وداعـاً..باقر الصدر

بقلم الشهيد القائد د. فتحي الشقاقي
الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين

ولد الإمام محمد باقر الصدر في ذي القعدة 1353هـ لأسرة عريقة في التاريخ الإسلامي وكان والده نابغة عصره في الفقه والأصول... هاجر الإمام إلى النجف الأشرف عام 1365هـ وعكف على دراسة الفقه والأصول ومختلف علوم الإسلام واستطاع أن يصل إلى درجة الاجتهاد المطلق وهو في أواخر العقد الثاني من عمره، برز كمنار شامخ في الفكر الإسلامي فكانت بحوثه ومؤلفاته في مختلف مجالات الفقه والأصول والفلسفة والاقتصاد والاجتماع والتاريخ والقانون والأنظمة المصرفية، كما قدم دراسة نقدية للماركسية تعتبر من أهم الدراسات النقدية التي واجهته هذه النظرية.


ولم يكن الإمام مجرد مفت بل كان قائداً ومعلماً ناضل من أجل توعية الأمة وتثقيف شبابها وخلق تياراً فكرياً إسلامياً هائلاً امتد إلي كل أرجاء الوطن الإسلامي... واستمر في نضاله حتى سقط شهيداً على يد الطغمة المستبدة في بغداد من أشهر مؤلفات العديدة، (اقتصادنا، فلسفتنا، غاية الفكر في علم الأصول، البنك اللاربوي في الإسلام، الأسس المنطقية للإستقراء، الفتاوى الواضحة...).


ما أصعب الكتابة عنك... ما أصعب أن يكتب البشر الفانون من أمثالي عن الشهداء الخالدين... ما أصعب أن أكتب عنك يا سيدي، لا أدري أأرثيك... أرثي لنفسي... أم من أرثي هؤلاء القتلة الطغاة من ثوريي هذا الزمان وخصيانه في قصور بغداد.

في يوم ما، دلنى تعبى عليك... وجدت كتابيك العظيمين "اقتصادنا" "فلسفتنا" كان تعب جيل بأكمله.. التهمت.. امتلأت ثقة.. طال ظلك.. طالت قامتي.. تعانقنا كما التلميذ في حضرة أستاذ عظيم... والآن وفي هذه الساعة المتأخرة من هذا الليل يجيء نعيك... العالم يغط في النوم... بينما أنت تترجل عبر الأفق يا سيدي فارساً جميلاً وكوكباً تزفه النجوم.

الأرض ترتعش الآن... ينهمر الرصاص... وهذا الأزرق يشتعل... ودمك الممتد يضيء... يصبح محراثاً... منشوراً سرياً... قنبلة وناراً.


الآن تذهب يا سيدي ليشتعل الحرف بعدك أكثر... ويتضح الشيء أكثر... تذهب الآن.. للأرض تعبر.. للبحر تصعد.. تكسر القيد وللحلم تمضي تدخل في الأزقة والعروق.. تمتد في جروحي.. أمتد في جرحك.. تشتعل الشمس.. تبدأ.. نتوحد الآن.. تقترب جمهرة الفقراء.. ونصعد للقدس.. للقمح والماء.. نصعد للمستحيل.


تذهب الآن... لست وحدك... تزفك الأناشيد... البراكين... السيدات... صهيل الخيول... تزفك عيون الأطفال واليتامى... وفي مهرجان استشهادك يجيء الشهداء ويمشي المستضعفون لمنضي معاً، آه ما أجمل هذا الموت... ما أبدع هذا الخيار الموت... آه ما أصدقه تعبراً تراجيدياً تعلن به انتماءك للمستضعفين وللحياة ما أثقل على القلب سماع نعيك ولكننا لن نبكي... لن نبكي بعد اليوم سوى من فرح وعندما يلوح مع الأفق الرصاص تبشر بفجر جديد... وها هو الفجر القادم... يزغرد فوق زخات الرصاص التي اخترقت الجسد الطاهر... يزغرد ويضيء.


أما أنتم... أيها الجالسون فوق رقاب أمة الإسلام في بغداد أيها القتلة والحمقى وبقايا زمان ولى.




أيها المسكونون بالعار... أيها المدججون بالسلاح... الساعات القادمة لي...أنا المدجج بالغضب والانفجار... المسكون بجدل المرحلة... بالفرح والشهادة...



----------------------------------
المصدر: مجلة المختار الإسلامي – العدد (12) – السنة الأولى – يونيو 1980