بقلم : آية اللّه الشيخ جعفر السبحاني
الاحكام الشرعية بين الثوابت والمتغيرات[line]-[/line]
[align=justify]اتفق المسلمون على ان نبى الاسلاممحمدا(ص)هو خاتم الانبياء، وان شريعته خاتمةالشرائع، وكتابه خاتم الكتب، وان تشريعاته خالدةلا تنسخ الى يوم القيامة، فهي ثابتة ودائمة الى ان يرث اللّهالارض ومن عليها. هذا من جانب.[/align][align=justify]
ومن جانب آخر ان التطور الاجتماعي يستلزمتطورا في قوانين المجتمع، اذ القانون الموضوع فيظرف خاص ربما لا يجدي نفعا في ظرف آخر،ومقتضيات الزمان تختلف باختلاف المجتمعاتوالوان الحياة، فما صح بالامس قد لا يصح اليوم،وما يصح اليوم ربما لا يصح غد.
فكيف يمكن التوفيق بين الامرين ؟ اقول: هذا هو الاشكال الذي ربما يطرحه بعضالمنبهرين بالقوانين الغربية لتبرير احلال القوانينالوضعية محل القوانين الشرعية، بحجةانمقتضيات الزمان تتطل ب ذلك.
وحاصل كلامهم: ان الحياة الاجتماعية لواستمرت على وتيرة واحدة، لصح للتشريع انيسود في جميع الازمنة، واما لو كانت على وتائرمختلفة متحولة ومتغيرة فلا يسود القانون الواحدفي ازمنة متباينة.
ولاجل حل هذا الاشكال الذي علق بالكثير منالاذهان، نحاول بيان المراد بالقوانين الثابتة، وماهو المقصود بالمقررات المتغيرة على وجه لايمس التغير والتحول صميم الشريعة، وفي نفسالوقت تنطبق الشريعة الخالدة على عامةالمقتضيات والوان الحياة. واليك بيان ذلك: ان للانسان مع قطع النظر عما يحيط به منظروف العيش المختلفة مشاعر وغرائز خاصةتلازمه ولا تنفك عنه، اذ هي في الحقيقةمشخصات تكوينية له، بها يتميز عن سائرالمخلوقات، وتلازم وجوده في كل عصر ولاتنفكعنه بمرور الزمان.
فهاتيك الغرائز والمشاعر الثابتة لا تستغني عنقانون ينظم اتجاهها، وتشريع ينظمها،وحكميصونها عن الافراط والتفريط، فاذا كانالقانون مطابقا لمقتضى فطرته وصالحا لتعديلهاومقتضيالصلاحها ومانعا من فسادها لزم خلودهبخلودها وثبوته بثبوته.
وهؤلاء قصروا النظر على ما يحيط به من ظروفالعيش المختلفة المتبدلة، وذهلوا عن ان للانسانخلقا ومشاعر وغرائز قد فطر عليها، لا تنفك عنهما دام انسانا، وكل واحد منها يقتضي حكما يناسبهولايباينه، بل يلائمه ويدوم بدوامه ويثبت بثبوتهعبر الاجيال والقرون.
ودونك نماذج من هذه الامور، ليتبين لك انالتطور لا يعم جميع نواحي الحياة، وان الثابت منها يقتضي حكما ثابتا لا متطورا:
1- العلاقات الاجتماعية: ان الانسان بما هو موجود اجتماعي، يحتاجلحفظ حياته وبقاء نسله الى العيش الاجتماعيوالحياة العائلية، وهذان الامران من اسس حياةالانسان، لا تفتا تقوم عليهما في جملة ما تقومعليه منذ بدء حياته.
وعلى هذا، فاذا كان التشريع الموضوع لتنظيمالمجتمع مبتنيا على العدالة، حافظا لحقوقافرادهخاليا عن الظلم والجور والتعسف،موضوعاعلى ملاكات واقعية، ضامنا لمصلحةالمجتمعصائنا له عن الفساد والانحلال.. لزم بقاؤهودوامه ما دام مرتكزا على العدل والانصاف.
2- الفوارق التكوينية بين الرجل والمراة: ان التفاوت بين الرجل والمراة امر طبيعيمحسوس، فهما موجودان يختلفان اختلافاعضوياوسيكولوجيا بالرغم من كل الدعاياتالكاذبة الرامية الى ازالة كل تفاوت بينهما، ولاجلذلك اختلفت احكام كل منهما عن الاخراختلافايقتضيه طبع كل منهما، فاذا كان التشريعمطابقا لفطرتهما ومسايرا لطبعهما، ظل ثابتا لايتغير بمرور الزمان، لثبات الموضوع المقتضيثبات محموله.
3- العلاقات الاسرية: ان الروابط العائلية كرابطة الولد بالوالدينوالاخباخيه هي روابط طبيعية، لوجود الاتحاد الروحيوالنسبي بينهم، فالاحكام المتنوعة المنسقة لهذهالروابط من التوارث ولزوم التكريم ثابتة لاتتغير بتغير الزمان.
4- الناحية الاخلاقية والسلوكية: ان التشريع الاسلامي حريص جدا على صيانةالاخلاق وحفظها من الضياع والانحلال، ومما لاشك فيه ان في تعاطي الخمر ولعب الميسر وشيوعالاباحة الجنسية ضربة قاضية للاخلاق، وقد عالجالاسلام تلك الناحية من حياة الانسان بتحريمهاواجراء الحدود على مقترفيها، فالاحكام المتعلقةبها تكون احكاما ثابتة ودائمة مدى الدهوروالاجيال، لان ضررها ثابت لا يتغير بتغيرالزمانفالخمر دائما يزيل العقل، والميسر ايضاينبت العداوة دوما في المجتمع، والاباحية الجنسية تفسد النسل والحرثدائما، فتتبعها احكامها في الثبات والدوام.
هذا وامثاله من الموضوعات الثابتة في حياةالانسان الاجتماعي قد حددها ونظمها الاسلامبقوانين ثابتة تطابق فطرته، وتكفل للمجتمعتنسيق العلاقات الاجتماعية والاقتصادية علىاحسن نسق، وحفظ حقوق الافراد، وتنظيم الروابطالعائلية.
وحصيلة البحث: ان تطور الحياة الاجتماعية فيبعض نواحيها لا يستلزم تغير النظام السائد علىغرار الفطرة، ولا تغير الاحكام الموضوعة علىطبق ملاكات واقعية من مصالح ومفاسد كامنة فيموضوعاتها، فلو تغير لون الحياة في وسائلالركوب ومعدات التكتيك الحربي مثلا فانذلكلا يقتضي ان تنسخ حرمة الظلم ووجوب العدلولزوم اداء الامانات ودفع الغرامات والوفاء بالعهودوالايمان وما الى ذلك.
فاذا كان التشريع على غرار الفطرة الانسانيةوكانالنظام السائد حافظا لحقوق المجتمعوموضوعاعلى ملاكات في نفس الامر تلازمالموضوع في جميع الاجيال، فذلك التشريعوالنظام يحتل مكان التشريع الدائم.
المقررات المتطورة في الاسلام: ان للانسان مع هذه الصفات والمشخصات الذاتيةظروفا معيشية اخرى زمانية ومكانية، لا تزالتتغير ويتغير معها وضع الانسان من حال الى حال،فمثل هذه الظروف الطارئة تتغير احكامهابتغيره.
ونحن نطلق على الاحكام المتعلقة بهذه الظروفعنوان «المقررات»، كما نطلق على الاحكامالمتعلقة بالظروف الثابتة عنوان «القوانين».
وهذه المقررات ليست بمعزل عن القوانين الكليةالاسلامية، بل تجري في ضوء القوانين الكليةالثابتة بحيث لا تناقضها ولا تعطلها. وان شئتقلت: ان هنا احكاما وخطوطا عريضة تمثلالقاعدة المركزية في التشريع الاسلامي، وهيمصونة عن التحول والتبدل مهما اختلفت الاوضاعوتباينت الملابسات.
وهناك احكام متفرعة على تلكمالخطوطمستخرجة منها بامعان ودراية خاصةيستنبطها الباحث الاسلامي باستفراغ وسعه علىضوء هذه الخطوط العريضة، بشرط الا يصادمها.وهذا القسم من الاحكام يتجدد بتجدد العهود،وتباين الظروف، وتعدد الملابساتواختلافالشرائط.
فمن قواعد الدين الاسلامي ما هو خالد وثابت آوهو ما يمس الفطرة الانسانية وله صلة بالكونوالطبيعة وما هو متغير ومتبدل، وهو الذي لايمس واقع العلاقات الاجتماعية والشؤون البشرية، ولا يتجاوز حدود الظواهر الاجتماعية. وقد منحهذا التطور الدين الاسلامي اسباب الخلود والبقاءومواكبة سائر الحضارات، بشرط الا يصطدمالتحول مع اى اساس من اسسه، ولا يتجاوزحدامن حدوده.
فالحكم الكلي الذي يعالج القضايا البشرية علىغرار الفطرة ثابت وخالد في كل العصور والازمنةوان تطورت الاوضاع الاجتماعية والسياسيةواختلفت حاجات الناس، فان الانظمة الاسلاميةوالدساتير الشرعية تساير الفطرة الانسانيةالثابتةوتواكب الطبيعة التكوينية، ولا تتخلف عنهماقيد شعرة، فاذا كان التشريع معبرا عن الطبيعةالتكوينية الثابتة ومبتنيا عليها فيخلد بخلودهاويدوم بدوامه.
اجل ان تقلب الاحوال وتحول الاوضاعالاجتماعية يتطلب تحولا في السنن والانظمةوتبدلا في المقررات، غير انه لا يتطلب تحولافيمايمس واقع الانسانية السائد في جميع الاحوالومختلف الاوضاع، كما لا يتطلب تحولا فيالقوانين الكونية التي اصبحت تدبر الكون باصولهالثابتة، فلا تتغير النسب الرياضية ولا النتائجالهندسية وان تطورت الاوضاع وتبدلتالحضارات.
وانما المتغير هو المظاهر والقشور والشكلالتطبيقي لهاتيك الاحكام في مختلف الاوضاعوتطور المجتمع، والمتاثر بالاوضاع هو القسمالثاني لا الاول، ولا ضير فيه، فان الدين الاسلاميانما يستعرض القضايا التي تمس واقع البشريةوالمسائل التي لها صلة بالكون والطبيعة، ويتركالتطبيق بعد لنفس المكلف حسب ظروفه واحواله.
وبذلك تقف على ان التطور والتحول فيما كتبله التغير والتبدل هو جزء جوهري للدينوعنصرداخل في بناء التشريع الاسلامي، كما ان الثباتوالدوام فيما فرض له ذلك هو احد عناصرالدين ومن اجزاء ذاك البناء التشريعيالساميفتجريده من اى واحد من عنصريه يوجبانحلال المركب، وفناء الدين، وتاخره عن مسايرةالحضارة.
ودونك نماذج من هذا القسم اي من الاحكامالمتطورة المتغيرة بتغير الزمان :
1- في مجال العلاقات الدولية الدبلوماسية: يجب على الدولة الاسلامية ان تراعي مصالحالاسلام والمسلمين، وهذا اصل ثابت وقاعدة عامة. واما كيفية تلك الرعاية فتختلف باختلافالظروف الزمانية والمكانية: فتارة تقتضي المصلحة السلام والمهادنة والصلح مع العدوواخرى تقتضيضد ذلك.
وهكذا تختلف المقررات والاحكام الخاصة فيهذا المجال باختلاف الظروف، ولكنها لا تخرجعن نطاق القانون العام الذي هو رعاية مصالحالمسلمين، كقوله سبحانه: (ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا) ((319))، وقولهتعالى: (لا ينهاكم اللّه عن الذين لم يقاتلوكم فيالدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهموتقسطوا اليهم ان اللّه يحب المقسطين # انما ينهاكماللّه عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم مندياركم وظاهروا على اخراجكمان تولوهم ومنيتولهم فاولئك همالظالمون)((320)).
2- في مجال العلاقات الدولية التجارية: قد تقتضي المصلحة عقد اتفاقيات اقتصاديةوانشاء شركات تجارية او مؤسسات صناعيةمشتركة بين المسلمين وغيرهم، وقد تقتضيالمصلحة غير ذلك. ومن هذا الباب ما حكم بهالامام المجدد الشيرازي (قدسسره) من تحريمالتدخين ليمنع من تنفيذ الاتفاقية الاقتصادية التيعقدت في زمانه بين ايران وانجلترا، اذ كانت مجحفة بحقوق الامة الايرانية المسلمة، لانهاخولت لانجلترا حق احتكار التنباك الايراني.
3- في مجال الدفاع: ان الدفاع عن بيضة الاسلام وحفظ استقلال بلدالاسلام وصيانة حدوده من الاعداء قانون ثابت لايتغير، فالمقصد الاسنى لمشرع الاسلام انما هوصيانة سيادته عن خطر اعدائه واضرارهمولاجل ذلك اوجب عليهم تحصيل قوة ضاربة ضد الاعداء، واعداد جيش قادر علىردعهم، كما يقول سبحانه: (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ((321))، فهذا هوالاصل الثابت في الاسلام الذي يؤيده العقلوالفطرة. اما كيفية الدفاع وتكتيكه ونوع السلاح اوالزامية الخدمة العسكرية وعدمها، فكلها موكولة الى مقتضيات الزمان، تتغير بتغيره، ولكن في اطارالقوانين العامة. فليس هناك في الاسلام اصلثابت، حتى مسالة التجنيد الالزامي العام الذياصبح من الامور الاساسية في غالب البلدان.
وما نراه في الكتب الفقهية من تبويب باب اووضع كتاب خاص لاحكام السبق والرمايةوغيرها من انواع الفروسية التي كانت متعارفة فيالازمنة الغابرة ونقل احاديث في ذلك الباب عنالرسول الاكرم (ص) وائمة الاسلام، فليستاحكامها اصلية ثابتة في الاسلام دعا اليها الشارع بصورة اساسية ثابتة، بل كانت نوع تطبيق لذلك الحكم، الغرضمنه تحصيل القوة الكافية تجاه العدو في تلكم العصور، واما الاحكام التي ينبغي ان تطبق فيالعصر الحاضر فانها تفوض الى مقتضيات العصرنفسه.
فعلى الحاكم الاسلامي تقوية جيشه وقواتهالمسلحة بالطرق التي يقدر معها على صيانةالاسلام ومعتنقيه عن الخطر، ويصد كل مؤامرةعليه من جانب الاعداء حسب امكانيات الوقت.
والمقنن الذي يتوخى ثبات قانونه ودوامه وسيادةنظامه الذي جاء به، لا يجب عليه التعرض الىتفاصيل الامور وجزئياتها، بل الذي يجب عليه هووضع الكليات والاصول ليساير قانونه جميعالازمنة باشكالها وصورها المختلفة، ولو سلك غيرهذا السبيل لصار حظه من البقاء قليلا جد.
4- في مجال نشر العلوم والثقافة: ان نشر العلم والثقافة واستكمال المعارف التيتضمن سيادة المجتمع ماديا ومعنويا يعتبر من الفرائض الاسلامية، اماتحقيق ذلك وتعيين نوعه ونوع وسائله فلا يتحدد بحد خاص، بل يوكل الىنظر الحاكم الاسلامي واللجان المقررة لذلك من جانبه حسبالامكانيات الراهنة في ضوء القوانين الثابتة.
وبالجملة: فقد الزم الاسلام رعاة المسلمين وولاةالامر بنشر العلم بين ابناء الانسانواجتثاث مادةالجهل من بينهم، ومكافحة اى لون من الامية، وامانوع العلم وخصوصياته، فكل ذلك موكول الى نظرالحاكم الاسلامي، وهو اعلم بحوائج عصرهفربعلم لم يكن لازما لعدم الحاجة اليه في العصورالسابقة، ولكنه اصبح اليوم في الرعيل الاول منالعلوم اللازمة التي فيها صلاح المجتمعكالاقتصادوالسياسة.
5- في مجال حفظ النظام وادارة البلد: يعتبر حفظ النظام، وتامين السبل والطرق وتنظيمالامور الداخلية، ورفع مستوى الاقتصاد... الخ هيمن الضروريات، فيتبع فيه وامثاله مقتضياتالظروف، وليس فيه للاسلام حكم خاص يتبع، بلالذي يتوخاه الاسلام هو الوصول الى هذه الغاياتوتحقيقها بالوسائل الممكنة، دون تحديد وتعيينلنوع هذه الوسائل، وانما ذلك متروك الى امكانياتالزمان الذي يعيش فيه البشر، وكلها في ضوءالقوانين العامة.
6- في مجال تنظيم الملكية: قد جاء الاسلام باصل ثابت في مجالالاموالوهو قوله سبحانه: (ولا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل) ((322))، وقدفرع الفقهاء على هذا الاصل شرطا في صحة عقدالبيع او المعاملة فقالوا: يشترط في صحة المعاملةوجود فائدة مشروعة والا فلا تصح المعاملة، ومنهنا حرموا بيع (الدم) وشراءه.
الا ان تحريم بيع الدم او شرائه ليس حكما ثابتاف ي الاسلام، بل التحريم كان في الزمان السابق تطبيقا لما افادته الاية من حرمة اكل المال بالباطل، وكان بيع الدم في ذلك الزمان مصدا قاله فالحكم يدور مدار وجود الفائدة (التي تخرج المعاملة عن ان تكون اكلا للمال بالباطل)وعدم تحقق الفائدة، فلو ترتبت فائدة معقولة علىبيع الدم او شرائه فسوف يتبدل الحكم من الحرمةالى الحلية، والحكم الثابت هنا هو قوله تعالى: (ولاتاكلوا اموالكم بينكم بالباطل).
وفي هذا المضمار ورد ان عليا (ع) سئل عن قولالرسول (ص):«غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود»فقال (ع): «انما قال (ص)ذلك والدين قل، فاما الانفقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه، فامرؤ ومااختار»((323)).
وفي هذا المقام يقول الشيخ الرئيس ابن سينا فيالشفاء: «ويجب ان يفوض كثير من الاحوال آخصوصافي المعاملات الى الاجتهاد، فانللاوقات احكاما لا يمكن ان تنضبط. واما ضبطالمدنية بعد ذلك بمعرفة ترتيب الحفظة، ومعرفةالدخل والخرج، واعداد اهب الاسلحة والحقوقوالثغوروغير ذلك فينبغي ان يكون ذلك الىالسائس من حيث هو خليفة، ولا تفرض فيهااحكام جزئية، فان في فرضها فسادا، لانها تتغيرمع تغير الاوقات، وفرض الكليات فيها مع تمامالاحتراز غير ممكن، فيجب ان يجعل ذلك الى اهلالمشورة» ((324)).
واما عنوان «مقتضى الزمان» وعنوان «حتميةالتاريخ» وغيرهما من العناوين فقد صارت رمزا وذريعة لكل من يريد ان يتحرر من القيمالاخلاقية، ويعيش متحللا من كل قيد وحدخالعاكل عذار. والكثير من افراد الانسان فيالعصر الحاضر حينما راوا الاباحة الجنسية،واختلاط الرجال والنساء، واتخاذ الملاهي علىانواعهاوشرب المسكر، واللعب بالميسر، واقترافالمعاصي، واخذ الربا، وما الى ذلك مما راج فيالبيئات الغربية بلا استنكار، وقد حرمها الشرعورفضتها قوانين الاخلاق الصحيحة والفطرةالسليمة، لم يجدوا مبررا لاقترافها والانصياعالتامللشهوات الجامحة الا بان يتمس كوا باحدهذه العناوين ك (مقتضيات الزمان)، وليست الغايةمن هذه المقولة عندهم الا اقتراف السيئاتوالانغمار في الشهوات.
كما ان هذه العناوين قد صارت ملجا لكل من ارادهدم الثقافة الشرقية الاصيلة وتحويرهاوسوقالشرق الى الانصياع لتوجيهات الغرب، وتناسيكل ما كان له من كرامة قديمة، وقطع صلته به.
ترى المنادين باستعمال الحروف اللاتينية بدلالحروف الشرقية الاسلامية يتمسكون باعذارويستدلون بامور، منها: كون ذلك من مقتضياتالزمان، ونتيجة يحتمها التاريخ، غير ان الباحثالحر يرى للقديم كرامته الموروثة، وللحديثنضارته الموجودة، فياخذ منها كل ما يليق بالاخذويصلح للاقتفاء، فلا يعقد حلفا مع كل قديم حتىالخرافات، ولا يكب على كل حديث وان اضر بهوبكرامته وشرفه.
فعلى كل من يريد ان يحافظ على كرامة الانسانوكيانه وقيمه الاخلاقية، ان يتوخى الاصلح منمقتضيات الزمان، ويصلحه على ضوء العقلوالفطرة، لا ان يطبق عمله عليه، فليس مقتضىالعصر وحيا اوحي الى المجتمع مصونا عن الخطااو نقيا عن الاشتباه.
على ان هؤلاء المتشدقين بامثال هذه العبارات آتقليدا للغرب والحضارة الغربية بلا تامل ولا روية قد عزب عنهم ان هذه «الحتمية»و مجاراة «مقتضى الزمان»التي ينادون بها، غير معترف بهاعند اعيان القوم ومفكري المجتمعات، بل اكابرهمفيها، فكم نبه علماء وحذر مفكرون من ابناءالغرب من عواقب السير على منهج هذهالحضارةواستخفوا خطتها، وتنبؤوا بانهيارهاونادوابوجوب نقض اسسها ! ((325))).[/align]