قد يدخل موسوعة غينيس ..
استخراج 52 ولاعة من بطن شخص بكركوك








علي طالب/نيوزماتيك/ كركوك

"أنا احد أحفاد المكتشف كولومبوس" هكذا يقول عباس عز الدين63 سنة، من أهالي كركوك الذي أجريت له عملية جراحية، لاستخراج 52 ولاعة غازية، وبطارية، وأجسام أخرى غريبة من بطنه، فيما يرى احد المعالجين في المستشفى انه لو علم المشرفون على موسوعة غيينس بما قام به عباس "لوضعوه في ذلك الكتاب لتحطيمه الرقم القياسي بابتلاع الولاعات".

وتروي السيدة سمر عز الدين شقيقة عباس، أنه "قبل أكثر من خمسة أيام أحس عباس بآلام في بطنه وتم نقله إلى مستشفى ازادي العام في كركوك".

وتضيف "بعد الفحوصات واخذ أشعة لبطنه تبين وجود قداحات ومواد غريبة أخرى في المعدة، وقرر فريق طبي برئاسة الدكتور الجراح طارق عبد الحميد، إجراء عملية جراحية واستخراج 52 ولاعة غازية وبطارية صغيرة ومواد أخرى ابتلعها شقيقي الذي حولته المستشفى من شعبة الجراحة إلى وحدة الطب النفسي".

وتتابع السيدة سمر "كنت في المنزل افتقد الولاعات الغازية التي نشتريها من السوق، ولم نكن نعلم بان عباس يخطفها ويحفظها في معدته، ولعله يحاول دخول كتاب غينيس للأرقام القياسية في ابتلاع أكثر من 52 ولاعة غازية".

كولومبوس في عرعر والصحراء العراقية السعودية

ويقول عباس في حديثه مع "نيوزماتيك"، "قبل اقل من خمسة أيام أصبت بأوجاع قوية في بطني، ولم اعرف السبب، وتم نقلي إلى مستشفى آزادي، وقام الدكتور طارق عبد الحميد اختصاص الجراحة باجراء عملية جراحية في البطن وارقد الآن في شعبة الطب النفسي وأتلقى الرعاية الجيدة والحنونة من قبلهم".

الحديث مع عباس متقطع، فتارة ينطلق في عوالمه المتخيلة وتارة يعود إلى الحديث العادي، فبعد أن أنقطع عباس عن الحديث، انتقل إلى عالمه الخاص، واخذ يقول "كريستوفر كولومبوس المكتشف الكبير هو جدي، وأنا احد أحفاده ولكني لم استطع بلوغ ما بلغه في اكتشاف العالم الجديد والمناطق الأخرى".

وبعد هذه الجملة الححنا في السؤال عن وضعه قال "في العام 1991 كنت أحد الجنود العراقيين في مدينة الناصرية حيث تحركت تلك القوات للمشاركة في اجتياح دولة الكويت، ولكن، في منطقة عرعر بالصحراء العراقية السعودية، تم أسرنا ونحن على الحدود من قبل قوات أمريكية واحتجزنا عند الحدود قرابة الشهر وبعدها تم إطلاق سراحنا، وتم تسليمنا إلى الجانب العراقي، الذي أطلق سراحنا في منطقة أبو غريب في العاصمة بغداد، وسبق ذلك مشاركتي في الحرب العراقية الإيرانية"، ويتابع "أنا أكره الحروب لأنها تدمر الشعوب، أنا خريج كلية التربية قسم الجغرافية عام 1980 وبعد التخرج رمت بنا الأقدار بحرب طاحنة قضت على أحلامنا في إكمال مسيرة الحياة".

ويضيف عز الدين" بعد هاتين المشاركتين في الحربين أصبت بصدمة نفسية قوية جعلتني اعتزل الناس وأبقى في منزلي"، في منطقة بريادي في حي المصلى بكركوك.

توقف عباس عز الدين عن الحديث وبدأ يسائلنا "من أنتم ولماذا هذه الأسئلة الكثيرة لي ماذا تريدون"، بهذه الكلمات تمتم عباس قبل مغادرتنا غرفته التي يسكنها في مشفاه في وحدة الطب النفسي في مستشفى آزادي العام.

بين الانتحار والهروب من الواقع

وتشير شقيقة عز الدين عباس إلى أنه "منذ العام 1991، وبعد أن تعرض شقيقي للأسر في معركة الخليج حينما اجتاح الجيش العراقي الكويت، منذ ذلك الحين هو منعزل في منزلنا".

ويقول المعالج والباحث النفسي في وحدة الطب النفسي، عدنان مطر شهاب، في حديث لـ"نيوزماتيك" إن "العملية التي أجراها الدكتور طارق عبد الحميد كانت ناجحة، وتمكن الفريق الطبي من استخراج 52 ولاعة غازية وجرت بداية الأسبوع الحالي في مستشفى آزادي العام، وبعد يوم من إجراء العملية تم تحويل المريض إلى وحدة الطب النفسي".

وقام الجيش العراقي بقيادة النظام السابق باجتياح دولة الكويت في الثاني من آب عام 1990، فيما قام ائتلاف دولي مكون من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بتحرير الكويت في 26 شباط 1991 بعد حرب الخليج الثانية، التي أدت إلى تدمير البنية التحتية للعراق من كهرباء واتصالات وبنايات حكومية، ودمر جيشه وحرسه الجمهوري، وتم فرض عزله شديدة على العراق إثر قرار هيئة الأمم المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية خانقة عليه استمرت ثلاثة عشر عاماً عانى منها البلد بشدة.

حالة انتحاربتأثير الحروب.. وموسوعة غينيس

وينظر مدير الوحدة النفسية في مستشفى آزادي والطبيب النفسي، الدكتور عبد الكريم خضر عباس، في حديث لـ"نيوزماتيك" إلى حالة عباس بوصفها تندرج ضمن المرض النفسي ويقول "التشخيص الأولي يكشف بأن عباس مصاب بحالة مزمنة من الانفصام في الشخصية، والتي تجعل الشخص يعيش في واقعين، الأول واقع الحياة ومحيطه والثاني عالم الخيال وما يرسمه في ذهنه".

ويضيف الطبيب النفسي "حسب الإحصائيات الطبية العالمية الأخيرة فان 25%من المصابين بما يصطلح عليه طبيا "الشيزوفرينيا" أو الانفصام، يلجئون إلى الانتحار و25%، من المصابين بانفصام الشخصية يشفون من المرض، ولكنهم عند اقرب صدمة يصيبهم نكوص أي العودة إلى الوقوع بين عالمي الواقع والخيال".

ويتابع "هذه الحالة التي لدينا يطلق عليها الانفصام المزمن وما فعله المريض يعد انتحارا للتخلص من واقعه الذي يعيشه".

ويقر المعالج والباحث النفسي في وحدة الطب النفسي، عدنان مطر شهاب، بغرابة حالة عباس في ابتلاع الولاعات، ويرجح أن "المشرفين على موسوعة غيينس لو علموا بحالته فربما وضعوه في ذلك الكتاب باعتباره محطما الرقم القياسي في ابتلاع الولاعات"، ويستدرك القول "ذلك يصح فقط إذا ما انطلق هذا الفعل من إرادة واعية وليس من حالة خلل نفسي وعصبي وعقلي".

وموسوعة غينيس للأرقام القياسية هو كتاب مرجعي يصدر سنوياً، يحتوي على الأرقام القياسية العالمية المعروفة، ويعتبر سلسلة الكتب الأكثر بيعاً على الإطلاق، تم إصدار أول نسخة من الموسوعة في 1955 بواسطة شركة غينيس، وتعتبر هذة الموسوعة من ادق المراجع التي يتم الرجوع إليها في معرفة الأرقام القياسية.

ويوضح المعالج النفسي أن " عباس يعاني من انفصام في الشخصية ولديه ازدواجية في الحديث ونحن في وحدة الطب النفسي نقدم له علاجا عضويا ونفسيا".

ويقول الطبيب النفسي مهدي عبد الكريم في قسم الصحة النفسية في مستشفى واسط إن "الفصام هو أحد الأمراض الذهانية، وتتلخص أعراض المرض باضطراب السلوك والأوهام والهلاوس (السمعية خصوصا)، وللخلفية الاجتماعية التأثير الواضح في نوع الهلاوس والأوهام".

ويضيف الطبيب النفسي قائلا "يعمد بعض مرضى الفصام إلى سلوكيات غير مألوفة، ومنها تناول بعض الأشياء الغريبة في المأكل وابتلاع أشياء لا يمكن تناولها اعتياديا"، ويورد الطبيب النفسي بعض الحالات فيقول "في إحدى الحالات المسجلة في بغداد تم استخراج أكثر من كيلو غرام من شعر الرأس (وهذه حالة معروفة تقوم المرأة فيها بابتلاع شعرها)، وهناك مريض آخر ابتلع كمية من المسامير وقطع الحديد، وهي تصرفات مرتبطة بماهية الوهم الذي يجعل المريض يبتلع هذه المواد".

نتائج الحروب.. إعاقات وأمراض نفسية وعقلية


ويقول مظفر حسن احمد 50 سنة، وهو أحد المعاقين بسبب الحرب العراقية الإيرانية في حديث لـ"نيوزماتيك" إن "العديد من معاقي الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج، يعانون من أمراض نفسية وعقلية مختلفة، وبعضهم يعاني تشوهات جسمية نتيجة المشاركة في الحروب".

ويضيف المعاق أحمد "لي أصدقاء انتحروا أثناء الحرب العراقية الإيرانية بشنق أنفسهم بالحبال هربا من الظروف التي كنا نعيش فيها".

وحدثت الحرب العراقية الإيرانية والتي سميت ايضا حرب الخليج الأولى، بين الاعوام 1980- 1988، واعتبرت من أطول الحروب التقليدية في القرن العشرين وأدت إلى مقتل نحو مليون شخص، اضافة الى وقوع خسائر مالية تقدر بحوالي 1.19 تريليون دولار أمريكي، وكانت الصراعات الحدودية بين الجانبين أحد أسباب تلك الحرب ، اضافة إلى الخلاف حول عائدية شط العرب، وقيام رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين بالغاء اتفاقية الجزائر عام 1975 والتي وقعها حينما كان نائبا للرئيس آنذاك مع شاه إيران.

ويقول معاون مركز دائرة تأهيل المعاقين في كركوك، المهندس محمد صالح إسماعيل، في حديث لـ"نيوزماتيك"، "لدينا في كركوك وحسب إحصائية رسمية 5400 ألف معاق بنسبة عجز تبلغ أكثر من 60%، وهي من مخلفات الحروب والتفجيرات بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة" ويبين "نعاني من قلة التخصيصات المالية لهذه الشريحة، إذ يتم تزويد كل معاق بكرسي متحرك كل ثلاث سنوات من قبل دائرتنا".

ويقول الباحث الاجتماعي والنفسي، مؤيد عمر، لـ"نيوزماتيك"، إن "الحرب العراقية الإيرانية وحرب 1991 وحرب عام 2003 خلفت أعدادا هائلة من المعاقين والمصابين بأمراض نفسية وعقلية" ويوضح أنه "لا توجد إحصائية دقيقة، ولكن بحسب منظمات المجتمع المدني، هناك بين مليون ونصف المليون معاق في العراق وهذا رقم مخيف"، حسب تعبيره .