صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 16 إلى 22 من 22
  1. #16
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي

    [align=justify] 2ـ السمك الذي لا فلس له:

    المقام الثاني: في حكم السمك الذي لا فلس له، والمشهور هو حرمة أكله، بل ذهب البعض إلى أن حرمة السمك الذي لا فلس له من ضرورات المذهب، ولذا حكم بعضهم بقتـل مستحلـه، كما يظهر من الشيخ الطوسي (قده) في الحدود من كتاب النهاية، حيث حكم بتعزير من أكل بعض أنواع السمك الذي لا فلس له، كالجري والمارماهي، فإن عاد أُدِّب ثانية، فإن استحلَّ شيئاً من ذلك وجب عليه القتل، ومقتضاه كونه من ضروري المذهب أو الدين(i). راجع: الجواهر، ج 36، ص 244.

    ولكنَّنا نتحفَّظ عن ذلك:

    أولاً: لأنّ المسألة ليست من المسائل الضرورية، بل من المسائل الاجتهادية النظرية والناشئة من مدارك وأدلة معروفة وموجودة بين أيدينا، ولا يكفي أن يتسالم جيل أو أكثر على سألة معيّنة حتى ندرجها في لائحة ضرورات المذهب، ولا سيّما مع وجود من يفتي بحلّية ما لا فلس له من السمك من أصحابنا، كما سنلاحظ.



    ثانياً: لأنّ منكر الضروري لا يحكم بارتداده وقتله، أمّا بالنسبة لضروري المذهب فواضح، وأمّا بالنسبة لضروري الدين فلما حقّقناه في محله من أنّ إنكاره ليس من موجبات الكفر إلاّ إذا رجع إنكاره إلى تكذيب النبيّ (ص) وكان ملتفتاً إلى الملازمة، كما حقّقنا ذلك في محله.

    أقوال الفقهاء في المسألة:

    وتأكيداً لما قلناه من عدم وجود إجماع في المسألة، فضلاً عن أن تكون من ضروريات المذهب، نستعرض بعض أقوال الفقهاء فيها. فقد ذهب الشيخ في النهاية في كتاب الحدود إلى القول بقتل مستحل ذلك، وإن خالف هو في نفس كتابه النهاية. حيث نقل عنه الخلاف كما يحكى ذلك أيضاً عن القاضي(i). المصـدر السابـق؛ وراجـع النهاية ونكتهـا، ج 3، ص 319، و ج 2، ص 99، و ج 3، ص 77 و 78.

    وقال الشيخ المفيد (قده) في المقنعة: «ويؤكل من صيد البحر كل ما كان له فلوس، ولا يؤكل ما لا فلس له، ويجتنب الجرّي والزمار والمارماهي من جملة السموك ولا يؤكل الطافي منه»i() المقنعة، ص 576.

    وذكر الشيخ الطوسي مثله في النهاية، وحرّم الاكتساب بذلك أيضاً، وقد عرفت أنه قال بلزوم تعزير مستحل ذلك ثم إذا عاد أُدب، وإذا عاد بعد ذلك قتل، ولكن خالف في كتابي الأخبار ذلك إلاّ في الجرّيii() التهذيب، ج 9، ص 5، والاستبصار، ج 4، ص 59.

    كما أنّ المنقول عن القاضي هو القول بالكراهة، وإن استظهر صاحب الجواهر في تعبيره بالكراهة اختياره القول بالتحريم، لجواز استعمال ذلك وإرادة الحرمة منهiii() جواهر الكلام، ج 36، ص 244.

    فلا يكون مخالفاً في المقام. وتردّد في ذلك بعض المتأخّرين، كالمحقّق الحلّيفي الشرائع، حيث قال: «أما ما ليس له فلس في الأصل، كالجرّي، ففيه روايتان، أشهرهما التحريم، وكذا الزمار والمارماهي والزهو. ولكن أشهر الروايتين هنا الكراهة»i() شرائع الإسلام، ج 3، ص 217.

    وكذلك تردد الشهيد الثاني، ففي المسالك قال: «واختلف الأصحاب في حله بسبب اختلاف الروايات فيه، فذهب الأكثر، ومنهم الشيخ في أكثر كتبه، إلى تحريمه مطلقاً... إلى أن قال: قال الشيخ في الكتابين: والوجه في هذه الأخبار، أنه لا يكره كراهة الحظر إلاّ هذا الجري، وإن كان صريحاً في اختيار كراهة ما عدا الجري من السمك مطلقاً... ثم قال: وإن أشهرهما بين الأصحاب التحريم، وإنما نسب القول بالتحريم إلى الشهرة، خصوصاً لما قد عرفت من أنّ روايات الحلّ صحيحة الإسناد كثيرة، وقد كان يمكن الجمع بينهما وبين ما دلّ على التحريم بالحمل على الكراهة؛ ولكن الأشهر بينهم التحريم... ثم قال: والمصنف اختار في هذه الثلاثة الكراهة، وهو مذهب الشيخ في النهاية وتلميذه القاضي، وهو حسن»i()مسالك الأفهام، ج 13، ص 14.

    كما أنّ المحقّق الأردبيلي تبعهم في التردّد في المسألةii() مجمع الفائدة والبرهان، ج 11، ص 189.

    وذكر المحقق السبزواري في الكفاية: «واختلف الأصحاب في السمك الذي لا فلس له، فمن ذلك، الزمار والمارماهي والزهو؛ والمشهور بين الأصحاب التحريم؛ وذهب جماعة منهم الشيخ، إلى الكراهة، وهو أقرب جمعاً بين الأخبار الدالة على التحريم، والنافية له، مع عموم الآية على الحلّ. والروايات في الجرّي مختلفة، قال المحقق: أشهرهما التحريم والمسألة مشكلة ومقتضى قواعد الاستدلال الحل»iii() كفاية الأحكام، ص 248، الطبعة الحجرية و ج 2، ص 596، من الطبعة الحديثة.

    ومن خلال استعراض هذه الكلمات، يتّضح أنّ المسألة ليست من الضروريات كما يظهر من الشيخ الطوسي في حدود النهاية، وإنما هي مسألة خلافية، وهذا ما جعل بعض المتأخرين يوافقون الشهيد الثاني والمحقق في تحفّظاتهما، ويرون أنّ الحكم ظاهر في الكراهة دون الحرمة.[line]-[/line]






    ..................................

    يتبع/ ..(مقتضى القواعد والأصول)
    [/align]





  2. #17
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    الدولة
    Los Angeles California
    المشاركات
    249

    افتراضي

    مشكور سيد مرحوم على تتابعك في نقل الموضوع وجُزيت خيرا
    [type=342625]فإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا النَّاسَ الْحَقَّ فَاشْتَرَوْهُ، وَأَخَذُوهُمْ بِالْبَاطِلِ فَاقْتَدَوْهُ[/type]

  3. #18
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    6,631

  4. #19
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي

    مقتضى القواعد والأصول :

    لا يخفى عليك ، أن مقتضى الأصل العملي ، وكذا العمومات المتقدمة بأنواعها الثلاثة هو حلية السمك الذي لا فلس له ، كما أن مقتضاها هو حلية حيوان البحر من غير السمك كما عرفت ، فهل من دليل يقضي برفع اليد عن الأصل العملي وتخصيص العمومات؟

    ربما يدعى وجود المخصص من خلال البيت أهل عليهم (السلام الرواياتالواردةعنالأئمةمن) والتي فصلت بين ما له فلس فحكمت بحليته ، وما لا فلس بحرمته فحكمت له ، لكن في المقابل ، فإن ثمة طائفة أخرى من الروايات حكمت بالحلية في الصنفين ، فلا بد لنا من أن نستعرض الطائفتين ، ثم نوازن بينهما.

    الروايات الواردة في المقام :

    إن الروايات المتعرضة لحكم السمك الذي لا فلس له ، يمكن تقسيمها إلى طائفتين أساسيتين : إحداهما ظاهرة في الحرمة ، والأخرى تدل على الإباحة. وإليك روايات الطائفتين.


    الطائفة الأولى: روايات الحرمة ، وهي عدة روايات ظاهرة في التفصيل وإثبات حلية ما له فلس والنهي عما ليس له فلس :
    الرواية الأولى: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) في حديث قال : «قلت له : الله رحمك ، إنا نؤتى بالسمك ليس له قشر ، فقال : كل ما له قشر من السمك ، وما ليس له قشر فلا تأكله»(أنا)الوسائل ، ج 24 ، ص 127 ، ح 1 ، الباب 8 ، باب تحريم أكل السمك الذي ليس له فلس. ورواه في الكافي ، ج 6 ، ص 219 ، ح 1 ، والرواية صحيحة.

    ورواه الشيخ بإسناد آخر مثله (الثاني). الوسائل ، نفسه المصدر ، ورواه في التهذيب ، ج 9 ، ص 2 ، ح 1 ، بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن العلاء ، والرواية صحيحة أيضا.
    الرواية الثانية:صحيحة حماد بن عثمان ، قال: «قلت لأبي عبدالله (ع) : جعلت فداك ، الحيتان ما يؤكل منها؟ قال : ما كان له قشر »(أنا). الوسائل ، المصدر نفسه ، الحديث 2 ؛ ورواه في الكافي ، ج 6 ، ص 219 ، ح 2 ، ورواه الشيخ بإسناده أيضا ، التهذيب ، ج 9 ، ص 3 ، ح 4 ، والرواية صحيحة ، سواء بحسب سند الشيخ أو سند الكليني.

    الرواية الثالثة : مرسل حريز عمن ذكره عنهما س : «أن أمير المؤمنين (ع) كان يكره الجريث ، ويقول : لا تأكل من السمك إلا شيئا عليه فلوس ، وكره المارماهي»(الثاني).الوسائل ، ج 24 ، ص 128 ، ح 3 ، من الباب المذكور ، ورواه في الكافي ، ج 6 ، ص 219 ، ح 3 ، ووكذلك رواه الشيخ بإسناده في التهذيب ، ج 9 ، ص 2 ، ح 2 ، ولكن فيه : أن عليا ( ع).
    الرواية الرابعة : صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (ع) قال : «كان علي (ع) بالكوفة يركب بغلة رسول الله (ص) ثم يمر بسوق الحيتان ، فيقول : لا تأكلوا ولا تبيعوا ما لم يكن له قشر من السمك»(ثالثا).الوسائل ، ج 24 ، ص 128 ، ح 4 ، من الباب المذكور ، ورواه في الكافي ، ج 6 ، ص 220 ، ح 6 ، وكذلك رواه الشيخ بإسناده في التهذيب ، ج 9 ، ص 3 ، ح 3 ، والرواية صحيحة ، ورواه البرقي في المحاسن أيضا.

    الرواية الخامسة : حسنة حنان بن سدير عن أبي عبدالله (ع) في حديث قال : «ما لم يكن له قشر فلا تقربه»(رابعا).الوسائل ، ج 24 ، ص 128 ، ح 5 ، ورواه في الكافي ، ج 6 ، ص 220 ، ح 7 ، والرواية حسنة ، فإن حنان ابن سدير الصيرفي وإن كان واقفيا ، إلا أن الشيخ وثقه وترحم عليه.

    الرواية السادسة : مرسلة الصدوق قال : قال الصادق (ع) : كل من السمك ما كان له فلوس ، ولا تأكل منه ما ليس له فلس(أنا). الوسائل ، ج 24 ، ص 129 ، ح 7 ، ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 3 ، ص 206 ، ح 943 ، والرواية من مراسيل الصدوق رحمه المولى.

    الرواية السابعة: رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله (ع) : «أن أمير المؤمنين (ع) كان يركب بغلة رسول الله (ص) ثم يمر بسوق الحيتان ، فيقول: ألا لا تأكلوا ولا تبيعوا ما لم يكن له قشر»(الثاني).الوسائل ، ج 24 ، ص 129 ، ح 6 ، ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب في التهذيب ، ج 9 ، ص 3 ، ح 5 ، والكافي ، ج 6 ، ص 220 ، ح 9 ؛ وكذلك رواه البرقي في المحاسن ، ص 477 ، وفي سند الرواية كلام ، حيث إن مسعدة بن صدقة والذي يروي عن هارون بن مسلم هو الثقة كما عن السيد الخوئي (قده) في المعجم ، لكن توثيقه إياه لعله لوقوعه في أسانيد القمي تفسير ، وقد وقع أيضا في أسانيد الزيارات كامل ، فإذا بنينا على الأخذ بالتوثيقات العامة ، كان ثقة كما ذكره السيد الخوئي (قده) ، والرواية تكون موثقة عندئذ ، وإلا فالرواية ضعيفة.

    الرواية الثامنة: ما رواه الطبرسي في مكارم الأخلاق عن أحمد بن إسحاق ، قال: «كتبت إلى أبي محمد (ع) أسأله عن الاسقنقور يدخل في دواء الباه ، وله وذنب مخاليب ، أيجوز أن يشرب؟ فقال: إذا كان لها قشور فلا بأس»(ثالثا). الوسائل ، ج 24 ، ص 129 ، ح 8 ، وراجع ، مكارم الأخلاق ، ص 162 ، وأحمد بن إسحاق القمي كبير القدر ومن خواص الإمام العسكري (ع) وهو شيخ القميين. والسقنقور أو الإسقنقور دابة تعيش في شاطئ النيل كما في القاموس المحيط ، وهي تشبه السمك إلى حد بعيد ، ولكن لها أجنحة ، ومن ثم ذهب صاحب الجواهر إلى أن نفي البأس محمول على ما إذا كان من السمك ، وإلا كان مطرحا.

    فتدل بالمفهوم على حرمته إن لم يكن له قشور.

    الرواية التاسعة: حسنة حنان بن سدير الأخرى ، قال: «سأل العلاء بن كامل أبا عبدالله (ع)) وأنا حاضر عن الجري ، فقال: وجدناه [وجدنا] في كتاب علي (ع) أشياء من السمك محرمة ، فلا تقربه. ثم قال أبو عبدالله (ع) : ما لم يكن له قشر من السمك فلا تقربه»(أنا).الوسائل ، ج 24 ، ص 131 ، ح 4 ، ورواه في الكافي ، ج 6 ، ص 220 ، ح 7 ، والرواية حسنة ، وقد تقدم الكلام على السند في الرواية الخامسة. والإمام في هذه الرواية أراد أن يبين أن الجري مما لا فلس له ، ليكون النهي على طبق القاعدة.

    الرواية العاشرة: خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) في كتابه إلى المأمون ، قال: «محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله» إلى أن قال: «وتحريم الجري (من السمك) والسمك الطافي والمارماهي والزمير وكل سمك لا يكون له فلس»(الثاني).الوسائل ، ج 24 ، ص 132 ، ح 9 ، ورواه في عيون أخبار الرضا ، ج 2 ، ص 126 ، ولكن في المصدر من دون قوله : (من السمك بعد قوله : وتحريم الجري). والفضل بن شاذان وإن كان لا كلام حوله لكونه من متكلمي أصحابنا الثقاة ، إلا أن طريق الصدوق إليه ضعيف أيضا.


    الرواية الحادية عشرة: صحيحة حماد بن عثمان ، قال: «قلت لأبي عبدالله (ع) : الحيتان ما يؤكل منها؟ فقال: ما كان له قشر ، قلت: ما تقول في الكنعت؟ قال: لا بأس بأكله ، قال: قلت: فإنه ليس له قشر ، فقال: بلى ، ولكنها حوت سيئة الخلق تحتك بكل شيء ، فإذا نظرت في أصل أذنهاوجدت لها قشرا»(أنا).الوسائل ، ج 24، ص 137، ح 1، الباب 10، عدم تحريم الكنعت وما اختلف طرفاه من السمك إلا ما استثني ؛ ورواه في التهذيب ، ج 29، ص 23، ح 4، ولكن فيه بدل الكنعت ، الكعنث ، وهو نوع السمك من ، وقد يقال له أيضا: الكنعد بالدال بدل التاء ؛ راجع: مجمع البحرين ، ج 2، ص 216، والقاموس المحيط ، ح 1، ص 156؛ وقد روى الصدوق في الفقيه مثله. راجع الفقيه ، ج 3، ص215، ح 1001، ورواه في الكافي أيضا ، ج 6، ص 219، الحديث 2، والرواية صحيحة.

    الرواية الثانية عشرة:خبر صالح بن السندي عن يونس ،قال: كتبت إلى الرضا (ع) : السمك لا يكون له قشور أيؤكل؟ قال: إن من السمك ما يكون له زعارة ، فيحتك شيء بكل ، قشوره فتذهب ، ولكن إذا طرفاه اختلف ، يعني ذنبه ورأسه ، فكل(الثاني).الوسائل ، ج 24، ص 138، ح 2، من الباب السابق ، ورواه في الكافي ، ج 6، ص 221، ح 13، وفي التهذيب ، ج 9، ص 4، ح 7. والزعارة: الشراسة وسوء الخلق.

    الرواية الثالثة عشرة:رواية سليمان ابن جعفر عن إسحاق صاحب الحيتان ، قال:«خرجنا بسمك نتلقى به أبا الحسن (ع) وقد خرجنا من المدينة ، وقد قدم هو من سفر له ، فقال: ويحك يا فلان ؛ لعل معك سمكا؟ فقلت: نعم يا سيدي جعلت فداك ، فقال: انزلوا ، فقال: ويحك لعله زهو؟ قال: قلت: نعم ، فأريته ، فقال: اركبوا لا حاجة لنا فيه ، والزهو سمك ليس له قشر»(ثالثا).الوسائل ، ج 24، ص 138، ح 1، الباب 11، باب تحريم الزهو ، ورواه في الكافي ، ج 6، ص 221، ح10؛ والتهذيب ، ج 9، ص 3، ح 6.

    [الخط] -- [/] خط







    ..................................

    يتبع /.. (وقفة مع الروايات)





  5. #20
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي

    وقفة مع الروايات:

    وتعليقاً على الروايات المتقدّمة نقول:

    أولاً: إنّ بعض الروايات المتقدّمة صحيحة السند، وهي مستفيضة ويعضد بعضها البعض الآخر، فلا مجال للتشكيك في سندها، وإنما المهم النظر في دلالتها.

    ثانياً: إنّ الرواية الأخيرة لا ظهور لها في الحرمة، لأن هذه الرواية قد تعرضت لصنف من السمك هو «الزهو»، والذي ليس له فلس، وقد عبَّر الإمام (ع) عن أنّه لا حاجة له فيه، ولعله لعدم الرغبة الذاتيّة أو الكراهة. ونحوها في عدم الظهور في الحرمة، الرواية ما قبل الأخيرة.

    ثالثاً: إنّ سائر الروايات المتقدمة لا تأبى الحمل على الكراهة إذا توفرت القرينة، لأنها ظاهرة في لحرمة، باستثناء رواية واحدة وهي العاشرة، فإنها نص في الحرمة، إلاّ أنها غير صحيحة السند.

    إن قلت: إنّ الروايتين الرابعة والسابعة المتضمنتين خروج أمير المؤمنين (ع) إلى السوق ونهيه عن بيع السمك الذي لا فلس له، تأبيان الحمل على الكراهة، لأنه من البعيد أن ينهى (ع) عن بيع ما كان مكروهاً، وأن يخرج إلى السوق لهذه الغاية.

    قلت: ليس ظاهراً من الروايتين ولا من غيرهما أن أمير المؤمنين (ع) كان يخرج إلى السوق فقط بهدف النهي عن أكل السمك الذي لا فلس له أو النهي عن بيعه، ليقال إن ذلك لا يتلاءم وكراهته، وإنما كان (ع) يقوم بجولة في السوق، فيرشد ويوجه ويبيّن للناس ما يحلّ لهم بيعه وما يحرم وما يكره، ولا بأس بأن ينهى عن بيع المكروهات ما دام النهي كراهتياً.


    على أنّ ثمة ملاحظة هنا تبعث على التأمّـل، وهـي أنّ الروايـات التـي تتحدّث عن نهي الإمام أمير المؤمنين (ع) عن السمك الذي لا فلـس لـه، تذكـر أنـه كان يخرج على بغلة رسول الله (ص) عندما كان (ع) في الكوفة، ما يعني أن الأمر حصل في زمن خلافته (ع). ومن البعيد أن تعيش بغلة رسول الله (ص) كل هذه المدة التي تزيد على ربع قرن، فإنّ المعروف أنّ جنس البغال لا يعيش هذه المدة.


    الطائفة الثانية: ما دلّ على حلية ما ليس له فلس، وهي عدة روايات:

    الرواية الأولى:
    صحيحة زرارة، قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن الجريث؟ فقال: وما الجريث؟ فنعته له، فقال: ﴿ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ... [الأنعام: 145]الآية، ثم قال: لم يحرِّم الله شيئاً من الحيوان في القرآن، إلا الخنزير بعينه؛ ويكون كل شيء من البحر ليس له قشر مثل الورق، وليس بحرام، إنما هو مكروه(i)..() الوسائل، ج 24، ص 135، ح 19، ورواه في التهذيب، ج 9، ص 5، ح 15، والاستبصار، ج24، ص 59، ح 207، وقال في الوسائل: أقول: وتقدّم أن هذا وأمثاله محمول على تفاوت مراتب التحريم في التغليظ، مع احتمال حمل الجميع على التقيّة؛ ولكن الظاهر أنّ تأكيد الإمام بقوله: وليس بحرام إنما هو مكروه ينافي ذلك، فهذا الحديث وأمثاله لا بد من أن يكون دالاً على الكراهة، والرواية صحيحة.
    الرواية الثانية:
    صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبدالله (ع) عن الجرّي والمارماهي والزمير وما ليس له قشر من السمك، أحرام هو؟ فقال لي: يا محمد، اقرأ هذه الآية التي في الأنعام: ﴿ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً..﴾ قال: فقرأتها حتى فرغت منها، فقال: إنما الحرام ما حرّم الله ورسوله في كتابه، ولكنهم كانوا يعافون أشياء، فنحن نعافها»(ii) الوسائل، ج 24، ص 136، ح 20، ورواه في التهذيب، ج 9، ص 26، ح 16، والاستبصار، ج4، ص 60، ح 208، والرواية صحيحة.

    الرواية الثالثة:
    صحيح ابن مسكان عن محمد الحلبي، قال أبو عبدالله (ع): «لا يكره شيء من الحيتان إلاّ الجري»(iii). الوسائل، ب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 17.
    الرواية الرابعة:


    رواية حكم عن أبي عبدالله (ع): قال: «لا يكره شيء من الحيتان إلاّ الجريث»i() الوسائل، ب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 18.


    [line]-[/line]






    ..................................
    يتبع /..(طرق علاج التعارض:)





  6. #21
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي


    طرق علاج التعارض:


    بعد أن عرفنا وجود طائفتين في حكم السمك الذي لا فلس له، نأتي إلى كيفية حل التعارض بينهما. ولدى استعراض طرق الأصحاب في حلِّ هذا التعارض وعلاجه، يتبين لنا أنّ هناك ثلاث نظريات لعلاج هذا التعارض وحلّه، والحقيقة أن هذه النظريات يمكن إرجاعها إلى اتجاهين أساسيين:


    الاتجــاه الأول:هو اتجاه الترجيح بين الطائفتين المتعارضتين.


    الاتجاه الثاني:اتجاه الجمع العرفي بين الطائفتين.


    ومن المعلوم أنه مع وجود فرصة للجمع العرفي بين الروايات المتعارضة، فلا يصار إلى خيار الترجيح، لأنه فرع استقرار التعارض.


    والنظريات الثلاث هي التالية:


    1- نظرية الحمل على التقيّة:


    وهي مذهب صاحب الجواهر (قده) وصاحب الرياض، ومقتضاها حمل الروايات الدالة على الحرمة على بيان الحكم الواقعي، وطرح الروايات الدالة على الحلية لموافقتها للعامة، وذلك بإرادة الحرمة من الكراهة؛ قال في الجواهر: «فمن الغريب بعد ذلك، ميل بعض الناس إلى القول بالكراهة، جاعلاً لها وجه جمعٍ بين الأخبار التي لا يخفى على من لاحظها إباء جملة منها لذلك؛ على أن الجمع العرفي بذلك فرع التكافؤ المفقود هنا من وجوه، منها: موافقة رواية الحلّ للعامة التي جعل الله الرشد في خلافها، بل لا يخفى على من لاحظها الإيماء فيها لذلك...»(i).()جواهر الكلام، ج 36، ص 244، 245.


    وقال في الرياض: «ويستفاد منه إطلاق الكراهة على التحريم، فلا يبعد حملها عليه في المعتبرين أحدهما الصحيح: لا يكره شيء من الحيتان إلا الجرّي» إلى أن قال: «وهذان الخبران وإن صح سندهما، إلا أنهما ـ مع مخالفتهما لما عليه أصحابنا من تحريم أشياء ليست في القرآن أصلاً ـ موافقان لمذهب العامة،ومعذلكقاصرانعنالمقاومة لما مضى من وجوه شتى، لاعتضاده بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل إجماع في الحقيقة ملحق بالضرورة من مذهب الإمامية،وبالإجماعات المحكية المستفيضة، والاستفاضة القريبة من البلوغ حد التواتر... إلى أن قال: ومقتضى القاعدة، إرجاع المشكوك ـ هو هنا لفظ الكراهة ـ إلى النهي الظاهر في الحرمة، كما أنّ مقتضاها إرجاع الظاهر إلى النص. هذا، مع أنّ ركوب علي (ع) وسيره في الأسواق للنهي عن الجرّي ونحوه، يناسب الحرمة لا الكراهة، كما لا يخفى على من له أدنى فطنة. وبالجملة، لا شبهة في المسألة، ولو قلت إنها من بديهيات مذهب الإمامية لما كذبi).i ()رياض المسائل، ج 8، ص 220، وما بعدها، طبعة دار الهادي، بيروت.


    2- نظرية الجمع العرفي والحمل على الكراهة:

    وهي مذهب صاحب الشرائع وصاحب المسالك ومن تبعه، كالمحقق السبزواري والكاشاني وغيرهما؛ قال الشهيد الثاني (قده) في المسالك: «والمصنـف ـ رحمـه الله ـ اختـار في هذه الثلاثة الكراهة، وهو مذهب الشيخ في النهاية وتلميذه القاضي، وهو حسن، لأنّه طريق الجمع بين الأخبار، والمانعون حملوا أخبار الحل على التقيّة وليس بجيّد»(.ii() المسالك، ج 12، ص 14، وذكر الشيخ في التّهذيبين: «والوجه عندي في هذه الأخبار أنه لا يكره كراهة الحظر، إلا هذا الجري، وإن كان يكره كراهة الندب».


    وقال المحقق السبزواري في كفاية الأحكام: «اختلف الأصحاب في السمك الذي لا فلس له، فمن ذلك الزمّار والمارماهي والزهو، والمشهور بين الأصحاب التحريم. وذهب جماعة، منهم الشيخ، إلى الكراهة، وهو أقرب جمعاً بين الأخبار الدالة على التحريم والنافية له، مع دلالة عموم الآية على الحلّ، والروايات في الجرّي مختلفة، قال المحقق أشهرهما التحريم، والمسألة مشكلة، ومقتضى قواعد الاستدلال الحل»(i).i() كفاية الأحكام، ص 248، الطبعة الحجرية، و ج2، ص 596، من الطبعة الحديثة.


    3- نظرية الجمع العرفي والحمل على التحريم:


    وهو ما ذهب إليه صاحبُ المستند المحقق النراقي، حيث جعل القول بالحرمة هو مقتضى الجمع بين الروايات. قال (رحمه الله) بعداستعراضهالروايات: «والجواب عن الكل بأعميتها مما مرّ مطلقاً أما الأولى، فلشمولها للحيتان وغيرها(ii)ii() قسم صاحب المستند روايات الحل إلى ما يشمل الحيتان وغيرها، وهو ما عبّر عنه بالأولى، ومقصوده صحيحة زرارة: «ويكره كل شيء من البحر ليس له قشر...».


    وأما الثانيتان(iii() صحيحة ابن مسكان: «لا يكره شيء من الحيتان إلا الجرّي»، ورواية حكم التي هي مثل الأولى، إلاّ أن فيها الجريث مقام الجري.

    فلشمولهما لما له قشر وما ليس له قشر، وأما الرابعة(iv() صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله، التهذيب، ج 9، ص 6، ح 16


    فظاهرة؛ إذ ليس جواب الإمام إلاّ أن كلَّ ما لم يحرّم في الكتاب فليس بمحرَّم، وعموم ذلك ظاهر، فيجب تخصيصه بما مر، مضافاً إلى أن الأخيرة موافقة للعامة كما قالوا، فهي مرجوحة بالنسبة إلى الأولى، لولا عمومها أيضاً، ومع ذلك كله، فمخالفة للشهرة العظيمة خارجة عن حيز الحجية؛ وأما الجمع ـ بحمل الأولى على الكراهـة ـ فموقوف على المكافأة، وهي مفقودة بالمرّة»(i).() مستند الشيعة، المحقق النراقي، ج 15، ص 65 ـ 66.
    [line]-[/line]










    ..................................
    يتبع / (مناقشة نظرية الحمل على التقية)






  7. #22
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,589

    افتراضي

    مناقشة نظرية الحمل على التقية:


    عرفت أن غير واحد من الفقهاء حملوا روايات الحلية، والتي استشهد فيها الإمام الباقر (ع) بالآية لتأكيد الحلية حملوها على التقية وذلك لذهاب العامة إلى حلّية كل حيوان بحري (i)()المشهور عند العامة حلّية كل حيوان بحري، وإن خالف بعض فقهائهم، فخصوا الحليّة بما يكون سمكاً من دون فرق بين كونه ذا فلس أو غير ذلك؛ وخص آخر الحلية بما يكون من حيوان له ما يشبهه في البر حلالاً، وهكذا. وكيف كان، فاستعراض أقوال العامة على النحو الآتي:

    مذهب الحنفية: جاء في بدائع الصنائع: أنّ جميع ما في البحر من الحيوان محرّم الأكل إلا السمك خاصة، فإنّه يحلّ أكله إلا ما طفا منه، وهذا قول أصحابنا رضي الله تعالى عنهم، وقال بعض الفقهاء وابن أبي ليلى رحمه الله تعالى: ما سوى السمك من الضفدع والسرطان وحية الماء وكلبه وخنزيره ونحو ذلك.

    راجع، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لأبي بكر ابن مسعود الكاساني، ج 5، ص 36، الطبعة الحديثة و ج 5، ص 35، الطبعة الأولى، القاهرة 1910م.

    مذهب المالكية: جاء في التمهيد لابن عبد البر، ج16، ص 223: «اختلف العلماء في ذلك، فقال مالك: يؤكـل ما في البحـر من السمك والـدواب وسائـر مـا في البحـر من الحيــوان، وســواء اصطيــد أو وجد ميتاً طافياً وغير طافٍ، وليس شيء من ذلك يحتاج إلى ذكاة، لقول رسول الله: هو الطهور ماؤه، الحل ميتته، وكره مالك خنزير الماء من جهة اسمه، ولم يحرمه». وجاء في شرح الخرشي: «أن المباح من الحيوان البحري كله وإن كان ميتاً، سواء وجد راسباً أو طافياً أو في بطن حوت أو طير، وسواء ابتلعه ميتاً أو حياً ومات في بطنه، ويغسل ويؤكل، وسواء صاده مسلم أو مجوسي ويشمل البحري آدمي الماء وكلبه وخنزيره وهو المعتمد، وما عداه لا يعوّل عليه». راجع شرح الخرشي على مختصر أبي الضياء، ج 3، ص 26، طبعة بولاق بمصر، 1317هـ.

    مذهب الشافعية: وجاء في مغني المحتاج: «إنّ حيوان البحر ـ وهو ما لا يعيش إلا في الماء وعيشه خارج الماء كعيش المذبوح ـ منه ما ليس له رئة مثل أنواع السمك، ومنه ما له رئة مثل الضفدع، فإنّها تجمع بين الماء والهواء. أما السمك فهو حلال كيف مات، سواء مات حتف أنفه أو بسبب ظاهر، كصدمة حجر أو ضربة صيّاد أو انحسار ماء، وسواء كان راسباً أو طافياً، لقول الله تبارك وتعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ﴾ أي مصيده ومطعومه... إلى أن قال: أما غير السمك مما ليس على صورة السمك المشهورة من حيوان البحر مثل خنزير الماء وكلبه، فإنّه حلال في الأصحّ المنصوص، لإطلاق الآية والحديث المارين وقد روي عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه قال: كل دابة تموت في البحر فقد ذكاها الله لكم. وقيل: لا يحل لأنّه لا يسمّى سمكاً والأوّل يقول: بأنه يسمى سمكاً، وعلى الأوّل لا يشترط فيه ذكاة لأنه حيوان ولا يعيش إلاّ في الماء.

    وقيل: إنّ أكل مثله في البر كالبقر والغنم حلَّ أكله ميتاً، وإن لم يؤكل مثله في البر فلا يحل أكله مثل الكلب والحمار اعتباراً لما في البحر بما في البرّ...»، راجع مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج للإمام الشربيني، ج 4، ص 273، المطبعة الميمنية، مصر 1306هـ، و ج4، ص 297، الطبعة الحديثة.

    مذهب الحنابلة: فقد جاء في المغني والشرح الكبير: أن كل صيد البحر مباح إلا الضفدع... إلى أن قال، وقال الأوزاعي: لا بأس به لمن اشتهاه في مقابل من نقل أنه يدل على أنه لا يؤكل. وقال ابن حامد: لا يؤكل التمساح ولا الكوسج (القرش) لأنهما يأكلان الناس... راجع المغني لابن قدامة المقدسي، ومعه الشرح الكبير على متن الإمام شمس الدين أبي الفرج بن أحمد بن قدامة المقدسي، ج 11، ص 84، وما بعدها. الطبعة الأولى، مطبعة المنار، مصر 1348هـ.

    وللمزيد من التفاصيل، يمكن مراجعة موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، المجلد السابع، ج 14، ص 264، وما بعدها

    ، ولذا فالتمسك بروايات الحِلية في المقام غير تام.

    ونلاحظ على ذلك:

    أولاً: إنّ التقية لما كانت على خلاف الأصل، فلا بدَّ من أن يكون بيان خلاف الحكم الواقعي في موردها مقتصراً على مقدار الضرورة التي تدعو إلى ذلك، وحينئذٍ، فلا بدَّ من الاقتصار على بيان حلّية الشيء الذي يبيحه الآخرون الّذين كانت التقية لأجلهم، ومن دون تعليلٍ للإباحة بعموم الآية أو إطلاقها، لأن التعليل أزيد من مقدار الحاجة والضرورة التي تدعو إلى بيان خلاف الحكم الواقعي، بل إن الزيادة تلك تعتبر تقويةً لمذهب الخصم، حيث يقوم الإمام بتقديم المستند القرآني للرأي المخالف للواقع. ولذا، فلا يمكن المساعدة على الحمل على التقية في هذا المورد.

    وربما يقال، كما عن بعض المحققين، إن التقية كما تكون من خلال بيان خلاف الحكم الواقعي، تكون أيضاً عن طريق الاستدلال بما يكون مقطوع الصدور، كالآيات القرآنية، والأحاديث القطعية، وهذا لا يوجب تقويةً لمذهب الخصم، بل إنما يكون لمزيد الاهتمام ببيان خلاف الحكم الواقعي، بحيث لا يكون الاستدلال بحدّ ذاته مما يرتضيه الأئمّة (عليهم السلام)، وهذا يعطي انطباعاً لإيهام الخصم بـأنّ المسألـة هـي لبيـان الحكـم الواقعـي لا لخلافــه؛ أعني أن الإمام أيضاً لا يريد للآخرين أن يحتملوا أنّ الحكم مبني على التقية،ولذا هو يستدلّ بالآية.


    ولعل نظير ذلك ما ورد في المحاسن عن أبيه عن صفوان بن يحيـى والبزنطـي جميعاً عن أبي الحسن (ع): «في الرجل يُسْتَكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك، أيلزمه ذلك؟ فقال (ع): لا، قال رسول الله (ص): وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه، وما لا يطيقون، وما أخطؤوا...»(i)() المحاسن للبرقي، ص 339؛ نقلاً عن الوسائل، ج 1، ص 429.، فإنه لا حاجة للاستدلال بهذا الحديث لمعلومية بطلان الحلف بالطلاق والعتاق والصدقة، كما هو المعروف عندنا، وعندئذٍ، فكأن الإمام كان في مقام التقية من جهة الاستدلال، كما اختاره البعض.

    والجواب، أنَّ الظَّاهر من أيِّ استدلال، أنَّ المستدل يكون ـ عادةً ـ في مقام تأسيس القناعات الحقيقية، ولا دليل عندنا على أن هناك تقية في التقية كما ذكره هذا البعض.

    وبعبارة أخرى:إنّ الكلام السابق وإن كان ممكناً ثبوتاً، إلا أنّ إثباته مشكل مع عدم ورود دليل عندنا على اتّباع الأئمة لمثل هذه السيرة، بل نحن نمنع كون الاستدلال الوارد في الرواية لتأكيد التقية؛ فإنّ ورود دليل خاص على بطلان الحلف بالطلاق والعتاق والصدقة، لا يمنع من كون الأصل في الحكم هو ما ورد عن رسول الله (ص)، أو لبيان الحكم من جهة أخرى.

    وعليه، فمع عدم الدليل على كون الإمام في مقام التقية، تكون أصالة الجدّ مُحكَّمة، وبالتالي لا يكون ثمة مانع من الاستدلال بآية ﴿ قُل لَّآ أَجِدُ فِى مَآ...﴾ على حلّية حيوان البحر الذي يشك في حليته. نعم، يبقى الكلام حول التمسّك بالإجماع المدَّعى هنا.

    ثانياً: إنَّ الحمل على التقية إنما يكون في طول امتناع الجمع بين الروايات المتعارضة جمعاً عرفياً، ولذا لا يصار إليها إلا بعد تعذره، ومن المعلوم أنه يمكن حمل الروايات الدالة على التحريم على الكراهة، وذلك بقرينة الأخبار الدالة على الإباحة، فإذا قيل مثلاً: «لا تقرب السمك الذي ليس له فلس...»، ثم قيل في مورد آخر: «لا بأس بذلك»، فإن مقتضى الجمع العرفي عندئذ هو التصرف بقوله: «لا تقرب»، وإرادة الكراهة منها دون الحرمة، وعندئذ يزول التعارض ولا موجب للحمل على التقية.

    فإن قيل: ليس الحمل على الكراهة والتصرف في ظواهر الروايات التي تدل على التحريم، بأولى من الحمل على تغليظ التحريم واختلاف مراتبه، وذلك بالتصرف في ظاهر الروايات الدالة على الكراهة؟

    فنقول: إنّ روايات الحلية نص في الإباحة، فهيتأبى الحمل على الحرمة ولو المخففة. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإنّ الأمر يمكن أن يكون كذلك لو لم يكن عندنا العموم القرآني، والذي يكون عندئذٍ قرينة على ضرورة التصرف في ظاهر الروايات المخالفة له، وليس إلا روايات التحريم، فلا بد من حملها على الكراهة، وبذلك تنسجم جميعها مع القرآن.

    وإذا قيل عندئذ: بأنّ الجمع العرفي إنما يكون بعد تكافؤ الروايات المتعارضة، ومع عدم ذلك ـ كما ادَّعى صاحب الجواهر وصاحب المستند (قدهما) ـ لا يمكن المصير إليه.

    فنقول:إنّ ترجيح ما يوافق الكتاب عندئذ أولى من الترجيح بما يخالف العامة؛ لما دلَّ علىأنّالترجيحبمايخالفالعامةإنما يكون بعد العجز عن الترجيح بما يوافق الكتاب؛ فتأمّل.

    ثالثاً:على فرض كون التعارض بين الروايات مستقراً، واستبعاد الجمع العرفي، فإن أحكام باب التعارض تفرض، وقبل الوصول إلى الترجيح بمخالفة العامة، الترجيح بموافقة الكتاب، ومن الواضح أن الطائفة الثانية المحللة هي الموافقة للكتاب، أعني قوله: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ...﴾، فيتعين ترجيحها على الطائفة المحرّمة.

    رابعاً: ومع استقرار التعارض، واستبعاد الترجيح بمخالفة العامة، لما ذكرناه من بُعد حمل الروايات المحللة على التقية، ومع استبعاد الترجيح ـ أيضاً ـ بموافقة الكتاب بدعوى عدم دلالة الآيات القرآنية على حل صيد البحر على عمومه، فيحكم بتساقط الروايات رأساً، ويرجع إلى عمومات الحل، وإن شُكِّك فيها، فيرجع إلى أصالة الحل، مما تقدم توضيحه.

    ودعوى: أنه مع استقرار التعارض بين الطائفتين، فيؤخذ بروايات الطائفة الأولى لاستفاضتها وكثرة عددها وعمل المشهور بها، بخلاف الطائفة الثانية، فإنها مع قلة عددها فقد أعرض عنها المشهور. مرفوضة؛ لأن كثرة العدد ليست من مرجحات باب التعارض ما لم تصل الكثرة إلى حد التواتر، أو قريباً منه، بما يبعث على الاطمئنان بخطأ معارضها أو كذبه، وهذا غير حاصل في المقام؛ لأن روايات الحلّ تشتمل على ثلاث صحاح، وتؤيدها رواية رابعة، ويعضدها موافقتها للقرآن الكريم والعمومات المتقدمة. أمّا إعراض المشهور عن روايات الحلّ، فربّما كان إعراضاً اجتهادياً منشؤه إما موافقة روايات التحريم للاحتياط، أو موافقة روايات التحليل للعامة، أو لغير ذلك من الأسباب والوجوه التي عرفت عدم تماميتها في نفسها.

    هذا كلّه بصرف النظر عن أنّ الترجيح بكثرة العدد ـ لو قيل بها ـ أو بغيرها من المرجحات، هي فرع استقرار التعارض بين الروايات، وقد عرفت أنه غير مستقر؛ لإمكانية الجمع العرفي بينهما.[line]-[/line]




    ...........................................
    يتبع / (مناقشة نظرية الحمل على الكراهة)





صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

المواضيع المتشابهه

  1. خطبتا صلاة الجمعة لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
    بواسطة محمدعلي العراقي في المنتدى واحة الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 15-07-2006, 08:00
  2. خطبتا صلاة الجمعة لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
    بواسطة محمدعلي العراقي في المنتدى واحة الحوار العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 29-08-2004, 04:23
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-09-2003, 23:21
  4. خطبة الجمعة لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
    بواسطة العقيلي في المنتدى واحة الحوار العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-04-2003, 10:42
  5. خطبة الجمعة لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
    بواسطة العقيلي في المنتدى واحة الحوار العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 29-03-2003, 12:29

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني