الاحتفال بذكرى الميلاد الأولى





في شمال و شرق رومانيا كان هذا الاحتفال يتم إما في اليوم المصادف للميلاد أو في اليوم الذي يتم فيه إحياء ذكرى للقديس أو الشفيع الذي سمي المولود باسمه . ولكن أيا كان ذلك اليوم فإن الناس كانوا شديدي الحرص على أن يقام الاحتفال في يوم موات حافل بفؤول الخير كما كرستها الذهنية الجماعية على مدار القرون .. على سبيل المثال إذا كانت هناك في الطبيعة من حولهم ما يوحي بأن اليوم المحدد لإقامة الحفل سيكون مشمسا فكانوا يمضون قدما بالاستعدادات له أما إذا ارتقبوا الأمطار فكانوا يؤجلون الاحتفال إلى أن تبزغ الشمس من جديد . وكانت هناك في الأسبوع أيام مفضلة لإقامة هذا الحفل كالاثنين أو الخميس أو السبت وأخرى مرفوضة كالثلاثاء مثلا باعتباره نذير شؤم و الجمعة كونها يوم صيام
شاهد الباحث سيميون مريان مثل هذا الحفل في أرياف منطقتي ترانسيلفانيا ومولدوفا حيث كان والد الطفل يذهب في صبيحة اليوم المحدد لإقامة الحفل إلى الإشبين وإلى أقاربه و جيرانه ليدعوهم للحضور ثم كان يهتم بتوفير كل ما يلزم لإعداد الوليمة المرافقة له . وهاهم الناس مجتمعون حول المائدة فينهض الإشبين و يجلس الطفل على أحد قمصان والده ويضع أمامه وعاء فيه ماء وقليل من الماء المبارك من الكنيسة ويعطي الطفل بعض اللعب كي ينشغل بها و يجلس هادئا ثم يقطع خصلة من شعره ويضعها في يديه قائلا : "خذ هذه الخصلة يا بني فلتكن لك فأل خير ، ومثلما نكره الأيام التي لا نرى فيها شمس فليكره الناس الأيام التي لا يرونك فيها، لتكن محبوبا لهم كنور الشمس"
قديما كانت والدة الطفل تأخذ الخصلة و تضعها في خزانة في البيت لتستخدمها فيما بعد خاصة لمساعدة ابنها عندا الحاجة حيث شاع الاعتقاد أن الدخان المنبعث عن الخصلة المشتعلة يخفف الآلام إن كان يعاني منها أو يبدد الخوف إن كان يساوره الطفل أثناء الليل .أما في أيامنا هذه فتحتفظ بالخصلة كتحف تذكارية ليس إلا، وبعد ذلك كان الإشبين بغسل الطفل بالماء الذي في الوعاء أمامه ويشربه قليلا منه أما الماء المتبقي فيسكبه عند جذر شجرة في حديقة البيت . وكانت والدة الطفل تحتفظ أيضا بالوعاء و اللعب التي جاء بها الإشبين للطفل .. ثم كان جميع الحاضرين يتبادلون التهاني ويجلسون إلى المائدة لتناول الغداء ..
أما في جنوب رومانيا حيث حضر سيميون ماريان أيضا مراسم الاحتفال بذكرى الميلاد الأولى وهي مختلفة تماما عما شاهدناه آنفا .. فكان الحفل يقام في اليوم المصادف لميلاد الطفل أيا كان يوم الأسبوع الذي يحل فيه وبغض النظر أيضا عن حالة الجو، فكانت الأسرة تدعو الإشبين و الإشبينة و الأقارب و بعض الجيران و الأصدقاء إلى منزلها لحضور الحفل وكانت إشبينة الطفل تحضر في منزلها كعكا مستديرا من عجين الزبدة و البيض و السكر و دقيق القمح .وبعد حضور جميع المدعوين كانت الأشبينة تجلس الطفل على كرسي صغير ثم تقوم بكسر الكعك فوق رأسه، وفي تلك الأثناء كانت والدته تضع على صينية بعض النقود و الزهور فكانت الأشبينة تقدم الصينية للطفل و تنتظر قليلا إلى أن يلمس واحدا من تلك الأشياء. و كان الحاضرون يحاولون التكهن بمصير الطفل استنادا إلى الدلالات التي يحملها ذلك الشيء، فإن وضع يده على المال قيل إنه سيكون غنيا أما إذا أمسك بالزهور فتكهن الناس بأنه سيكون محبوبا على الجميع . في غضون ذلك كانت قطع صغيرة من الكعك توزع على جميع الحاضرين قبل أن يجلسوا إلى المائدة ويواصلوا الحفل .
لطالما ظل الاحتفال بذكرى الميلاد الأولى يقام وفقا لنفس المراسم سواء للذكور و للإناث ولكن مع مرور الزمن أصبح بعض تلك المراسم محصورا في الصبيان وأصبح بعضها الآخر يخصص للصبايا فقط إما بقطع خصلة الشعر أو بكسر الكعك فوق الرأس حسب المنطقة .. وعلى مدار الزمن باتت مراسم قطع خصلة الشعر تقام في حفلات الصبيان فقط في حين أن كسر الكعك فوق الرأس أصبح محصورا في مقتصرا على الصبايا .
أما حمل الطفل إلى اختيار شيء من الصينية بهدف التكهن بتوجهاته و ميوله مستقبلا وحتى بمصيره فقد انتشر من جنوب رومانيا إلى سائر المناطق ولربما هو الآن الحدث الرئيسي في هذا الحفل و الذي ينتظره الجميع ولا سيما أولياء الطفل بفارغ الصبر. وقد تنوعت و تعددت الأشياء التي توضع على الصينية لتشمل الأدوات المنزلية و الحلي و الأقلام و مواد التجميل إذا كان الحفل مقاما لصبية ولك هذه الأشياء دلالاته فالأدوات المنزلية تبشر بالمهارة أما القلم فيتخذ دليلا عل أن الطفل سيحب الدراسة في حين أن المشط و مواد التجميل تعتبر أدلة على الاهتمام بالمظهر ..ولم يعد الإشبين يقوم بغسل الطفل ولكنه يهدي إليه تحفة تذكارية وحتى المال في حين أن سائر الضيوف يأتون له بالألعاب و الملابس ..فلا تزال الإشبينة تحضر بنفسها الكعك الذي ستقوم بكسره فوق رأس الصبية مع أن محلات بيع الحلاوة تحضر هذا النوع من الكعك لدى الطلب..

المصدر