سبحانه وتعالى كما انه يستهين بحقوق الاخرين طبعا ومن يكون كذلك فهو لا دين له حتى لو شهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وان عليا ولي الله، والذي لا يرضى (يلبس الباب)[1]، لانه لو كان له دين ولو كان يشعر باهمية دينه لحجزه عن معاصي الله سبحانه ولحصل لديه الورع عن المحرمات. فمن لا ورع له لا دين له حقيقة نقسم على هذا المصحف الشريف.

المهم ان الورع هو ترك المحرمات، والتحاشي عنها والحذر منها، فاذا فسرنا التقوى بذلك ايضا لم يبق فرق بين الورع والتقوى. وانا اشعر ان المتشرعة ليس لديهم اطروحة واضحة للفرق بين الورع والتقوى، بالرغم من انهم يشعرون بارتكازهم بوجود فرق بينهما وان التقوى هي بلا شك اعلى درجة من الورع. ولكن بأي شيء تختلف وبأي شيء تتصف فهذا مجهول عندهم.

الخطوة الخامسة : ان احسن ما يمكن بيانه كفرق بين التقوى والورع ان الورع هو ترك المحرمات، واما التقوى فهي ترك الشبهات او قل ترك موارد الشبهات. فاذا كان الفرد شاعرا بالمسؤولية تجاه الله تعالى بحيث يكون مجتنبا لموارد الشبهات، وكل ما يحتمل ان يكون فيه حرمة، او جرأة على الله سبحانه فانه يتركه من اجل رضاء الله سبحانه وتعالى والقرب له ونيل الزلفى لديه، فهو متقي. كما ورد في الدين ما مضمونه: (الامور ثلاثة امر بين رشده فيتبع وامر بين غيه فيجتنب وشبهات بين ذلك فمن اقتحم في الشبهات كاد ان يقع في المحرمات) (كول لا !). واما اذا لم يقتحم في الشبهات ووقف عندها واحتاط لنفسه فيها فهو المطلوب وعندئذ سيكون من المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وهذا معناه ان المؤمن يمنع نفسه على مستويين :

اولا: المحرمات الواضحة الفردية والاجتماعية، وكذلك الباطنية والظاهرية، كسوء النية والوسواس والاعتداء، واي شيء آخر من المحرمات. وهذا معنى قوله (امر بين غيه فيجتنب).

ثانيا: ان الفرد يترك كل ما هو محتمل ان يكون كذلك من الافعال والاقوال، ولا يحاول المشي في هذا الطريق المشبوه مهما امكنه، وانما يقتصر فقط على الطريق الواضح لرضاء الله سبحانه وتعالى ونيل ثوابه. وهو معنى قوله (امر بين رشده فيتبع) اي الطريق الواضح الذي يوصل الى رضاء الله سبحانه.

وهذا هو ايضا فرقه عن الورع، فان الورع هو ترك ما احرز الفرد كونه حراما وما علم الفرد كون حراما دون ان يترك الشبهات، فيكون ورعا ولو بعنوان ان الشبهات مما لم تثبت حرمتها، وكل ما لم يثبت حرمته فهو جائز باصالة البراءة عن الحرمة ونحو ذلك وهذا صحيح فقهيا. الا انه هذا النحو من السلوك والافعال، لا يصل به الى درجة التقوى ما لم يقف عند الشبهة، ويتجنب كل ما يحتمل ان يكون سببا لغضب الله سبحانه وتعالى.

ولكن من الواضح في هذه الدرجة من التفكير، ان احتمال السوء ينبغي ان يكون واضحا او معتدا به لكي يتجنبه، بالرغم من جريان اصالة البراءة في نفيه. واما اذا كان احتمال السوء ضعيفا مرجوحا جاز له عمله مع وجود اصالة البراءة في نفيه.

الخطوة السادسة : اننا الان وان عرفنا معنى الورع، ومعنى التقوى، الا اننا لم نصل الى معنى العبارة لانه تعالى يقول ((اتقوا الله حق تقاته)) وقد عرفنا اصل التقوى، ولم نعرف معنى كونها حق التقوى. مع الالتفات الى ان قوله ((اتقوا الله حق تقاته)) امر والامر ظاهر في الوجوب، والمخاطب به هو الذين آمنوا، وانشاء الله كلنا من الذين آمنوا فماذا ستكون النتيجة ؟ يكون من الواجب على الذين آمنوا ان يتقوا الله حق تقاته. فان قلت ان نيل درجة الورع وان كانت واجبة فقهيا لانها تعني الورع عن المحرمات الا ان نيل درجة التقوى مستحبة فضلا عن حق التقوى او التقوى الحقة التي تأمر بها الاية ولا يحتمل فيها الوجوب. قلنا نعم. هكذا الامر في الفقه لان الفقهاء يأخذون بنظر الاعتبار فقط ان لا يكون المسلم ممن يستحق العقاب فان لم يستحقه كان من الناجحين وهذا اكيد وما عليهم من درجات الكمال الاخرى. في حين ان القرآن الكريم يتكفل ذلك لا محالة وكل توجيهاته نصائح لاجل نيل الكمال البشري الحقيقي النوراني. اذن فمن المستطاع القول بحمل هذه الاية على الوجوب اخلاقيا او قل هي اشتراط لزومي بنحو الحكم الوضعي او الاثر الوضعي للتكامل اي لا يكون التكامل الا هكذا. بمعنى ان لم يصل الى التقوى لم يستطع التكامل الى حق التقوى طبعا لانها درجة بعدها واكبر منها بطبيعة الحال.

الخطوة السابعة : انه يمكن تفسير حق التقوى بتفسيرين:

التفسير الاول : الدقة في تطبيق التقوى وعدم محاولة التغافل والاهمال في اي شيء اذا كان من الشبهات، بحيث يحاول الفرد ان لا يكون فيه نسيان او اشتباه او تسامح مهما كان. يحاول على اية حال بمقدار ما هو متيسر. وعندئذ ستكون تقواه حقا وليست شكلية فقط، او معمقة وليست ضحلة.

التفسير الثاني : ان التقوى ما دامت هي اجتناب الشبهات كما فسرناها وحللناها. وقلنا قبل قليل ان الفرد المؤمن انما يجب ان يجتنب الشبهات الواضحة الراجحة دون غيرها وهذا كاف على مستوى التقوى. الا ان الفرد اذا اراد ان يصل الى مرتبة حق التقوى، فعليه ان يجتنب كل الشبهات، وان ضعف احتمالها ما لم يحصل الاطمئنان بالصحة ورضا الله سبحانه وتعالى فيكون له ان يفعل والا لم يجز له العمل والاقتحام. وهذا معناه الدقة والتوسع في الملاحظة والاجتناب ومحاولة اكتساب رضاء الله سبحانه ومن هنا قال اهل المعرفة بانعدام المباح للمؤمن الحق، وكذلك ما سبق ان سمعناه من (ان الدنيا حرام على اهل الاخرة) يعني الدنيا بكل تفاصيلها وكذلك قولهم (الدنيا والاخرة حرام على اهل الله سبحانه وتعالى).

الخطوةالثامنة : انه تعالى قال: ((اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون)). فما معنى مسلمون هنا ؟ مع الالتفات الى ان المخاطب هو الذين آمنوا، والذين آمنوا هم مؤمنين ومسلمين فيخاطبون بالاسلام لماذا ؟ فلو كان المراد به اصل الاسلام اي الدخول في الدين الاسلامي لم يصح لان ذلك مطلوب من الكفار لا من المؤمنين. ونحن نعرف ان كل مؤمن مسلم، فاذا كان مؤمنا ومسلما فهو حاصل على الاسلام فلا معنى لطلبه منه.

وكذلك مع الالتفات الى ان هذا المعنى من الاسلام في الاية قد جاء بعد طلب التقوى الحقة، قال ((واتقوا الله حق تقاته)) ثم قال ((ولا تموتن الا وانتم مسلمون)). اذن فهو يمثل مرحلة اعلى من ذلك كله وهو امر طويل المدى لا يأتي في ساعة او ساعتين او يوم او يومين وانما يأتي في طول السنين وبالتدريج البطيء ولذا قال تعالى ((ولا تموتن الا وانتم مسلمون)). واحسن تفسير ممكن لذلك هو التضحية في سبيل هذه النتائج واسلام النفس اي تسليم النفس والعقل والجسم لها بحيث لا يعيش في غيرها ولا يفكر في سواها. وهذه تضحية كبيرة في سبيل الله. كما قال في الحكمة: (ما ترك الحق لي من صديق). بل الامر اكثر من ذلك لان الفرد يشعر بوضوح ان عدوه موجود عنده وباستمرار متمثلا في نفسه الامارة بالسوء، اذن ما ترك الحق لي من صديق حتى نفسي.(كول لا !). كما قال في الحكمة: (اجعل نفسك عدوا تحاربه). وسلم بهذه التضحية الكبرى في سبيل الله تسليما كاملا ولاحظ ذلك طول عمرك ملاحظة مستمرة جزاك الله خير جزاء المحسنين.

بسم الله الرحمن الرحيم والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الامين * لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم * ثم رددناه اسفل سافلين * الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم اجر غير ممنون * فما يكذبك بعد بالدين * اليس الله باحكم الحاكمين * صدق الله العلي العظيم



--------------------------------------------------------------------------------

[1] مصطلح عامي معناه يخرج خارجا.