الجمعة السابعة والثلاثون 6 رمضان 1419

الخطبة الاولى



اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين

بسم الله الرحمن الرحيم

كما ادينا الطاعة في الاسابيع السابقة لله سبحانه وتعالى نؤدي الطاعة في هذا الاسبوع بعنوان كلا لاجل رفض الباطل واهل الباطل. فقولوا معي ثلاثا..

كلا كلا للباطل ..

كلا كلا امريكا ..

كلا كلا اسرائيل ..

كلا كلا استعمار ..

كلا كلا استكبار ..

كلا كلا يا شيطان ..

اللهم هذا شهر رمضان الذي انزلت فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان وهذا شهر الصيام وهذا شعر القيام وهذا شهر الانابة وهذا شهر التوبة وهذا شهر المغفرة والرحمة وهذا شهر العتق من النار والفوز بالجنة وهذا شهر فيه ليلة القدر التي هي خير من الف شهر اللهم فصل على محمد وال محمد واعني على صيامه وقيامه وسلمه لي وسلمني فيه واعني عليه بافضل عونك ووفقني فيه لطاعتك وطاعة رسولك واوليائك على الله عليهم وفرغني فيه لعبادتك ودعائك وتلاوة كتابك وعظم لي فيه البركة واحسن لي فيه العاقبة واصح فيه بدني واوسع لي فيه رزقي واكفني فيه ما اهمني واستجب لي فيه دعائي وبلغني فيه رجائي اللهم صل على محمد وال محمد واذهب عني فيه النعاس والكسل والسأم والفترة والقسوة والغفلة والغرة وجنبني فيه العلل والاسقام والهموم والاحزان والاعراض والامراض والخطايا والذنوب واصرف عني فيه السوء والفحشاء والجهد والبلاء والتعب والعناء انك سميع الدعاء اللهم صل على محمد وال محمد واعذني فيه من الشيطان الرجيم وهمزه ولمزه ونفثه ونفخه ووسوسته وتثبيطه وبطشه وكيده ومكره وحبائله وخدعه وامانيه وغروره وفتنته وشركه واحزابه واتباعه واشياعه واوليائه وشركائه وجميع مكائده اللهم صل على محمد وال محمد بافضل صلواتك واكرم تحياتك كما صليت وباركت وترحمت وتحننت على ابراهيم وال ابراهيم انك حميد مجيد.

بسم الله الرحمن الرحيم

((لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمان اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون)).

من جملة اللمشاكل التي مر بها الشعب العراقي خاصة والمجتمع في العالم عامة القصف الامريكي الذي تعرض له المجتمع هنا ولا ينبغي ان تكون الحوزة الناطقة المجاهدة ساكتة عن ابداء رأيها فيه ولا شك انه لا يمكن ابراز جميع النتائج المتيسرة والعبر المتوفرة ولكن نقول بمقدار ما هو ممكن وعلى الله التوكل في الشدة والرخاء وذلك ضمن عشرة نقاط :

النقطة الاولى : ان هذا الوضع العالمي القائم على انقاض ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي والذي سمته امريكا في حينه بالنظام العالمي الجديد انما هو نظام استعماري مشؤوم قائم على تفرد امريكا بالعالم وهيمنتها عليه وفرض ارادتها على كل جهاته من دول وشعوب واحزاب ومنظمات. وكل من يخالفها فانهخا تكيل له الصاع صاعين كما يعبرون. هذا النظام يجعل منها الطاغوت الاول والشيطان الاكبر ويخرجها عن الانسانية وحسن التصرف الى الظلم الكاملو الطغيان المحض.

النقطة الثانية :ان امريكا وان زعمت تحكيم سيطرتها على كل العالم حتى اصبح العالم تجاهها كالقرية الصغيرة كما يعبرون الا انها لن تستطيع ازالة ايمان المؤمنين وقوة الشجعان المجاهدين فانها ان استطاعت السيطرة على اجسادنا فانها لن تستطيع السيطرة على قلوبنا وعقولنا ونفوسنا ((ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)).

النقطة الثالثة :انها انما تتذرع بالسلاح الدنيوي الذي مهما بدى لنا مهما وعظيما فانه مؤت وزائل لانه انما يمثل طرف الدنيا وما فيها ومن فيها وهو طرف مضمحل وهين وحقير واما المؤمنون فناصرهم الله سبحانه وتعالى كما قال في كتابه الكريم ((ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم)) وهم المؤمنون واثقون به ومعتصمون به ومتوكلون عليه ويعلمون انهم لم يخلقوا لهذه الدنيا الفانية بل لاجل الاخرة الباقية وفي الرواية (ان الدنيا والاخرة ضرتان لا تجتمعان)) وكذلك فان الحوزة والاستعمار ضرتان لا يجتمعان).

النقطة الرابعة : ان امريكا تحاول تسخير اكبر مقدار من عدد الدول تحت ارادتها وسيطرتها وربما كل الدول على الاطلاق وكل من وافق على ذلك وتعاون معها فهو لعبة في يديها وتحت استعمارها بكل تاكيد حتى الدول الاوربية التي تود الاستقلال عن النظام الامريكي فانها تبدو في كثير من الاحيان لعبة بيد هذا النظام المشؤوم فمثلا بريطانيا التي كانت لها الزعامة في العالم حتى كانت تسمي نفسها بريطانيا العظمى اصبحت الان مستعمرة بسيطة بيد امريكا تستخدمها متى تشاء لانجاز مصالحها الخاصة وفي اعتقادي ان هذا منها تنازل مقيت وذلة لا موجب لها.

النقطة الخامسة :اننا نعتقد ان هذا النظام الظالم غير دائم بل هو الى زوال مهما كانت نتائجه وذلك من عدة جهات منها:

اولا : انه يقول في الحكمة: (ان الظلم لا يدوم).

ثانيا : ان الله تعالى يهلك ملوكا ويستخلف آخرين.

ثالثا : انها الان وبكل وضوح موكولة الى نفسها وملتفتة الى جبروتها فتكون مصداقا واضحا من قوله تعالى : ((حتى اذا اتخذت الارض زخرفها وازينت وظن اهلها انهم قادرون عليها اتاها امرنا نهارا او بياتا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالامس)). اذا فهذا الوعد آت من الله سبحانه وتعالى لا محال لوكن الجدل في كونه قريبا او بعيدا.

رابعا : انن انعتقد ان مستقبل البشرية الى خير وصلاح وعدالة حينما يظهر القائد المنتظر فيملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ولن يقوم اي ظلم ولا الى اي قسوة بعدها قائمة ولا امريكا ولا غيرها وفي الروايات ما يدل على ان اليهود سيعانون من الذلة والقسوة بيد المؤمنين قبل ذلك حتى ان الحجر ينادي المؤمن ويقول هذا يهودي خلفه فاقتله.

النقطة السادسة : ان امريكا تريد بهذه الاعمال ان تجعل عدوها كبش الفداء بحيث يكون عبرة للعالم كله باعتبار انها كما صنعت به يمكنها ان تصنع بغيره وبذلك تضرب حجرين في هدف واحد وليس بازاء ذلك الا قوة الارادة وقوة الايمان والصمود والاتحاد ضد هذا النظام الغاشم الظالم عن الوجود.

النقطة السابعة : حسب علمي فان الامر بالهجوم في اي وقت وعلى اية دولة موكول الى القرار الذي يصدره الرئيس الامريكي الموجود في اي وقت وهذا يعني ان القرار الظالم سوف يعود بالحكمة الالهية والقدرة الالهية على نفس هذا الرجل الذي اصدر هذا القرار بالوبال والخسران كما سبق ان حصل فعلا لكارتر وبوش بما فعلا من مظالم على المؤمنين في الشرق المسلم لا اقل اننا نلتفت ان من حق اي رئيسي امريكي ان ينتخبلفترتين من الرئاسة في حين يخسر الظالم منهم فترته الثانية بكل تاكيد بقدرة الله وحسن توفيقه كما خسرها كارتر وبوش فعلا (كولوا لا !) وهذا ما يتوقع حصوله لكلنتون بالتاكيد بل الامر اكثر من ذلك فانه من المتوقع ان يحاكمه مجلس الشيوخ الامريكي لفضيحة اخلاقية ويعزله عن الرئاسة ويخسر حتى فترة رئاسته الاولى فضلا عن الثانية.

النقطة الثامنة : اننا نجد باستورار ان كل مؤامرة يقوم بها الغرب والاستعمار ضد الايمان والمؤمنين فان الله تعالى يجعلها حسرة في صدورهم ويجعل نتائجها الى مصلحة الدين وشريعة سيد المرسلين وهذا ما رأيناه في القريب والبعيد مما حصل من دسائس ومشاكل حتى هذا القصف الامريكي الاخير فنه طور المؤمنين بفضل الله سبحانه وتعالى عقليا ونفسيا وايمانيا وفتح اعينهم على حقائق كان يمكن ان تكون غائمة او مجهولة فيما سبق ونشعر فعلا انه سبب عزة الحوزة والمذهب وشجاعتها وحدية هدفها اكثر من ذي قبل وان خسأ الكافرون.

بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا احد * صدق الله العلي العظيم



الجمعة السابعة والثلاثون 6 رمضان 1419

الخطبة الثانية



اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هدانا لحمده وجعلنا من اهله لنكون من احسانه من الشاكرين وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين والحمد لله الذي حبانا بدينه واختصنا بملته وسبلنا في سبل احسانه لنسكها بمنه الى رضوانه حمدا يتقبله منا ويرضى به عنا والحمد لله الذي جعل من تلك السبل شهره شهر رمضان شهر الصيام وشهر الاسلام وشهر الطهور وشهر التمحسص وشهر القيام الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فابان فضيلته على سائر الشهور بما جعل له من البركات بما جعل له من الحرمات الموفورة والفضائل المشهورة فيحرم فيه ما احل في غيره اعظاما وحجر فيه المطاعم والمشارب اكراما وجعل له وقتا بينا لا يجيز جل وعلى ان يقدم قبله ولا يقبل ان ان يؤخر عنه ثم فضل ليلة واحدة من لياليه على ليالي الف شهر وسماها ليلة القدر تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر سلام دائم البركة الى طلوع الفجر على من يشاء من عباده بما احكم من قضائه اللهم اني اسألك بحق هذا الشهر وبحق من تعبد لك فيه من ابتدائه الى وقت فنائه من ملك قربته او نبي ارسلته او عبد صالح اختصصته ان تصلي على محمد واله واهلنا فيه لما وعدت اوليائك من كرامتك واوجب لنا فيما اوجبت لاهل المباغة في طاعتك واجعلنا في نظم من استحق الرفيع الاعلى برحمتك اللهم صل على محمد واله وجنبنا الالحاد في توحيدك والتقصير في تمجيدك والشك في دينك والعمى عن سبيلك والاغفال لحرمتك والانخداع لعدوك الشيطان الرجيم اللهم صل على محمد وال محمد واذا كان لك في كل ليلة من ليالي شهرنا هذا رقاب يعتقها عوك او يهبها صفحك فاجعل رقابنا من تلك الرقاب واجعلنا لشهرنا من خير اهل واحاب بسم الله الرحمن الرحيم ((افمن اسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير امن اسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين * لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم الا ان تقطع قلوبهم والله عليم حكيم.

نستمر في تلاوة الخطبة السابقة ..

النقطة التاسعة : انه من الواضح في التجربة ان كل حروب امريكا ومؤامراتها نها تجارية تفتعلها لاجل استنزاف الشعوب البائسة اتصاديا واجتماعيا لاجل ايفاء النقائص التي قد تحصل في ميزانيتها خلال اي عام وبالطبع انه كما قيل في الحكمة (ان السياسة لا قلب لها) فكلما كان الامر يجر لها نفعا اندفعت نحوه وورطت نفسها فيه سواء مع اعدائها او مع اصدقائها على حد سواء وتعود النتائج السلبية حقيقة على الشعوب المظلومة المهتضمة عامة وعلى المؤمنين خاصة وهي متعمدة في ذلك.

النقطة العاشرة : انهم زعموا ان القصف قد حقق اهدافه وقد كذبوا وانما كان انتهاؤه تنازلا وتخاذلا من قبلهم. نعم هو قد حقق اهدافه في الحكمة الالهية من حيث لا يدرون من باب ما نسمع من الحديث القدسي الذي يقول : (الظالم جندي انتقم به انتقم منه) فهو كما كان انتقاما للذنوب والعيوب الكثيرة المتفشية في المجتع يكفي ان نلاحظ ونلتفت اننا قد قصرنا تجاه الامام الحسين (عليه السلام) فجاء رد الفعل في الحكمة الالهية سريعا وقويا وننتظر من رحمة الله سبحانه وتعالى ان يطبق الفقرة الثانية من هذه الحكمة لانه يقول (انتقم به وانتقم منه).

نعود الان الى ما كنا بدأنا به في الجمعة السابقة من شرح خطبة النبي (صلى الله عليه واله) التي القاها بمناسبة بدء شهر رمضان المبارك.

قال (صلى الله عليه واله) كما في الرواية : (يا ايها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاقدام ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه).

وكل هذه الكلمات حكم وخصائص ونصائح لا ينبغي ان تعداها حتى نعرف شيئا من فحواها. اشار (صلى الله عليه واله) كما في الرواية في اول فقرة من هذا الذي نقلناه الى حسن الخلق في هذا الشهر وتحسين الخلق وان كان يعني عرفا مجرد المجاملة مع الاخرين وهو لا شك من مصاديقها وتطبيقاتها الا ان المسأل اوسع من ذلك بطبيعة الحالفانه بحسب فهمي يعني وضع الشيء او التعرف في موضعه المناسب له وهذا هو العدل او العدالة فحسن الخلق مسواق للعدالة او مساواق مع العدالة. والعدالة وان شملت الاخرين بطبيعة الحال من اصدقاء واعداء واسرة واخوة وغير ذلك فان المفروض في الفرد المؤمن ان يكون عادلا في علاقاته مع اي شخص ويطبق رضا الله سبحانه وتعالى وتعاليم شريعته في كل مجتمع الا اننا ينبغي انت نلتفت الى ان العدل غير خاص هذا المورد بل له موارد اخرى بل لعلها هي الموارد الاهم والاعظم وهي العدل في علاقتك بنفسك والعدل في علاقتك بربك والعدل في علاقتك باوليائك عليهم افضل الصلاة والسلام.

اما علاقتك بنفسك فالنفس متكونة من عقل وقلب وشهوات ونحو ذلك ولكل من هذه الملكات نظامها العادل الالهي الذي يجب اتباعه والسير على نظامه واتباع التكامل الحيقي النوراني له حتى يصبح الفرد المؤمن ممن يحبهم الله ويحبونه ويكون في مقعد دق عند مليك مقتدر.

واما علاقتك بربك فهي الاهم على الاطلاق وانما كل العلاقات الاخرى مبنية عليها ومنتجة اليها ولولاها لما كان لها اي معنى او اي مبنى. وهذه العلاقة المقدسة لها مراتب بطبيعة الحال.

اولها : مجرد الاعتقاد بوجود الله وتوحيده.

الثانية : محاولة طاعته في الجملة فيكون الفرد عندئذ ممن عمل عملا صالحا وآخر سيء.

الثالثة : محاولة طاعته بالالتزام ببالاتيان بجميع الواجبات والكف عن جميع المحرمات وهنا ينفتح باب الخيرات والرحمة الالهية لان الفرد عندها يكون من المحسنين والله تعالى يقول : ((ان رحمة الله قريب من المحسنين)) ومن هنا نسمعه يوقل كما في الرواية في نتائج ذلك (من حسن في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاقدام) فان الجواز على الصراط يعني الذهاب الى الجنة والى رضاء الله سبحانه. وزلل القدم يعني السقوط في هاوية جهنم او هاوية الرذائل ايا كانت. ومن الطبيعي والمعقول جدا ان من كانت علاقته عادلة بينه وبين ربه وبينه وبين نفسه وبينه وبين الاخرين اذن فهذا هو بعينه ثبات القدم على الصراط والجواز عليه الى الجنة فان هذا الفرد لا شك انه يكون اهل لذلك بخلاف الاخرين الذين تنقص عدالتهم او تنتفي بالمرة او يتورطون في مختلف انواع الزلل والفجور والعياذ بالله.

يبقى سؤال واحد يحسن عرضه والجواب عليه وهو انه (صلى الله عليه واله) كما في الرواية (من حسن في هذا الشهر خلقه) مع ان تحسين الخلق ليس له اختصاص بالصوم او بشهر رمضان بل هو واجب وراجح على اية حال وفي كل زمان ومكان ومطلوب من كل الافراد.

وجوابه ان هذا يعني احد امور :

الامر الاول : ان ضم عبادتين الى عبادة واحدة اولى عند الله واكثر ثوابا من القيام بعبادة واحدة وهذا ينبغي ان يكون واضحا. وفي شهر رمضان اذا انضم الصوم الى حسن الخلق او نقول اذا انضم حسن الخلق الى الصوم كان افضل من احدهما لا محالة.

الامر الثاني : ان المناسبات الدينية من مكانية وزمانية تجعل للطاعة فضل اكثر من غيرها فمثلا ان الصوم في شهر رمضان افضل من غيره فكذلك حسن الخلق يكون في شهر رمضان او اي عبادة اخرى كالصلاة او ضاء حاجة المحتاجين يكون فيه افضل من غيره كما انها في المسجد تكون افضل وهكذا فيكتسب بذلك حسن الخلق في شهر رمضان اهمية عالية وكذلك سائر الاعمال الصالحة المذكورة في هذه الخطبة النبوية الشريفة.

الامر الثالث : ان الفرد الصائم قد يلتفت الى تفاصيل الشريعة ودقائقها اكثر من غيره لانه يرى نفسه في طاعة مستمرة بصفة صيامه فيرغب بطاعة اكثر ويلتفت الى جهات اخرى منها ومن هنا ينبهه النبي (صلى الله عليه واله) الى حسن الخلق وغيره فيكون اول التفاته الى ذلك خلال شهر رمضان ليستمر عليه بعد انقضائه ايضا.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * اياك نعبد واياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين انعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضالين * صدق الله العلي العظيم
الجمعة الثامنة والثلاثون 13 رمضان 1419

الخطبة الاولى



اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين

بسم الله الرحمن الرحيم

قولوا معي ثلاث مرات كما اقول باللغة الدارجة وليس بالفصيح ..

هذا هذا هدفنا ..

هذا هذا عملنا ..

هذا هذا امامنا ..

هذا هذا عدونا ..

هذه هذه حوزتنا ..

هي هي عزتنا ..

هي هي قائدنا ..

هي هي املنا ..

اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم ان هذا الشهر المبارك الذي انزل فيه القرآن وجعل هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان قد حضر فسلمنا فيه وتسلمه منا في يسر منك وعافية يا من اخذ القليل الكثير اقبل مني اليسير اللهم اني اسألك ان تجعل لي الى كل خير سبيلا ومما لا تحب مانعا يا ارحم الراحمين يا من عفى عني وعما خلوت به من السيئات يا من لا يؤاخذني بارتكاب المعاصي عفوك عفوك عفوك يا كريم. الهي وعظتني فلم اتعظ وزجرتني عن محارمك فلم انزجر فما عذري فاعفوا عني يا كريم عفوك عفوك اللهم اني اسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب عظم الذنب من عبد فليحسن التجاوز من عندك يا اهل التقوى واهل المغفرة عفوك عفوك. اللهم اني عبدك وبن عبدك وبن امتك ضعيف فقير الى رحمتك وانت منزل الغنى والبركة على العباد قادر مقتدر احصيت اعمالهم وقسمت ارزاقهم وجعلتهم مختلفة السنتهم والوانهم خلقا من بعد خلق ولا يعلم العباد علمك ولا يقدر العباد قدرك ولا يعلم العباد علمك ولا يقدر العباد قدرك وكلنا فقير الى رحمتك فلا تصرف عني وجهك واجعلني من صالح خلقك في العمل والامل والقضاء والقدر. اللهم ابقني خير البقاء واغنني خير الغناء على موالاة اوليائك ومعاداة اعدائك والرغبة اليك والرهبة منك والخشوع والوفاء والتسليم لك والتصديق بكتابك واتباع سنة رسولك اللهم ما كان في قلبي من شك او ريبة او جحود او قنوط او صرح او بذخ او بطر او خيلاء او رياء او سمعة او شقاق او نفاق او كفر او فسوق او عصيان او عظمة او شيء لا تحبه فاسألك يا ربي ان تبدلني مكانه ايمانا بوعدك ووفاءا بعهدك ورضا بقضائك وزهدا في الدنيا ورغبة فيما عندك واثرة واطمئنانية وتوبة نصوحا اسألك يا رب العالمين الهي انت من حلمك تعصى ومن كرمك وجودك تطاع فكأنك لم تعصى وانا ومن لم يعصك سكان ارضك فكن علي بالفضل جوادا وبالخير عوادا يا ارحم الراحمين وصلى الله على محمد واله صلاة دائمة لا تحصى ولا تعد ولا يقدر قدرها غيرك يا ارحم الراحمين.

الاية للموعظة …

بسم الله الرحمن الرحيم

((واقترب الوعد الحق فاذا هي شاخصة ابصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين * انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون * ولو كان هؤلاء الهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهو فيها لا يسمعون * ان الذسن سبقت لهم منا الحسنى اولئك عنها مبعدون * لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت انفسهم خالدون * لا يحزنهم الفزع الاكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون *)

لا شك ان الصوم بالمفهوم اللغوي اوسع بكثير من المفهوم الشرعي او المتشرعي. قال الراغب الاصفهاني في كتابه المفردات في غريب القرآن : الصوم في الاصل الامساك عن الفعل مطعم كان او كلاما او مشيا ولذلك قيل للفرس الممسك عن السير او العلف الصائم.

قال الشاعر : خيل صيام واخرى غير صائمة.

وقيل للريح الراكدة يعني عن الحركة صوم وللاستواء النهار صوم تصورا لوقوف الشمس في كبد السماء ولذلك قيل قام قائم الظهيرة مقام الفرس ومصامته موقفه يعني المكان الذي يقف فيه او المكان المعد للوقوف فيه. قال والصوم في الشرع امساك المكلف بالنية من الخيط الابيض الى الخيط الاسود يقصد من الفجر الى الليل عن تناول الاطيبين (والظاهر انه يعني بهما الخبز واللحم) والاستمناء والاستقاء (هكذا عبارته) يعني الشرك واما قوله تعالى : ((اني نذرت للرحمن صوما)) فقد قيل عنى به الامساك عن الكلام بدلالة قوله تعالى : ((فلن اكلم اليوم انسيا)).

وفي لسان العرب لابن منظور عن التهذيب : الصوم في اللغة الامساك عن الشيء والترك له وقيل للصائم صائم لامساكه عن المطعم والمشرب والمنكح وقيل للصامت صائم لامساكه عن الكلام وقيل للفرس صائم لامساكه عن العلف مع قيامه والصوم ترك الاكل قال الخليل: والصوم قيام بلا عمل قال ابو عبيدة: كل ممسك عن طعام او كلام او سير فهو صائم والصوم البيعة ومصام الفرس ومصامته وقامه وموقفه. وقال امريء القيس :

كأن الثريا علقت في مصامها بامراس كتان الى صم جندل

ومصام النجم معلقه كأنما كانوا يتصورون ان النجم معلق في البرج او في السماء ومصام النجم معلقه باعتبار انه ثابت هناك لا يتحرك ظاهرا وصامت الريح ركدت وصام النهار صوما اذا اعتدل وقام قائم الظهيرة وبكرة صائمة اذا قامت فلم تدر كرة طبعا من نوع الجمل وبكرة صائمة اذا قامت فلم تدر قال الراجز شر الدلائل ولغت الملازمة والبكرات شرهن الصائمة يعني التي لا تدور البكرة التي لا تدور والتي لا تدر اذا كان نفثا للجمل فمن الحليب الدر واذا كان بكرة بمعنى الذي يلف عليه خيط البئر اذن فهي التي لا تدور صائمة.

اقول ومن هنا اتضح ان الصوم في اللغة اساسه مجرد الترك لاي نشاط او عمل سواء كان عمديا اختياريا ام لا فهو يشمل حتى غير الاختياري ولذا وصف به النهار ووصفت به الشمس لكن بشرط الاستمرار به لبرهة من الزمن ولا يكون ترك العمل للحظة او لحظات صوما لانه يكون من اي احد لاي عمل وليس هو بصوم بطبيعة الحال وانما الاستمرار بالترك لبرهة هو الصوم لغة طبعا.

واما اذا فهمنا الصوم من زاوية كونه طاعة لله سبحانه فسوف نزيد عليه عنصرا واحدا وهو النية اعني الانتساب الى الله سبحانه وكونه في سبيله اذن فليس كل ترك هو صوم شرعا والا كان كل من ترك الطعام او النكاح ولو باعتبار المرض او السجن او التيه او الفقر او اي سبب آخر صائما غير صحيح وهو فعلا صائم باعتبار المفهوم اللغوي الا انه لا اعتبار لصومه شرعا لانه ليس في سبيل الله نعم لو صبرعلى بعض انواع البلاء احتسابا لله سبحانه سبحانه كان مأجورا وينطبق عليه مفهوم الصوم بالمعنى العام او قل بالمعنى اللغوي ومن هنا فسر الصبر بالصوم لانه يتضمن الصبر على ترك بعض الامور المرغوبة للنفس غالبا وفسر الصبر في القرآن الكريم بالصوم في نحو قوله تعالى ((وسنجزي الصابرين اجرهم بغير حساب)) اي الصائمين. وليسوا هم صائمين بالمعنى المتشرعي ولكنهم مستمرين على ترك بعض الامور الدنيئة او الرديئة في سبيل طاعة الله سبحانه وهذا هو معنى الصبر طبعا ومن هنا انطبق عليه معنى الصيام.

والمهم اننا اذا اردنا فهم الصوم الشرعي بالمعنى الواسع قلنا هو الترك مع النية يعني ترك اي شيء اذا كان تركه لرضاء الله سبحانه وبطبيعة الحال لن يشمل ذلك الامور الراجحة والمطلوبة لان ترك ما هو راجح ومطلوب قبيح اولا وغير مرضي لله عز وجل ثانيا فلا يكون تركه مع النية او تركا في سبيل الله وانما يختص الصوم بهذا المعنى بترك الامور المرجوحة والقبيحة والمحرمة ومن ضمنها الامرو التي تناسب الشهوات والملذات الدنيوية والنفس الامارة بالسوء. ومن هنا قال بعض اهل المعرفة (الدنيا للمؤمن صوم يوم) يعني يكف فيها نفسه عن الشهوات والملذات والمحرمات برهة حياته القصيرة من اجل ان ينال الحياة الحقيقية في الاخرة حيث لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ومن هنا سمعنا رسول الله (صلى الله عليه واله) بحسب الرواية يقول في خطبته (يا ايها الناس من حسن خلقه في هذا الشهر كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاقدام ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه ومن كفف فيهشره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه).

وبالنتيجة فالمؤمن لن يكون صائما خلال هذا الشهر عن الطعام والشراب والنكاح فقط بل عن كل الشهوات والاعتبارات التي تؤدي الى اثمه ونقصانه وعقابه حتى وان كان في ذلك ملذته الدنيوية وايفاء حاجته العاجلة.

واما قوله (ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه)فان الفرد قد يشعر بالانانية والتسلط فيظلم اولئك الناس الذين تحت امرته كائنا من كانوا ويكلفهم بعض المصاعب التي لا يطيقونها فيكون البلاء الواقع عليهم من ناحيته في ذمته يتكفله امام الله سبحانه وتعالى ومن هنا كان التخفيف عنهم وازالة المصاعب عنهم بمقدار الامكان هو الارجح شرعا له لان الرحمة بالناس من رحمة الله سبحانه وتعالى والله تعالى رحمن رحيم يحب رحمه وفاعل الرحمة.

والذين ملكت يمينه قد يفسر بالعبيد الذين يملكهم الفرد كما كان في المجتمعات السابقة ومعه يكون مضمون هذه العبارة والحكمة منتفيا الان لانتفاء وجود العبيد في هذه العصور الا ان الصحيح ان المراد من الملكية هنا السيطرة توكلت على الله رب العالمين القيادة او الرعاية كما في الحديث (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)ومن هنا قيل ان الفرد يملك البيع والشارء اي انه يستطيعهن ومسيطر عليهما في حدود الشرائط الشرعية طبعا وكذلك فان رب الاسرة يملك اسرته اي يسيطر عليها ومن جملة ذلك الزوجة ايضا يملكها اي يسيطر عليها ومن هنا ورد عن النبي هود عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام يقول عن زوجته بما مضمونه كما سمعنا في كتاب منة المنان (هي عدوي وانا ادعو لها بطول العمر لان عدوا املكه خير لي من عدو يملكني) يعني عدو انا مسيطر عليه خير لي من عدو هو مسيطر عليّ طبعا.

لاحظوا .. فاذا عرفنا ان المراد من الملكية وجود السيطرة وليس بالملكية بالمعنى السوقي او العرفي عرفنا ان من كان تحت السيطرة يكون مملوكا بهذا المعنى ولذا يقول (صلى الله عليه واله) كما في الرواية (من خفف عما ملكت يمينه) وهذا يشمل كل الحقول الخاصة والعامة فالمدرس مالك لطلابه والمدير مالك لعماله والمزارع مالك لفلاحيه ورب الاسرة مالك لاسرته وغير ذلك.

ومن هنا مفهم سعة قول النبي (صلى الله عليه واله) في كل المسيطرين والناس الذين تتم السيطرة عليهم وانه من الراجح شرعا وانسانيا ودائما ان يستعمل المسيطر طريقة الرحمة والعدالة فيمن يسيطر عليهم ولا يكلفهم ما لا يطيقون والا كان ظالما ومتجاوز على حقوقهم.

بسم الله الرحمن الرحيم والسماء والطارق * وما ادراك ما الطارق النجم الثاقب * ان كل نفس لما عليها حافظ * فلينظر الانسان مم خلق * خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب * انه على رجعه لقادر * يوم تبلى السرائر * فما له من قوة ولا ناصر * والسماء ذات الرجع * والارض ذات الصدع * انه لقول فصل * وما هو بالهزل * انهم يكيدون كيدا * واكيد كيدا * فمهل الكافرين امهلهم رويدا * صدق الله العلي العظيم



الجمعة الثامنة والثلاثون 13 رمضان 1419

الخطبة الثانية



اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم توكلت على الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله الذي ليس له منازع يعادله ولا شبيه يشاكله ولا ظهير يعاضده قهر بعزته الاعزاء وتواضع لعظمته العظماء فبلغ بقدرته ما يشاء الحمد لله الذي يجيبني حين اناديه ويستر علي كل عورة وانا اعصيه ويعظم النعمة علي فلا اجازيه فكم من موهبة هنيئة قد اعطاني وعظيمة مخوفة قد كفاني وبهجة مونقة قد اراني فاثني عليه حامدا واذكره مسبحا الحمد لله الذي لا يهتك حجابه ولا يغلق بابه ولا يرد سائله ولا يخيب آمله الحمد لله الذي يؤمن الخائفين وينجي الصادقين ويرفع المستضعفين ويضع المستكبرين ويهلك ملوكا ويستخلف آخرين والحمد لله قاصم الجبارين مبير الظالمين مدرك الهاربين نكال الظالمين صريخ المستصرخين موضع حاجات الطالبين معتمد المؤمنين الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الارض وعمارها وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله الحمد لله الذي يخلق ولم يخلق ويرزق ولا يرزق ويطعم ولا يطعم ويميت الاحياء ويحيي الموتى وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير. اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وامينك وصفيك وحبيبك وخيرتك من خلقك وحافظ سرك ومبلغ رسالاتك افضل واحسن واجمل واكمل وازكى وانمى واطيب واطهر واسنى واكثر ما صليت وباركت وترحمت وتحننت وسلمت على احد من عبادك وانبيائك ورسلك وصفوتك واهل الكرامة من خلقك اللهم وصل على علي امير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين عبدك ووليك واخي رسولك وحجتك على خلقك وآيتك الكبرى والنبأ العظيم وصل على الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وصل على سبطي الرحمة وامامي الهدى الحسن والحسين سيدي شباب اهل الجنة وصل على ائمة المسلمين علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والخلف الهادي المهدي حججك على عبادك وامنائك في بلادك صلاة كثيرة دائمة. اللهم وصل على ولي امرك القائم المؤمل (في الارجح ان تقوموا لذكر الامام (عليه السلام)).

اللهم وصل على ولي امرك القائم المؤمل والعدل المنتظر وحفه بملائكتك المقربين وايده بروح القدس يا رب العالمين اللهم اجعله الداعي الى كتابك والقائم بدينك استخلفه في الارض كما استخلفت الذين من قبله مكن له دينه الذي ارتضيته له ابدله من بعد خوفه امنا يعبدك لا يشرك بك شيئا اللهم اعزه واعزز به وانصر وانتصر به وانصره نصرا عزيزا وافتح له فتحا يسيرا واجعل له من لدنك سلطانا نصيرا اللهم اظهر به دينك وسنة نبيك حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة احد من الخلق. اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة تعز بها الاسلام واهله وتذل بها النفاق واهله وتجعلنا فيها من الدعاة الى طاعتك والقادة الى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والاخرة.

بسم الله الرحمن الرحيم

((وسيق الذين كفروا الى جهنم زمرا * حتى اذا جاؤوها وفتحت ابوابها وقال لهم خزنتها الم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم ايات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا * قالوا بلى ولن حقت كلمة العذاب على الكافرين * قيل ادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها * وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا * حتى اذا جاؤوها وفتحت ابوابها وقال خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين * وقالو الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض ننتبوء من الجنة حيث نشاء فنعم اجر العاملين * وترى الملائكة حافين حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين *))

نستمر فيما قلناه في الخطبة الاولى فنقول ويمكن تفسير هذه العبارة المروية عن النبي (صلى الله عليه واله) بتفسير آخر وهو قضية ما ملكت يمينك فهذا الذي عرفناه واخرى واخرى نفهم منه المال & فان ذلك مرجوح اخلاقيا حتى مع دفع الحقوق الشرعية فضلا عن عدم دفعها كما ورد (ما اجتمع درهمان الا من شح او حرام) وقال تعالى ((ومن يوق شح نفسه)) يعني يوق شح نفسه بالمال يكون سخيا وباذلا له في سبيل الله وفي سبيل الاخرين.

المعنى الثاني : التخفيف من الصرف والبذخ في اطايب الطعام وجميل اللباس والمنازل اعالية والمراكب الفارهة فان ذلك ان كان مع اهمال الدين وترك الورع كان حراما حقيقة وعليه عقوبة فعلية فان كان مع دفع الحقوق الواجبة كان الحرص على الباقي على الزائد عن الحاجة مرجوحا حقا من الناحية الاخلاقية والانسانية كما سمعنا فيما روي عن امير المؤمنين (عليه السلام) بما مضمونه (كيف ارضى ان يقال امير المؤمنين ولا اشاركهم جشوبة العيش).

ثم يقول (صلى الله عليه واله) كما في الرواية (ومن كف شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه) فانه من الواضح ان اي فرد يستطيع ان يصنع الشر لغيره كما ان من الواضح ان الشر الوارد على الفرد على قسمين لانه قد يكون على استحقاقه ومطابق للعدل كدفاع المظلوم والحدود والديات والتعزيرات الشرعية وقد لا يكون على استحقاقه فيكون ظلما محرما وذلك كسائر المظالم التي نراها تقع بين الناس. فهنا يوصي النبي (صلى الله عليه واله) او نقول الافراد سواء كان الفرد صائما او لم يكن ان يكف شره عن الناس او قل عن الاخرين لكي يكف الله عنه غضبه يوم يلقاه وهذا معناه اولا الكف الظلم عن الاخرين وهذا النوع من الشر اي الظلم طبعا محرم على كل حال سواء كان من الصائم او من غيره وسواء كان في شهر رمضان او في غيره. لاحظوا .. حتى الغيبة البسيطة والكذب البسيط فضلا عن غيره ومن المعلوم ان ترك هذا الحرام كغيره موجب لرضا الرب سبحانه وتعالى. ثانيا : ان الفرد اذا كان له حق على الاخرين ومن حقه استيفاءه كالدين مثلا فليؤجله فان في ذلك زيادة في الحسن العقلي والرفعة الاخلاقية فهو اما ان يؤجله الى الابد ان يترك استيفاءه اي استيفاء حقه اطلاقا زهدا في الدنيا وطمعا برضا الله سبحانه وتعالى كما قيل في الحكمة : (العفو عند المقدرة). واما اذا كان حريصا على حقه فلا بأس ولكن الافضل له تاجيله عن شهر رمضان المبارك فان في هذا التاجيل رضا الله سبحانه وتعالى ايضا وان الاشتغال بالعبادة فيه خير من الاشتغال باستيفاء الحقوق الدنيوية ولا شك ان مثل هذه الاعمال تعيق عن التوجه الحقيقي المطلوب في شهر رمضان وهذا لا يختلف فيه ايضا الصائم عن المفطر وخاصة اذا كان مفطر عن عذر شرعي وهذا من معاني ما سمعناه (ومن كف شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه).

ثالثا : ان الشر ليس خاصا بالانسان بل هو واقع او في الامكان ان يقع على الحيوان ايضا. والشر الواقع من الانسان على الحيوان منه ما يكون حراما ومنه ما يكون جائزا والظاهر فقهيا ان اغلبه جائز على اي حال كالتذكية للحيوان ماكول اللحم كالغنم والبقر ولكن اطلاق العبارة تشمله فيكون المفهوم منها ان من كف شره عن الحيوان بكل انواع الشر فهو الافضل اخلاقيا والاعلى ايمانيا وهذا عاما وان كان عاما لشهر رمضان وغيره الا انه خلال هذا الشهر المبارك اولى واحق اما احتراما للصوم اذا كان الفرد صائما واما احتراما للشهر اذا كان الفرد مفطرا.

بقي في العبارة سؤال واحد وهو قوله : (كف عنه غضبه يوم يلقاه) فاي يوم يلقاه ؟ فان الله تعالى لا يمكن ان يلاقيه احد لانه لا تحده الازمنة ولا الامكنة ولا الجهات وليس من قبيل الاجسام لكي تصح معه المقابلة والاجتماع اذن فما المقصود من لقاء الله سبحانه وتعالى ؟

ومن الملاحظ ان لقاء الله تعالى منصوص في عدد من ايات القرآن الكريم ومنهي بشدة عن تكذيبه كقوله تعالى : ((قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين)) وقوله : ((ان كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون)) وقوله : ((من كان يرجوا لقاء الله فان اجل الله لآت)) وقوله : ((الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شيء محيط)) وقوله : ((فنذر الذين لا يرجون لقائنا في طغيانهم يعمهون)) الى غير ذلك من الايات الكريمات.

ومن الواضح عقلا ومتشرعيا ان الله تعالى يستحيل لقائه باللقاء المادي كما هو معلوم من معلوم العقائد الاسلامية ولكن يمكن حمل هذه النصوص وامثالها على معان اخرى محتملة وممكنة بل متعينة لاستحالة اللقاء المادي بطبيعة الحال :

اولا : ان المراد بلقاء الله يوم القيامة كما هو التفسير المشهوري بقرينة انه حصل التعبير في اية اخرى بلقاء الاخرة فيراد من لقاء الله لقاء الاخرة الذي هو يوم القيامة.

ثانيا : ان المراد تقدير مضاف يعني لقاء رحمته لقاء الله يعني لقاء رحمة الله او لقاء حسابه او لقاء عقابه ونحو ذلك.

ثالثا : ان المراد تقدير مضاف بنحو او يعني لقاء اولياء الله لقاء الله يعني لقاء اولياء الله او من يمثله في اللغة الحديثة اذا تكلمنا في اللغة الحديثة كالملائكة والمعصومين (عليهم السلام).

رابعا : ان المراد الاشارة الى حالة نفسية اعتبارية ناشئة من الاعتقاد والتاكيد على ان الله تعالى يرى عبده في كل مكان وزمان فهو بين يدي الله فالعبد بين يدي الله وامامه في حسناته وفي سيئاته وفي صلاته وفي كل حال (فان لم تكن تراه فهو يراك) ومن جملة ذلك انه في الصلاة بين يدي الله وهذا وارد في الروايات وفي يوم القيامة ايضا بين يدي الله في حال الحساب والعقاب.

خامسا : اننا وان لم نكن نشعر بلقائه فهو جل جلاله يشعر بلقائنا كما قال تعالى : ((هو معكم حيثما كنتم)) وقال : ((ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم اين ما كانوا ثم ينبأهم بما عملوا يوم القيامة.

سادسا : ان اللقاء المادي وان كان متعذرا ومستحيلا فان اللقاء المعنوي او الروحي ببعض مراتبه ممكن كما قال امير المؤمنين (سلام الله عليه) في بعض خطبه ما مضمونه : (فانه لا تراه الابصار ولكن تراه القلوب بحقائق الايمان) فيكون اللقاء مع الله تعالى بهذا المستوى الرفيع.

بسم الله الرحمن الرحيم سبح اسم ربك الاعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى * والذي اخرج المرعى * فجعله غثاءا اخوى * سنقرئك فلا تنسى * الا ما شاء الله انه يعلم الجهر وما يخفى * ونيسرك لليسرى * فذكر ان نفعت الذكرى * سيذكر من يخشى * ويتجنبها الاشقى * الذي يصلى النار الكبرى * ثم لا يموت فيها ولا يحيى * قد افلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى * بل تؤثرون الحياة الدنيا * والاخرة خير وابقى * ان هذا لفي الصحف الاولى * صحف ابراهيم وموسى * صدق الله العلي العظيم