الجمعة الثانية والثلاثون 30 رجب 1419

الخطبة الاولى



اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.

بسم الله الرحمن الرحيم

توجد هناك نقطتان اود قبل الدعاء ان ابينها لكم:

النقطة الاولى : اشتباه وقعت فيه في الخطبة السابقة. تتذكرون اني رويت بعض الروايات في فضائل موسى بن جعفر (سلام الله عليه). انا قلت في واحد من الروات خشنام ابن حاتم الطائي وهذا ليس بصحيح بل هو خشنام بن حاتم الاصل وليس ابن حاتم الطائي. والفرق بينهما ربما خمسمائة سنة او اكثر.

النقطة الثانية : اننا نعلم انه منذ سنين ربما عشرين سنة المشي الى كربلاء في زيارة الاربعين محل منع. الا انه لم يصدر اي منع في المشي في مناسبات اخرى. ففي الامكان استغلال اي مناسبة دينية رفيعة لاجل المشي الى كربلاء المقدسة. (اللهم صل على محمد وال محمد).

والان امامكم مناسبة جليلة هي زيارة نصف شعبان ليلا ونهارا من نصف شعبان. فلا تقصروا بالمشي الى كربلاء المقدسة من مدنكم جزاكم الله خيرا. (اللهم صل على محمد وال محمد).

اسثني من ذلك امرين:

اولا: المعممين يبقى بالنسبة لهم مستحبا وليس واجبا جزاهم الله خيرا. والاخر: من زاد في عمره على الخمسين عاما، يبقى بالنسبة اليه مستحبا وليس واجبا. وكذلك بالنسبة الى النساء يبقى لهن مستحبا وليس واجبا.

فلا تقصروا اذا لم يكن هناك ضرر وتحملوا شيئا من المشقة في سبيل الله . ونحن ايضا نعلم ونحس بان الوقت مناسب من حيث البرد والحر على اية حال.

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

سبحانك ربنا ولك الحمد انت الذي بكلمتك خلقت جميع خلقك فكل مشيئتك اتتك بلا لغوب واثبت مشيئتك ولم تأن فيها لمؤنة ولم تنصب فيها لمشقة وكان عرشك على الماء والظلمة على الهواء والملائكة يحملون عرشك عرش النور والكرامة ويسبحون بحمدك والخلق مطيع لك خاشع من خوفك لا يرى فيه نور الا نورك ولا يسمع فيها صوت الا صوتك حقيق بما لا يحق الا لك (يعني انت حقيق بما لا يحق الا لك) خالق الخلق ومبتدعه توحدت بامرك وتفردت بملكك وتعظمت بكبريائك وتعززت بجبروتك وتسلطت بقوتك وتعاليت بقدرتك فانت بالمنظر الاعلى فوق السماوات العلى كيف لا يقصر دونك علم العلماء ولك العزة احصيت خلقك ومقاديرك لما جل من جلال ما جل من ذكرك ولما ارتفع من رفيع ما ارتفع من كرسيك علوت على علو ما استعلى من مكانك كنت قبل جميع خلقك لا يقدر القادرون قدرك ولا يصف الواصفون امرك رفيع البنيان مفيء البرهان عظيم الجلال قديم المجد محيط العلم لطيف الخبر حكيم الامر احكم الامر صنعك وقهر كل شيء سلطانك وتوليت العظمة بعزة ملكك والكبرياء بعظم جلالك فسبحانك وبحمدك تباركت ربنا وجل ثناؤك. اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ونبيك افضل ما صليت على احد من بيوتات المسلمين صلاة تبيض بها وجهه وتقر بها عينه وتزين بها مقامه وتجعله خطيبا بمحامدك ما قال صدقته وما سأل اعطيته ولمن شفع شفعته واجعل له من عطائك عطاءا تاما وقسما وافيا ونصيبا جزيلا واسما عاليا على النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا. اللهم صل على محمد وال محمد اجمعين.

اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون.

قبل يومين كانت الذكرى السنوية للمبعث النبوي الشريف، حين بعث رسول الاسلام رحمة الى العالمين وهو موجود وحده في غار حراء (وان كان كانما يبدو حدثا بسيطا للناظر) فكان ذلك فاتحة الخير ومبدأ الهداية والعدالة للعالم كله منذ لك الحين الى يوم القيامة.

واود الان ان اذكر لكم بعض ما يتعلق بالمبعث النبوي خاصة لا بخصائص الرسول (صلى الله عليه واله) عموما، بل ما يخص المبعث. وهي امور عديدة ليس في الامكان حصرها ولا يسع الوقت لاكثرها ويحتاج استيعابها الى مجلد ضخم او اكثر. وانما نتعرض الان الى بعض النقاط فقط:

النقطة الاولى : ان هناك رواية معينة ومشهورة لدى الجماعة ولا اعتقد ان احدا منكم لم يسمع بها وموجودة في المنهج الدراسي التقليدي الرسمي، ومروية في كتبهم المعتمدة في قصة حصول المبعث لا تخلو من اشكال تاريخيا ومفهوميا. فيحسن ان نسمعها ونناقشها باختصار.

فعن عائشة ام المؤمنين انها قالت: اول ما بُدء به رسول الله (صلى الله عليه واله) من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبب اليه الخلاء فكانوا يخلو (يعني ينفرد) بغار حراء فيتحنث فيه (اي يتعبد فيه) الليالي ذوات العدد قبل ان ينزع الى اهله ويتزود لذلك ثم يرججع الى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاء الملك (جبرائيل (سلام الله عليه)) فقال : اقرء. فقال: ما انا بقاريء. فاخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني. فقال: اقرء. فقلت: ما انا بقاريء. قال: فاخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني. فقال: اقرء. فقلت: ما انا بقاريء. فاخذني فغطني الثالثةحتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني. فقال: اقرء باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرء وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم.

فرجع بها رسول الله (صلى الله عليه واله) يرجف فؤاده. فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني زملوني (اي لفوني) فزملوه حتى ذهب عنه الروع. فقال لخديجة واخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة : كلا ما يخزيك الله ابدا، انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتُكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق. فانطلقت خديجة حتى اتت ورقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزى، ابن عم خديجة وكان امرءا قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني (يعني الكتابة العبراينة) فيكتب من الانجيل بالعبرانية ما شاء الله ان يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة : يا بن عم اسمع من ابن اخيك. فقال له ورقة: يا ابن اخي ماذا ترى؟ فاخبره رسول الله خبر ما رآه. فقال له ورقة : هذا الناموس الذي انزل الله على موسى يا ليتني اكون فيها جزعا، يا ليتني اكون فيها حيا، اذ يخرجك قومك. فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) : اومخرجي هم. قال: نعم، لم يأتي رجل بمثل ما جئت به الا عودي وان يدركني يومك انصرك نصرا مؤزرا. ثم لم ينشب ورقة ان توفى وفت الوحي.

اقول : فمن هذا المنطلق لنا عدة ملاحظات:

الخطوة الاولى :ان نفهم بعض الالفاظ الواردة في هذا الحديث. واهمها اثنان:

احدهما : قوله: (فاخذني فغطني). ويمكن ان يكون من الغط في الماء وهو الدخول فيه. يعني ادخلني جبرائيل (عليه السلام) في الماء حتى بلغ مني الجهد.

ويمكن ان يكون من الغطاء وهو ينتج الظلمة فقد ادخله في الظلام حتى بلغ منه الجهد.

ويمكن ان يكون من الغطيط وهو شخير النائم. يعني اكمه حتى جعله يغط كغطيط النائم حتى بلغ منه الجهد.

ويمكن ان يكون مجازا من العصر والضغط. يعني ضغطني حتى بلغ مني الجهد، والظاهر ان هذا هو المعنى الاشهر.

وعلى اي حال فاللفظ هنا يفيد معنى الازعاج والايلام، وهو حسب السياق في الرواية يأتي كعقوبة على رفض رسول الله (صلى الله عليه واله) ان يقرء واعتذاره بقوله (ما انا بقاريء) يعني انا لا اعرف القراءة ولم اتدرب عليها، فانه (صلى الله عليه واله) كان اميا بحسب ظاهر المجتمع لم يقرء ولم يكتب.

ويمكن ان تكون الفاء في قوله (فغطني) اصلية وليست عاطفة ونقرأه (فَغَطَني) من فغط يفغط. الا انني بحث عن المعنى اللغوي في المصادر المتيسرة لهذه الكلمة فلم اجده. على انه يحتاج السياق الى فاء اخرى تكون عاطفة قبلها بان يقول (ففغطني) وليس في الحديث ذلك.

ثانيهما :قوله: (زملوني فزملوه) اي لفوني بالغطاء او غطوني به، كأنه يشعر ان الرعدة التي اخذته تشبه رعدة البرد. وقوله: (ثم ارسلني) يعني اطلق سراحه من تلك الحالة الاليمة.

الخطوة الثانية : انه من الواضح من الحديث ان ((اقرء باسم ربك الذي خلق)) نزلت قبل البسملة او بدون البسملة، وهو غير محتمل وخاصة ونحن نعتقد في مذهبنا بان البسملة جزء من هذه السورة كما هي جزء من كل سورة غير سورة براءة.

الخطوة الثالثة : انه لم يظهر من الحديث السبب في هذا الازعاج والايلام الذي حصل ثلاث مرات على رسول الله (صلى الله عليه واله) فانه كان صادقا فيما يقول ((ما انا بقاريء)) وليس كاذبا او مجرما وحاشاه لكي يعاقب. فان دل ذلك على شيء فانما يدل على عدم صدق الحديث نفسه. اليس كان في امكان جبرائيل (عليه السلام) ان يقول لاول مرة ((اقرء باسم ربك الذي خلق)) كما قال في المرة الثالثة ولا يحصل كل هذا الازعاج.

الخطوة الرابعة : اننا اذا تنزلنا وقبلنا انه يستحق العقوبة وحاشاه فكان يمكن الاقتصار على عقوبة خفيفقة او تنبيه بسيط وليس هذه الدرجة من الازعاج بحيث يقول: (حتى بلغ مني الجهد)، ويحصل ذلك ثلاث مرات.

الخطوة الخامسة : ان الملك لم يأتي بورقة او كتابة ليطلب من النبي (صلى الله عليه واله) ان يقرأها. اذن فليس هناك اي طلب للقراءة لكي يعتذر منه النبي انه ليس بقاريء لكي يعاقبه الملك على ذلك. بل من الواضح ان المراد بالقرآن او بالقراءة في هذا المورد هو مجرد التلفظ او القول يعني قل كما اقول. والمفروض ان النبي (صلى الله عليه واله) يسمع ويمكنه ان يعيد نفس الكلام بدون هذه المضاعفات. كما ان المفروض ان النبي (صلى الله عليه واله) بوعيه وعلو مستواه يفهم هذا المعنى وعدم وجود مورد للاعتذار، فكيف يكون اعتذاره مفهوما. فهذا يشكل نقطة ضعف اخرى في الحديث.

ولو قصد بقوله (ما انا بقاريء) يعني لا استطيع ان اردد معك هذه الالفاظ، لكان كاذبا وحاشاه.

ولو تنزلنا وقبلنا ان النبي (صلى الله عليه واله) لم يفهم ذلك فكان الانسب والاولى للملك ان يفهمه ذلك او يبدل تعبيره بما يؤدي المعنى المطلوب، لا ان يعاقبه ثلاث مرات.

الخطوة السادسة : انه بعد ان علم النبي (صلى الله عليه واله) ان هذا ملك مقرب وعلم قدسيته فلماذا يعصيه ويصر ثلاث مرات على عصيانه ؟ وكأنه لو استمر الحال على ذلك لعصاه مائة مرة او الف مرة، مع العلم انه يعلم انه ملك مقدس وان امره حق ومن امر الله جل جلاله اذن فسوف يعصي الله تعالى وحاشاه اكيدا.

الخطوة السابعة : اننا نتسائل هل ان النبي (صلى الله عليه واله) اكثر فهما ام خديجة بنت خويلد ام المؤمنين ام ورقة بن نوفل الشيخ النصراني ؟ لاشك ان النبي (صلى الله عليه واله) خير الخلق واعظم الخلق وافهم الخلق ولا ينبغي ان يختلف في ذلك اثنان، فكيف يكون هو الجاهل في تفسير هذه الحادثة كما هو منطوق الحديث ويكون العلم لدى غيره، بحيث يتوقف الامر على اخبار ورقة بن نوفل مع احترامي له.

الخطوة الثامنة : انه ينبغي ان يكون واضحا من الحديث ان النبي (صلى الله عليه واله) ساعتئذ لم يعلم ان هذا ملك وان هذا قرآن. وانما ذلك كان بلفظ الراوي وهو عائشة او باخبار ورقة بن نوفل. ومثل هذا الوضع والجهل غير محتمل على رسول الله (صلى الله عليه واله) كما هو واضح.

الخطوة التاسعة : ان المفروض بالنبي (صلى الله عليه واله) ان يعلم حقيقة الملك الذي ارسل اليه وكون موقفه حقا وهو مرسل من الله تعالى. فاذا كان ذلك اذن فسوف يعرف ان ما فعله الملك حسب منطوق الخبر حق ايضا، فلا يخشى منه ولا يعترض عليه ولا ان ينهار نفسيا منه.

الخطوة العاشرة : ان رسول الله (صلى الله عليه واله) ظهر في هذا الحديث "وحاشاه" جبانا محبا للحياة الدنيا جدا ضعيفا عن تحمل المشاق وحاشاه من كل ذلك. وهذا واضح من عدة فقرات من الحديث كقوله (فغطني حتى بلغ مني الجهد) وقوله (فرجع بها رسول الله (صلى الله عليه واله) يرجف فؤاده) وقوله لخديجة (لقد خشيت على نفسي). مع اننا نعلم انه اعلم واقوى من جبرائيل نفسهحتى انه في المعراج قال له جبرائيل ما مضمونه (تقدم وحدك لو تقدمت انملة لاحترقت) فتقدم النبي (صلى الله عليه واله) وحده حتى وصل الى ((قاب قوسين او ادنى)). (اللهم صل على محمد وال محمد).

فهلى استعمل النبي (صلى الله عليه واله) شيئا من هذه القوة في دفع هذا الازعاج والبلاء عن نفسه او بتحمله للبلاء بحيث لا يبلغ منه الجهد بهذه السهولة.

اذن فهذا الحديث مردود حتى لو قبلنا صحة سنده وهو بالتاكيد ليس بصحيح السند. وانما الامر باختصار اننا نقتصر على ما هو حق ونرفض ما هو باطل، وهو نزول الوحي عليه وارساله برسالة الاسلام لاولمرة فيغار حراء بالايات الاولى من سورة العلق بما فيها البسملة، والنبي (صلى الله عليه واله) تلقاها بعمق وسعة صدر وبشجاعة وتفهم وعلم بكونه مخاطبا من الله تعالى بطريق جبرائيل (عليه السلام) وانه رسول الله بدون حاجة الى مثل هذه التفاصيل المؤسفة.

النقطة الثانية : مما اريد ذكره مما هو مناسب مع المبعث النبوي الشريف ما يرتبط بقوله تعالى : ((قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الدين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين * ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون اليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين * ان الذين لا يؤمنون بايات الله لا يهديهم الله ولهو عذاب اليم * انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بايات الله واؤلئك هم الكاذبون *)).

ومن الواضح في هذه الايات ان النبي (صلى الله عليه واله) كان يتردد على رجل له علم وفهم لاجل احترامه والميل اليه، فاتهمه المرجفون وما اكثر المرجفين في الاجيالبانه يتعلم منه العلم ويعطيه نصوص القرآن وان النبي (صلى الله عليه واله) ينسبها الى الله تعالى كذبا. وقد اختلفت الروايات في اسم هذا الرجل ولا حاجة الى التعرف عليه شخصيا اكيدا. ويمكننا ان نتكلم في ذلك ضمن عدة نقاط :

النقطة الاولى : ان سياق الايات يحتوي على ذكر امرين مما ارجف به المرجفون ضد النبي (صلى الله عليه واله) احدهما هذا الذي سمعناه وسياتي الحديث عنه بعد قليل، والاخر قوله تعالى: ((واذا بدلنا اية مكان اية والله اعلم بما ينزل قالوا انما انت مفتر بل اكثرهم لا يعلمون * قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين)).

ونحن نعلم ان كل تعاليم القرآن كل واحد منها يفتح منه الف باب. فيكون المفهوم من هذه الايات ليس صادرا عن النبي (صلى الله عليه واله) بشخصه، وانما هو مبلغ عن الله سبحانه. والاختلاف في الحقيقة مسند الى الله تعالى وهو يقول : ((واذا بدلنا اية مكان اية والله اعلم بما ينزل)).

والسر في ذلك حسب فهمنا ان هذا الاختلاف هو الاوفق بالحكمة والمصلحة، ولو لم يكن هذا الاختلاف موجودا لفسد الحال. لان اختلاف الحكم يتبع اختلاف الموضوع ولا معنى لحكم واحد على موضوعين واختلاف الموضوع متحقق باختلاف تقلبات المجتمع واراء الناس والمصالح العامة والخاصة به.

وهذا المعنى القرآني يلقي ضوءا على ما قد يقال ضد السيد محمد الصدر او غيره من اختلاف ارائه وتبدل قناعاته في الظاهر مع انها قد تكون في الحقيقة هي الاوفق في الحكمة والمصلحة لما قلنا الان من ان اختلاف الموضوع يستدعي اختلاف الحكم وان الفرد قد يحتاج الى مواقف متعددة في ازمنة متعددة وفي امكنة متعددة حسب ما يرى من المصلحة ولا ينبغي التشكيك والارتياب فيه. بل الامر اكثر من ذلك من حيث ان المبادرة الى الطاعة وحسن الظن بالحوزة والمرجعية منتج لعدد من النتائج الحسنة فانه مضافا الى تحقيق المصلحة العامة المطلوبة والمنشودة، فانه يكون اقرب الى تقارب القلوب وتحابب النفوس ووضوح الايمان في العقول كما قال تعالى فى نفس هذه الايات: ((ليثبت الذين امنوا وهدى وبشرى للمسلمين)).

النقطةالثانية : ان الله جل جلاله يجيب في قرآنه المجيد على كلام المرجفين وهو قولهم: ((انما يعلمه بشر))، يجيب بقوله: ((لسان الذي يلحدون اليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين)). فانه لا يخلو من احدى حالتين: اما ان يدعوا (اي المرجفون) انه يأخذ الفاظ القرآن من هذا الانسان. واما ان يدعوا انه يأخذ معانيه ويصبها النبي (صلى الله عليه واله) في القالب القرآني واللفظ القرآني. وكلا الامران باطلان، اما اخذه اللفظ القرآني من هذا الانسان فهو مستحيل لان لسانه اعجمي فهو غير قابل لمعرفة العربية الفصيحة بادنى درجاتها فضلا عن العربية بالمستوى الاعجازي في القران الكريم. وهذا الرجل ليس له علم باللغة والادب والبلاغة ونحوها وانما له مفاهيم دينية وعقلية فقط، فمن اين يمكنه ان يأتي بمثل نصوص القرآن.

وان كان مدعاهم انه يعطي المعاني للنبي (صلى الله عليه واله) والنبي هو الذي يصوغها باللفظ القرآني ثم يدعي نسبتها الى الله تعالى فهذا ما يجيب عليه بقوله: ((قل نزله روح القدس من ربك بالحق)) وبقوله: ((ان الذين لا يؤمنون بايات الله لا يهديهم الله)) فهذا امر يحتاج الى شيء من القناعة والايمان. وكيف تحصل القناعة والايمان من الجاهلين الكاذبين ((ان الذين لا يؤمنون بايات الله لا يهديهم الله)) واذا لم يهديهم الله لن يهتدوا ابدا. واما اذا حصلت القناعة والايمان فسوف نعرف ان كلا الشخصين (اعني هذا الرجل والنبي (صلى الله عليه واله)) غير قابلين في انفسهما لايجاد هذه النتيجة. فلا هذا الرجل يستطيع ان يعطي للنبي (صلى الله عليه واله) كل معاني القرآن على عمقها وسعتها وعلو مقامها ونحن نعلم ان القرآن يسير مع الناس والبشرية مسار الشمس والقمر وان علومه لا تنفد وان & مهما كان علمه ومهما كانت منزلته فيتعين ان تكون هذه المعاني العظيمة نازلة من العظيم الاعظم جل جلاله.

ولا ان النبي يستطيع بنفسه ان يأتي بالفاظ القرآن البلاغية والاعجازية وهذا دليله واضح جلي فانه (صلى الله عليه واله) خير الخلق وخير البشر وقد اوتي جوامع الكلم ومع ذلك فقد سمعنا خطبه وكلاماته وقد وصلت الينا كثير منها كخطبته في اول شهر رمضان وهي مشهورة. وقد جمع له الشريف الرضي (عليه الرحمة) كتابا كاملا في كلماته القصار او جوامع الكلم سماه المجازات النبوية ونسخته موجودة وان لم تكن كثيرة على اية حال. والمهم انه لم يكن فيها ما يشبه القرآن او يصل الى درجة بلاغته او حكمته وهذا مسلم وواضح لدى كل ذي عينين وكل ذي لب.

مضافا الى التحدي القرآني للبشرية من حين نزوله الى يوم القيامة. وتوجد نقطة لم يلتفت اليها احد وهي ان التحدي شاملحتى لشخص النبي (صلى الله عليه واله) (كول لا ! سبحان الله). لو لاحظناه منفصلا عن الوحي وكذلك شخص امير المؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام) وكل المفكرين والمتعمقين في البشرية في اي جيل او مكان او زمان ابتداءا من المعصومين وانتهاءا الى الحمال والزبال. لا احد يستطيع ان يأتي بمثل القرآن اطلاقا.

وليس هذا التحدي سهلا واعتباطيا لولا ان يصدر من الحكيم العليم والا فما اسهل لاي جيل او لاي علم او لاي عالم ان يكسر الحجة القرآنية بالاتيان بمثله او بافضل منه وحاشاه. ونحن نعلم ان هذا لم يكن ولن يكون فكيف يرجل واحد هو الذي كان يزوره الرسول (صلى الله عليه واله) في مكة بطبيعة الحال.

بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا احد * صدق الله العلي العظيم
الجمعة الثانية والثلاثون 30 رجب 1419

الخطبة الثانية

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين

بسم الله الرحمن الرحيم

سبحانك لا اله الا انت الواسع الذي لا يضيق البصير الذي لا يظل النور الذي لا يخمد. سبحانك لا اله الا انت الحي الذي لا يموت القيوم الذي لا يهين الصمد الذي لا يطعم. سبحانك لا اله الا انت ما اعظم شانك واعز سلطانك واعلى مكانك واشرف ملكك. سبحانك لا اله الا انت ما ابرك وارحمك واحلمك واعظمك واعلمك واسمحك واجلك واكرمك واعزك واعلى & واسمعك وابصرك. سبحانك لا اله الا انت ما اكرم عفوك واعظم تجاوزك. سبحانك لا اله الا انت ما اوسع رحمتك واكثر فضلك. سبحانك لا اله الا انت ما انعم الائك واسبغ نعمائك. سبحانك لا اله الا انت ما افضل ثوابك واجزل عطائك. سبحانك لا اله الا انت ما اوسع حجتك واوضح برهانك. سبحانك لا اله الا انت ما اشد اخذك واوجع عقابك. سبحانك لا اله الا انت ما اشد مكرك وامكن كيدك. سبحانك لا اله الا انت تسبح لك السماوات السبع والارضون السبع. سبحانك لا اله الا انت القريب في علوك المتعالي في دنوك المتداني دون كل شيء من خلقك. سبحانك لا اله الا انت القريب قبل كل شيء والدائم مع كل شيء والباقي بعد فناء كل شيء. اللهم صل على المصطفى محمد والمرتضى علي والزهراء فاطمة والزكي الحسن والشهيد الحسين والسجاد علي والباقر محمد والصادق جعفر والكاظم موسى والرضا علي والجواد محمد والهادي علي والعسكري الحسن والمهدي محمد ائمتي وسادتي وقادتي بكم اتولى ومن اعدائكم اتبرء في الدنيا والاخرة.

اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون.

ينبغي ان تكون ذكرى المبعث النبوي الشريف سببا لان يبعث في نفوسنا الشعور باهمية هذا المبعث وباهمية مضمونه الكريم وهو دين الاسلام العظيم وقدسيته الجليلة ونوره الوضاء واخوته العالية. قال تعالى: ((انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم واتقوا الله)) وقال: ((المؤمنون بعضهم اولياء بعض)). والاسلام هو دين الوحدة والاخوة والتماسك والرحمة والانسانية واللطف والتعاطف على مختلف المستويات التي يمكن ان نعرض المهم منها فيما يلي:

المستوى الاول : وحدة الحوزة العلمية واخوة اعضائها والمشاركين فيها بالهدف المشترك وتجاه العدو المشترك وفي الفكر المشترك مهما تباعدت بعض المصالح والاهواء والاساليب. وهذا واقع لا مناص منه ومطبق فعلا فاننا جميعا في الحوزة يد واحدة وروح واحدة كلنا يعمل لمصلحة الدين وكلنا يقول وكلنا يتصرف في حدود استطاعته وفهمه باتجاه الهدف المشترك وهو عز الدين وعز الاسلام وارتفاع وعظمة كلمة التوحيد في كل زمان ومكان وتكثير طاعات الله سبحانه في البشرية وتقليل معاصيه بين البشر وكلنا يد واحدة ضد من ناوان وعادانا لان من عاى الحوزة فقد عادى الدين ومن كاد للحوزة فقد كاد للدين ومن اعتدى على الحوزة فقد اعتدى على الدين وليس على هؤلاء الناس باشخاصهم بطبيعة الحال.

والحوزة واحدة في كل زمان ومكان لانها تتوحد بوحدة العاطفة والعلم والعمل والهدف اكيدا وكله واحد بحسب توفيق الله تعالى فليس هناك حوزات متباينة او مختلفة في ما بينها في النجف وفي قم وفي سوريا وفي لبنان وفي خراسان وفي البحرين وفي القطيف وفي الاحساء وفي باكستان وفي الهند وفي غيرها من بلاد الله. بل كلهم رجل وقلب واحد ويد واحدة وعلم واحد لمصلحة الدين وشريعة سيد المرسلين وضد العدو المشترك الموجود ضدنا في كل جيل وفي كل مكان وزمان (كول لا سبحان الله !).

المستوى الثاني : وحدة المؤمنين في المذهب الواحد مهما تكثرت اعمالهم وطبقاتهم ومستوياتهم وعواطفهم فانهم ما داموا يشعرون باهمية الدين واهمية ولاية امير المؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام) وعصمة القادة الائمة المعصومين (سلام الله عليهم) فهذا يكفي تماما لان يكون الفرد مندفعا نحو طاعة الله متحمسا نحو الهدف المشترك واقفا ضد العدو المشترك منجزا مصلحته العادلة الشخصية والاجتماعية مبتدعا عن الذنوب والعيوب والموبقات ومن لم يكن كذلك فنتمنى ان يكون كذلك في اقرب وقت وبحسن توفيق الله وتسديده.

المستوى الثالث : الاخوة في الاسلام وهي الاهم والاتم لانها تشكل حجر الزاوية في المبعث النبوي الشريف لان المبعث مبعث الاسلام والاخوة في الاسلام هي الرئيسية لان القرآن واحد والنبي واحد والقبلة واحدة والدين واحد والهدف واحد وان اغلب الاختلافات بين علماء الاسلام طبيعي وموجود بين اي تفكيرين او اي مفكرين وليس ذلك بعيب ولا يشكل نقصا حقيقيا ولا ينبغي ان يكون سببا للعداء والمكر والتضارب والتحارب والعياذ بالله وانما الهدف مشترك والعمل مشترك والعدو مشترك وخاصة ونحن نعيش في اغلب العصور بل كلها مسيس الحاجة الى ذلك لتكالب الاعداء ضد الاسلام ومكرهم من داخلهم ومن خارجهم وبيده السلاح والمال والتخطيط والاعداد الكامل، في حين نجد المسلمين والمخلصين عزلا من كل ذلك وهذا هو الامتحان الالهي الاتم والاكمل ليحيى من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.

ومثل هذا الظرف وهو الظرف الدائم والمستمر وربما لمئات السنين يعطينا وجوب الشعور بالوحدة والتماسك وقوة الايمان لكي نستطيع ان نتبع المؤامرات ونكفى اكثر ما هو مستطاع من الشدائد والمظالم التي يريدها لنا العدو المشترك المتمثل في الثالوث المشؤوم وهو الاستعمار الاسرائيلي الامريكي البريطاني قبحهم الله.

والامر هنا كما قال احد اعضاء دار التقريب بين المذاهب الاسلامية الذي كان مؤسسة مهمة في مصر القاهرة الذي كان موجودا الى عهد قريب اما الان فغير موجود. حيث قال ما مضمونه انه ليس المراد في هذه المرحلة من العمل والتفكير ان نجعل الشيعين سنيين او نجعل السنيين شيعين وانما المهم هو التمسك بالدين المشترك وهو الاسلام والقيام ضد العدو المشترك وهو الكفر والالحاد المتمثل بالاستعمار وانصار الاستعمار.

وبطبيعة الحال فان مجرد التفكير في هذه الوحدة قلبيا وعقليا له مرحلة مهمة وجيدة ونافعة تكفي في نتائجها عدم توجيه الحقد والعداء ضد بعضنا البعض والعياذ بالله من مختلف مذاهب الاسلام وانما اختصاص توجيه الحقد والعداء ضد من هو اهل لذلك وهو العدو المشترك المتمثل بالكفر والاستعمار. ويقول المثل انا وابن عمي ضد الغريب كما يقول المثل في عادات العشائر انه قد تكون قبيلتان متعاديتين فيما بينهما وتقاطعتين بشدة الا انهما حين يجابههم العدو المشترك وتغير عليهما قبيلة ثالثة يكونان يدا واحدة وعمل واحد وقلب واحد تجاه هذا العدو المشترك فاذا دفعوه واستراحوا عادوا الى العداء من جديد فيما بينهما.

ومن الواضح اننا لم ندفع العدو المشترك الى الان بل لا زال في تزايد ومرارة ولا اقل ان يحذر كل واحد منا مهما كان مذهبه ومهما كان عمله ومهما كانت طبقته ان يحذر من ان يكون معينا ضد نفسه وضد اسلامه بيد او لسان مهما كان قليلا او كثيرا.

يضاف الى ذلك الى ان عمل بعض المذاهب ضد بعضها كما يحدث الان من الوهابين مع شديد الاسف كما قد يفترض حدوثه من اية جهة كانت يكون بكل تاكيد عمل مبرمج وموجه في مصلحة الاستعمار ولا يستفيد من ذلك ولا يفرح به الا العدو المشترك واسرائيل من حيث نعلم او لا نعلم. بينما لا يستاء العدو المشترك الا من التحابب والتعاون والالفة بين المؤمنين والمسلمين ونحن مأمورون في القرآن الكريم ان نسيء الى قلوبهم كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم : ((ولا تطأون موطئا يغيض الكفار الا كتب لكم به عمل صالح)). اذن فالاخوة مطلوبة في الاسلام على كل حال. وهذا بطبيعة الحال ليس من طرف واحد بل من كل العاطفة وليس كلامي هذا استجداءا للعاطفة لاننا لا نخاف من غير الله سبحانه وتعالى وانما هو لاقامة الحجة والفات النظر لمن يريد ان يستجيب الى داعي الله ونصوص الكتاب الكريم والسنة الشريفة ويكون ذلك في مصلحتهم اولا وفي مصلحة الاسلام ثانيا ودفعا للعدو المشترك ثالثا. وهذا لا يعني من ناحية اخرى عدم اهمية الحفاظ على المذهب والعناية بمصالحه ومصالح طائفته فان هذا ضروري ايضا امام الله سبحانه وتعالى لانه الحق الذي نؤمن به لكن ينبغي ان يكون عمل اي مذهب او قل عمل اي مسلم بحيث لا يضر بالمذاهب الاخرى تحصيلا للوحدة الاسلامية والتكاتف المحمدي او قل يجب الا يعمل اي مسلم عملا يفيد به الاستعمار ويوجد به الفرقة والازعاج في المجتمع الاسلامي ومن عمل ذلك فعليه لعنة الله والاملائكة والناس اجمعين حتى لو كان هو السيد محمد الصدر نفسه.

المستوى الرابع : الشعور بالوحدة والتضامن مع الثورة الفلسطينية المجيدة التي كانت ولا زالت تعطي سيل الشهداء انتصارا للحق المغتصب واحتجاجا على الظلم المكثف والاجحاف الحقيقي الموجود في تلك البلاد المسلمةمن قبل مستعمريهم اليهود.

والملاحظ بوضوح ان فكر الثورة الفلسطينية قد مر ميدانيا بتطور وتكامل ملحوظ. فبينما كان عند بدءه قبل حوالي عشرين سنة او اكثر فكرا علمانيا دنيويا لا يريد اكثر من ازالة الحكم الغاشم الظالم في بلاده ولا يفكر في البديل وفي شكل الدولة الجديدة التي يسعى من اجلها حتى كان اكثرهم شيوعين في زمن وجود ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي وكان بعضهم يميل الى الديمقرطية الرأسمالية وبالتالي كانوا مختلفين وليس لهم هدف محدد وحقيقي، الا انهم تطوروا بكل تاكيد مع تطور الفكر الاسلامي العالمي فاصبح اكثرهم او الاتجاه الاشهر فيهم اتجاها اسلاميا دينيا لطيفا جزاهم الله خير جزاء المحسنين. واصبحوا يجاهدون ويستشهدون حقيقة في سبيل الله ومضادة لاعداء الله وذلك بعد ان اتسعت التجارب الدينية وازدادت الكتب الدينية ووسائل الاعلام الاسلامية. فرأى الجيل المتأخر منهم ان الحق الصحيح انما هو في الدين وان الحل الصيص انما هو في الدين وليس من المعقول ان اليهود يحاربوننا كيهود ونحن نحاربهم كعرب او كشيوعين او كرأسماليين وانما يقابل اليهودية الاسلام ليس الا.

والاسلام هو دين الشهادة ودين الاخرة ودين العدل ودين الجهاد وليس في المسالك الاخرى ذلك. والاتجاهات الفكرية الاخرى ليس فيها الا الخداع والضلال.

فنحن نعلن من هنا تأييدا لمجل الحركة الفلسطينية والثورة الفلسطينية ونخص بالتأييد منهم اولئك الذين يشعرون بمسؤوليتهم الاسلامية وعاطفتهم الدينية وهم الاعم الاغلب فيما اعتقد وننصح الباقين منهم الى ان يميلوا الى هذا الطريق ويلتفتوا الى الدين الحق فيصلحوا بذلك دنياهم وآخرتهم ولا تغرنهم الشعارات البراقة التي لا تفيد في الواقع الا الابقاء على اسرائيل وقوتها كما ثبت ذلك ولا زال يثبت بالتجارب المستمرة.

هذا ولو استطعنا من موقعنا هذا ان نمد الثورة الفلسطينية بالفكر اولا وبمال والرجال ثانيا بالشكل الذي نضمن ان فيه رضا الله سبحانه وتعالى فعلنا. ويوجد بعض الاشخاص القلائل خلال السنين المتأخرة ممن يسأل عن تكليفه الشرعي بالمشاركة في الثورة الفلسطينية او العمل ضد العدو الغاشم هناك، ومثل هذا الفرد لا ينبغي نهيه او تثبيط عزمه وشل ارادته بل ينبغي دفعه وتأييده ونصحه بالالتحاق بعد ان يحرز بطبيعة الحال اخلاص القيادة التي يريد الانتماء اليها منهم.

ومن الواضح دينيا ان الثورة الفلسطينية وان كانت هي ثورة الشعب الفلسطيني الا انها ثابتة في ذمم المسلمين جميعا بمختلف مذاهبهم واتجاهاتهم ودولهم لكي يكونوا يدا واحدة وتعاونين دوما على الفعالية والجهاد ضد اعداء الله والاسلام، كما ورد في السنة الشريفة : (المسلمون يسعى بذمتهم ادناهم) يعني يسعي كلهم حتى ادناهم، افضهم وادناهم جميعا وهم يد على من سواهم. اي انهم يد واحدة وقوة واحدة وجبهة واحدة وخندق واحد ضد كل الاعداء المتربصين والكفار المعاندين كما قال تعالى : ((ذلك بانهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطأون موطئا يغيض الكفار ولا ينالون من عدو نيلا الا كتب لهم به عمل صالح ان الله لا يضيع اجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا الا كتب لهم ليجزيهم الله احسن ما كانوا يعملون)). وقال الله تعالى : ((ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم)). ثم يبين في الاية الاخرة التي بعدها ان هذا الوعد خاص بالخاص من الناس وليس عاما لكل احد فمن هؤلاء الموعودون قال : ((التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الامرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين)). وكما قال الله تعالى : ((أُذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز)). ثم يبين الله تعالى كذلك في الاية الاخرى ان هذا الوعد خاص غير عام فمن هؤلاء الموعودون قال جل جلاله : ((الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاة واتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور)).

فلننظر نحن ولينظر المسلمون ولينظر الفلسطينيون وكل الناس الى انطباق نصائح الله عليهم، فان لم يجدو ذلك فعسى ان يرجعوا الى انفسهم ويعيدوا النظر في سلوكهم وافكارهم وافعالهم لكي ينالوا التأييد الالهي الحقيقي الذي هو اعلى واسمى من تأييد كل الخلق من تأييد سيد محمد الصدر بطبيعة الحال لكي نكون جميعا مصداقا لقوله تعالى : ((ادعوني استجب لكم)) وقوله تعالى : ((ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم)) ولكن متى يتحقق الدعاء الحقيقي لله حتى يستجاب ومتى يتحقق النصر الحقيقي لدين الله حتى ينصرنا الله الا بحسن توفيق الله وعندئذ لن يقف امامنا وامامكم اي عدو مهما كان.

بسم الله الرحمن الرحيم اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا * فسبح بحد ربك واستغفره * انه كان توابا *

صدق الله العلي العظيم