النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,595

    Arrow الأحكام الشرعية بـــــين الثوابت والمتغيرات

    بقلم : آية اللّه الشيخ جعفر السبحاني
    الاحكام الشرعية بين الثوابت والمتغيرات[line]-[/line]
    [align=justify]اتفق المسلمون على ان نبى الاسلام‏محمدا(ص)هو خاتم الانبياء، وان شريعته خاتمة‏الشرائع، وكتابه خاتم الكتب، وان تشريعاته خالدة‏لا تنسخ الى يوم القيامة، فهي ثابتة ودائمة الى ان يرث اللّهالارض ومن عليها. هذا من جانب.[/align][align=justify]

    ومن جانب آخر ان التطور الاجتماعي يستلزم‏تطورا في قوانين المجتمع، اذ القانون الموضوع في‏ظرف خاص ربما لا يجدي نفعا في ظرف آخر،ومقتضيات الزمان تختلف باختلاف المجتمعات‏والوان الحياة، فما صح بالامس قد لا يصح اليوم،وما يصح اليوم ربما لا يصح غد.

    فكيف يمكن التوفيق بين الامرين ؟ اقول: هذا هو الاشكال الذي ربما يطرحه بعض‏المنبهرين بالقوانين الغربية لتبرير احلال القوانين‏الوضعية محل القوانين الشرعية، بحجة‏ان‏مقتضيات الزمان تتطل ب ذلك.

    وحاصل كلامهم: ان الحياة الاجتماعية لواستمرت على وتيرة واحدة، لصح للتشريع ان‏يسود في جميع الازمنة، واما لو كانت على وتائرمختلفة متحولة ومتغيرة فلا يسود القانون الواحدفي ازمنة متباينة.

    ولاجل حل هذا الاشكال الذي علق بالكثير من‏الاذهان، نحاول بيان المراد بالقوانين الثابتة، وماهو المقصود بالمقررات المتغيرة على وجه لايمس التغير والتحول صميم الشريعة، وفي نفس‏الوقت تنطبق الشريعة الخالدة على عامة‏المقتضيات والوان الحياة. واليك بيان ذلك: ان للانسان مع قطع النظر عما يحيط به من‏ظروف العيش المختلفة مشاعر وغرائز خاصة‏تلازمه ولا تنفك عنه، اذ هي في الحقيقة‏مشخصات تكوينية له، بها يتميز عن سائرالمخلوقات، وتلازم وجوده في كل عصر ولاتنفك‏عنه بمرور الزمان.

    فهاتيك الغرائز والمشاعر الثابتة لا تستغني عن‏قانون ينظم اتجاهها، وتشريع ينظمها،وحكم‏يصونها عن الافراط والتفريط، فاذا كان‏القانون مطابقا لمقتضى فطرته وصالحا لتعديلهاومقتضيالصلاحها ومانعا من فسادها لزم خلوده‏بخلودها وثبوته بثبوته.

    وهؤلاء قصروا النظر على ما يحيط به من ظروف‏العيش المختلفة المتبدلة، وذهلوا عن ان للانسان‏خلقا ومشاعر وغرائز قد فطر عليها، لا تنفك عنه‏ما دام انسانا، وكل واحد منها يقتضي حكما يناسبه‏ولايباينه، بل يلائمه ويدوم بدوامه ويثبت بثبوته‏عبر الاجيال والقرون.

    ودونك نماذج من هذه الامور، ليتبين لك ان‏التطور لا يعم جميع نواحي الحياة، وان الثابت منها يقتضي حكما ثابتا لا متطورا:

    1- العلاقات الاجتماعية: ان الانسان بما هو موجود اجتماعي، يحتاج‏لحفظ حياته وبقاء نسله الى العيش الاجتماعي‏والحياة العائلية، وهذان الامران من اسس حياة‏الانسان، لا تفتا تقوم عليهما في جملة ما تقوم‏عليه منذ بدء حياته.

    وعلى هذا، فاذا كان التشريع الموضوع لتنظيم‏المجتمع مبتنيا على العدالة، حافظا لحقوق‏افراده‏خاليا عن الظلم والجور والتعسف،موضوعاعلى ملاكات واقعية، ضامنا لمصلحة‏المجتمع‏صائنا له عن الفساد والانحلال.. لزم بقاؤه‏ودوامه ما دام مرتكزا على العدل والانصاف.

    2- الفوارق التكوينية بين الرجل والمراة: ان التفاوت بين الرجل والمراة امر طبيعي‏محسوس، فهما موجودان يختلفان اختلافاعضوياوسيكولوجيا بالرغم من كل الدعايات‏الكاذبة الرامية الى ازالة كل تفاوت بينهما، ولاجل‏ذلك اختلفت احكام كل منهما عن الاخراختلافايقتضيه طبع كل منهما، فاذا كان التشريع‏مطابقا لفطرتهما ومسايرا لطبعهما، ظل ثابتا لايتغير بمرور الزمان، لثبات الموضوع المقتضي‏ثبات محموله.

    3- العلاقات الاسرية: ان الروابط العائلية كرابطة الولد بالوالدين‏والاخ‏باخيه هي روابط طبيعية، لوجود الاتحاد الروحي‏والنسبي بينهم، فالاحكام المتنوعة المنسقة لهذه‏الروابط من التوارث ولزوم التكريم ثابتة لاتتغير بتغير الزمان.

    4- الناحية الاخلاقية والسلوكية: ان التشريع الاسلامي حريص جدا على صيانة‏الاخلاق وحفظها من الضياع والانحلال، ومما لاشك فيه ان في تعاط‏ي الخمر ولعب الميسر وشيوع‏الاباحة الجنسية ضربة قاضية للاخلاق، وقد عالج‏الاسلام تلك الناحية من حياة الانسان بتحريمهاواجراء الحدود على مقترفيها، فالاحكام المتعلقة‏بها تكون احكاما ثابتة ودائمة مدى الدهوروالاجيال، لان ضررها ثابت لا يتغير بتغيرالزمان‏فالخمر دائما يزيل العقل، والميسر ايضاينبت العداوة دوما في المجتمع، والاباحية الجنسية تفسد النسل والحرث‏دائما، فتتبعها احكامها في الثبات والدوام.

    هذا وامثاله من الموضوعات الثابتة في حياة‏الانسان الاجتماعي قد حددها ونظمها الاسلام‏بقوانين ثابتة تطابق فطرته، وتكفل للمجتمع‏تنسيق العلاقات الاجتماعية والاقتصادية على‏احسن نسق، وحفظ حقوق الافراد، وتنظيم الروابط‏العائلية.

    وحصيلة البحث: ان تطور الحياة الاجتماعية في‏بعض نواحيها لا يستلزم تغير النظام السائد على‏غرار الفطرة، ولا تغير الاحكام الموضوعة على‏طبق ملاكات واقعية من مصالح ومفاسد كامنة في‏موضوعاتها، فلو تغير لون الحياة في وسائل‏الركوب ومعدات التكتيك الحربي مثلا فان‏ذلك‏لا يقتضي ان تنسخ حرمة الظلم ووجوب العدل‏ولزوم اداء الامانات ودفع الغرامات والوفاء بالعهودوالايمان وما الى ذلك.

    فاذا كان التشريع على غرار الفطرة الانسانية‏وكان‏النظام السائد حافظا لحقوق المجتمع‏وموضوعاعلى ملاكات في نفس الامر تلازم‏الموضوع في جميع الاجيال، فذلك التشريع‏والنظام يحتل مكان التشريع الدائم.

    المقررات المتطورة في الاسلام: ان للانسان مع هذه الصفات والمشخصات الذاتية‏ظروفا معيشية اخرى زمانية ومكانية، لا تزال‏تتغير ويتغير معها وضع الانسان من حال الى حال،فمثل هذه الظروف الطارئة تتغير احكامهابتغيره.

    ونحن نطلق على الاحكام المتعلقة بهذه الظروف‏عنوان «المقررات‏»، كما نطلق على الاحكام‏المتعلقة بالظروف الثابتة عنوان «القوانين‏».

    وهذه المقررات ليست بمعزل عن القوانين الكلية‏الاسلامية، بل تجري في ضوء القوانين الكلية‏الثابتة بحيث لا تناقضها ولا تعطلها. وان شئت‏قلت: ان هنا احكاما وخطوطا عريضة تمثل‏القاعدة المركزية في التشريع الاسلامي، وهي‏مصونة عن التحول والتبدل مهما اختلفت الاوضاع‏وتباينت الملابسات.

    وهناك احكام متفرعة على تلكم‏الخطوطمستخرجة منها بامعان ودراية خاصة‏يستنبطها الباحث الاسلامي باستفراغ وسعه على‏ضوء هذه الخطوط العريضة، بشرط الا يصادمها.وهذا القسم من الاحكام يتجدد بتجدد العهود،وتباين الظروف، وتعدد الملابسات‏واختلاف‏الشرائط.

    فمن قواعد الدين الاسلامي ما هو خالد وثابت آوهو ما يمس الفطرة الانسانية وله صلة بالكون‏والطبيعة وما هو متغير ومتبدل، وهو الذي لايمس واقع العلاقات الاجتماعية والشؤون البشرية، ولا يتجاوز حدود الظواهر الاجتماعية. وقد منح‏هذا التطور الدين الاسلامي اسباب الخلود والبقاءومواكبة سائر الحضارات، بشرط الا يصطدم‏التحول مع اى اساس من اسسه، ولا يتجاوزحدامن حدوده.

    فالحكم الكلي الذي يعالج القضايا البشرية على‏غرار الفطرة ثابت وخالد في كل العصور والازمنة‏وان تطورت الاوضاع الاجتماعية والسياسية‏واختلفت حاجات الناس، فان الانظمة الاسلامية‏والدساتير الشرعية تساير الفطرة الانسانية‏الثابتة‏وتواكب الطبيعة التكوينية، ولا تتخلف عنهماقيد شعرة، فاذا كان التشريع معبرا عن الطبيعة‏التكوينية الثابتة ومبتنيا عليها فيخلد بخلودهاويدوم بدوامه.

    اجل ان تقلب الاحوال وتحول الاوضاع‏الاجتماعية يتطلب تحولا في السنن والانظمة‏وتبدلا في المقررات، غير انه لا يتطلب تحولافيمايمس واقع الانسانية السائد في جميع الاحوال‏ومختلف الاوضاع، كما لا يتطلب تحولا في‏القوانين الكونية التي اصبحت تدبر الكون باصوله‏الثابتة، فلا تتغير النسب الرياضية ولا النتائج‏الهندسية وان تطورت الاوضاع وتبدلت‏الحضارات.

    وانما المتغير هو المظاهر والقشور والشكل‏التطبيقي لهاتيك الاحكام في مختلف الاوضاع‏وتطور المجتمع، والمتاثر بالاوضاع هو القسم‏الثاني لا الاول، ولا ضير فيه، فان الدين الاسلامي‏انما يستعرض القضايا التي تمس واقع البشرية‏والمسائل التي لها صلة بالكون والطبيعة، ويترك‏التطبيق بعد لنفس المكلف حسب ظروفه واحواله.

    وبذلك تقف على ان التطور والتحول فيما كتب‏له التغير والتبدل هو جزء جوهري للدين‏وعنصرداخل في بناء التشريع الاسلامي، كما ان الثبات‏والدوام فيما فرض له ذلك هو احد عناصرالدين ومن اجزاء ذاك البناء التشريعي‏السامي‏فتجريده من اى واحد من عنصريه يوجب‏انحلال المركب، وفناء الدين، وتاخره عن مسايرة‏الحضارة.

    ودونك نماذج من هذا القسم اي من الاحكام‏المتطورة المتغيرة بتغير الزمان :

    1- في مجال العلاقات الدولية الدبلوماسية: يجب على الدولة الاسلامية ان تراعي مصالح‏الاسلام والمسلمين، وهذا اصل ثابت وقاعدة عامة. واما كيفية تلك الرعاية فتختلف باختلاف‏الظروف الزمانية والمكانية: فتارة تقتضي المصلحة‏ السلام والمهادنة والصلح مع العدوواخرى تقتضي‏ضد ذلك.

    وهكذا تختلف المقررات والاحكام الخاصة في‏هذا المجال باختلاف الظروف، ولكنها لا تخرج‏عن نطاق القانون العام الذي هو رعاية مصالح‏المسلمين، كقوله سبحانه: (ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا) ((319))، وقوله‏تعالى: (لا ينهاكم اللّه عن الذين لم يقاتلوكم في‏الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم‏وتق‏سطوا اليهم ان اللّه يحب المقسطين # انما ينهاكم‏اللّه عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من‏دياركم وظاهروا على اخراجكم‏ان تولوهم ومن‏يتولهم فاولئك هم‏الظالمون)((320)).

    2- في مجال العلاقات الدولية التجارية: قد تقتضي المصلحة عقد اتفاقيات اقتصادية‏وانشاء شركات تجارية او مؤسسات صناعية‏مشتركة بين المسلمين وغيرهم، وقد تقتضي‏المصلحة غير ذلك. ومن هذا الباب ما حكم به‏الامام المجدد الشيرازي (قدس‏سره) من تحريم‏التدخين ليمنع من تنفيذ الاتفاقية الاقتصادية التي‏عقدت في زمانه بين ايران وانجلترا، اذ كانت‏ مجحفة بحقوق الامة الايرانية المسلمة، لانهاخولت لانجلترا حق احتكار التنباك الايراني.

    3- في مجال الدفاع: ان الدفاع عن بيضة الاسلام وحفظ استقلال بلدالاسلام وصيانة حدوده من الاعداء قانون ثابت لايتغير، فالمقصد الاسنى لمشرع الاسلام انما هوصيانة سيادته عن خطر اعدائه واضرارهم‏ولاجل ‏ذلك اوجب عليهم تحصيل قوة ضاربة ضد الاعداء، واعداد جيش قادر على‏ردعهم، كما يقول سبحانه: (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ((321))، فهذا هوالاصل الثابت في الاسلام الذي يؤيده العقل‏والفطرة. اما كيفية الدفاع وتكتيكه ونوع السلاح اوالزامية الخدمة العسكرية وعدمها، فكلها موكولة ‏الى مقتضيات الزمان، تتغير بتغيره، ولكن في اطارالقوانين العامة. فليس هناك في الاسلام اصل‏ثابت، حتى مسالة التجنيد الالزامي العام الذي‏اصبح من الامور الاساسية في غالب البلدان.

    وما نراه في الكتب الفقهية من تبويب باب اووضع كتاب خاص لاحكام السبق والرماية‏وغيرها من انواع الفروسية التي كانت متعارفة في‏الازمنة الغابرة ونقل احاديث في ذلك الباب عن‏الرسول الاكرم (ص) وائمة الاسلام، فليست‏احكامها اصلية ثابتة في الاسلام دعا اليها الشارع‏ بصورة اساسية ثابتة، بل كانت نوع تطبيق لذلك الحكم، الغرض‏منه تحصيل القوة الكافية تجاه العدو في تلكم ‏العصور، واما الاحكام التي ينبغي ان تطبق في‏العصر الحاضر فانها تفوض الى مقتضيات العصرنفسه.

    فعلى الحاكم الاسلامي تقوية جيشه وقواته‏المسلحة بالطرق التي يقدر معها على صيانة‏الاسلام ومعتنقيه عن الخطر، ويصد كل مؤامرة‏عليه من جانب الاعداء حسب امكانيات الوقت.

    والمقنن الذي يتوخى ثبات قانونه ودوامه وسيادة‏نظامه الذي جاء به، لا يجب عليه التعرض الى‏تفاصيل الامور وجزئياتها، بل الذي يجب عليه هووضع الكليات والاصول ليساير قانونه جميع‏الازمنة باشكالها وصورها المختلفة، ولو سلك غيرهذا السبيل لصار حظه من البقاء قليلا جد.

    4- في مجال نشر العلوم والثقافة: ان نشر العلم والثقافة واستكمال المعارف التي‏تضمن سيادة المجتمع ماديا ومعنويا يعتبر من الفرائض الاسلامية، اماتحقيق ذلك وتعيين نوعه ونوع وسائله فلا يتحدد بحد خاص، بل يوكل الى‏نظر الحاكم الاسلامي واللجان المقررة لذلك من جانبه حسب‏الامكانيات الراهنة في ضوء القوانين الثابتة.

    وبالجملة: فقد الزم الاسلام رعاة المسلمين وولاة‏الامر بنشر العلم بين ابناء الانسان‏واجتثاث مادة‏الجهل من بينهم، ومكافحة اى لون من الامية، وامانوع العلم وخصوصياته، فكل ذلك موكول الى نظرالحاكم الاسلامي، وهو اعلم بحوائج عصره‏فرب‏علم لم يكن لازما لعدم الحاجة اليه في العصورالسابقة، ولكنه اصبح اليوم في الرعيل الاول من‏العلوم اللازمة التي فيها صلاح المجتمع‏كالاقتصادوالسياسة.

    5- في مجال حفظ النظام وادارة البلد: يعتبر حفظ النظام، وتامين السبل والطرق‏ وتنظيم‏الامور الداخلية، ورفع مستوى الاقتصاد... الخ هي‏من الضروريات، فيتبع فيه وامثاله مقتضيات‏الظروف، وليس فيه للاسلام حكم خاص يتبع، بل‏الذي يتوخاه الاسلام هو الوصول الى هذه الغايات‏وتحقيقها بالوسائل الممكنة، دون تحديد وتعيين‏لنوع هذه الوسائل، وانما ذلك متروك الى امكانيات‏الزمان الذي يعيش فيه البشر، وكلها في ضوءالقوانين العامة.

    6- في مجال تنظيم الملكية: قد جاء الاسلام باصل ثابت في مجال‏الاموال‏وهو قوله سبحانه: (ولا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل) ((322))، وقدفرع الفقهاء على هذا الاصل شرطا في صحة عقدالبيع او المعاملة فقالوا: يشترط في صحة المعاملة‏وجود فائدة مشروعة والا فلا تصح المعاملة، ومن‏هنا حرموا بيع (الدم) وشراءه.

    الا ان تحريم بيع الدم او شرائه ليس حكما ثابتاف ي الاسلام، بل التحريم كان في الزمان السابق ‏تطبيقا لما افادته الاية من حرمة اكل المال‏ بالباطل، وكان بيع الدم في ذلك الزمان ‏مصدا قاله ‏فالحكم يدور مدار وجود الفائدة (التي ‏تخرج المعاملة عن ان تكون اكلا للمال بالباطل)وعدم تحقق الفائدة، فلو ترتبت فائدة معقولة على‏بيع الدم او شرائه فسوف يتبدل الحكم من الحرمة‏الى الحلية، والحكم الثابت هنا هو قوله تعالى: (ولاتاكلوا اموالكم بينكم بالباطل).

    وفي هذا المضمار ورد ان عليا (ع) سئل عن قول‏الرسول (ص):«غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود»فقال (ع): «انما قال (ص)ذلك والدين قل، فاما الان‏فقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه، فامرؤ ومااختار»((323)).

    وفي هذا المقام يقول الشيخ الرئيس ابن سينا في‏الشفاء: «ويجب ان يفوض كثير من الاحوال آخصوصافي المعاملات الى الاجتهاد، فان‏للاوقات احكاما لا يمكن ان تنضبط. واما ضبط‏المدنية بعد ذلك بمعرفة ترتيب الحفظة، ومعرفة‏الدخل والخرج، واعداد اهب الاسلحة والحقوق‏والثغوروغير ذلك فينبغي ان يكون ذلك الى‏السائس من حيث هو خليفة، ولا تفرض فيهااحكام جزئية، فان في فرضها فسادا، لانها تتغيرمع تغير الاوقات، وفرض الكليات فيها مع تمام‏الاحتراز غير ممكن، فيجب ان يجعل ذلك الى اهل‏المشورة‏» ((324)).

    واما عنوان «مقتضى الزمان‏» وعنوان «حتمية‏التاريخ‏» وغيرهما من العناوين فقد صارت ‏رمزا وذريعة لكل من يريد ان يتحرر من القيم‏الاخلاقية، ويعيش متحللا من كل قيد وحدخالعاكل عذار. والكثير من افراد الانسان في‏العصر الحاضر حينما راوا الاباحة الجنسية،واختلاط الرجال والنساء، واتخاذ الملاهي على‏انواعهاوشرب المسكر، واللعب بالميسر، واقتراف‏المعاصي، واخذ الربا، وما الى ذلك مما راج في‏البيئات الغربية بلا استنكار، وقد حرمها الشرع‏ورفضتها قوانين الاخلاق الصحيحة والفطرة‏السليمة، لم يجدوا مبررا لاقترافها والانصياع‏التام‏للشهوات الجامحة الا بان يتمس كوا باحدهذه العناوين ك (مقتضيات الزمان)، وليست الغاية‏من هذه المقولة عندهم الا اقتراف السيئات‏والانغمار في الشهوات.

    كما ان هذه العناوين قد صارت ملجا لكل من ارادهدم الثقافة الشرقية الاصيلة وتحويرهاوسوق‏الشرق الى الانصياع لتوجيهات الغرب، وتناسي‏كل ما كان له من كرامة قديمة، وقطع صلته به.

    ترى المنادين باستعمال الحروف اللاتينية بدل‏الحروف الشرقية الاسلامية يتمسكون باعذارويستدلون بامور، منها: كون ذلك من مقتضيات‏الزمان، ونتيجة يحتمها التاريخ، غير ان الباحث‏الحر يرى للقديم كرامته الموروثة، وللحديث‏نضارته الموجودة، فياخذ منها كل ما يليق بالاخذويصلح للاقتفاء، فلا يعقد حلفا مع كل قديم حتى‏الخرافات، ولا يكب على كل حديث وان اضر به‏وبكرامته وشرفه.

    فعلى كل من يريد ان يحافظ على كرامة الانسان‏وكيانه وقيمه الاخلاقية، ان يتوخى الاصلح من‏مقتضيات الزمان، ويصلحه على ضوء العقل‏والفطرة، لا ان يطبق عمله عليه، فليس مقتضى‏العصر وحيا اوحي الى المجتمع مصونا عن الخطااو نقيا عن الاشتباه.

    على ان هؤلاء المتشدقين بامثال هذه العبارات آتقليدا للغرب والحضارة الغربية بلا تامل ولا روية‏ قد عزب عنهم ان هذه «الحتمية‏»و مجاراة «مقتضى الزمان‏»التي ينادون بها، غير معترف بهاعند اعيان القوم ومفكري المجتمعات، بل اكابرهم‏فيها، فكم نبه علماء وحذر مفكرون من ابناءالغرب من عواقب السير على منهج هذه‏الحضارة‏واستخفوا خطتها، وتنبؤوا بانهيارهاونادوابوجوب نقض اسسها ! ((325))).
    [/align]





  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2002
    المشاركات
    490

    افتراضي

    بارك الله فيك اخي الجليل السيد المرحوم برحمة الله ولطفه ورضوانه
    موضوع رائع ومفيد جدا ويغني المثقف الاسلامي برؤية واضحة بينة في فهم التشريع الاسلامي وقدرته على ادارة ومواكبة الحياة الانسانية المتطورة
    ننتظر منك المزيد من هذه الموضوعات الغنية بمضامينها السلسة البسيطة في صياغتها
    دمتم بالف خير
    اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة تعز بها الاسلام واهله وتذل بها النفاق واهله وتجعلنا فيها من الدعاة الى طاعتك والقادة الى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والاخرة

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,595

    افتراضي

    وبارك فيك أيضا سيدنا الجليل "الفراتي" وحفظك الله من كل شر وسوء
    شكراً لتشريفكم الموضوع "المقالة" وكلي إمتنان لملاحظاتكم القيمة حول التركيز
    على هكذا نوعية من المواضيع .ولاتنسونا من نصائحكم ودعواتكم.





المواضيع المتشابهه

  1. سؤال حول مجلة البوابة العربية
    بواسطة ابن الحضارة في المنتدى واحة تطوير المواقع والمنتديات
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 02-07-2009, 10:16
  2. مهزلة اصدار الأحكام ضد ( المجاهدين العرب ) .. اين الحكومة ؟!
    بواسطة أبو باسم في المنتدى واحة الحوار العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-12-2005, 00:29
  3. العراقيون .. حراس البوابة الشرقية !! ..
    بواسطة نصير المهدي في المنتدى واحة الحوار العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 27-09-2004, 18:46
  4. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25-06-2004, 23:42
  5. حزب الدعوة الإسلامية يرفض الأحكام العرفية في العراق
    بواسطة سيد مرحوم في المنتدى واحة الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 23-06-2004, 18:29

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني