إفطار السنة والشيعة في وقت واحد: مقابلة اجرتها صحيفة الاخبار العام الماضي بمناسبة شهر رمضان المبارك مع سماحته (رض)




على بُعد نحو عشرة أمتار من منزله القديم، الذي هدمه الإسرائيليون خلال حرب تموز 2006، نلتقي العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله في منزل مؤقت يقيم فيه منذ عام فقط. الوقت القصير الذي «يسرقه» لنا مدير مكتبه هاني عبد الله، بين المواعيد المزدحمة، لا يسمح بطرح جميع الأسئلة التي أُعدّت أو ولدت خلال الحوار، ولا تلك التي حُمّلت لنا من آخرين. الأسئلة كانت تتوزّع على محاور مختلفة، لكن سير الحوار دفعها باتجاه قضية المرأة، الزواج ودور رجال الدين اليوم. وكعادته لم يبخل السيّد، «المنفتح والعصري» كما يصفه كثيرون، في شرح رؤيته لعدد من القضايا الحساسة، مشجعاً على انتقاد رجال الدين، ومطالباً المرأة بالدفاع عن حقوقها

■ كلّما أطلّ شهر رمضان، عاد النقاش عن الطريقة الواجب اعتمادها لتحديد موعد بدايته وانتهائه. إلى متى سيبقى هذا الأمر عامل انقسام بين المسلمين، حتى ضمن المذهب الواحد، وخصوصاً أنه يفرض انقساماً في موعد العيد؟ لا أرى حلاً لهذه المشكلة إلا بالاعتماد على الحسابات الفلكية، هذا هو الذي يمكن أن يوحّد الموقف. أما إذا ركزنا على الرؤية، فإنها قد تختلف بين شخص وآخر وبلد وآخر.

■ كيف تفسّرون الطريقة التي تعتمدونها لإعلان ولادة شهر رمضان؟ نحن نرى أن المشكلة الفقهية التي تخلق هذه المشكلة الثانوية، وخصوصاً في بداية شهر رمضان ونهايته، هي مشكلة اجتهادية حرفية. هناك حديث يرويه المسلمون جميعاً عن النبي محمد (ص) «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته». أكثر المجتهدين من السنّة والشيعة يعدّون الرؤية هي الأساس. وهناك بعض الناس الذين يشترطون الرؤية في المنطقة التي يعيشون فيها كمسلمين، وهناك من يكتفي بثبوت الرؤية في أوروبا مثلاً ليقول بثبوت الهلال عندنا. أما رأينا نحن، فهو أن مسألة الشهر هي من المسائل المربوطة بالنظام الكوني للزمن ولا علاقة لها بمسألة أن يراه شخص أو لا يراه. والرؤية الواردة في الحديث النبوي الشريف هي وسيلة من وسائل المعرفة. أنا كنت أتحدث مع بعض الناس بطريقة شعبية. سألت: لو قال لك شخص إذا رأيت فلاناً فأخبرني، لكنك لم تره، بل اتصل بك بالتليفون بحيث عرفت وجوده في البلد، ألا تخبره؟ لا بد من أن تخبره، لأنك تفهم من مسألة، إذا رأيته، أي إذا عرفت بوجوده. فالرؤية ليس لها موضوعية في ثبوت الهلال، بل هي مجرد وسيلة من وسائل المعرفة. ونحن نلاحظ أن الحسابات الفلكية هي أدقّ من الرؤية، لأن الفضاء ملوّث في هذه الأيام، فمن الصعب جداً أن تحصل رؤية صافية. من جهة ثانية، عندما ندرس حركة الأشهر القمرية، نلاحظ مثلاً أنه ليست هناك حواجز بين شهر وشهر من الناحية المادية، لكنّ المسألة هي أنه، إذا دخل القمر في المحاق انتهى الشهر السابق. وإذا خرج من المحاق، وهو ما يُعبّر عنه بالولادة، فهو الشهر الجديد. لذلك فإن المسألة خاضعة للنظام الكوني، لا للرؤية، لأن الله خلق نظام الأشهر قبل أن يخلق العيون. قبل وجود الناس. لذلك أكدنا في اجتهاداتنا الحسابات الفلكية الدقيقة، وقلنا إنه إذا أمكن رؤية الهلال في منطقة من العالم الذي نلتقي معه في جزء من الليل يثبت عندنا. وعلى هذا الأساس أفتينا بأن أول شهر رمضان هو يوم الجمعة (اليوم) لأنه يُرى في بعض دول أميركا الجنوبية.

■ كيف تنظرون إلى التطوّر الأخير الذي يعتمده السعوديون اليوم لجهة رصد الهلال بالمراصد؟ هذا الأمر لا يمثل تطوراً، لأنه يقوم على توسعة الرؤية، أي إن الرؤية تبقى هي الأساس. إصدار الفتاوى

■ الطريقة التي تعتمدونها لتحديد الشهر هي مثار جدل في الشارع الإسلامي، كما غيرها من فتاواكم. وهذا ما يجعل البعض، من منتقديكم ومحبيكم على السواء، يصفكم برجل الدين المنفتح والعصري، مع ما يحمله هذا التوصيف من مديح أو انتقاد. هل توافقون على هذا الوصف؟ أنا من الناس الذين يحاولون أن يعيشوا عصرهم، لا من جهة عقدة العصر، لكن من خلال أني أتطلّع إلى المستجدات في العصر، التي تنطلق من تطوّر العلم والنظريات التي يستنبطها المتخصصون، لأني أثق بالعلم عندما يحصل منه اليقين. كذلك أرى نفسي إسلامياً يحاول أن يفهم الإسلام على نحو مستقلّ، فلا أقلّد الآخرين. نحن عندما ندرس تاريخ الفقه الإسلامي نلاحظ أن ما عندهم عندنا، وما عندنا ليس عندهم. طريقة الفهم للنصوص قد تختلف بين ثقافة وأخرى، ومن خلال المعطيات التي يمكن أن تستجدّ لدى المجتهدين في هذا المجال. على هذا الأساس مثلاً، أكدنا مسألة الحسابات الفلكية لأنها لم تخطئ في مدى 100 سنة في قضية التوليد.

■ وُصفت بعض فتاواكم بالجريئة، وبعضها حورب وانتقد. هل يمكن أن تترددوا في إصدار فتوى معينة تحسّباً لردة فعل المجتمع؟ أنا لا أنظر إلى مسألة أن يقبل المجتمع الفتوى أو لا يقبلها. المسألة المنفتحة على الخطوط الاجتهادية العلمية لا بد من أن تدرس موضوعياً في العناصر التي يمكن الإنسان أن يكتشف فيها ما يراه حقيقة. لذلك ليست لديّ أية مشكلة في الفتوى حتى تلك التي قد تكون مخالفة للمشهور من الفقهاء. أنا كنت أول فقيه أفتى بطهارة كلّ إنسان، بينما كان الرأي الفقهي عند الكثير من علماء الشيعة هو الحكم بنجاسة الكفار، وقد حصل هناك بعض التطوّر، فأصبح البعض يُفتي بطهارة أهل الكتاب، لكن بنجاسة الباقين من الملحدين... أما رأيي الاجتهادي منذ عدة سنين فهو أنه لا دليل عندنا على نجاسة الإنسان جسدياً، لذلك أفتيت بطهارة كلّ الناس. نعم هناك نجاسة في الفكر، قد توجد في المسألة السياسية، الاجتماعية، وقد توجد في المسألة الدينية. بعضهم يقول: الله يقول {إنما المشركون نجس}، نحن قلنا إن النجاسة هنا هي النجاسة المعنوية، باعتبار أن الشرك يمثّل قذارة فكرية لا يحترم فيها الإنسان عقله.

■ هل تعتقدون أن جرأتكم في الاجتهاد تمثّل عاملاً مساعداً ليحذو آخرون حذوكم؟ أتصوّر أن بعض المراجع عندما اطّلعوا على بعض فتاواي أقرّوها لأنهم اقتنعوا بها. كذلك إنّ التطوّر الفكري الاجتهادي الفقهي قد يفسح المجال لانفتاح أفضل في الفتوى.

■ كيف تصدرون فتوى معينة، بناءً على متابعة أم على أسئلة الناس؟ قد تجعلني أسئلة الناس أشعر بضرورة التعمّق في دراسة مسألة معينة، باعتبار أنها تمثّل مشكلة للواقع الإسلامي العام. كذلك، قد أجتهد في دراسة مسائل سبق أن أبديت رأياً فيها، بحيث يمكن أن تتبدّل آرائي السابقة التي ربما كانت تقليدية، إلى آراء جديدة. وهذا ما انطلقنا به في كثير من الفتاوى.

■ مثلاً؟ أثق بالعلم عندما يحصل منه اليقين، وأحاول عيش عصري من خلال مستجداته العلمية ندعو إلى تنظيم الزواج المؤقت، بحيث لا يكون هناك فوضى هناك مثلاً بعض الفتاوى التي لا تزال لدى الفقهاء، مثل أن الأشياء اللاصقة بالجسد تمنع الوضوء وتمنع الغسل، مثل الدهان والصباغ، أو طلاء الأظافر. لكني درست المسألة ورأيت أنها ليست حاجباً، وأن الحاجب هو ما كان انفصالاً واقعياً عن الجسد. مثل آخر، كان الرأي المشهور عند علماء الشيعة أن الحلال من حيوانات البحر هو السمك الذي له قشر، لكني وصلت أخيراً إلى أن كلّ صيد البحر حلال إلا ما كان مضرّاً وساماً. وكانت هناك فتوى مشهورة لدى كثير من علماء الشيعة، إلا القليل منهم، في مسألة أن الزوجة لا ترث من الأرض، بل من قيمة البناء في البيت، لكني أفتيت الآن بأنه لا فرق بين الزوج والزوجة في أنهما يرثان كما يرث أحدهما الآخر انطلاقاً من النص القرآني. وأيضاً المعروف عند المسلمين الشيعة أن الغروب يتحقق عند ذهاب الحمرة المشرقية، لكني أفتيت وفاقاً لبعض العلماء أيضاً من المسلمين السنّة والشيعة بأن سقوط قرص الشمس كافٍ لتحقق الغروب، لذا يجوز لنا أن نفطر سنّة وشيعة في وقت واحد.

■ هناك ملاحظتان من متتبعي فتاواكم، أولاً أن معظمها تتعلق بالنساء، وثانياً أنها تتجه لتسهيل أمور الناس. ما رأيكم؟ أنا لا أنطلق في الفتوى من عقدة تسهيل أمور الناس، بل من خلال العناصر الاجتهادية التي تجعلني أقتنع بالنتائج في هذا المجال. أما بالنسبة إلى النساء، فأنا أرى أن الكثير من النظرات في فتاوى النساء تنطلق من خلال التقاليد، لا من خلال الحقيقة القرآنية. لذلك أفتيت قبل مدة فتوى أثارت الكثير في العالم الإسلامي، وهي حق الدفاع عن النفس بما أنه حق لكلّ إنسان. فللمرأة الحق، إذا أراد زوجها أو أخوها أن يضربها، أن تدافع عن نفسها. وقد طلبت من النساء أن يتدربن على الأخذ ببعض أسباب القوة التي تتيح لهنّ الدفاع عن أنفسهنّ سواء في هذا الجانب أو في الاعتداءات التي قد يتعرّضن لها كالاغتصاب وما أشبه ذلك. طبعاً نحن نعتقد أن الحياة الزوجية قائمة على المودة والرحمة، لكن قد تصل المسألة أحياناً لدى الزوج لأن يضطهد زوجته، فمن حقها أن تدافع عن نفسها كما للرجل الحق في أن يدافع عن نفسه فيما إذا كانت زوجته أخت الرجال.

■ لوقت طويل، كان الرجال يعتقدون أن الضرب حق ديني لهم في إطار الحق في التأديب؟ لم يسلّط الله الرجل على المرأة إلا في دائرة ما يقتضيه عقد الزواج. الزواج عندنا ليس سرّاً خفياً، بل هو تعاقد بين الرجل والمرأة. ليس للرجل أية سلطة على زوجته، ولو بنسبة واحد في المئة، إلا بما التزمت به المرأة في الجانب الجنسي باعتبار أن الزواج يقوم عليه. لذلك ليس لها أن تمنعه من نفسها إذا كانت له حاجة في ذلك، ولم تكن لديها موانع شرعية أو صحية أو نفسية فوق العادة. ومن حقها على الرجل أن يستجيب لحاجاتها الجنسية. غير ذلك، لم يسلّط الله الرجل على المرأة مثلاً في إجبارها على القيام بشؤون البيت إلا إذا اشترط عليها ذلك ضمن العقد، وإلا فللمرأة أن تحسب نفسها عاملة في البيت وتأخذ أجراً على عملها، لكن الله أحبّ لها أن تكون علاقتها بزوجها وأسرتها علاقة المودة والرحمة.

■ وماذا عن قوامة الرجل على المرأة؟ القوامة لا تعني السيادة، بل الإدارة. بمعنى أن الرجل في الإسلام هو المسؤول عن الإنفاق على زوجته، ولو كانت غنية. كذلك، إن الرجل هو الذي يستطيع أن يدير الأمور باعتبار الظروف الخاصة للمرأة لجهة الدورة، الحمل، الحضانة. لا فرق بين الرجل والمرأة في الإسلام. اقرئي سورة الأحزاب، وسورة النمل التي تحدث فيها عن ملكة سبأ وأنها أعقل من الرجال، امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران. أختصر، القوامة ليست السيادة بل الإدارة. لأن الرجل هو مسؤول عن ميزانية البيت، وهو الذي يملك حرية جسدية في قضية العمل.

■ لكن الأمر اختلف اليوم، وباتت المرأة تُسهم اقتصادياً في البيت. ما تقوم به المرأة ليس واجباً عليها، هي تتبرّع به، فيما الرجل ملزم. وإذا لم ينفق عليها زوجها، فلها أن تطلب الطلاق وتحصل عليه. الإسلام حمّل الرجل مسؤولية البيت كلّه. بين الدين والممارسة

■ الممارسة العملية للإسلام على مدى قرون لم تنصف المرأة، وفي الحالات التي عوملت فيها المرأة جيداً، بدا الأمر كأنه متروك لضمير الرجل. هل الأمر كذلك فعلاً، مسألة ضمير؟ التطبيق العملي شيء، والدين شيء آخر. تستطيع المرأة التي تشعر بالاضطهاد أن ترفع شكواها إلى الحاكم الشرعي. نحن صرنا مطلّقين مئات النساء اللواتي يشكون الاضطهاد. خطأ التطبيق ليس مسؤولية الإسلام. هل كلّ القوانين تطبق؟

■ انطلاقاً من نظرة الإسلام إلى الزواج على أنه عقد بين طرفين، كيف تنظرون إلى عقد الزواج المدني؟ رأينا الاجتهادي أنه إذا كان العقد المدني يتضمن معنى قبول الطرفين، وكانت الشروط الشرعية المعتبرة في الزواج متحققة، يكون العقد المدني صحيحاً. المشكلة قد تكون مثلاً في أن الإسلام لا يجيز زواج المسلمة بغير المسلم. في هذه الحالة، سواء كان العقد مدنياً أو غير مدني، يكون باطلاً لأنه يفتقر إلى الشرط الشرعي.

■ لماذا لا يجيز الإسلام زواج المسلمة بغير المسلم، فيما يجيز ذلك للرجل؟ ربما، أنا لا أحسم المسألة. ربما كان الاعتبار أن الإسلام يعترف بالمسيحية واليهودية، والعكس غير صحيح. لذلك فإن الرجل المسلم، عندما يتزوج مسيحية أو يهودية، فهو لن يجرؤ على الإساءة إلى مقدساتها من خلال دينه، لا من خلال الجانب الإنساني فقط. فيما غير المسلم قد لا يحترم كل مقدسات المسلمين، فلا يحترم مقدّسات زوجته.

■ بالعودة إلى الزواج المدني، هل يمكن أن تتزوج مسلمة مسلماً بعقد مدني؟ الكثير من النظرات في الفتوى المتعلقة بالنساء تنطلق من التقاليد لا من الحقيقة القرآنية الأشياء اللاصقة بالجسد كالدهان وطلاء الأظافر ليست حاجباً للغسل أو الوضوء، وكلّ صيد البحر حلال يمكن، بشرط الخضوع للأحكام الإسلامية. أي القبول مع الشروط الشرعية المعتبرة في الإسلام. عندما يكون هناك كيان ثقافي للعقد يجب أن نركز العقد على أساس استجماعه. حتى في الزواج المدني هناك موانع قانونية كما الموانع الدينية. قضية الشروط المعتبرة في أي عقد من العقود هي أمر يلتقي فيه الجانب الشرعي مع الجانب المدني وإن اختلفت الشروط.

■ ينتقد كثيرون تعدّد الزوجات في الإسلام، هل يمكن أن نصل إلى وقت نحرّم فيه تعدّد الزوجات، أو نضع له شروطاً مضبوطة بحيث لا يساء استخدامه؟ قد يكون تعدّد الزوجات من الأمور التي انطلقت مع التاريخ، حيث لم يكن هناك تعدّد زوجات بل تعدّد عشيقات. الإسلام أراد أن ينظّم المسألة، فجعل هناك عدداً معيناً، مشترطاً العدل. العدل في النفقة والعدل في المبيت، والله قال: {إن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة، ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كلّ الميل فتَذَروها كالمعلّقة}، علماً بأنّ من حق الزوجة أيضاً أن تشترط على زوجها في عقد الزواج ألا يتزوج عليها، ورأيُنا أنه إذا تزوج عليها، فإن الزواج الثاني يخضع لإشكالات شرعية.

■ وماذا عن زواج المتعة، الذي يقوم به أيضاً رجال ملتزمون بعقد زواج دائم؟ زواج المتعة يختلف المسلمون فيه. السنّة يرون أن النبي (ص) حرّمه بعدما كان قد أباحه، والشيعة يرون أنه بقي حلالاً حتى بعد وفاة النبي (ص) وأن الخليفة عمر بن الخطاب هو الذي حرّمه. وينقل رواة الشيعة عن الإمام علي قوله: «لولا ما نهى عنه عمر من أمر المتعة ما زنا إلا شقيّ». عموماً هذه المسألة من المسائل التي لا يمكن ضبطها. ألا نرى أن هناك بعض الأشخاص لهم تعدد زوجات وينشئون علاقات نسائية غير شرعية؟

■ لكن المجتمع ينظر إليها على أنها علاقات غير شرعية. نحن ندعو إلى تنظيم الزواج المؤقت، بحيث لا يكون هناك فوضى. من الطبيعي جداً أن الشخص الذي يكون له عدة نساء، ويلجأ إلى المتعة، عليه قبل ذلك أن يقوم بمسؤوليته تجاه زوجته الشرعية، سواء من حيث الإنفاق من الكماليات والضرورات، وأيضاً من الناحية الجنسية. كذلك تستطيع هي أن ترفع أمرها إلى السلطة الشرعية، فتخيّره بين العودة إلى إعطائها الحقوق الشرعية والطلاق. فإذا امتنع الزوج طلّقها الحاكم الشرعي.

■ كيف يمكن تنظيم هذا الزواج؟ أن تنطلق المحاكم لتسجيله. سمعت بأن المحاكم الجعفرية في البحرين كانت تسجّل الزواج المؤقت. لكن هناك نقطة ينبغي أن ندرسها في خلفية تشريع الزواج المؤقت. عندما ندرس التاريخ، نجد أنه ما من زواج شرعي إلا وكانت إلى جانبه علاقة غير شرعية. هذا موجود في العالم بنسبة 70 إلى 80% لماذا ذلك؟ لأن الزواج الدائم لم يحلّ كلّ المشكلة الجنسية، وخصوصاً بالنسبة إلى أشخاص يضطرون إلى الهجرة أو الذين يدرسون في الخارج... في مثل هذه الحالة وُجد الزواج المؤقت كحلّ شرعي فيه مهر، وعدّة، والولد الذي ينشأ عنه شرعي 100%، وهو يرث كما الطفل الذي يولد من الزواج الدائم. لذلك الزواج المؤقت يعدّ مكمّلاً لحلّ المشكلة الجنسية. من الطبيعي أن تنشأ مشاكل عنه، كما من الزواج الدائم. نلاحظ أن بعض الذين يحرّمون الزواج المؤقت يحلّلون زواج المسيار الذي لا تحصل فيه المرأة على أي حقوق، أو ما أشبه ذلك من زيجات... ليس هناك أي قانون في العالم ليس فيه سلبيات، بل إن سلبياته قد تكون أكثر من إيجابياته أو العكس. ليس عندنا قانون مطلق، ليس عندنا حرام مطلق.

■ ما دام الزواج المؤقَّت شرعياً ويقدّم حلاً، فلماذا لا يُثَقَّف المسلمون شباناً وفتيات عليه، بما لا يجعله مرفوضاً اجتماعياً، ويشجَّع على تسجيله في المحاكم؟ هناك كثير من الدراسات التي ناقشت الرأي الاجتهادي السنّي في هذا المجال وأثبتت شرعية هذا الزواج. هناك نقطة ينبغي أن ندرسها نحن، وهي أن قضية الجنس في الشرق تدخل في نطاق العيب، بحيث إن الحديث عن الثقافة الجنسية أصبح مستنكراً لدى كثيرين. الإسلام، بحسب نظرنا في تشريع الزواج المؤقت، رأى أنّ قضية الجنس حاجة كما الطعام والشراب. لا بد من تنظيم هذه الحاجة. والفوضى التي قد تحدث في هذا المجال إنما تحدث من عدم الالتزام من الضوابط التي يفرضها الشرع أو يفرضها الواقع. دور رجل الدين

■ نسمع انتقادات كثيرة تُوَجَّه إلى رجال الدين، لجهة ما يصفه الناس بالفساد واستغلال الدين لخدمة مآرب شخصية. كيف تنظرون إلى ذلك؟ رجال الدين لا يمثلون الدين. رجل الدين درس الدين، وقد يكون بعضهم درسه دراسة معمقة وعالية وناضجة. وبعضهم لم يفعل. الأخيرون أشبه بالعوام في هذا المجال. العمامة لا تصنع رجل دين.

■ ما هو دور رجل الدين في المجتمع؟ رجل الدين هو الذي يملك ثقافة دينية واسعة والتزاماً دينياً. ودوره ينطلق مما قاله الله للنبيّ: {ادعُ واستقم كما أُمرت}. ليس كلّ ما يفعله رجال الدين يمثّل الدين. علينا أن ننقد رجال الدين، حتى في أعلى الدرجات، كما ننقد رجال السياسة والاجتماع. ليس هناك معصوم عندنا في هذه الحياة. رجل الدين يفكر وقد يخطئ أو يصيب وعلينا أن ننبهه إلى خطئه ولا نعدّ أخطاءه تمثّل حجّة على الدين. لا مقدّس إلا الله ورسوله وأولياؤه الذين فرض قداستهم.

■ لقد أثبتت التجربة أن الإسلام لم ينجح في إنتاج مجتمع إسلامي يقدّم نموذجاً إيجابياً؟ لم نستطع، شيعةً وسنّة، أن نركّز على خلق مجتمع إسلامي يضمن لكلّ ذي حق حقه. حتى بالنسبة إلى الرجال. اليوم، المرأة تعيش في مجتمع لا يأخذ الرجال فيه حقوقهم. المرأة هي جزء من مجتمع يركز التخلّف، في مجتمع يركز إسقاط الحقوق، يركز الاضطهاد للإنسان الضعيف. المرأة والرجل متساويان في هذا المجال في مجتمعنا، وإن كان يمكن في بعض الحالات أن تُضطهد المرأة أكثر لأن جسدها أضعف أو لأن التقاليد تفرض ذلك.

■ ألا تلاحظون تراجعاً في الالتزام الديني لدى الشباب؟ التديّن خفّ لأننا شُغلنا بالسياسة عن الدين. شُغلنا بأميركا وإسرائيل عن التوجيه القيمي. طبعاً نحن ضد إسرائيل، ولا ننتقد هذا الأمر، لكنه ليس كل شيء. نحن مسلمون أيضاً ولدينا التزامات شرعية وأخلاقية.

■ في مناسبة الحديث عن الدين والأخلاق، أذكر أنكم كتبتم مقالاً جميلاً عن الشاعر محمود درويش بعد وفاته، قلتم فيه: «لا أتصوّر إنساناً يذوب في معنى شعبه وإنسانيته وقضيته مدافعاً ومنافحاً إلى حدّ الشهادة ـــــ وإن بغير مصطلحها ـــــ يمكن أن يكون ملحداً»... كيف تنظرون إلى الإلحاد؟ مرة كنت جالساً مع عدد من الأصدقاء الشيوعيين. قلت لهم أنتم لستم ملحدين. الملحد هو من يقول إنه لا وجود لله. متى نقول لا وجود. متى ننفي شيئاً؟ عندما نطوف العالم كله، نفتش عليه ولا نجده. النفي يحتاج إلى شمولية في البحث والاستقراء. لذلك أقول إنه لا ملحد بالمعنى الفكري للإلحاد، أي إنه يملك الدليل على الإلحاد. الأمر الثاني برأيي، هو أن الإنسان بفطرته يمارس الكثير من القيم. من أين أتت هذه القيم؟ لماذا نجد رجلاً يمنع زوجته من إقامة علاقات غير شرعية. هو لا يؤمن بالإسلام، بل بالحرية؟ لكنه يمارس التزاماً دينياً لاشعوريّاً لأنه من طبيعة الفطرة الإنسانية. هذا هو المعنى الإنساني الكامل الذي يجعله يلتزم بما لا يؤمن به.

خلال فترة الانتظار في المكتب، نسأل عن صحة ما يتداوله الناس عن لقاء جرى بين السيّد فضل الله والسيد حسن نصرالله خلال حرب تموز، فيؤكدونه، ويقولون إن نصر الله زار مع عدد من قادة المقاومة السيد فضل الله، الذي كان قد بقي في حارة حريك حتى مرحلة متقدّمة من الحرب، ورفض عرضاً للسفر إلى الخارج قائلاً: «يسواني ما يسوى الناس»