السلام عليكم :

مكانة المرضعة في الريف الروماني

هاهي الأم تحمل الرضيع على ذراعها و مغزل الصوف في حزامها
تهز مهده برجلها وتداعبه بيدها اليمنى و تشعل النار في الموقد بيدها اليسرى ..
أما إذا رافقت زوجها إلى الحقل فكانت تحمل الرضيع معها .. وفور وصولها كانت تعد له عشا من الأعشاب في مكان مظل تحت شجرة عادة و تضعه فيه وتذهب لمشاركة زوجها في الأعمال الزراعية وترجع للرضيع مرارا لتطمئن عليه ..وإذا بكى جاءت لتداعبه و تهزه في حضنها إلى أن يستغرق في النوم ثم ترجع إلى عملها في الحقل .
وقال الباحث سيمون ماريان إن أطفال الريفيات كانوا أقوى عافية و عنفوانا من أمثالهم من أطفال أهل المدن وذلك رغم المخاطر التي كانت تواجههم دائما و من الصغر .. فهم يعيشون في ظروف عسيرة أحيانا إذ تعصف عليهم الرياح و تحرقهم الشمس ويبللهم المطر والثلج و تضايقهم البرد أو القيظ.. ومع ذلك نراهم أطول قامة و أقوى بنية من أمثالهم من أطفال أهل المدن الذين يدللهم والداهم و يحمونهم من الشمس و الريح و البرد أو أي شيء مضر .. بحسب قول سيميون ماريان في أحد بحوثه
من أكثر اللحظات عاطفة التي تقضيها الأم مع مولدها تلك التي تؤدي له أغنية مهد .. كان لحنها البطيء والشجي يساعد الطفل على النوم سريعا بينما تهزه والدته بين أحضانها أو تهز مهده .. أما كلماتها فكانت شبيهة للتعاويذ المؤداة لحماية الطفل من الشر .. لذا فقد اعتبر البعض أغاني المهد التقليدية بمثابة تعاويذ وحتى الشعوذة الممارسة لإبعاد الشر عن المولود .. أغاني المهد التي لا تزال الريفيات ترددنها غالبا ما قديمة جدا حيث توارثها كل امرأة من والدتها وجدتها ..
و لطريقة أدائها أهمية بمكان إذ كان على الأم أن تلتزم بأصوله التقليدية و أن تكون مرتاحة البال قدر المستطاع ذلك أن مزاجها يؤثر سلبيا على الرضيع و حتى على مصيره لاحقا .. وتقول إحدى الأغاني القديمة :
يا أمي لماذا تركت البؤس ينتابك وأنت تهزين مهدي فهاأنا أعيش منسيا بين الغرباء ولن أجد راحتي أبدا ..
والدليل على التشابه بين أغاني المهد وترانيم الشعوذة و التعاويذ مناداة الأم بالحيوانات وغيرها من الكائنات وحثها مساعدتها لتنويم الطفل وهذه النداءات متميزة للشعوذة وليس لأغاني المهد فتقول إحداها :
فليأت النوم لطفلي من قرون الكبش و العجل و الخروف
1- بينما تقول الأم في أغنية مهد أخرى :
لا تخاف من الوحوش يا طفلي لأنني طردتها .. لا تخاف من الأشباح ولا من الزواحف ضربتها فلاذت بالفرار
مهما حاولت الأم طرد همومها و أحزانها وهي تنوم طفلها إلا أن مصائب الحياة كانت تغلبها أحيانا فإذا عاشت حياة العسر كانت تنقل إلى أغاني المهد الشيء الكثير من همومها وأحزانها .. فإذا كان والد الطفل قد جند وهو بعيد عن زوجته وأطفالهما أو إذا كان مصيره مجهولا قالت الأم في أغنية المهد دونها الباحث سيميون ماريان
نم يا ابني نم ولا تنتظر أباك
لأن رحل بعيدا مع الجنود ..
أما إذا كان زوجها من الرجال الذي يهملون واجباتها العائلية ويبحثون عن وسائل اللهو بعيدا عن المنزل فتقول الأم في أغنية مهد :
نم يا ابني واعلم أن سوء الطالع يلاحق المرء منذ أن ولد إلى أن يتوفى فهكذا لاحقني منذ أن رأيت نور العالم
بل هناك رجال يترددون إلى الحانات ويعودون إلى البيت وهم في حالة سكر وقد يضربون زوجاتهم و حتى أطفالهم... كما تبينه أغنية المهد هذه والتي تقول الأم فيها :
يا عصفورة .. انقلي عشك إلى مكان آخر وإلا يدمره يضربك زوجي السكران ويضربك.

( نقلا عن rri )