سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ الاستاذ قاسم الطائي دام ظله الوارف السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
البعض يشكك بالشهادة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الأذان والإقامة فيقولون:
1- ما هو وجه الشهادة الثالثة في الأذان ؟
2- هل كانت موجودة في عهد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ؟ أم هي بدعه ؟ وإذا لم تكن في عهد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ، ولم تكن بدعه فمن أين جاءت؟
وما هو ردكم على أقاويل هؤلاء المغرضون. هذا ووفقكم الله لنصرة دينه.
السؤال الثاني:
إن البعض يدعي إن الإمام علي (عليه السلام) كان يعلم من حديث رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) انه يبقى حياً طوال هذه المدة لذا كان يدخل الحروب ويقاتل بلا تردد.. فلا تعتبر هذه منقبة أو شجاعة فبماذا تردون على هذا القول ؟

جواب سماحته (أدام الله ظله):
بسمه تعالى:
وإذا استطال الشيء قام بنفسه ومديح ضوء الشمس يذهب باطلا
فلسنا بحاجة إلى تقديم تعريف بأمير المؤمنين عليه السلام وهو مع الحق يدور معه حيث دار ومن لا يعرف الحق لا يعرف علي بن أبي طالب عليه السلام ومن لا يعرف الحق لا كلام لنا معه ومن لا يجعل الحق دليله كيف يتوصل إلى إن ما سنقوله سيقنع به وعلى كل لا حاجة لجواب عن سؤال لا يجهله إلا الجاهل المكابر ومن هذا شأنه لا يعار له أي اهتمام.
وذكره عليه السلام بالشهادة له بالولاية وإمرة المسلمين في الأذان والإقامة فهو من الأمور المستحبة التي تذكر على أن لا تكون جزءا في اصل فقرات الأذان والإقامة وهي ثماني عشرة فقرة للأذان، وسبع عشرة للإقامة والتي عليها فقهاء الأمامية ورسائلهم العلمية الحالية شاهدة على هذا المعنى.
وأما كون الشهادة له بالولاية وإمرة المسلمين مستحبة وان عدم كونها جزء من اصل الأذان والإقامة لا يستلزم عدم جواز ذكرها فهي تذكر كمستحب حالها حال بعض أجزاء العبادات كالصلاة مثلا فيها من الأمور المستحبة مثل القنوت الذي يذكر عندنا كفقرة من الصلاة ولكنها مستحبة لا يستلزم تركها بطلان الصلاة فلو تركها صحت صلاته.
مع انه ينتقض عند المعترض وجماعة بذكر فقرة الصلاة خير من النوم ولم تكن مشروعة في الأصل وتاريخ ذكرها كان بعد وفاة الرسول صلى الله عليه واله في زمن الخليفة (عمر بن الخطاب) كما هو واضح ومثبت تاريخيا فلماذا لم يعترض كما أجاز لنفسه أن يعترض علينا مع وضوح الفارق بين الفقرتين من حيث المضمون.
وإذا قبل المعترض إن الشهادة له بالولاية بدعة وهي ليست كذلك فذكر (الصلاة خير من النوم) بدعة أيضا. وقد حذفوا فقرة (حي على خير العمل(.
جاءنا من الإمام الرضا عليه السلام فان لهذا الحذف وجه ظاهر ووجه باطن.. قال عليه السلام بعدما سأله محمد بن أبي عمير عن (حي على خير العمل) لم تركت من الأذان قال: تريد العلة الظاهرة أو الباطنة، قلت: اريدهما جميعا، فقال: أما العلة الظاهرة فلئلا يدع الناس الجهاد اتكالا على الصلاة، وأما الباطنة فان خير العمل الولاية، فأراد من أمر بترك حي على خير العمل من الأذان أن لا يقع حث عليها ودعاء لها.
أقول: ويقصد عليه السلام الدعاء للولاية والحث عليها. ومعنى ذلك إن الولاية مذكورة بالأذان ولكن لا باللفظ الصريح بل بالفظ المسِر لها وهو (خير العمل).
كما فسرها عليه السلام، وكون الولاية خير العمل لما ورد عندنا انه لا تقبل الأعمال إلا بالولاية، وهي أخبار كثيرة تراجع في مظانها في كتب الحديث.
ويظهر من كلام الإمام الرضا عليه السلام إن الحث على الولاية كان أمرا متعارفا والدعاء أمرا مطلوبا بقرينة قوله. فأراد أن لا يقع حث عليها ودعاء إليها، وان لم يكن متعارفا للتقية المكثفة التي كان عليها المعصومون وأصحابهم، فلا اقل كان أمرا مطلوبا، مما ولد إحساسا بضرورة الحث عليها صراحة وبوضوح كفقرة في الأذان والإقامة للتأكيد عليها والدعاء إليها كفقرة مفِسرة لفقرة (حي على خير العمل) المفَسرة، بكلام الإمام.
وأفضل وسيلة للحث عليها هي الأذان الذي يرفع باليوم الواحد خمس مرات وهو من وسائل الإعلام بدخول الصلاة والنداء إلى إقامتها، فإذا ضمت نفس الفقرة إلى الإقامة زاد الحث عليها بمقدار الضعف.
وما هو وجه الحث عليها الذي منع منه بمنع ذكر الفقرة (حي على خير العمل) الفقرة المفسرة، فوجهه، إن مرادات الشارع المقدس التي أراد حث الناس عليها والاعتقاد بها إذ علم من خلال معرفته بحقيقة البشر وسرائرهم الرفض لها ومحاولة التعتيم عنها أو المنع لها، سواء في ذلك زمان الشارع المقدس أم زمان بعد زمانه فهو على علم تام بما ستكون ردود الفعل العامة إزاء هكذا تشريع، أما لمخالفته لطباعهم أو لمصالحهم او لمعتقداتهم او لغير ذلك من الدوافع.
وكل هذه الدوافع تعمل على منع تأثير هذا الأمر المشرع في السلوك العام النافع لتربية البشر أو لعلاج بعض مشاكلهم أو لتصحيح امتثالهم أو …. كان على الشارع تأكيد هذا الأمر بخطاباته المتعددة قرآنا وسنة، وبالخصوص السنة الشريفة، علما منه إن الحملة المضادة ستكون شرسة وقاسية لمنع هذا الأمر أو إلغائه.
خذ مثلا –زواج المتعة- وكيف أكدت عليه الشريعة المقدسة لعلمها بما سيتعرض له مثل هذا التشريع الذي وضع لعلاج مشاكل جنسية يتعرض لها الإنسان خلال حياته ليصونه من الوقوع في الرذيلة والفساد الاجتماعي والأخلاقي.
والربداء- لتصحيح معتقدات الناس، حتى ورد إن ما عبد الله بشيء مثلما عبد بالبداء، لان حملات التشكيك والتكذيب ستكون قوية وعامة للتشكيك به. مما استدعى الأمر التأكيد والحث عليه بهذه الأساليب وغيرها مع كثرتها وتعدد السنتها وصياغتها.
ونفس الأمر يقاس عليه، الشهادة للأمير بالولاية، وإمرة المسلمين، مع تأكيد الشريعة عليه في مناسبات عديدة ومواقف متباينة، لتربية الأمة على قبولها أو الاستعداد لقبولها وقد ختمه صلى الله عليه واله في حجة الوداع أمام أكثر من مائة ألف من الحجيج، حتى لم يبق من المسلمين ما لم يسمع بتأمير الإمام عليه السلام على المسلمين من الله بتبليغ الرسول الكريم، ((يا أيها النبي بلغ ما انزل إليك من ربك)).. الآية.
وأفضل وسيلة للحث عليها وبعث الناس للإيمان بها هي الأذان والإقامة كرد فعل مناسب، لفعل حملة التعمية والإلغاء والتكذيب، وقد ثبت في علم الفيزياء ان لكل فعل رد فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه –فأفهم.
هذا هو الوجه الاول لاستحباب ذكره في الأذان والإقامة.. وهنا تعليق لطيف إن في الأذان ثلاث شهادات لو ضم إليه الشهادة الثالثة لأمير المؤمنين، وفيه حيعلات ثلاثة وكل واحدة منها تناسب شهادة من الشهادات.
فحي على الصلاة: تناسب الشهادة لله بالوحدانية- لان الصلاة، فعل الصلة ما بين العبد وربه، يخاطب فيها العبد ربه ويتكلم معه بعد أن يشهد له بالوحدانية.
وحي على الفلاح- تناسب الشهادة للرسول (صلى الله عليه واله) لان الفلاح للمؤمن أو المصلي أي الطف وأدراك البغية لا ينال إلا بضم الشهادة بالرسالة للشهادة بالوحدانية، باعتبار إن إطاعته (صلى الله عليه واله) والشهادة له بالرسالة متفرعة عن الشهادة لله بالوحدانية، وعن إطاعته تعالى. ((ومن يطع الرسول فقد أطاع الله)).
وتبقى حي على خير العمل- فقد عرفت انها فسرت بالولاية، فتناسب ذكر الولاية لعلي (عليه السلام) لذكرها في الأذان والإقامة. وربما نفهم ان منعهم (حي على خير العمل) لالتفاتهم لهذه المناسبة. وهي مناسبة الشهادة بالولاية لعلي عليه السلام.
او يمكن ان نفهم على احتمال لا بأس به، بعد ضم وحدة السياق العام بمناسبته المذكورة ان الشهادة ربما كانت من فقرات الأذان فمنعت هي وما ناسبها في (حي على خير العمل) لان منع احدهما دون الأخرى، لا يحصَل المنع المطلوب بعد ان فسر الإمام الرضا عليه السلام احدهما بالأخرى وعبر عنه بالوجه الباطن.
ويؤيد ما تقدم ان خير العمل الولاية- وان الأعمال لا تقبل إلا بها ولذا سميت –خير العمل- وأي عمل أفضل من قبول أعمال العباد العبادية، والنداء بالأذان وان كان للصلاة ولكنها إذا لم تقبل لاتكون خير عمل للإنسان، وقبولها بالولاية. وقد نفهم من خلال ذلك ان التعبير في قوله تعالى: ((قد افلح المؤمنون)) أي ظفر ولم يقل المسلمون وجه الفلاح المحقق لهم باعتقادهم وإيمانهم بالولاية والتي قبلت أعمالهم بها.
والمعروف إن التعبير بالمؤمن عندنا، هو من يعتقد بالولاية والإمامة على إن تكرار الفعل -حي- في الفقرات يدلل على اختلاف المتعلق وما تعلق به، والا لاكتفى، بحي على الصلاة والفلاح وخير العمل.
ولكنه فرَّق بينهما للفرق بين متعلقاتها وما تعلقت به، فمتعلق الأولى الصلاة ومناسبتها مع الشهادة لله كما تقدم، ومتعلق الثانية الفلاح ومناسبتها مع الشهادة بالرسالة كما تقدم أيضا. ومتعلق الثالثة – على تقدير ذكرها وانها فقرة من اصل الأذان –خير العمل- ومناسبتها مع الولاية واضحة كما عرفت انفا.
ويظهر منه الحاجة إلى ذكر الشهادة بالولاية لعلي لمناسبتها مع فقرة حي على خير العمل بعد ان كان التفريق بينهما وبين الاخريتين متعين لتعدد الفعل –حي-.
وهذا التفريق للتعدد والمناسبة، يمكن أن نفهم منه أمرا آخر وهو ان حصول السابق متفرع على اللاحق، فالإقرار بالشهادة للولاية لعلي (وهو طاعة لعلي لان الطاعة تشمل الاعتقاد والعمل أو قل الأصل والفرع، والإقرار بالولاية له عليه السلام طاعة له) هو طاعة للنبي صلى الله عليه واله وإقرار بالرسالة له، وهذا الأخير هو طاعة لله وإقرار بالوحدانية له وقد تقول من أتيت بهذا- في حديث صححه (الذهبي) وهو المعروف بشدة نقده للأحاديث، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله) من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع علي فقد أطاعني ومن عصى علي فقد عصاني [1]
والتقريع بالحديث للطاعة والمعصية واضح بقرينة الفاء، وقد التحقيقية فطاعته تحقق طاعة الرسول (صلى الله عليه واله) وطاعته تحقق طاعة الله تعالى.
ولكن هذا البيان لا يلازم تشريع ذكره عليه السلام في الأذان، لكون الأذان أمرا تعبديا توقيفيا اقتصر على ذكر الشهادتين … إلا إننا قلنا من الأول بأنه أمر مستحب يذكر لا بعنوان انه جزء من الأذان وهذا البيان لا ينافي الاستحباب. هذا هو الوجه الثاني.
وبعض الأخبار الضعيفة السند التي ذكرها الشيخ الصدوق، والتي بضم قاعدة التسامح بأدلة السنن اليها ينتج احد أمرين على اختلاف البحث في مؤدى القاعدة.
الأمر الأول: استحباب ذكر الشهادة لأمير المؤمنين بالولاية.
والثاني: الاحتياط الاستحبابي في الأذان والإقامة.
وعلى كلا الأمرين، لا يمكن ذكرها بعنوان كونها جزء ومن فقرات الأذان والإقامة وهذا هو الوجه الثالث للاستحباب.
والمعروف من مذاق الشارع المقدس التدرج في أحكامه، ولكن قد يعيق بعض التدرجات التقية المكثفة التي كان عليها المعصومون عليهم السلام، انهم لم يذكروا الشهادة كفقرة من الأذان والإقامة، أو يكونوا قد ذكروها لكن الناقل لم ينقلها للسبب نفسه.
فالشهادة جاء ذكرها متأخرا في لسان الشارع، عن فقرات الاذان المشروعة في زمن الرسول صلى الله عليه واله ويكون ذكرها المتأخر لتضم الى فقرات الاذان السابقة، من باب التوسع في فقراتها، فكأن الشارع قال الشهادة الثالثة من فقرات الاذان والاقامة، ويطلق على هذا النحو من الخطاب الشرعي، بالحكومة توسيعا لدائرة الدليل السابق.
واذا تم هذا الوجه، كانت جزء من فقرات الاذان بعد ضمها اليها… ولكن ليس بايدينا دليلا واضحا يطمئن بصدوره وبهذا المستوى، فيبقى هذا الوجه كاحتمال ضعيف ويصبح ذكرها مستحبا او احتياطا استحبابيا وهذا هو الوجه الرابع.
وقد يقال: ان عدم ذكر الشهادة في بداية الدعوة الاسلامية لان ذكرها امرا غير مستساغ للعرف المخاطَب انذاك، كما انه لايصب في مصلحة الرسالة بعد ان انكشف عداء الكثيرين للامام عليه السلام في خلال سنوات الدعوة المباركة، بما لا حاجة الى بيانه الان، وعلى هذا فلو توسع الشارع في بيان فقرات الاذان وضم اليها الشهادة بالولاية لادى ذلك الى ترك الدين وترك الرسالة وعدم الانصياع الى اوامرها ويشهد لهذا المعنى امران … اولهما، حادثة قوله تعالى: (سأل سائل بعذاب واقع …) والقصة معروفة. وثانيهما: ما قالوه للرسول صلى الله عليه واله عند تأميره الامام عليه السلام في حديث الدار، وغيرها من الموارد التي تبين عدم استعداد القوم لقبول هذه الامرة وجعلها في ضمن فقرات الاذان غير مستساغ، فكيف يضمها..؟
الا ان هذا الوجه بحاجة الى اثبات تاريخي ليطمئن بصحته وهذا هو الوجه الخامس.
وقد سمعت من السيد الاستاذ الشهيد قده في صدد جوابه على مشروعية الشهادة بالولاية والرد على التيجاني النافي لها، انه ورد عن رسول الله ما مضمونه … ما لرسول الله لعلي بن ابي طالب.. ولكنه قده لم يؤكد صحة الخبر او ضعفه فيبقى محتملا – فاذا صح الصدور لهذا الخبر كان للامام عليه السلام الشهادة للاذان والاقامة لانها ثابتة للرسول فيهما وهذا هو الوجه السادس.
على اننا لا نعدم الدليل على المشروعية للشهادة بالولاية. بواسطة السيرة المتشرعة عند الامامية، القائمة على الاتيان بها فقد وصلت الينا جيلا عن جيل حتى تصل الى زمان المعصوم عليه السلام اذا رجعنا الى الزمان السابق القهقري … وقيامها بزمن المعصوم مع سكوته عنها، كان ذلك اقرارا منه، وهو حجة كما ثبت بعلم الاصول.
ولو لم تكن في زمن المعصوم وانما استحدثت بعد زمانه، في زمن الغيبة، لوصل خبرها الينا لانها من الحوادث المهمة، التي يشاع امرها بين الناس ويذيع صيتها ولا يحتمل مع اهميته وحساسيته ان لا يصل الينا خبره وانه حصل في زمن الغيبة.
على انه لم يصلنا من النقل التاريخي بان بعض الطائفة لم تذكر الشهادة بالولاية للامام عليه السلام واذا حصل فهو من الاحاد الذي لا يضر منعهم بالتواتر النقلي والفعلي لذكر الشهادة بالاذان والاقامة.
وهذا هو الوجه السابع، وبه يكون استحباب ذكرها ضمن فقرات الاذان والاقامة هو الاصح عندنا وهو ما عليه المعاصرون من الفقهاء حيث اتفقوا على استحباب الشهادة بالولاية للامير بالاذان والاقامة.
ولهذا لا يعبأ بما يقوله هذا القائل او غيره