الجمعة الحادية والثلاثون 23 رجب 1419

الخطبة الاولى

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين

اولا في ودي ان اعلن تمديد مدة المسابقة لاجل صنع النصب الذي يمثل صلاة الجمعة كما طلبنا قبل مدة. انا كنت وضعته الى آخر رجب والان يبقى منتظرا الى نصف شعبان انشاء الله تعالى.

بسم الله الرحمن الرحيم

لا اله الا الله قبل كل احد و لا اله الا الله بعد كل احد و لا اله الا الله مع كل احد و لا اله الا الله يبقى ربنا ويفنى كل احد و لا اله الا الله تهليلا يفضل تهليل المهللين فضلا كثيرا قبل كل احد و لا اله الا الله تهليلا يفضل تهليل المهللين فضلا كثيرا بعد كل احد و لا اله الا الله تهليلا يفضل تهليل المهللين فضلا كثيرا مع كل احد و لا اله الا الله تهليلا يفضل تهليل المهللين فضلا كثيرا لربنا الباقي ويفنى كل احد و لا اله الا الله تهليلا لا يحصى ولا يدرى ولا ينسى ولا يبلى ولا يفنى وليس له منتهى و لا اله الا الله تهليلا يدوم بدوامه ويبقى ببقائه في سني العالمين وشهور الدهور وايام الدنيا وساعات الليل والنهار و لا اله الا الله ابد الابدين و لا اله الا الله ابد الابد ومع الابد مما لا يحصيه العدد ولا يفنيه الامد ولا يقطعه الابد وتبارك الله احسن الخالقين.

بالنسبة الى الصلوات سأقرأ الزيارة الرجبية فأنهم (المعصومون) (سلام الله عليهم) يسمعون في كل مكان وزمان كما يقول في الزيارة اشهد انك ترى مقامي وتسمع كلامي وهذا غير منحصر في الحضرات المباركات طبعا. وطبعا نحن ايضا في نقطة مباركة جدا هي مسجد الكوفة وهذا اكيد وهو موقف امير المؤمنين (سلام الله عليه).

اللهم صل على محمد وال محمد الحمد لله الذي اشهدنا مشهد اوليائه في رجب واوجب علينا من حقهم ما قد وجب وصلى الله على محمد المنتجب وعلى اوصيائه الحجب. اللهم فكما اشهدتنا مشهدهم فانجز لنا موعدهم واوردنا موردهم غير محللين عن ورد في دار المقامة والخلد والسلام عليكم اني قد قصدتكم واعتمدتكم بمسألتي وحاجتي وهي فكاك رقبتي من النار والمقر معكم في دار القرار مع شيعتكم الابرار والسلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار انا سآلكم وآملكم فيما اليكم التفويض وعليكم التعويض فبكم يجبر المهيض ويشفى المريض وما تزداد الارحام وما تغيض اني بسركم مؤمن ولقولكم مسلم وعلى الله بكم مقسم في رجعي بحوائجي وقضائها وامضائها وانجاحها وابراحها وبشؤوني لديكم وصلاحها والسلام عليكم سلام مودع ولكم حوائجه مودع يسأل الله اليكم المرجع وسعيه اليكم غير منقطع وان يرجعني من حضرتكم خير مرجع الى جناب ممرع وخفض عيش موسع ودعة ومهل الى حين الاجل وخير مصير ومحل في النعيم الازل والعيش المقتبل ودوام الاكل وشرب الرحيق والسلسبيل وعلٍ ونهل لا سأم منه ولا ملل ورحمة الله وبركاته وتحياته عليكم حتى العوض الى حضرتكم والفوز في كرتكم والحشر في زمرتكم ورحمة الله وبركاته عليكم وصلواته وتحياته وهو حسبنا ونعم الوكيل.

اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون.

بعد يومين تقريبا تأتي الذكرى السنوية لوفاة الامام الكاظم (سلام الله عليه) فيحسن جدا التعرض الى بعض فضائله ومناقبه بمقدار ما هو متيسر وممكن بطيسعة الحال. وبالرغم من ان الاتجاه التحليلي لتاريخ الائمة هو الاوفق والاصلح مع الفهم الاجتماعي الحديث، الا انني اود اولا ان اروي روايتين جليلتين من فضائل الامام (عليه السلام) ومعجزاته فان فيهما عبر عظيمةفاذا وسع الوقت ذكرنا شيئا من التحليل بالمقدار الممكن.

قال في كشف الغمة الرحوم الاربلي الجزء الثالث صفحة 3: وقال خشنام بن حاتم الطائي قال: قال لي ابي حاتم قال: قال لي شقيق البلخي (رضي الله عنهم) خرجت حاجا في سنة تسع واربعين ومائة فنزلنا القادسية فبينما انا انظر الى الناس في زينتهم وكثرتهم فنظرت الى فتى حسن الوجه شديد السمرة ضعيف فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة في رجليه نعلان وقد جلس منفردا فقلت في نفسي هذا الفتى من الصوفية يريد ان يكون كلا على الناس في طريقهم والله لامضين اليه ولاؤبخنه فدنوت منه فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق اجتنبوا كثير من الظن ان بعض الظن اثم. ثم تركني ومضى، فقلت في نفسي ان هذا الامر عظيم قد تكلم بما في نفسي ونطق باسمي وما هذا الا عبد صالح لالحقنه ولاسألنه ان يحللني فاسرعت في اثره فلم الحقه وغاب عن عيني. فلما نزلنا واقصة فاذا به يصلي واعضاءه تضطرب ودموعه تجري فقلت هذا صاحبي امضي اليه واستحله. فصبرت حتى جلي واقبلت نحوه فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق اتلُ ((واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى)). ثم تركني ومضى. فقلت ان هذا الفتى لمن الابدال لقد تكلم على سري مرتين. فلما نزلنا زبالة اذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة (كأنما سطل مناسب مع حجم البئر) يريد ان ستقي ماءا فسقطت الركوة من يده في البئر وانا انظر اليه فرأيته وقد رمق السماء وسمعته يقول: انت ربي اذا ظمأت الى الماء وقوتي اذا اردت طعاما اللهم سيدي ما لي غيرها فلا تعدمنيها. قال شقيق فوالله لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماءها فمد يده واخذ الركوة وملئها ماءا فتوضى وصلى اربعة ركعات ثم مال الى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب، فاقبلت اليه وسلمت عليه فرد علي السلام فقلت اطعمني من فضل ما انعم الله عليك.فقال: يا شقيق لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة وباطنة فاحسن ظنك بربك. ثم ناولني الركوة فشربت منها فاذا هو سويق وسكر فوالله ما شربت قط الذ منه ولا اطيب ريحا فشبعت ورويت وبقيت اياما لا اشتهي طعاما ولا شرابا. ثم اني لم اره حتى دخلنا مكة فرأيته ليلة الى جنب قربة الشراب في نفس الليلة قائما يصلي بخشوع وانين وبكاء فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح ثم قام فصلى الغداة وطاف بالبيت اسبوعا (يعني سبعا) فتبعته واذا له حاشية وموالٍ وهو على خلاف ما رأيته بالطريق ودار به الناس من حوله يسلمون عليه فقلت لبعض من رأيته يقرب منه: من هذا الفتى ؟ فقال: هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) فقلت قد عجبت ان تكون هذه العجائب الا من هذا السيد. ولقد نظم بعض المتقدمين واقعة شقيق في ابيات طويلة اقتصرت على نقل بعضها فقال:

سل شقيق البلخي عنه وما عاين منه وما الذي كان ابصر

قال لما حججت عاينت شخصا شاحب اللون ناحل الجسم اسمر

سائرا وحده وليس له زاد فما زلت دائما اتفكر

توهمت انه يسأل الناس ولم ادر ا

ثم عاينته ونحن نزول دون قيد على الكثيب الاحمر

يضع الرمل في الاناء ويشرب ثم ناديته وعقلي محير

اسقني شربة فناول منه فعاينته سويقا وسكر

فسألت الحجيج من يك هذا قيل هذا الامام موسى بن جعفر

(اللهم صل على محمد وال محمد).

ثم يقول المؤلف علي بن عيسى الاربلي (رحمه الله) قلت: القصة التي اوردها عن شقيق البلخي قد اوردها جماعة من ارباب التاليف والمحدثين. ذكرها الشيخ ابن الجوزي (رحمه الله) في كتابيه: اثارة العزم الساكن الى اشرف الاماكن ، وكتابه صفوة الصفوة. وذكرها الحافظ عبد العزيز الاخضر الجنابذي وحكى الي بعض الاصحاب ان القاضي ابن خلاد الرامهمرزي ذكرها في كتابه كرامات الاولياء.

الرواية الاخرى: ما روي عن محمد بن الفضل قال: اختلفت الرواية بين اصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء هو من الاصابع الى الكعبين ام من الكعبين الى الاصابع. فكتب علي بن يقطين وهو يومئذٍ احد الموالين للائمة والعاملين في قصر هارون الرشيد العباسي، فكتب ابن يقطين الى ابي الحسن موسى الكاظم (عليه السلام): جعلت فداك ان اصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين فاذا رأيت ان تكتب بخطك بما يكون عملي عليه فعلت انشاء الله. فكتب اليه ابو الحسن (عليه السلام): فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء والذي آمرك به في ذلك ان تتمضمض ثلاثا وتستنشق ثلاثا وتغسل وجهك ثلاثا وتخلل شعر لحيتك وتغسل يديك الى المرفقين ثلاثا وتمسح رأسك كله وتمسح ظاهر اذنيك وباطنهما وتغسل رجليك الى الكعبين ثلاثا ولا تخالف في ذلك الى غيره. فلما وصل الكتاب الى علي بن يقطين تعجب مما رسم له فيه مما جميع العصابة على خلافه (يعني جميع الشيعة على خلافه). ثم قال: مولاي اعلم بما قال وانا ممتثل لامره. فكان يعمل في وضوءه على هذا الحد (يعني على هذا الشكل والاسلوب) ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لامر ابي الحسن (عليه افضل الصلاة والسلام). وسعي بعلي بن يقطين الى الخليفة العباسي وقيل انه رافضي مخالف لك. فقال الرشيد لبعض خاصته: قد كثر عند القول في علي بن يقطين والقرص له بخلافنا وميله الى الروافض ولست ارى في خدمته لي تقصيرا وقد امتحنته مرارا فما ظهرت منه على ما يقرص منه واحببت ان استبرء امره من حيث لا يشعر فيحترز مني. فقيل له: ان الرافضة يا امير المؤمنين تخالف الجماعة في الوضوء فتخففه ولا ترى غسل الرجلين فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوءه. فقال: اجل هذا الوجه يظهر به امره. ثم تركه مدة واناطه بشيء من الشغل في الدار حتى دخل وقت الصلاة وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوءه وصلاته فلما دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو، فدعى الماء للوضوء فتوضأ كما تقدم (يعني كما علمه الامام (عليه السلام)) والرشيد ينظر اليه فلما رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتى اشرف عليه بحيث يراه ثم ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم انك من الرافضة. وصلحت حاله عنده. وورد عليه (اي بعد هذه الحادثة) كتاب ابي الحسن موسى (عليه السلام) ابتداءا (يعني من دون سؤال سابق): من الان يا علي بن يقطين توضأ كما امر الله تعالى اغسل وجهك مرة فريضة ومرة اسباغا واغسل يديك من المرفقين كذلك (اي مرتين وليس ثلاثة) وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوءكفقد زال ما كنا نخاف عليك والسلام. (اللهم صل على محمد وال محمد).

لاحظوا .. انه لو كان قد شكك علي بن يقطين بما صدر اليه من الامام (عليه السلام) في كيفية الوضوء التي تخالف اجماع الشيعة لوقع في المحذور بكل تاكيد، ولكن انظروا الى مدى يقينه بالامام (عليه السلام) والتزامه بامره واطاعته له كالميت بين يدي الغسال وهكذا ينبغي ان يكون الانسان امام المعصومين وليس في حياتهم فقط بل دائما سبحان الله .. !

وهؤلاء المشككون موجودون في كل عصر للتشكيك بالمراجع عموما وبالسيد محمد الصدر خصوصا، وعدم حملهم على الصحة وعدم اطاعتهم الا بعد الاقتناع ولن يحصل الاقتناع بما هم فيه مشككون. ومن هنا سوف تفشل كثير من المصالح العامة والحقيقية بارجاف المرجفين وتشكيك المشككين. ولو انهم التفوا حول حوزتهم ووثقوا بامر مراجعهم لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم منهم امة مقتصدة وكثير منهم فاسقون.

ومن هذا يتضح ان كثيرا من القصص التاريخي التي هي ليست نصوصا فقهية بطبيعتها، بل كل القصص التاريخي وليس بعضه وغير القصص التاريخي ايضا يمكن ان يستفاد منها مفاهيم وعبرا واحكاما ومواعظ يستفاد منها في كل مجتمع وفي كل طبقة وفي كل عصر.

الا ان عددا منها خارج الخطوط الحمر كما يعبرون. ولو امكنني ان اشرحها لكم لشرحتها الا انني لا اتمكن غالبا في ذلك. وان لنا في ذلك اسوة بائمتنا وقادتنا المعصومين (سلام الله عليهم). ومن ذلك ما يروى عن الامام الجواد (عليه السلام) انه حين وصلت اليه الامامة بعد وفاة ابيه (سلام الله عليه) رقى المنبر وقال ما مضمونه: ( اني ساقول كلمة تدهش الاولين والاخرين)، ثم سكت هنيهة ثم ضرب بيده على فمه وقال كانه يخاطب نفسه: (اسكت كما سكت ابائك ) ونزل عن المنبر. وهو (سلام الله عليه) ليس ساكتا كالمراجع الصامتين، فانه رويت عنه روايات كثيرة من الحكم والاحكام والمواعظ. وانما هو صامت فيما تجب التقية فيه فقط وبالاسرار الالهية بطبيعة الحال التي يتحملها (عليه السلام). ويتصرف بمقدار ما هو ممكن او باقصى مقدار ممكن وكذلك ابائه (سلام الله عليه) حيث يقول (اسكت كما سكت اباؤك).

وفي رواية اخرى: ( لو اذن لنا بالكلام لزال الشك). يعني ان الكلام الحقيقي غير ماذون فيه، الامر الذي يسبب بقاء الشك في المجتمع. وهذا المعنى باب تفتح منه الف باب، وقابل للانطباق في كل مكان وزمان.

وعلى اي حال فان اشهر ما مر به الامام الكاظم (عليه السلام) هو السجون التي عاناها من قبل الظالمين في عصره. فقد استمر يتقلب في السجون مدة اربعة عشر سنة او اكثر، حتى مات في السجن ولم يشم نسيم الحرية طيلة حياته حيث قتلوه مظلوما مسموما، قتله سرجون عصره وفي كل عصر يوجد سرجون او سراجين على اية حال.

وانا قلت اكثر من مرة ان في كل شيء عبرة وموعظة. ونحن تكليفنا ان ننظر في العبر المستفادة من الاشياء ونمحصها، لا ان نغفل عنها ونهملها. كما قال الله تعال : ((وكاين من اية في السماوات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون)). فلنحاول الان بمقدار الامكان استخلاص العبر والخلاصات التي يمكننا التوصل اليها من حصول السجن الطويل للامام الكاظم (عليه السلام) مع الالتفات بوضوح ان كل موعظة منها هو باب واسع يمكن ان ينطبق في كل مكان وزمان. وان قول القران وفعل المعصومين هو هداية لنا وكانه خاص بمجتمعنا ومكاننا وزماننا وان كان هو في نفس الوقت شاملا لغيرنا. ونفس هذا الشعور سيكون صادقا في اي مجتمع وفي اي زمان. وهذا من معجزات الاسلام على الحقيقة.

وما يمكن بيانه من العبر كما يلي:

اولا: ان اعتداء الدولة الظالمة يومئذ على الامام (عليه السلام)، احتقار له وتحدي له بصفته هو القائد الاهم والزعيم الاعظم لعدد مهم من المسلمين وطائفة ضخمة منهم مشهود لهم بالصحة والرجاحة. اذن فاحتقاره احتقار لها او الاعتداء عليه اعتداء عليها والتحدي له تحدي لها وليس على فرد واحد وان بدا في الظاهر هكذا، الا انه تحد لمذهب كامل في الاسلام.

ثانيا: انه بصفته من اولياء الله واصفيائه والمبلغين لاحكامه والحاملين الى البشرية هدايته ونوره. الا نسمع في زيارته: (يا نور الله في ظلمات الارض) (كول لا !). اذن، سيكون الاعتداء عليه والاحتقار له وتحديه اعتداءا على الله واحتقارا له وتحديا له والعياذ بالله وليس فقط على الطائفة.

ثالثا: ان الدولة حين سجنته وقتلته فقد حرمت المجتمع من علمه ولطفه وقيادته وما كان يقوم به من جهود وجهاد في سبيل تقويمه (اي تقويم المجتمع) وتنويره وحفظ شؤون شيعته ومواليه، والدولة في ذلك الحين ملتفتة الى ذلك، عالمة وعامدة لذلك مع شديد الاسف.

رابعا: ان ائمتنا (عليهم السلام) كانوا يقومون في حدود امكانهم المتاحة بكثير من الاعمال والاتصالات التي كانت الدولة في ذلك الحين تتحذر منها، وتعتبرها تحديا لسلطانها. والروايات في ذلك طافحة ومتوفرة ومتيسرة. ومن هنا كان من المنطقي ان تجد الدولة من جهة نظرها لزوم التخلص من هذا القائد والقائه في غياهب السجون ولا تخرجه الى ان يموت، لكي لا تبتلي بعمله وجهده وجهاده مرارا وتكرارا.

خامسا: اننا نعلم ان بلاء الدنيا كلما ازداد ازداد ثواب الاخرة لا محالة. ونعلم ان اشد الناس بلاءا في الدنيا هم الانبياء ثم الامثل فالامثل، وانه كلما ازدادا الانسان شهرة ازداد بلاءا وامتحانا وهذا ايضا فيه حكمة موجودة. ومن هنا كان لا بد ان يمر المعصومون (سلام الله عليهم) بفترات من البلاء على اختلاف ذلك فيما بينهم. فبينما يموت الامام الحسين (عليه السلام) قتلا، يموت الامام الحسن (عليه السلام) بالسم، ويموت الامام الكاظ (عليه السلام) بالسجن وهكذا .. وليس ذلك الا لعلو مقامهم وازدياد درجاتهم كما ورد في الحسين (عليه السلام): (ان لك عند الله درجات لا تنالها الا بالشهادة).

سادسا: انهم (سلام الله عليهم) تلقوا كل ذلك (اي من البلاء الدنيوي) بالرضا والتسليم من الله سبحانه وتعالى، بل بالحب والقبول كما لو كان هدية لطيفة تهدى لهم. وفيها دلائل وروايات احبائي، اليس قال امير المؤمنين (سلام الله عليه) حين ضرب في المحراب : (فزت ورب الكعبة). وقال الحسين (عليه السلام) في عرصة كربلاء : (هون ما نزل بي انه بعين الله). وقال ابو ذر وهو في الربذة حين اشتد به البلاء يخاطب الله جل جلاله : (اخنق خنقتك فانك تعلم اني احب لقائك) يعني ضيق علي بما تشاء.وقال الامام الكاظم (عليه السلام) في سجنه وهو الذي نتحدث عنه الان : (اللهم انك تعلم اني كنت اسألك ان تفرغني لعبادتك اللهم وقد فعلت فلك الحمد).

سابعا: ان في ود المؤمن المتكامل ان يتوجه بقلبه الى الله تعالى وان يكثر ذكره وتتزايد عنده عبادته. وهذا ما لا تتوفر فرصته حين يكون الفرد في معمعة المجتمع وفي الاتصال الكثير بالناس وانما تحصل فرصة ذلك لدى الوحدة والابتعاد عن الناس. وكيف تحصل الوحدة وقد اوجب الله تعالى على المؤمن الامر بالمعروف وتبليغ الاحكام وهداية الناس، اذن فالوحدة في مثل ذلك والابتعاد بهذا المعنى حرام واقاط للطاعة الالهية في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهدايةالاخرين.واما اذا كان الانسان فسيكون فارغ الذمة من جانب الامر بالمعروف والتبليغ وسيكون مبتعدا عن المجتمع قهرا. اذن فالمؤمن يرى السجن من هذه الناحية نعمة ورحمة عليه لكي يتفرغ فيه لذكر الله وطاعته وعبادته كما سمعنا من الامام الكاظم (عليه افضل الصلاة والسلام) يقول : (اللهم انك تعلم اني كنت اسألك ان تفرغني لعبادتك اللهم وقد فعلت فلك الحمد).

ثامنا: ان الحجة قائمة بوضوح ضد ساجنيه (كول لا ! سبحان الله) وضد الدولة التي سجنته لانها سجنت عبدا صالحا ووليا من اولياء الله وهم يعلمون ذلك طبعا، يككفيهم منذلك ما يرونه دائما منه من كثرة العبادة والتهجد وقيام الليل وصيام النهار حتى ان عددا من ساجنيه كخالد بن يحيى البرمكي وغيره حاولوا التخلص والتملص من مسؤولية سجنه لما يرونه من فضله وعلو شأنه، وهذا هو السبب الرئيسي فيما ارى في نقله من سجن الى سجن، لان كل واحد كان يقول انا ما علي طلعوه من سجني واذهبوا به الى مكان آخر. لان السجان كان يرفض استمرار سجنه عنده الى ان وصل الى سجن السندي بن شاهك (عليه اللعنة) الذي لم يكن يشعر بهذه المسؤولية قبحه الله ولعنه.

تاسعا: كان الفراشون والمباشرون له في السجن يصبحون اتقياء واولياء في ليلة وضحاها بهداية الامام (عليه السلام) وعمله حتى انه روي انهم جعلوا له امرأة خليعة لكي تخدمه فاصبحت في يوم واحد زاهدة وعابدة (اللهم صل على محمد وال محمد).

عاشرا: انه (اي الامام الكاظم (سلام الله عليه) ) تحرر من السجن الى الحرية الحقيقية بموته مظلوما وليس الى الدنيا كما هو العادة فيمن يطلق سراحهم . فانه اذا اطلق سراحه في الدنيا يكون قد خرج من سجن الى سجن (كول لا ! سبحان الله). لان الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافراما اذا ذهب الى ربه ومقاماته العليا فقد نال الحرية الحقيقية من اضيق السجون. ومن هنا ورد ان هارون العباسي ولا اريد ان اسميه (الرشيد)، لانه ليس برشيد،ليس برشيد، ليس برشيد. (اللهم صل على محمد وال محمد). ان هارون العباسي ارسل اليه يطلب منه مجرد الاعتذار لكي يطلق سراحه، فاجاب ما مضمونه : (قل له ان اي يوم يمضي فانه يقلل من ايام بلائي كما انه سيقلل من ايام سعادتك وملكك) اي سعادته بالخلافة والدنيا المستوثقة له.

بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا احد * صدق الله العلي العظيم



الجمعة الحادية والثلاثون 23 رجب 1419

الخطبة الثانية



اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين

بسم الله الرحمن الرحيم

الله اكبر قبل كل احد و الله اكبر بعد كل احد و الله اكبر مع كل احد و الله اكبر يبقى ربنا ويفنى كل احد و الله اكبر تكبيرا يفضل تكبير المكبرين فضلا كثيرا قبل كل احد و الله اكبر تكبيرا يفضل تكبير المكبرين فضلا كثيرا بعد كل احد و الله اكبر تكبيرا يفضل تكبير المكبرين فضلا كثيرا مع كل احد و الله اكبر تكبيرا يفضل تكبير المكبرين فضلا كثيرا لربنا الباقي ويفنى كل احد والله اكبر تكبيرا لا يحصى ولا يدرى ولا ينسى ولا يبلى ولا يفنى وليس له منتهى والله اكبر تكبيرا يدوم بدوامه ويبقى ببقائه في سني العالمين وشهور الدهور وايام الدنيا وساعات الليل والنهار والله اكبر ابد الابدين ابد الابد ومع الابد مما لا يحصيه العدد ولا يفنيه الامد ولا يقطعه الابد وتبارك الله احسن الخالقين. اللهم يا اجود من اعطى ويا خير من سُئل ويا ارحم من استرحم اللهم صل على محمد واله في الاولين وصل على محمد في الاخرين وصل على محمد واله في الملاء الاعلى وصل على محمد واله في المرسلين اللهم اعط محمدا واله الوسيلة والفضيلة والشرف والرفعة والدرجة الكبيرة اللهم اني آمنت بمحمدا (صلى الله عليه واله) ولم اره فلا تحرمني في القيامة رؤيته وارزقني صحبته وتوفني على ملته واسقني من حوضه مشربا رويا سائغا هنيئا لا اظمأ بعدها ابدا انك على كل شيء قدير. اللهم اني آمنت بمحمد (صلى الله عليه واله) ولم اره فعرفني في الجنان وجهه. اللهم بلغ محمدا (صلى الله عليه واله) مني تحية كثيرة وسلاما.

اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون.

طبعا نحن نعلم ان الدين الاسلامي وارد الى كل احد (كول لا !‍) وشاغل ذمة كل مسلم بل حتى الكفار لانهم مكلفون باصول ديننا وفروع ديننا ايضا على ما هو الصحيح من انهم مكلفون بالواجبات والمحرمات يعني مكلفون بالدخول الى الاسلام هذا باعتبار اصول الدين وكذلك هم مكلفون بامتثال اوامره ونواهيه باعتبار فروع الدين. نعلم ايضا وبكل وضوح انه كما ان تكليف الاسلام عام او قل ان شريعة الله عامة لكل البشر كذلك مسؤولية طاعته لازمة في كل الاعناق وان الموت شامل لكل الناس وان كل الناس يمرون بعد الموت بالحساب والعقاب والثواب وان من ينكر الحياة بعد الموت ويوم القيامة فهو ليس بمسلم.

وبالرغم من ان هذا من الضروريات الواضحات والتي لا يجهلها احد فيما احسب ولم يغفل عنها احد اكيدا مع ذلك كنا نجد ولا زلنا نجد ان عددا من طوائف المجتمع وطبقاته يتصرفون فعلا في حياتهم الدنيا كأنهم لا يشعرون باية مسؤولية دينية ولا بأي ثواب وعقاب، وكأنهم في غنى عن ذلك كله او كأنهم في عما وصمم عنه يتعمدون التماهل والعصيان والتجاهل. وكلها طبقات واضحة لدينا نعرفها جميعا ومن اوضحها اولئك الملتزمون بالحرام وعليه حياتهم وارزاقهم والعياذ بالله كالمغنين والممثلين وبائعي الخمور والمرابين والسافرات وآخرون. كما قال الله تعالى : ((لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون الى عذاب عظيم)).

وجملة من هذه النماذج يعتبر شجرة من اشجار الزقوم التي تنبت في قعر الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين، لانهم لا يقتصرون بالظلم على انفسهم بل يقومون من حيث يعلمون او لا يعلمون بتوزيع البغواية والضلال على الاف الناس وملايين الناس فهو كالشجرة المثمرة للحنظل ينبت فيها نبات كثير وحنظل كثير. مع العلم ان المسؤولية الحقيقية امام الله تعالى قد تتمثل في كلمة واحدة يسمعها منك غيرك، كلمة واحدة غير جيدة تضل بها صاحبك فيقال لك كسرته وعليك جبره، لانك ما دام اضللته فعليك مسؤولية هدايته (كول لا !). هذا في الكلمة الواحدة فكيف بمسؤولية الاضلال الكامل للفرد. وكيف وبالاولى مسؤولية اضلال كامل لطبقة من الناس او مجتمع من الناس. ويكون كما ورد من سنسنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة. فما اعظم العذاب الذي ينتظره هناك انه فوق كل تصور.

ولعل جملة منهم ممن لا يستحق التوبة او لا تؤثر فيه الكلمة الطيبة ولا يفيد فيه التحذير هذا موجود فعلا. ومن هنا قد نقول كما ربما يقول بعض الحوزة (انه لا امر لمن لا يطاع) ونسكت كما سكتت الحوزة التقليدية عموما.الا ان الكلام والموعظةمع ذلك اكثر انقيادا لله واكثر افراغا للذمة وسيقول لهم الله سبحانه وتعالى يوم القيامة اني قيضت لكم وارسلت لكم من ينبهكم بصراحة ويدفعكم بقوة نحو الهداية فلم تنتبهوا ولم تندفعوا فاخسأوا فيها ولا تكلمون.

ايها القوم الغافلون السادرون في مختلف اشكال الغي والنفاق انكم تعلمون ان الله موجود وهو الرقيب والحسيب وان باب التوبة مفتوحة ما دامت الحياة وان الاسلام حق وان طاعته واجبة وان الموت لاحقكم على كل حال وان جهنم ورائكم على كل حال فارحموا اجسادكم من النار فانكم لا تتحملون عذاب جهنم وتستغيثون حيث لا مغيث وانتم الان في فرصة التوبة والنزوع عن الحوبة والخلاص من غضب الله والاسراع الى رحمة الله والله سبحانه لا يريد لنا جميعا الا الخير والصلاح تأسفوا على نفوسكم التالفة وآرائكم السقيمة وافعالكم المريضة.

وفي حدود فهمي فان كل فرد بحسب خلقته الانسانية الاصيلة لنفسه فهو طالب للكمال ومحب للحق وميال الى التوبة والى الصلاح كما قال الله تعالى : ((فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم)). فالتفتوا الى فطرتكم واهتدوا بهدى ربكم وارحموا نفوسكم وعقولكم من الضلال واجسادكم من حريق النار.

وهناك طبقات من المجتمع دون من سبق ان ذكرناهم يعني ان نفهم عنهم انهم ليسوا متمرسين في الحرام في كل حياتهم وغير متلبسين في العصيان في كل اعمالهم واقوالهم بل نستطيع القول ان الاغلب فيهم ذلك. وهؤلاء يكونون اولى بتقبل التوبة والهداية والانابة واطاعة شريعة الله ونحن نتمنى للجميع كل خير وصلاح بل يريد الله تعالى ذلك وهو اولى من الجميع من كل الخلق. كما قال تعالى : ((تريدون عرض الدنيا والله يريد الاخرة)) يعني يريد لكم الاخرة لا لنفسه فهو غني عن العالمين حبيبي ..

وطبقا لهذه الاية القرآنية قمت بتطبيق ذلك على عدد من فئات المجتمع وقد حصلت استجابة طيبة من كثير منهم وما ذلك الا لان الصفة الغالبة عليهم الخوف من الله والشعور بالمسؤولية فقد تاب الى الان اغلب السالكين فقد كتنوا من حيث يعلمون او لا يعلمون سالكون الى الشيطان فاصبحوا بالتوبة والانابة سالكون الى الله سبحانه ومطيعون له من حيث ما يريد منهم الاطاعة. وكذلك حين ناديت بلسان الشريعة وليس بلساني القاصر المقصر رؤوساء القبائل وقانون العشائر، اقبل عدد منهم الى طاعة الله جزاهم الله خيرا وشعروا بالمسؤولية الدينية الاسلامية جزاهم الله خير جزاء المحسنين والمتوقع من الاخرين منهم ان يستنوا بسنتهم وان يلتفتوا الى واقعهم وان يشعروا بمسؤوليتهم امام الله تعالى وامام دينهم وامام حوزتهم المقدسة. فالحوزة باتت قريبة من المجتمع تلقي الحوزة وتريد النتيجة (كول لا !).

واما الخدمة والسدنة فلم اعرف توبة اي واحد منهم ولم ار رجوع اي شخص فيهم مع شديد الاسف وانا اقول لهم انكم انما تتوبون الى الله لا الى الحوزة ولا الى السيد محمد الصدر وانما تطيبون بذلك اعمالكم واقوالكم واموالكم امام الله تعالى وهذا الخير كله لكم في الدنيا والاخرة فلماذا تأبون عنه وتنفون هداية الله سبحانه وتعالى وتفضلون سرقة اموال الامام (عليه السلام) ووقفياته والتغرير بالزائرين وغير ذلك تفضلونها على طاعة الله وطاعة المعصومين (عليهم السلام). وهل هذا الا طلب الدنيا والنفس الامارة بالسوء مع شديد الاسف.و على (يا الله) حال فلا زال المجال مفتوحا وليس للسيد محمد الصدر ان يغلق الفرصة مع ان الله تعالى فاتح لها فان فرصة التوبة موجودة ما دام الفرد في الحياة قبل ان تصل الروح الى البلعوم ويقول : ((رب ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون)).

وعلى هذا السياق الذي كنت فيه ولا زلت ملتزما به اوجه كلامي الى فئة اخرى من المجتمع نتوقع منها الخير والرجوع الى الصلاح والفلاح وهو موظفوا الدولة والعاملون فيها في اي عمل كانوا او اختصاص او رتبة او اهمية من وزراء ومدراء وعسكريين ومدنيين ومعلمين واطباء ومن مختلف مذاهب المسلمين حتى كناس البلدية على ما يعبرون.

فانهم بطبيعة الحال كسائر افراد المجتمع يتوقع الدين منهم ويتوقع الله منهم الصلاح والفلاح. ويتوقع المجتمع منهم العدل والانصاف ويتوقع منهم المؤمنون النجاة من عذاب النار. كما قال الله تعالى في ايات كتابه المجيد: ((واتل ما اوحي اليك من ربك لامبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر انا اعتدنا للظالمين نارا احاط بهم سرادقها وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا الذين امنوا وعملوا الصالحات انا لا نضيع اجر من احسن عملا اولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الانهار يحلون فيها من اساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس واستبرق متكئين على الارائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا)).

وما اسهل وما احسن ان يلتفت الفرد من الضلال الى الايمان ومن الظلم الى العدل ومن الظلام الى النور. ولا ينبغي ان تلهيه المصالح الدنيوية والعلاقات الاجتماعية والامور السياسية عن مصالحه الحقيقية التي وجد لاجلها وولد لتحقيقها وهي الحصول على الثواب ورضا الله جل جلاله.

وقد كان الحال في العقود السابقة التي عشناها بما فيه العهد الملكي وغيره. يعيش الموظفون في بوتقة دنيوية خالصة، لا يفكرون فيها باخرة ولا بصلاة ولا بصيام ولا بخمس ولا بحج ولا باية طاعة. كأن حياتهم يجب ان تكون مقرونة بمثل ذلك وهم ملتفتون لامحالة الى الدين وواجباته لو تاملوا قليلا، الا ان الامر فيهم وكان المخاطب غيرهم. فيجب مثلا على رجال الدين ان يكونوا متدينين ولا يجب على رجال الدنيا ذلك ؟ وهم يعلمون كذب هذا الوهم الشيطاني. لان الله تعالى في القران الكريم يقول لرسوله : ((قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا)). وهم لامحالة وكل البشرية هم من الناس، اذن فهم مشمولون للرسالة المحمدية ولاصول دينها ولفروع دينها ومفاهيمها وليس انهم يجوز لهم ان يتركوا كتابهم وراء ظهورهم كانهم لايعلمون.

ولو كان الفرد منهم مخلصا للدنيا حقا لكان وجها، لانه عندئذ سيرحم الصغير ويوقر الكبير ويتعامل بالانسانية والتعطف، ولكنه كان لا يرى الا مصلحة ذاته ومقدار فعله وسعة بيته ومصلحة اسرته وبدون العناية بدين او دنيا خارج هذه الدائرة. ومن يصبح هكذا كائنا من كان حتى لو سيد محمد الصدر يصبح ادنى من الانعام واضل سبيلا كما انه اقسى من الوحوش واشد ظلما.

وعلى اي حال فباب التوبة مفتوح ويد الرحمة الالهية ممدودة لكي تتلقى اي واحد من البشر بالترحاب بما فيهم موظفوا الدولة من كبار وصغار. وهذا جيد لهم وليس لسواهم. وانا اجلهم في الوعي الذي هم فيه والرشد الذي يتصفون به ان يقفوا ضد مصالحهم الحقيقية وتعاليمهم الاخروية.

وانا اكرر كما قلت اكثر من مرة انكم ليس المطلوب منكم اتباع السيد محمد الصدر ولا الاقتراب منه ولا حسن الظن به وانما المطلوب في القرآن والاسلام هو اتباع تعاليم الله والتقرب اليه بالطاعات وحسن الظن به جل جلاله وهذا يكفي جدا وليذهب سيد محمد الصدر الى الجحيم.

كما انني في هذا المستوى من التفكير لا اطلب منكم تغير اديانكم او مذاهبكم وانما كونوا طيبين ومتورعين في الدين الذي تؤمنون به والمذهب الذي تؤمنون به فانه ليس هناك مذهب ولا دين يجيز شرب الخمر والسرقة والغش وتالظلم والاعتداء وتمرير المصالح الدنيوية وتفضيل الانانية. حاشا لله وحاشا لاديان الله كلها من هذه الامور. وانا قلت في خطبة سابقة ما مضمونه السؤال عما اذا كان عيسى (عليه السلام) شارب خمر او سارق او ظالم او اناني او كان موسى كذلك او كان ابراهيم كذلك او كان محمد (صلى الله عليه واله) كذلك ؟ حاشاهم جميعا طبعا. او كان سليمان الذي بنى هيكل سليمان المقدس في نظر اليهود كذلك؟ لا طبعا حاشاهم جميعا من كل ذلك. ام كانت هل كانت نساؤهم سافرات ومتعاملات مع الرجال بالسوء والفتنة ؟ يضعن المكياج في الشوارع والمشارع ويسرن في الاسواق ويطمعن في زخارف الدنيا ويشربن الخمر ويعشن على الربا ويكذبن ويأكلن لحم الاخرين بالغيبة والبهتان؟ حاشا لاولئك من ذلك.

والملحوظة الاخيرة انه لا ينبغي ان ييأس الفرد من نفسه ومن توبته باعتبار انه متمرس كثيرا في اصناف الحرام او عائش على المال الحرام فيكون يائسا من رحمة الله ، لا، لا يجوز. فكأنه يرى انه لا مجال لان تقبل توبته او يكون مشمولا لرحمة الله. كلا ثم كلا لمثل هذه الفكرة. لا تيأسوا من رحمة الله التي وسعت كل شيء فان الله واسع الرحمة سريع الرضا عطوف رؤوف باسط اليدين بالعطاء والسخاء فيجب ان لانقنط من رحمة الله او نييأس من عفوه وانما اللازم هو حسن الظن بالله والمبادرة الى طاعة الله ورضا الله وانما الذي ينبغي ان يفكر فيه الفرد انه لو بقي على حاله من العصيان ولو ليوم واحد او ساعة واحد فضلا عن الكثير فان الله تعالى شديد العقاب ومنتقم وانما يجني الفرد على نفسه ويكون من الهالكين والخاسرين ممن خسروا انفسهم فبادروا رحمكم الله الى طاعة الله الذي يذكر الذاكرين ويشكر الشاكرين ويزيد في ثواب المطيعين فان هذا هو الطريق الحق وما بعد الحق الا الضلال.

بسم الله الرحمن الرحيم انا اعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * ان شانئك هو الابتر * صدق الله العلي العظيم