الجمعة الثالثة والثلاثون 7 شعبان 1419

الخطبة الاولى

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وال محمد واسمع دعائي اذا دعوتك واسمع ندائي اذا ناديتك واقبل علي اذا ناجيتك فقد هربت اليك ووقفت بيد يديك مستكينا لك متضرعا اليك راجيا لما لديك ثوابي وتعلم ما في نفسي وتخبر حاجتي وتعرف ضميري ولا يخفى عليك شيء ولا يخفى عليك امر منقلبي ومثواي ومااريد ان ابدء به من منطقي واتفوه به من طلبتي وارجوه لعاقبتي وقد جرت مقاديرك علي يا سيدي فيما يكون مني الى اخر عمري من سريرتي وعلانيتي وبيدك لا بيد غيرك زيادتي ونقصي ونفعي وضري الهي ان حرمتني فمن ذا الذي يرزقني وان خذلتني فمن ذا الذي ينصرني. الهي اعوذ بك من غضبك وحلول سخطك. الهي ان كنت غير مستأهل لرحمتك فانت اهل ان تجود علي بفضل سعتك الهي كأني بننفسي واقفة بين يديك وقد اظلها حسن توكلي عليك فقلت ما انت اهله وتغمدتني بعفوك. الهي ان عفوت فمن عفوت اولى منك بذلك وان كان قد دنى اجلي ولم يدنني منك عملي فقد جعلت الاقرار بالذنب اليك وسيلتي. الهي قد جرت على نفسي بالنظر لها فلها الويل ان لم تغفر لها. الهي لم يزل برك علي ايام حياتي فلا تقطع برك عني في مماتي. الهي كيف آيس من حسن نظرك لي بعد مماتي وانت لم تولني الا الجميل في حياتي. اللهم صل على محمد وال محمد وصل على الحسين المظلوم الشهيد قتيل العبرات واسير الكربات صلاة نامية زافية مباركة يصعد اولها ولا ينفد آخرها افضل ما صليت على احد من اولاد الانبياء والمرسلين يا رب العالمين. اللهم صل على الامام الشهيد المقتول المظلوم المخذول والسيد القائد والعابد الزاهد الوصي الخليفة الامام الصديق الطهر الطاهر الطيب المبارك والرضي المرضي والتقي الهادي المهدي الزاهد الذائد المجاهد العالم امام الهدى سبط الرسول وقرة عين البتول صلى الله عليه واله وسلم. اللهم صل على سيدي ومولاي كما عمل بطاعتك ونهى عن معصيتك وبالغ في رضوانك واقبل على ايمانك غير قابل فيك عذرا سرا وعلانية يدعو العباد اليك ويدلهم عليك وقام بين يديك يهدم الجور بالصواب ويحيي السنة بالكتاب فعاش في رضوانك مكدودا ومضى على طاعتك وفي اوليائك مكدوحا وقضى اليك مفقودا لم يعصك في ليل ولا نهار بل جاهد فيك المنافقين والكفار. اللهم فاجزه خير جزاء الصادقين الابرار. وباعث عليهم العذاب ولقاتليه العقاب فقد قاتل كريما وقتل مظلوما ومضى مرحوما يقول انا ابن رسول الله محمد وابن من زكى وعبد فقتلوه بالعمد المعتمد قتلوه على الايمان واطاعوا في قتله الشيطان ولم يراقبوا فيه الرحمن.

((يا ايها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون * واطيعوا الله واطيعوا الرسول واحذروا فان توليتم فاعلموا انما على رسولنا البلاغ المبين)).

قبل يومين أو ثلاثة كانت الذكرى السنوية لميلاد الإمام ابي عبد الله الحسين سيد الشهداء وسيد شباب اهل الجنة (عليه افضل الصلاة والسلام) فلا ينبغي ان تمر هذه الجمعة دون ذكره والاخذ بطرف من فضائله.

وبالرغم من ان الحادثة الاشهر للامام الحسين (عليه السلام) هو واقعة الطف كأنه خلق من اجلها وخلقت من اجله وهي لا شك اعظم حوادث الإسلام أو التاريخ بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله) والى عصر الظهور. الا انني اريد في هذه الخطبة ان اتجاوز ذلك إلى تلك الفضائل والخصائص التي لا ترتبط بهذه الواقعة مباشرةلان المناسبة التي نعيشها الان هي مناسبة ولادته وهي مناسبة فرح وليست مناسبة حزن على اية حال وان كان قد ورد عنهم (عليهم السلام) : (وافراحنا احزاننا). وقوله : (يفرح هذا الفرح بعيدهم ونحن اعيادنا ماتمنا).

قالوا وفد اعرابي الى المدينة (يعني المدينة المنورة طبعا) فسئل عن اكرم الناس بها فدل على الحسين (عليه السلام) فدخل المسجد فوجده مصليا فوقف بازائه وانشأ:

لم يخب الان من رجاك ومن حرك من دون بابك الحلقة

انت جواد وانت معتمد ابوك قد كان قاتل الفسقة

لولا الذي كان من اوائلكم كانت علينا الجحيم منطبقة

قال : فسلم الحسين وقال: ياقنبر هل بقي من مال الحجاز شيء ؟ قال: نعم اربعة الاف دينار. فقال: هاتها قد جاء من هو احق بها منا. ثم نزع برديه ولف الدنانير بها واخرج يده من شق الباب حياءا من الاعرابي وانشأ:

خذها فاني اليـك معـتذر واعلم باني عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا الغداة عصا امست سمانا عليك مندفقة

لكن ريب الزمان ذو غير والكف مني قليلة النفقة

قال : فاخذها الاعرابي وبكا. فقال له: لعلك استقللت ما اعطيناك. قال: لا ولكن كيف ياكل التراب جودك. وهو المروي عن الحسن بن علي (سلام الله عليهما) ايضا.

اقول هنا بعض الايضاحات يحسن التعرض لها باختصار:

اولا: من الرواية ان الحسين (عليه السلام) انشا الابيات على البديهة فان كان الاعرابي قد حضر ابياته فان الحسين لم يحضرها قطعا. وقول الشعر مروي بالتواتر عن اعدد من المعصومين (عليهم السلام). وديوان امير المؤمنين (عليه السلام) مشهور، وهو وان كان كل واحد منه (اي كل واحد من اشعاره) ضعيف السند الا ان مجموعه متواتر.كما ان الشعر مروي عن عدد مهم من علمائنا (قدس الله اسرارهم) كالشريف المرتضى والشريف الرضي والشيخ البهائي والسيد الحبوبي وغيرهم كثير. ومع ذلك يقول المتزمتون من الحوزة الشريف ينافي وضع وحال رجال الدين والحوزة والمرجعية ويضر بهم. وهذا باطل قطعا لان فيه اسوة بالمعصومين (عليهم السلام) وكما ان لنا اسوة حسنة برسول الله (صلى الله عليه واله) بنص القرآن كذلك لنا اسوة حسنة بالمعصومين (عليهم السلام) من اهل بيته، ومن جملة اعمالهم القطعية اليقينية هو قول الشعر. ولئن كان رسول الله (صلى الله عليه واله) لا يقول الشعر كما قال الله تعالى : ((وما علمناه وما ينبغي له)) فانه ايضا كان اميا بحسب الظاهر لا يقرأ ولا يكتب فعل علينا ان نكون كذلك اميين. ان هذه الصفات صفات خاصة به لمصالح عامة ترتبط برسالته وهي ليست شاملة للمعصومين (عليهم السلام) حتى ولا لامير المؤمنين (عليه السلام) فضلا عن غيرهم من الناس لوضوح ان امير المؤمنين لم يكن اميا بينما رسول الله كان اميا ظاهرا وامير المؤمنين واضح انه في اعلى درجات القراءة والكتابة. لوضوح ان للمعصومين ايضا اسوة برسول الله (صلى الله عليه واله) (كول لا !) مع انهم كانوا يقرأون الشعر وكانوا يقرأون ويكتبون قطعا ولم يكونوا اميين مثله. اذن فهاتان الصفتان ليس فيها اسوة برسول الله (صلى الله عليه واله) لا للمعصومين ولا لغيرهم ولا يشملها اطلاق الاية الكريمة. وبالاخرة ما من عام الا وقد خص. بل كان فيها اسوة مع المعصومين (سلام الله عليهم) ولو كان في هاتين الصفتين اسوة برسول الله (صلى الله عليه واله) لكان المعصومون احق بها وبفعلها وبتنفيذها ولم يفعلوا اكيدا.

مضافا الى امكان تفسير الشعر المنفي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) بالباطل يعني نفي الباطل عنه والشعور الوهمي وليس الشعر الذي نعرفه وهو المراد بقوله تعالى : ((الشعراء يتبعهم الغاوون)) فليس كل الشعراء يتبعهم الغاوون وانما المبطلون واهل الباطل يتبعهم الغاوون وكلهم هكذا طبعا.

كما قد نسب اليه بيت من الشعر وهو قوله حين ادميت او جرحت اصبعه في احدى الغزوات:

ما انت الا اصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت

فاذا كان لا يعلم الشعر اطلاقا اذن لا يصدر منه ولا بيت شعر واحد.

هذا مضافا الى ما في الشعر من فوائد جمة دينية ودنيوية وقد كان اغلب شعر المعصومين (عليهم السلام) موعظة وحكم وتخويف وترغيب وهو اشد تأثيرا في النفس من النثر بلا شك.

واما كون الشعر فيه مفاسد فهذا صحيح غير ان ذلك ناشيء من عدم تورع الشعراء او بعض الشعراء في الحقيقة ومن تورطهم في الحرام واطاعتهم لانفسهم الامارة بالسوء. ويمكن للفرد الشاعر المتورع ان يتجنب كل ذلك في شعره ويقصره على طاعة الله ودين الله والامور النافعة كما فعل المعصومون (سلام الله عليهم). ولذا نسمع احد الشعراء يقول وهي ابيات معروفة ربما اكثركم سامعيها :

ما الشعر الا شعور تهيج فيه العواطف

وخيره ما تراه عن الحقيقة كاشف



ثانيا: من الامور التي اريد التنبيه عليها في تلك الرواية انه قال:

لم يخب الان من رجاك ومن حرك من دون بابك الحلقة

يعني دق بابك وقصدك لان الجرس الكهربائي لم يكن موجودا في ذلك الزمن وانما كانت هنالك حلقة من حديد معلقة بالباب فاذا اراد احدهم ان يدق الباب حركها ليسمع من في داخل الدار. وقال:

لولا الذي كان من اوائلكم كانت علينا الجحيم منطبقة

فاوائلكم يعني الجيل السابق لكم يقصد رسول الله (صلى الله عليه واله). اي لولا هدايته لدينه لكانت الجحيم علينا منطبقة وهذا صحيح جزاه الله خير. ومنطبقة اي مغلقة وفيه اشارة إلى قوله تعالى: ((انها عليهم نار مؤصدة)) اي مغلقة.

وقول الحسين (عليه السلام) :

لو كان في سيرنا الغداة عصا امست سمانا عليك مندفقة

لان الإنسان العاجز يستعمل العصى في سيره ولولا العصى فانه لا يتمكن من السير فتكون العصى هنا كناية عن التمكن المالي انه لو كانت عندنا زيادة لاعطيناك وعندئذ امست سمانا عليك مندفقة، اي ماطرة بالعطاء.

ولا يخفى توقيت الشطر الاول بالغداة والثاني بالمساء لانه قال:

لو كان في سيرنا الغداة عصا امست سمانا عليك مندفقة

لان المساء متأخر عن الصباح وكذلك العطاء متأخر عن التمكن لانه مترتب عليه ومعلول له. وهي التفاتة ادبية لطيفة ولان اغلب المطر ينزل ليلا كما هو مجرب وانا ملاحظه كثيرا.

وفي رواية اخرى انه اي الحسين (عليه السلام) ساير انس بن مالك فاتى قبر خديجة الكبرى (رضوان الله عليها) فبكى ثم قال لانس : اذهب عني. قال انس: فاستخفيت عنه فلما طال وقوفه في الصلاة سمعته قائلا:

يارب يارب انت مولاه فارحم عبيد اليك ملجاه

ياذا المعالي عليك معتمدي طوبى لمن كنت انت مولاه

طوبى لمن كان خادما ارقا يشكوا إلى ذي الجلال بلواه

وما به علة ولا سقم اكثر من حبه لمولاه

إذا اشتكى بثه وغصته اجابه الله ثم لباه

إذا ابتلى بالظلام مبتهلا اكرمه الله ثم ناداه

فنودي بشعر من نفس الوزن والقافية :

لبيك عبدي انت في كنفي وكلما قلت قد علمناه

صوتك تشتاقه ملائكتي فحسبك الصوت قد سمعناه

دعاك عندي يجول في حجبي فحسبك الستر قد سفرناه

لو هبت الريح في جوانبه خر صريعا لما تغشاه

سلني بلا رغبة ولا رهب ولا حساب اني انا الله

ويعتبر هذا الشعر من الحديث القدسي وهو كل ما روي عن الله تعالى مباشرة من القول والكلام غير القرآن الكريم. وهذا منه بطبيعة الحال.

ومما يروى عن الحسين (عليه السلام) من الشعر في الموعظة:

لان تكن الدنيا تعد نفيسة فدار ثواب الله اعلى وانبل

وان تكن الابدان للموت انشئت فقتل امرء والله بالسيف افضل

وان تكن الارزاق قسما مقدرا فقلة حرص المرء في الكسب اجمل

وان تكن الاموال للترك جمعها فما بال متروك به المرء يبخل

وكذلك قوله:

اغن عن المخلوق بالخالق تسد على الكاذب والصادق

واسترزق الرحمن من فضله فليس غير الله من رازق

من ضن ان الناس يغنونه فليس بالرحمن بالواثق

او ضن ان المال من كسبه زلت به النعلان من حالق

اي من اعلى فهو خاطيء في تفكيره فالمال ليس من كسبه بل من رزق الله تعالى. ومن ذلك قوله:

ناديت سكان القبور فأُسكتوا واجابني عن صمتهم ترب الحصى

قالت اتدري ما فعلت بساكني مزقت لحمهم وخرقت الكسى

وحشوت اعينهم ترابا بعدما كانت تاذى باليسير من القذى

اما العظام فانني مزقتها حتى تباينت المفاصل والشوى

وفي كتاب البداية والنهاية لابي الفدا بن كثير الدمشقي ج8 ص204 قال: فصل شيء من فضائله (اي من فضائل الحسين (عليه السلام)) روى البخاري من حديث شعبة ومهدي بن ميمون عن محمد بن ابي يعقوب سمعت ابن ابي نعيم قال سمعت عبد الله بن عمر وسئله رجل من اهل العراق عن المحرم يقتل الذباب فقال: اهل العراق يسئلون عن قتل الذباب وقد قتلوا ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) وقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله) هما ريحانتاي من الدنيا.

وفي خبر نحوه ان رجلا من اهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب. فقال ابن عمر: انظروا الى اهل العراق يسألون عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت محمد (صلى الله عليه واله) وذكر تمام الحديث ثم قال حسن صحيح.

وقال الامام احمد بسنده عن ابي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : من احبهما فقد احبني ومن ابغضهما فقد ابغضني، يعني حسنا وحسينا.

وقال الامام احمد بسنده عن ابي هريرة قال : نظر النبي (صلى الله عليه واله) الى علي والحسن والحسين وفاطمة فقال : انا حرب لمن حاربكم سلم لمن سالمكم. تفرد به الامام احمد.

وقال الامام احمد بسنده عن ابي هريرة قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه واله) ومعه حسنا وحسين هذا على عاتقه الواحد وهذا على عاتقه الخهر وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى الينا فقال له رجل: يا رسول الله والله انك تحبهما. فقال: من احبهما فقد احبني ومن ابغضهما فقد ابغضني. تفرد به احمد.

وقال ابو يعلى الموصلي بسند انه سمع انس بن مالك يقول: سُئل رسول الله (صلى الله عليه واله) اي اهل بيتك احب اليك. قال: الحسن والحسين. قال: وكان يقول: ادعوا لي ابني. فيشمهما ويضمهما اليه. وكذا رواه الترمذي.

وقال الامام احمد بسنده عن انس ان رسول الله (صلى الله عليه واله) كان يمر ببيت فاطمة ستة اشهر اذا خرج الى صلاة الفجر فيقول : الصلاة يا اهل البيت انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا. ورواه الترمذي ايضا.

واخرج الترمذي بسنده عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : حسين مني وانا من حسين احب الله من احب حسينا، حسين سبط من الاسباط. ثم قال الترمذي هذا حديث حسن.

وعن يعلى بن مرة ان رسول الله (صلى الله عليه واله) قال : الحسن والحسين سبطان من الاسباط.

وقال الامام احمد حدثنا ابو نعيم بسنده عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة. ورواه الترمذي من حديث سفيان الثوري وغيره عن يزيد بن ابي زيد وقال حسن صحيح واخرجه النسائي من حديث مروان بن معاوية الفزاري به.

وقال الامام احمد بسنده عن ابي سابط قال: دخل حسين بن علي المسجد فقال جابر بن عبد الله : من احب ان ينظر الى سيد شباب اهل الجنة فلينظر الى هذا سمعته من رسول الله (صلى الله عليه واله). تفرد به احمد.

وقوله تفرد به احمد لان ما رواه احمد بن حنبل في مسنده من فضائل اهل البيت (عليهم السلام) وفضائل المعصومين (سلام الله عليهم) اكثر بكثير مما رواه غيره. واما الباقون منهم فكانوا شحيحين من هذه الناحية وهذا ينتج ان ما تفرد به احمد هذه الصفة لا تكون نقطة ضعف له وانما هي نقطة ضعف في الحقيقة للاخرين ممن مؤلفي الصحاح الذين تركوا اكثر فضائل اهل البيت (سلام الله عليهم).

وقال الامام احمد حدثنا سليمان …. الى ان يقول ان رجلا اخبره انه رأى النبي (صلى الله عليه واله) يضم اليه حسنا وحسينا ويقول : اللهم اني احبهما فاحبهما.

وبسنده عن ابي هريرة قال: كنا نصلي مع رسول الله (صلى الله عليه واله) العشاء فاذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فاذا رفع رأسه اخذهما اخذا رفيقا فيضعهما على الارض فاذا عادا عاد حتى قضى صلاته اقعدهما على فخذيه. قال: فقمت اليه فقلت: يا رسول الله اردهما الى امهما. قال: فبرقة برقة (يعني حصل نور) فقال لهما : الحقا بامكما. قال: فمكث ضوءها حتى دخلا على امهما.

وقد روي هذا الحديث باكثر من سند واحد عن ابي هريرة وبسند آخر عن علي (عليه السلام) قال: دخل علي رسول الله (صلى الله عليه واله) وانا نائم فاستسقى الحسن او الحسين (يعني طلبا الماء). فقام رسول الله (صلى الله عليه واله) الى شاة لنا كي يحلبها فدرت فجاءه الاخر فنحاه فقالت فاطمة : يا رسول الله كأنه احبهما اليه. قال : لا ولكنه استسقى قبله. ثم قال : اني واياك وهذين وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة.ورواه ابو داود الطيالسي عن علي (عليه السلام) ايضا.

وقال المدائني جرى بين الحسن والحسين كلام فتهاجرا (هكذا تقول مصادرهم على اية حال) فلما كان بعد ذلك اقبل الحسن الى الحسين فاكب على رأسه يقبله فقام الحسين فقبله ايضا وقال (اي الحسين) : ان الذي منعني من ابتداءك بهذا اني رأيت انك احق بالفضل مني فكرهت ان انازعك ما انت احق به مني.

بسم الله الرحمن الرحيم اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا *

صدق الله العلي العظيم



الجمعة الثالثة والثلاثون 7 شعبان 1419

الخطبة الثانية



اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين

بسم الله الرحمن الرحيم

الهي ان كان صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب جاءك املي. الهي كيف انقلب من عندك بالخيبة محروما وقد كان حسن ظني بجودك ان تقلبني بالنجاة مرحوما. الهي وقد افنيت عمري في شرة السهو عنك وابليت شبابي في سكرة التباعد منك. الهي فلم استيقظ ايام اغتراري بك وركوني الى سبيل سخطك. الهي وانا عبدك وبن عبديك قائم بين يديك متوسل بكرمك اليك. الهي انا عبد اتنصل اليك مما كنت اواجهك به من قلة استحيائي من نظرك واطلب العفو منك اذ العفو نعت لكرمك. الهي لم يكن لي حول فانتقل به عن معصيتك الا في وقت ايقظتني لمحبتك وكما اردت ان اكون كنت فشكرتك بادخالي في كرمك ولتطهير قلبي من اوساخ الغفلة عنك. الهي انظر الي نظر من ناديته فاجابك واستعملته بمعونتك فاطاعك يا قريبا لا يبعد عن المغتر به ويا جوادا لا يبخل عمن رجا ثوابه. الهي هب لي قلبا يدنيه منك شوقه ولسانا يرفع اليك صدقه ونظرا يقربه منك حقه. الهي ان من تعرف بك غير مجهول ومن لاذ بك غير مخذول ومن اقبلت عليه غير مملول. الهي ان من انتهج بك لمستنير وان من اعتصم بك لمستجير. يا الهي فلا تخيب ظني من رحمتك ولا تحجبني من رأفتك. اللهم صل على محمد وال محمد. السلام عليك يا حجة الله وبن حجته. السلام عليك يا قتيل الله وبن قتيله. السلام عليك يا ثار الله وبن ثاره. السلام عليك يا وتر الله الموتور في السماوات والارض. اشهد ان دمك سكن في الخلد واقشعرت اظلة العرش وبكى له جميع الخلائق وبكت له السماوات السبع والارضون السبع وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا وما يرى وما لا يرى. اشهد انك حجة الله وبن حجته واشهد انك قتيل الله وبن قتيله واشهد انك ثار الله وبن ثاره واشهد انك وتر الله الموتور في السماوات والارض واشهد انك قد بلغت ونصحت ووفيت واوفيت وجاهدت في سبيل ومضيت للذي كنت عليه شهيدا مستشهدا وشاهدا وشهودا. انا عبد الله ومولاك وفي طاعتك والوافد اليك التمس كمال المنزلة عند الله وثبات القدم في الهجرة اليك والسبيل الذي لا يختلج دونك من الدخول في كفالتك التي امرت بها. من اراد الله بدأ بكم بكم يبين الله الكذب وبكم يباعد الله الزمان الكلب وبكم فتح الله وبكم يختم وبكم يختم الله وبكم يمحو الله ما يشاء ويثبت وبكم يفك الذل من رقابنا وبكم يدرك الله ثرة كل مؤمن يطلب بها وبكم تنبت الارض اشجارها وبكم تخرج الارض ثمارها وبكم تنزل السماء قطرها ورزقها وبكم يكشف الله الكرب وبكم ينزل الله الغيث وبكم تسبح الارض التي تحمل ابدانكم وتستقر جبالها عن مراسيها ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم وتصدر من بيوتكم والصادر عما فصل من احكام العباد. لعنة امة قتلتكم ولعنة امة خالفتكم وامة جحدت ولايتكم وامة ظاهرت عليكم وامة شهدت ولم تستشهد. الحمد لله الذي جعل النار ماواهم وبئس ورد الواردين وبئس الورد المورود والحمد لله رب العالمين.

((يا ايها الذين آمنوا ان من ازواجكم واولادكم عدو لكم فاحذروهم وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور رحيم * انما اموالكم واولادكم فتنة والله عنده اجر عظيم * فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وانفقوا خيرا لانفسكم * ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون * ان تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم *))

الان ندخل في ما نستطيع بيانه من فضل الحسن والحسين (عليهما السلام) ومنزلتهما العظيمة عند الله مع التركيز على ما هو محل الحديث وهو فضل الحسين (عليه السلام) بالخوص.

وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) انه قال: (انهما امامان قاما أو قعدا). والامام هو القدوة والمرشد والقائد والموجه. وقوله: (قاما) اي قاما بالمسئولية وتولوا اعباء الامامة فعلا كما يمكن ان يفسر قيامهما بالسيف وهو الثورة باللغة الحديثة. فيكون القيام اشارة إلى ثورة الحسين (عليه السلام) والقعود اشارة إلى صلح الحسن (عليه السلام) مع معاوية كانه قال: (قاما كما قام الحسين (عليه السلام) أو قعدا كما قعد الحسن (عليه السلام)). فان فعلهما على اي حال فعل امام مفترض الطاعة لا يجوز الاعتراض عليه وهو مطابق للحكمة والمصلحة الواقعية.

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) انه قال عنهما (سلام الله عليهما) : (انهما ولداي من صلب علي (عليه السلام)). يعني ان الولادة الظاهرية أو الجسدية وان كانت من صلب علي (عليه السلام) الا ان الولادة الواقعية أو المعنوية انما هي من رسول الله (صلى الله عليه واله) ولذا كان ينادى كل منهما على مدى حياتهما يبن رسول الله .

وهذا على وجه الحقيقة المعنوية وليس على وجه المجاز فاذا اضفنا إلى ذلك وحدة النورين محمد وعلي أو قل نور محمد ونور علي عليهما السلام في العالم الاعلى كما هو المفهوم من قوله تعالى: ((وانفسنا وانفسكم)). إذن، يكون اولاد علي هم اولاد رسول الله (صلى الله عليه واله) الا ان هذا مما لا يمكن اخذه على اطلاقه الا في اولاد الزهراء (سلام الله عليها) وهما الحسن والحسين (سلام الله عليهما) ولربما المحسن (رضوان الله عليه) لانهما من ناحيتها أيضاً يرتبطان بنسب رسول الله (صلى الله عليه واله) دون سائر اولاد امير المؤمنين وهم كثيرون. الا انه ليس فيهم من ينادى أو يجوز ان ينادى يبن رسول الله الا الحسن والحسين.

كما ان هذا هو ظاهر قوله تعالى: ((قل تعالوا ندعو ابنائنا وابنائكم ونسائنا ونسائكم وانفسنا وانفسكم)). فانه لم يكن مصداق الابناء بضرورة التاريخ الا الحسن والحسين (عليهما السلام) فكما نفهم من انفسنا وانفسكم وحدة محمد وعلي، نفهم أيضاً كون الحسن والحسين ابنا رسول الله (صلى الله عليه واله). والملحوظ ان عنوان الابناء مقدم في الاية على العنوانين الاخرين لانه قال: ((قل تعالوا ندعو ابنائنا وابنائكم ونسائنا ونسائكم وانفسنا وانفسكم)) كانما اخر الانفس تواضعا لانه هو المامور ان يقول: ((قل تعالوا ندعو ابنائنا.. ..))

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) أيضاً بالتواتر انه قال عن الحسن والحسين: ((انهما سيدا شباب اهل الجنة)). فاذا علمنا كما هو واضح ان كل اهل الجنة شباب أو قل شبان وان كل من يدخل الجنة يعطيه الله سبحانه وتعالى عمر الشاب اكراما له لان عمر الشيخوخة صعب ومكروه للناس فيعطيه عمر الشباب لاجل اكرامه واسعاده في الجنة اذن فلا يمكن ان يوجد شيخ في الجنة ليصدق على بعضهم كما قيل (انهما سيدا شيوخ اهل الجنة) أو (سيدا كهول اهل الجنة) بل كلهم شبان حتى المعصومين (سلام الله عليهم) بل هم اولى بهذه الصفة من غيرهم لانهم احق بالسعادة في الجنة والاكرام من الله سبحانه وتعالى.

ونحن نعلم من ناحية اخرى ان الجنة طبقات ودرجات وفيها المتدني نسبيا وفيها العالي قال تعالى: ((في جنة عالية قطوفها دانية)). وهذا يدل على ان هناك جنة دانية أيضاً. فيكون معنا كونهما (سلام الله عليه) سيدا شباب اهل الجنة :

اولا: انهما سيدان لكل اهل الجنة لان كلهم شبان ولا يحتمل ان نفهم من هذا التعبير وجود صنف اخر يعني الكهول.

ثانيا: انهم الاعلى درجة على الاطلاق في الجنة لان معنى السيادة (سيدا شباب اهل الجنة) والعظمة في الجنة هو ذلك. لا يستثنى من ذلك احد على الاطلاق الا ثلاثة فقط هم جدهما رسول الله (صلى الله عليه واله) وابوهما امير المؤمنين (عليه السلام) وامهما فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) ولا يستثنى من ذلك حتى المعصومين من أولاد الحسين عليهم السلام، بل حتى الانبياء السابقين على الإسلام. فانهم كلهم في الجنة وكلهم شبان والحسن والحسين سادتهم جميعا بحسب إطلاق هذه الرواية فضلا عن غيرهم بطبيعة الحال.

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله)كما سمعنا في الخطبة السابقة طرفا منه من طرق الفريقين : (انهما سبطان من الأسباط). والسبط هو ابن البنت وهما ابنا بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) نسبا الا ان هذا وان كان صحيحا الا انه ليس كل المقصود من الرواية إذ يكفي في ذلك ان يقول: (انهما سبطا رسول الله) او (سبطاي).

واما قوله (من الاسباط) فيعني معنا اخر زائدا على ذلك. لان الاسباط مذكورون في القرآن الكريم وهذا ينتج عدة نتائج منها :

اولا: ان لكل نبي من اولي العزم وصي وكذلك لمحمد (صلى الله عليه واله) وصي وهو علي (عليه السلام) فليست الوصاية للنبي امرا غريبا بل هو الحال المعتاد الذي عليه كل الانبياء السابقين.

ثانيا: ان بعض الانبياء السابقين من اولي العزم كابراهيم (عليه السلام) له اسباط. ولاسباطه صفات جليلة مذكورة في القرآن فتكون نفس تلك الصفات ثابتة للحسن والحسين لانها صفات اسباط الانبياء ايا كانوا كمفهوم كلي ينطبق عليهما وعلى غيرهما.

والمشهور بين المفسرين ان المراد بالاسباط هم اولاد يعقوب. وهو قابل للمناقشة من اكثر من جهة :

1/ ان السبط هو ابن البنت وهذا لا يصدق على هؤلاء سواء من جهة نسبتهم إلى يعقوب لانهم اولاده الصلبيين. ولا من جهة نسبتهم إلى إبراهيم لانه جدهم لابيهم وليس جدهم لامهم معروفا أو مهما ليفتخروا به او ينتسبوا اليه. الا ان نقول ان يعقوب متزوج من ابنة اسماعيل عمه فيكون اولاده احفادا واسباطا لابراهيم (عليه السلام) في نفس الوقت، فيصدق عليهم الاسباط في الجملة على اي حال. الا ان هذا لم يثبت اولا، كما اننا نعلم ان يعقوب متزوج من زوجتين أو اكثر فيبقى الاسباط مختصين وحسب المشهور كذلك مختصين باولاد احداهما وهي الاولى أو الكبيرة. وهذا معناه ان يوسف وبنيامين (عليهما السلام) الذين هما اولاد الزوجة الثانية ليسا من الاسباط مع انه بكل تاكيد هما افضل الاخوة على الاطلاق كما انهما اصغرهم بطبيعة الحال.

2/ ان هؤلا وهم اولاد الزوجة الاولى ليعقوب (عليه السلام) غدروا باخيهم يوسف الذي هو من الزوجة الثانية. والحادثة يقينية ومروية تفصيلا في القرآن الكريم ويقول عن كلامهم: ((إذ قالوا ليوسف واخوه احب إلى ابينا منا ونحن عصبة ان ابانا لفي ضلال مبين اقتلوا يوسف أو اطرحوه ارضا يخلوا لكم وجه ابيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف والقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة ان كنتم فاعلين)). وعندئذ بدات المؤامرة إلى ان انتهت، فالذي يفعل هكذا هل هو رجل صالح !

والمهم ان مثل هؤلاء الذين اضروا باخويهما وبابيهما لا يمكن ان يتصفوا بالصفات الجليلة المذكورة في القرآن للاسباط قال تعالى: ((واوحينا إلى إبراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط)). وقال جل جلاله: ((وما انزل على إبراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط)). وعلى اي حال فلابد ان يكون المراد بالاسباط في هذه الايات غيرهم.

نعم هناك دليلان محتملان مستفادان من القرآن الكريم يستدل به للمشهور وان المراد بالاسباط هم هؤلاء من اولاد يعقوب:

اولا: هذه الايات التي قراناها قبل قليل إذ يقول: ((واوحينا إلى إبراهيم واسماعيل ويعقوب والاسباط)). فيقرن بين اسماء هؤلاء والاسباط ولا نعرف ممن يقرب إلى هؤلاء الا اولاد يعقوب (عليه السلام). الا ان هذا دليل ضني كما هو معلوم وليس هو قطعيا وليس هناك ظهور قرآني في ذلك.

ثانيا: قوله تعالى: ((وقطعناهم اثنتي عشر اسباطا امما)). والضمير في قطعناهم يعود إلى اولاد يعقوب الذين هم بنوا اسرائيل فيتعين ان يكون اولادهم هم الاسباط. وجوابه:

1/ ما عرفناه من ان الاسباط هم اولاد البنت ولا يصدقون على اولاد الاولاد على الحقيقة الا مجازا.

2/ انه قال في هذه الاية ((اسباطا امما)) فالمراد من الاسباط هنا الذرية الكثيرة التي حصلت لهم خلال الاجيال حتى اصبحت كل مجموعة منهم امة من الناس وكان مجموعهم امم. وليس الملحوظ في هذه الاية مجرد الانتساب إلى يعقوب (عليه السلام) في انطباق معنى الاسباط. وعلى اية حال فسواء كانوا هؤلاء هم الاسباط ام لم يكونوا فاننا نجد للاسباط على واقعهم في علم الله، نجد مدحا وتعظيما في القرآن الكريم وقد ثبت بالحديث الشريف المروي لدى الفريقين ان الحسن والحسين من الاسباط فمن هذه الناحية يكونان اوضح في هذه الصفة من اولاد يعقوب وكذلك هما اوضح من جهة كونهما سبطا رسول الله (صلى الله عليه واله) حقيقة ونسبا.

ومن مزاياه (سلام الله عليـه) انه من اصحـاب الكساء الخمسة بعـد الالـتفات إلى بعض النقاط:

النقطة الاولى : ان حديث الكساء اجمالا بحسب المعنى مروي من طرق الفريقين وليس فقط عندنا.

النقطة الثانية : اننا اشرنا في الشذرات إلى ان اصحاب الكساء هم خير الخلق على الاطلاق حتى المعصومين التسعة من اولاد الحسين (سلام الله عليهم). فلا يفضل الامامين الحسنين (عليهما السلام) من البشر احد الا الثلاثة الاخرين من اصحاب الكساء وهم جدهما وابوهما وامهما (سلام الله عليهم).

النقطة الثالثة : اننا نسمع في حديث الكساء انه يقول: (فلما اكتملنا جميعا تحت الكساء اخذ ابي رسول الله (صلى الله عليه واله) بطرفي الكساء واومأ بيده اليمنى إلى السماء وقال اللهم ان هؤلاء اهل بيتي وخاصتي وحامتي لحمهم لحمي ودمهم دمي يؤلمني ما يؤلمهم ويحزنني ما يحزنهم انا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم ومحب لمن احبهم انهم مني وانا منهم فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك عليهم واذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)). هذه اشارة واضحة إلى الاية الكريمة.

ثم يقول رسول الله (صلى الله عليه واله) ضمن الحديث الشريف: (والذي بعثني بالحق نبيا واصطفاني بالرسالة نجيا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل اهل الارض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا الا ونزلت عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة واستغفرت لهم إلى ان يتفرقوا.. ) إلى ان يقول (ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل اهل الارض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا وفيهم مهموم الا وفرج الله همه ولا مغموم الا وكشف الله غمه ولا طالب حاجة الا وقضى الله حاجته فقال علي (عليه السلام) إذن والله فزنا وسعدنا وكذلك شيعتنا فازوا وسعدوا في الدنيا والاخرة ورب الكعبة).

ومن فضائله (سلام الله عليه) الحديث الشريف المستفيض عن رسول الله (صلى الله عليه واله) والمروي بطرق الفريقين : (حسين مني وانا من حسين). وهذا معنى مروي بالنسبة إلى كل اصحاب الكساء وقد سمعنا قبل قليل في حديث الكساء قوله (صلى الله عليه واله) : (انهم مني وانا منهم)). وورد في الزهراء (عليها السلام) أيضاً عن رسول الله (صلى الله عليه واله) : (انها مني وانا منها وانها ام ابيها) وهي من اصحاب الكساء بطبيعة الحال.

وحقيقة ذلك من الاسرار الالهية التي لا يطلع عليها الا خاصة الخاصة ولكن فهمها ممكن ان يكون على عدة وجوه منها:

الوجه الاول : ان كون الحسن والحسين من رسول الله (صلى الله عليه واله) واضح لانتسابهم بالنسبة الحقيقية وكذلك انتساب الزهراء الى رسول الله (صلى الله عليه واله) واضح لانتسابها بالنسبة الحقيقية. واما كون النبي منهم فباعتبارهم سببا لنشر دينه وعلو الإسلام بجهادهم وجهودهم بما فيهم الحسين (عليه السلام) بتضحياته العظيمة والجليلة في واقعة الطف التي لولاها لمات دين الإسلام وانمسخت شريعة الله فقد احياها (سلام الله عليه) بمقتله وشهادته وبهذا صدق ان رسول الله (صلى الله عليه واله) من الحسين لان استمرار دينه حقيقة بسببه وكذلك الباقون من اصحاب الكساء علي وفاطمة والحسن (عليهم السلام) بمشاركاتهم المهمة في نصرة الدين.

الوجه الثاني : انه لا تكون طاعة الا بطاعة الادنى فلا تكون طاعة الله الا بطاعة النبي (صلى الله عليه واله) ولا تكون طاعة النبي الا بطاعة الحسين (عليه السلام) وكذلك لا تكون طاعة الائمة (عليهم السلام) الا بطاعة العلماء والحوزة ولا تكون طاعة الحوزة الا بطاعة الوكلاء والمبلغين وهكذا فتكون طاعة الوكلاء هي طاعة الحوزة وطاعة الحوزة هي طاعة المعصومين وطاعة المعصومين هي طاعة رسول الله وطاعة رسول الله هي طاعة الله تعالى. فيكون من ضمن ذلك بل من اهم تطبيقاته ومصاديقه هو ان طاعة رسول الله (صلى الله عليه واله) بطاعة الحسين (عليه السلام) او قل ان طاعة الحسين هي طاعة رسول الله ومنه قزله تعالى : ((من اطلع الرسول فقد اطاع الله)).

الوجه الثالث : ان هذا الحديث (حسين مني وانا من حسين) مبني على المجاز والمجاز صحيح في اللغة بل هو الاتجاه الاغلب فيها وهو الاتجاه الاجمل فيها والادق تعبيرا والاكثر حسنا ادبيا حين لا يقوم التعبير الحقيقي به وذلك لمدى التقارب والتعاطف الواقعي بين رسول الله (صلى الله عليه واله) وهؤلاء الاربعة الباقون من اصحاب الكساء (عليهم السلام) بما فيهم الحسين (عليه السلام).

ومن مميزاته وصفاته الخاصة (سلام الله عليه) ماروي فعلا في مصادرنا ومعاش فعلا في اذهاننا ان الله تعالى جعل العلم من ذريته والاستجابة تحت قبته والشفاء في تربته. وكل هذه الامور قطعية ومجربة ما عدا ما خرج بدليل كما يعبرون لوجود المانع الشديد عن تطبيق هذه القاعدة على بعض الافراد بحيث يكون تطبيقها مخالفا للحكمة والا فمقتضى القاعدة تطبيقها على الجميع من المستحقين من البشر باستجابة الدعوة تحت قبته والشفاء من تربته.

وهنا ينبغي الاشارة باختصار إلى انه ليس كل دعاء فهو مستجاب وان الله تعالى قال : ((ادعوني استجب لكم ووعده الحق )) الا ان هذا لا ينطبق حسب الرغبة والشهوة ودعاوى النفس الامارة بالسوء بل لا ينطبق الا عندما يعلم الله سبحانه وتعالى بصدق النية وصدق التوجه وصدق الانقطاع الى الله سبحانه وعندئذٍ حاشا لله عز وجل ان يخلف وعده بالاجابة فاذا انضم الى ذلك بعض الامور الرئيسية المهمة عند الله عز وجل كما في الدعاء تحت قبة الحسين (عليه السلام) كان ذلك اولى بالاستجابة واعظم للاجر واعلى في الدنيا والاخرة.

والمعروف ان هذه الامور الثلاثة قد وهبت للحسين (عليه السلام) من الله سبحانه بازاء شهادته وتضحيته العظيمة التي لا مثيل لها في التاريخ البشري. مضافا الى امور اخرى كثيرة من اهمها درجات الاخرة التي نسمع عنها في الحديث المروي عن النبي (صلى الله عليه واله) : (لك مقامات لن تنالها الا بالشهادة)). وقد مشى (سلام الله عليه) في هذا الطريق بهمة وطيبة قلب ولم يقصر طرفة عين.

بسم الله الرحمن الرحيم انا انزلناه في ليلة القدر * وما ادراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من الف شهر * نتزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر * سلام هي حتى مطلع الفجر * صدق الله العلي العظيم