النتائج 1 إلى 12 من 12
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    6,631

    Lightbulb محاضرات رمضانية / التقوى زاد الآخرة

    محاضرات رمضانية / التقوى زاد الآخرة








    يتناول سماحة العلامة المرجع، السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، في هذه المحاضرة الرمضانيّة، دور وأهمية محاسبة النفس في حياة الإنسان المؤمن، حتى تبقى حياته مرتبطةً بالله، وحتى تبتعد عن المعصية، شارحاً لبعض الآيات القرآنية التي تناولت هذا الموضوع....التفاصيل استماع...



    يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}[الحشر: 18 ـ20].


    محاسبة النّفس

    في هذه الآيات الكريمة، يريد الله تعالى للإنسان أن يجلس مع نفسه في عمليّة حسابٍ دقيقٍ لكلّ تاريخه، في كلّ ما فعله، وفي كلّ ما قاله، وفي كلّ ما أقامه من علاقات، وفي كلّ ما خطّط له من مشاريع، وفي كلّ ما دخل فيه من تحدّيات، أو واجهه من تحدّيات؛ حتى يدرس طبيعة ذلك كلّه، وحتى يعرف نقاط الضّعف ونقاط القوّة، لأنّ الإنسان قد يخطئ من خلال استسلامه لنقاط ضعفه الذاتيّ، وقد يصيب فيما فعله، وقد يواجه السلبيات في قضاياه، وقد يواجه الإيجابيّات.

    ويختصر الله تعالى هذه المسألة، بأنّ هذا التّاريخ الذي عاشه الإنسان في عمره الّذي مضى، أيّاً كان عمره، هو ما يقدّمه بين يديه أمام الله لغد، وهو يوم القيامة، لأنّ الإنسان عندما يُحشر يومها، فإنّه يقدّم أمامه كلّ عمله، خيراً كان أو شراً.

    وأنت عندما تتحرّك في الدّنيا، فإنّك تقدّم نفسك من خلال جهدك ونشاطك ليوم القيامة. ثم بعد أن تدرس ذلك كلّه، وتعرف الخير والشرّ من نفسك، يأمرك الله بأن تتّقيه فيما تستقبل من عمرك، وأن تنظر ما قدّمت لغد في العمر الباقي.

    ثم يؤكّد الله أنّه خبير بما تعملون، فهو سبحانه لا يغيب عنه شيء مما تفكر فيه من حقّ أو باطل، أو مما تحركت به من خير أو شر، أو فيما مارسته من طاعة أو معصية. فعليك أن تشعر بأنّك مكشوفٌ أمام الله، وأنّ الله {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر:19]، فتحسب حساب حضور الله في كلّ أمورك وأوضاعك، لتشعر بأنّ الله مشرفٌ عليك في الداخل وفي الخارج، بحيث تخاف الله في نفسك لأنّ الله مطّلع عليك، ولذلك ورد عندنا: "خف الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، ولا يكن الله أهون النّاظرين إليك، لأنّ بعض النّاس يخجل من المعصية حتى أمام الطّفل، ولكنّه لا يخجل من المعصية أمام ربّ العالمين.


    فالمطلوب، أوّلاً، أن يقوم الإنسان بعمليّة حساب، وقد ورد في الحديث: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا"، لأنك تعرف نفسك ماذا عملت وماذا قدّمت وماذا أخّرت. وقيمة هذه المسألة، أنّ الإنسان إذا درس تاريخه الماضي في كلّ أعماله، فإنّ ذلك سوف يدفعه إلى أن يصحّح نفسه عندما يخطئ أو ينحرف في هذا المجال أو ذاك.


    نسيان الله أساس المعصية

    والنّقطة الثانية التي تعالجها الآية الكريمة: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}[الحشر:19]. عليك أن تذكر الله دائماً، لأنّك إذا نسيت الله نسيت مسؤوليّتك ونسيت إصلاح نفسك وتربيتها ومصيرها، وإذا كنت في غفلة عن هذا، فمعنى ذلك أنك سوف تتخبّط في الأوحال، أوحال الشّهوات والانحرافات، وبعدها سوف تسقط سقوطاً فظيعاً.

    فالإنسان إذا نسي ربه، فإنه ينسى نفسه، وبذلك يعيش حياته من دون ضوابط، ومن دون قاعدة، ومن دون انفتاحٍ على قضايا المصير، ويؤدّي به ذلك إلى الفسق.

    وقد عالج الله تعالى في أكثر من آيةٍ جزاء نسيان الإنسان لربّه، أو نسيان يوم الحساب، لأنّك عندما تتذكّر يوم الحساب، فإنك تتذكّر مسؤوليتك. يقول الله تعالى عن بعض الناس: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً ـ لم يلتزموا دينهم بقواعده وفرائضه، بل أخذوا بأسباب اللّهو واللّعب، وبعضهم يتحرّك في دينه بأن يلعب بدينه ويلهو عنه ـ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ـ استسلموا لشهواتها وملذّاتها ـ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ ـ أي نهملهم، نعتبرهم فئةً مهملةً لا نعتني بها ـ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ}[الأعراف:51].


    ثم يحدّثنا الله عن المنافقين والمنافقات كمظهرٍ من مظاهر النّاس الذين يهملهم الله، يقول تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ـ يمثّلون مجتمعاً واحداً ـ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ ـ يشجّعون الناس على ارتكاب المحرّمات والانحراف عن الخطّ المستقيم ـ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ـ ينهون الإنسان عن الصّلاة، وينهون المرأة عن الالتزام بما فرضه الله عليها من العفّة والحجاب ـ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[التّوبة:67].

    وقال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ـ فإذا كنت تتحرّك في حياتك وتذكُر الله، وصارت لديك حالة نسيان بفعل أشغالك وأعمالك وشهواتك، فتذكّر الله لتنطلق في طريقه المستقيم ـ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً}[الكهف:24]، اطلبْ من الله أن يهديك لتقترب من الرّشاد.


    ذكر الله أساس الطّاعة

    وقد ورد عن الإمام عليّ(ع): "الذكْر ذِكْران ـ ذكر الله ـ ذكرٌ عند المصيبة ـ أن تذكر الله عند المصيبة فتصبر ـ حَسَنٌ جميل، وأفضلُ من ذلك ذكرُ الله عند ما حرّم عليك، فيكون ذلك حاجزاً"، يحجزك عن معاصي الله. وورد عن الإمام الصّادق(ع): "أشدّ ما افترض الله عزّ وجلّ على خلقه: إنصاف النّاس من نفسك ـ إذا كان للنّاس حقّ عليك، فإنّ عليك أن لا تنتظر القاضي ليحكم لهم بحقوقهم، بل اعترف لهم بحقوقهم ـ ومواساتك لأخيك، وذكر الله في كلّ موطن. أمّا إني لا أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وإن كان هذا من ذاك، ولكن ذكر الله في كلّ موطن إذا هجمت على طاعته ـ اذكر الله حتى تأتي بالطّاعة ـ أو معصيته"، اذكر الله حتى تجتنب معصيته.

    قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرّعد: 28]، لأنّك عندما تذكر الله الرّحمن الرّحيم الودود، تشعر بالسّكينة ولا تشعر بالقلق، والله فرض علينا الصّلوات الخمس في اللّيل والنّهار من أجل أن نذكر الله في كلّ أوقاتنا، ولنعيش الإحساس بحضور الله، وقد ورد أنّ الصّلاة هي معراج روح المؤمن إلى الله. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذّاكرين.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    6,631

    Lightbulb

    محاضرات رمضانية / الإمام الحسن(ع) وليد الطّهر وربيب النبوّة








    محاضرة رمضانيّة لسماحة العلامة الرّاحل، المرجع السيِّد محمَّد حسين فضل الله(رض)، يتحدث فيها عن الإمام الحسن (ع) الذي تصادف ذكرى ولادته المباركة في 15 شهر رمضان متناولاً صفاته وفضائله ومراحل حياته، وبعض كلماته النورانيّة... التفاصيل... استماع...



    يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33]


    نزلت هذه الآية على النبي(ص) وهو في بيت أمّ سلمة، إحدى زوجاته، فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً، فجلّلهم بكساء، وعليّ خلف ظهره، ثم قال: "اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأَذهبْ عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً". وهذه الفقرة من الآية تدلّ على عصمة هؤلاء، فقد أذهب الله عنهم الرّجس، وهو كلّ ذنبٍ ومعصيةٍ وانحرافٍ عن الحقّ، وطهّرهم من الذّنوب كلّها، وقد قيل إنّ أمّ سلمة قالت للنبيّ(ص): وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: "أنت على مكانك، أنت على خير"، فهذه الآية مختصّة بهؤلاء ولا تشمل زوجات النبيّ(ص).


    الحسن (ع) وريث أخلاق النبوّة

    في هذا اليوم، الخامس عشر من شهر رمضان، وُلد الإمام الحسن(ع) بالمدينة المنوّرة، وهو أوّل أولاد عليّ وفاطمة(ع). وقد ورد أنّ النبيّ(ص) خاطب الحسن(ع) فقال له: "أَشبهتَ خَلْقي وخُلُقي". وعن أنس بن مالك: "لم يكن أحدٌ أشبه برسول الله من الحسن بن علي". ويتحدّث عنه الإمام الصّادق(ع) فيما روي عنه، فيقول(ع): "إنّ الحسن بن عليّ كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ حجّ ماشياً، وربما مشى حافياً، ولا يمرّ في شيءٍ من أحواله إلا ذَكَرَ الله سبحانه، وكان أصدق النّاس لهجةً، وأفضلهم منطقاً، وكان إذا بَلَغَ باب المسجد رفع رأسه ويقول: إلهي ضيفك ببابك، يا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم".


    وعن محمّد بن إسحاق قال: "ما بلغ أحدٌ من الشّرف بعد رسول الله(ص) ما بَلَغ الحسن بن عليّ، كان يُبسَط له على باب داره، فإذا خرج وجلس انقطع الطّريق، فما يمرّ أحدٌ من خلق الله إجلالاً له، فإذا عَلِمَ قام ودخل بيته فيمرّ الناس".


    منـزلة الحسن(ع) عند الرّسول(ص)

    وعن النّسائي قال: قال رسول الله(ص) في الحسن والحسين، وهما على وركيه: "اللّهمّ إنك تعلم أني أُحبُّهما فأَحبَّهما". وعنه(ص): "الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة". وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله: "إني تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، أحدهما أعظم من الآخر؛ كتاب الله حبلٌ ممدودٌ من السّماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما".


    الأسلوب الحكيم في الدّعوة

    وورد في الجانب التربوي، في الأسلوب الحكيم للدّعوة، أنّ الحسن والحسين(ع) مرّا على شيخٍ كبيرٍ لا يُحسن الوضوء، وأرادا أن يعلّماه، فجاءا إليه وقالا له: "نريد أن نعرض عليك وضوءنا لتحكم أيّ وضوء منّا أفضل"، فوافق على ذلك، فتوضّأ الحسن والحسين، ومن الطّبيعي أنّ وضوء الحسن والحسين وضوء رسول الله، والشّيخ ينظر إلى وضوئهما ويفكّر، وقد رأى أنّ وضوءهما واحد، فعرف أنّ وضوءه غير صحيح. وقد أرادا(ع) أن يعلّما هذا الشّيخ الوضوء الصّحيح بأسلوبٍ يحترمان فيه سنّه ولا يشعرانه بالحرج.

    وقد ورد أنّ الإمام الحسن(ع) قاسَمَ الله ماله مرّتين، فكان يتصدّق بنصف ماله.

    وفي عصر الإمام الحسن(ع)، دار جدلٌ بين المسلمين حول كتابة أحاديث رسول الله(ص): هل يقوم المسلمون بكتابتها، أم تقتصر المسألة على القرآن؟ وكان البعض يرى أن يُقتصر على القرآن حتى لا يختلط الحديث بالقرآن، ولكنّ عليّاً والحسن(ع)، كانا يريان أنّ هناك فرقاً بين القرآن والحديث في أسلوب كلّ منهما، فكانا يشجّعان كتابة أحاديث النبيّ(ص)، لأنها لا بدّ من أن تُحفظ، ولا يمكن أن تُحفظ إلا من خلال الكتابة.


    المراحل التي عاشها الإمام الحسن(ع)

    وإنّنا نلاحظ أنّ هناك عدّة مراحل عاشها الإمام الحسن(ع): في المرحلة الأولى، كان وأخاه الحسين(ع) في حضانة رسول الله، الذي كان يمنحهما العطف والحنان، وكانا يلتقطان كلام النبيّ(ص)، حتى إنهما كانا ينقلان بعض أحاديثه في المسجد إلى أمّهما فاطمة(ع)، وكانا في حضانة عليّ وفاطمة، وكان(ع) يسهر مع أمّه وهي تصلّي صلاة اللّيل، وكان يستمع إليها وهي تستغفر للمؤمنين والمؤمنات وتدعو لهم، فقال لها: "يا أمّاه، لم لا تدعين لنفسك"؟ فقالت: "يا بنيّ، الجار ثم الدار".


    وكانت المرحلة الثانية بعد وفاة النبي(ص) ووفاة أمّهما فاطمة(ع)، فكان الحسن والحسين(ع) مع أبيهما عليّ(ع)، يتعلّمان منه ما علّمه إيّاه رسول الله، ويعلّمهم ما يملكه من فكرٍ وتجربة، وقد عاشا تلك المرحلة التي أُبعد فيها عليّ(ع) عن حقّه وصبر، وكان عليّ(ع) في أيّام خلافته يعتمد على الإمام الحسن(ع)، وكان يهتم بتعليمه وتوجيهه، وقد ترك له وصيّةً من أفضل الوصايا التي تحتوي على الكثير من النظام الأخلاقيّ والروحي والاجتماعي.


    وبعد استشهاد الإمام عليّ(ع)، بويع الإمام الحسن(ع) بالخلافة، ولكنّ الواقع الإسلامي حينها كان مرتبكاً ومنقسماً، واستطاع معاوية أن يسيطر على رؤساء القبائل والعشائر بالمال، وأعلن معاوية نفسه خليفةً على المسلمين، وأراد الإمام الحسن(ع) أن يركّز الأمور على أساس الشرعيّة، ولكنّ معاوية اشترى أغلب جيش الحسن(ع) بالمال، فاستطاع أن يحتويهم ويهدّد الإمام(ع) الذي كان يفكّر في الحفاظ على البقيّة الباقية من المعارضة التي كانت تسير في خطّ عليّ (ع)؛ لذلك اضطرّ إلى عقد اتفاقيّة مع معاوية، وهو الذي يملك الحكمة في تشخيص المصلحة الإسلاميّة، ولم تكن ظروف الحسن كظروف الحسين(ع) فيما بعد، ولكنّ الحسن(ع) استطاع أن يهيئ الظّروف لثورة الحسين(ع). وقد دسّ معاوية السمّ للإمام الحسن(ع)، فاستشهد بعد أن أدّى مهمّته الرسالية.


    كلمات الإمام النّورانية

    وفي هذه الذّكرى، نحاول أن نستفيد من بعض كلمات الإمام الحسن(ع)، ولو بشكلٍ سريع. قال له جنادة بن أبي أميّة في مرضه الذي توفي فيه: عظني يا ابن رسول الله. قال(ع): "نعم، استعدّ لسفرك ـ وهو السفر إلى يوم القيامة ـ وحصّل زادك قبل حلول أجلك ـ وخير الزّاد التقوى ـ واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا تحملْ همَّ يومك الذي لم يأتِ على يومك الذي أنت فيه ـ خطّط لمستقبلك، ولكن لا تحمل الهمّ لتعيش في حالةٍ نفسيّة صعبة ـ واعلم أنّك لا تكسب شيئاً فوق قُوتِك إلا كنت فيه خازناً لغيرك ـ لأنّ ما تحتاجه تستهلكه، أمّا الباقي، فإنّك تخزنه للورثة ـ واعلم أنّ الدّنيا في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشّبهات عتاب. فأَنزلِ الدّنيا بمنـزلة الميتة ـ عندما تضطرّ إليها ـ خذْ منها ما يكفيك؛ فإنْ كان حلالاً كنت قد زهدت فيه، وإن كان حراماً لم يكن في وزر فأَخذت منه كما أخذت من الميتة، وإن كان العتاب فالعتاب يسير. واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً ـ بحيث توازن بين تخطيطك للمستقبل وبين مسؤوليّاتك أمام ما فرضه الله عليك ـ وإذا أردتَ عزّاً بلا عشيرة، وهيبةً بلا سلطان، فاخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعة الله عزّ وجلّ".


    وورد عنه(ع): "ما تشاور قومٌ إلا هُدوا إلى رشدهم". فلا تستبدّوا في أموركم بالرّأي الفردي، بل شاوروا أهل الخبرة، فإنّ انضمام العقول بعضها إلى بعض، يفتح أبواب الرشد والحقيقة. وعنه(ع):"يا بن آدم، عفّ عن محارم الله تكن عابداً، وارضَ بما قَسَمَ الله تكن غنيّاً، وأَحسن جوار من جاورك تكن مسلماً، وصاحب النّاس بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك به تكن عدلاً، إنّه كان بين أيديكم أقوامٌ يجمعون كثيراً " ـ من دون أن يكترثوا هل من حلال أم من حرام ـ ويبنون مشيداً، ويأملون بعيداً، أصبح جمعهم بوراً، وعملهم غروراً، ومساكنهم قبوراً. يا بن آدم، "لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمّك، فخذ مما في يديك لمما بين يديك، فإنّ المؤمن يتزوّد والكافر يتمتّع".هذا هو الإمام الحسن(ع) الّذي كان الإمام المفترض الطّاعة الذي عاش للرّسالة، وانطلق من حضن الرّسالة لخدمة الله ورسوله والمسلمين.

    والسّلام عليه يوم وُلد ويوم انتقل إلى جوار ربّه ويوم يبعث حيّاً.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    6,631

    Lightbulb

    محاضرات رمضانية /في أجواء واقعة بدر الكبرى : إستعداد المسلمين للمعركة









    في هذه المحاضرة الرّمضانيّة، يواصل سماحة العلاّمة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله(رض)، الحديث عن أجواء واقعة بدر واتخاذ المسلمين قرار المواجهة، مشيراً الى بعض الدروس المستفادة، حيث يؤكد أهمية التّوازن في دراسة نقاط القوّة والضّعف.. التفاصيل...



    بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا محمد وعلى آله الطيّبين الطّاهرين وأصحابه المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.



    ظروف المعركة

    كان لنا حديثٌ في محاضراتٍ سابقةٍ عن معركة بدر، وللحديث عنها تتمّة، فهي أوّل معركةٍ بين المسلمين والمشركين بعد الهجرة التي انطلق بها النبيّ(ص) وبعض المسلمين معه إلى المدينة، وكانت انطلاقتها من خلال الخطَّة الإسلاميَّة في فرض الحصار الاقتصاديّ على المشركين، من خلال محاصرتهم في رحلتهم إلى الشَّام من أجل التّجارة بأموالهم، واستيراد ما يحتاجه النَّاس في شبه الجزيرة العربيَّة.


    وعندما واجهت قريش الخطر، استعدَّت لحرب النبيّ(ص)، وعندما زال الخطر، اختلف المشركون فيما بينهم، فهناك من قال لا حاجة إلى الحرب بعد أن سُلِّمت لنا أموالنا، وهناك من قال: ما دمنا استعدَّينا للحرب، فإنَّ علينا أن نتابع المسألة حتّى نقضي على الخطر المستقبليّ، لأنَّ المسلمين يسكنون في المنطقة الّتي تتحرَّك فيها القافلة التّجاريّة.

    وانتصر هذا الرّأي، وعرف المسلمون بذلك، وكان النبيّ قد استشار أصحابه في مواجهة الحرب بالحرب، ولم يكونوا قد استعدّوا لها، وربما لم يكن الكثيرون منهم مدرّبين عليها، ولذلك لم يتبعه إلا نفرٌ قليل، فقد كان الّذين جاؤوا مع النبيّ إلى بدر 313 رجلاً، بينما كانت قريش تجمع 1000 رجل، ولم يكن المسلمون يملكون الرّاحلة، فقد كان لهم فَرَسان وسبعون جملاً يتعاقبون عليها. وعندما استشار النبيّ أصحابه، قال بعض المهاجرين الّذين كانوا يشعرون بقوّة قريش ويخافون منها: يا رسول الله، هذه قريش، ما ذُلَّت منذ عَزَّت، يعني لا طاقة لنا يا رسول الله لقتال قريش، لأنها لا يمكن أن تسمح لنفسها بالهزيمة التي تلحق بها الذلّ أمام العرب. والتفت النبيّ(ص) إلى الأنصار، وقال له بعضهم: يا رسول الله، كأنّك تريدنا؛ قال: بلى؛ قالوا: يا رسول الله، لن نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: }قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ{[المائدة: 24[، بل سنقول: اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون.


    وقرّ الرأي على المواجهة، ولم يُرد النبيّ(ص) أن تكون المواجهة في داخل المدينة، بحيث يفسح في المجال لقريش أن تنطلق مسيرتها حتى تبلغ المدينة، بل أراد للمعركة أن تكون خارج المدينة. ودعا النبيّ المسلمين إلى السّير معه، والاستعداد لحرب قريش، وكان هناك من المسلمين من لا يشجِّعون هذه الحرب، وكانوا يخافون منها، لأنّهم لم يجرِّبوا حرباً في هذا المستوى... وكانت هناك حروبٌ في داخل المدينة بين عشيرتين من أهل المدينة، لكنّهم لم يجرّبوا الحرب مع قريش الّتي كانت تمثّل القيادة العسكريّة والاقتصاديّة والدّينيّة والثّقافيّة عند العرب، حيث كان العرب يخضعون لقريش، وكانوا يتحالفون معها، فكانت تملك قوّتها الذّاتيّة كما تملك قوّة حلفائها من العرب. وقد صوّر الله لنا الحالة النفسيّة التي كانت لدى فريق من المسلمين: }كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ{[الأنفال: 5[،كارهون لهذا الخروج إلى الحرب، {يجادلونك}، يعني كانوا يدخلون مع النبيّ في جدال، كان بعضهم يقول للنبيّ: يا رسول الله، حاول أن تبحث عن وسيلةٍ سلميّةٍ نتفادى فيها هذه الحرب، حاول أن تمدَّ جسور الصّلح مع قريش، ولكنّ البعض الآخر كان يقول: يا رسول الله، لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك.


    لكنّ الله سبحانه وتعالى بيّن لنا أنّ المواجهة في هذه الحرب كانت بأمر الله، فهو من أراد للمسلمين أن ينطلقوا بالإسلام ليكونوا في موقع القوَّة. ولذلك، حشد الله سبحانه وتعالى القوّة بطريقةٍ غيبيّة، حيث كانت الملائكة تعيش في أجواء المعركة لتشدَّ قلوب المسلمين، لأنّه ما دام المسلمون في حال الضّعف، فلن يتبعهم أحد، لأنّ الناس عادةً تسير مع القويّ ولا تسير مع الضّعيف.

    وكانت قريش وحلفاؤها يمثِّلون القوَّة الغالبة في الواقع العربيّ آنذاك، وربما كان بعض النّاس يريدون أن يسلموا، ولكنّهم كانوا يخافون من قوّة قريش، وخصوصاً عندما رأوا كيف كانت قريش تضطهد المسلمين في مكّة، وكيف اضطرّ المسلمون إلى الهجرة، ولم يستطيعوا أن يواجهوا قريش في عقر دارها. وهذا ما عبّر عنه الله في قوله تعالى: }ويريد الله أن يحقَّ الحق بكلماته ولو كره المشركون{. تلك هي إرادة الله؛ أن يؤكّد الحق، بالرغم من كراهة المشركين لذلك، ليحقَّ الحقّ ويبطل الباطل.


    وهكذا كانت المسألة، فقد استعدّ المسلمون للحرب في مقابل المشركين الّذين أعطوا الحرب ضدّ المسلمين كلّ مواقع القوّة عندهم، من المال والرِّجال والأسلحة ووسائل السّير. ووصل الجميع إلى بدر، فكانت هي الأرض الّتي التقى فيها الجيشان؛ جيش النبيّ الّذي يمثّل الأقليّة، كما ذكرنا، إذ كانوا 313 رجلاً، وجيش قريش الّذي كان يمثّل الأكثريّة، إذ كان عددهم ألف رجل.
    التّوازن بين نقاط القوّة ونقاط الضّعف

    ونستفيد من هذه الآيات الّتي تحدَّث فيها القرآن الكريم عن نقاط الضَّعف عند المسلمين، أنَّ النبيَّ كان يدعوهم إلى الجهاد، وكانوا يرفضون ذلك، وكانوا يعيشون الخوف والرّعب والهلع: }كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ{[الأنفال: 6[، يعني كانوا في مسيرهم إلى الحرب من حيث الحالة النفسيّة، كما الإنسان الّذي يسير إلى حالة الإعدام وهو يرى خشبة الإعدام تنتصب أمامه، كيف تكون حالته النفسيّة ؟! فقد كانت حالة بعض المسلمين كذلك .. لكن ذلك لم يضعف النبيّ الّذي استطاع أن يتغلّب على خوفهم وعلى تردّدهم وعلى انهزاميّتهم، فساروا معه وإن كانوا في موقع الحذر..


    نستفيد من هذا المعنى، أنَّ علينا على مستوى الواقع الإسلاميّ، أن لا نتحدَّث فقط عن نقاط القوَّة إذا كانت لدينا نقاط قوَّة، بل أن نتحدَّث أيضاً عن نقاط الضَّعف، لنعيش في حالة المقارنة بين نقاط الضَّعف ونقاط القوَّة، من أجل أن ندرس كيف نتفادى نقاط الضَّعف ونقوّيها لنحوِّلها إلى نقاط القوَّة. لكنَّ المشكلة عندنا، أنَّ الكثيرين منَّا على مستوى القيادات وعلى مستوى القاعدة الاجتماعيَّة، لا يتحدَّثون إلا عن نقاط القوَّة، فإذا انتصرنا في معركةٍ، فإنَّنا نتحدَّث عن هذا النَّصر، ولا نتحدَّث كم كلَّفنا هذا النّصر من النّتائج السّلبيّة، وكم خسرنا في هذا النّصر من شهداء وجرحى ومن حالات تدمير، بل نظلّ نتحدَّث بالعنفوان الذاتيّ أو العنفوان الحزبيّ عن الأرباح، ونحن نعرف أنَّ التاجر في أيّ موقعٍ للتّجارة، لا بدَّ من أن يحسب دائماً حساب الخسارة إلى جانب الرّبح، وأن يدرس كم كلّف الرّبح من عناصر الخسارة، لأنّه ما من ربحٍ إلا وهناك بعض الخسائر في طريق تحصيله، وهذا الذي لاحظناه في هذا الفريق من المسلمين الّذي كان يعيش الرّعب والخوف من قريش، باعتبارها تمثّل الموقع المتقدّم للقوّة في تلك المنطقة، وهذا ما واجهناه.


    أمّا اليهود في فلسطين، فقد نجحوا في أن يضعوا في وجداننا، وربما في وجدان العالم، أنّهم القوّة التي لا ضعف فيها، وأنّ جيشهم هو الجيش الّذي لا يقهر، ولذلك استطاعوا أن يخوّفوا العرب من قوّتهم، ما جعل التّنازلات العربية تنتقل من موقعٍ إلى موقع، حذراً من الاصطدام بالقوّة اليهوديّة، وخصوصاً بعد هزيمة حزيران في 1967، التي كانت تتحرّك من خلال بعض الخيانات في القيادات العربيّة. وهكذا كانت المسألة، واستطاعت أن تحصل على احترام العالم، بينما أوحى العرب والمسلمون بالضّعف، وبقي الإعلام العربيّ يتكلّم عن نقاط القوّة، وعن مجد العرب التّاريخيّ، من دون أن يعدَّ نفسه ليحوِّل نقاط الضّعف إلى نقاط قوّة. وحتى إنّنا عندما تحقّق لنا النّصر في بعض المواقع، وأمكننا أن نضعف اليهود في مواقع قوّتهم، بقينا نتحدَّث عن الأرباح وعن المكاسب والنَّصر، ولكنَّنا لم نتحدّث كم خسرنا، ولم نتحدَّث عن بعض الحالات الّتي أصابتنا مما أصبحنا نعيش فيها العنفوان ولا نعيش بعضاً من التّواضع، وهذا أمرٌ ليس في مصلحتنا..


    نحن نقول إنّه من الضّروريّ جدّاً أن نتحدّث دائماً عمّا يقوّي الأمّة، وأن نذكّرها بأنَّ لديها عناصر قوّة. ولكن علينا أن نكون واقعيّين، فإذا كان العدوّ يستعدّ لأخذ القوّة بعد الضّعف، فعلينا أن نستعدّ لأخذ القوّة بعد الضّعف، وعلينا أن نحسب حساب نقاط الضّعف لنقارن فيما بينها ونحسب حسابها ونعمل على ذلك.


    من دروس بدر

    هذا درسٌ نتعلّمه من حديث الله عن بعض المسلمين في واقعة بدر، كما نتعلّمه في حديث الله عن بعض نقاط الضّعف في واقعة أحد، فقد انتصر المسلمون في البداية، ولكنهم ابتعدوا عن بعض شروط النّصر، فانهزموا في النّهاية، وتحدث الله عن ذلك. وهكذا في واقعة حنين وواقعة الأحزاب. إنّه درسٌ لا بدَّ من أن نتعلّمه، أنَّ الإنسان لا بدَّ من أن يفكّر في نقاط ضعفه وفي نقاط قوّته، أن لا نستسلم لنقاط الضّعف لنسقط أمامها، ولكن أن ننفتح على نقاط القوّة لنعطي نقاط الضّعف جرعةً من القوّة، لنحوّلها إلى مواقع قوّة، وهذا هو الّذي يجعلنا نفكّر في المستقبل في مواجهة الطّغيان اليهوديّ في فلسطين وفي غيرها، لأنّ إسرائيل تتحدّث أنّ يدها طويلة، ولذلك تقصف سوريا وتقصف السّودان وتستعدّ لقصف إيران وما إلى ذلك، والكثيرون ممن يملكون السّلطة في الواقع العربيّ، يستعدّون لضرب شعوبهم وإسقاط أيّ مقاومة أو أيّ انتفاضة، وهكذا في مواجهتنا للاستكبار العالميّ، إنَّ علينا أن ندرس نقاط ضعفه ونقاط قوّتنا، حتّى نتماسك، وحتّى نستطيع أن نعمل على أن ننفذ إلى داخله، لنستفيد من نقاط ضعفه بنقاط قوّتنا. وقد قلنا أكثر من مرّة، إنّ مشكلتنا في العالم العربيّ والإسلاميّ، أنّنا نحارب العدوّ في نقاط قوّته بنقاط ضعفنا، وعلينا أن نحاربه في نقاط ضعفه بنقاط قوّتنا لتتوازن المسألة.



    و الحمد لله ربّ العالمين


    ألقيت في 16 رمضان 1430هـ

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    6,631

    Lightbulb

    محاضرات رمضانية / في أجواء واقعة بدر: المدد الإلهي وتحقيق النصر




    للمزيد



    يواصل سماحة العلاّمة، المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض)، في هذه المحاضرة الرّمضانيّة، الحديث عن واقعة بدر، فيتناول دور المدد الإلهي في المعركة، وشجاعة الإمام علي(ع) التي صنعت انتصارات الإسلام . التفاصيل



    بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطّاهرين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.


    إستغاثة المسلمين بالله

    الحديث عن معركة بدر لا ينتهي، فهي أوّل معركة بين المسلمين والمشركين، وكانت أوّل انتصارٍ للمسلمين على المشركين، كما ورد في قوله تعالى: }وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{[آل عمران: 123[، يعني أنتم قلَّة، لا تملكون القوَّة العدديَّة والقوَّة الماديَّة، ما جعل الجماعة تأخذ بأسباب العزَّة في خطِّ المواجهة. وبدأت المعركة، وقد حدَّثنا الله سبحانه وتعالى أنَّ المسلمين كانوا في حال ابتهالٍ ورجوعٍ إلى الله سبحانه وتعالى، لأنَّ طبيعة عناصر واقع المعركة لا تسمح بالنَّصر، ولذلك كانت المسألة هي كيف يبتهلون إلى الله ويرجعون إليه من أجل أن ينصرهم بنصرٍ غيبـيّ، سواء من ناحية القوّة النفسيّة أو القوّة المادّيّة. ولذلك، فإنَّ الله عبَّر عن ذلك بقوله: }إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ{[الأنفال: 9[.


    وينقل كتّاب السّيرة، أنّ النبيّ)ص( لما نظر إلى كثرة عدد المشركين، وقلّة عدد المسلمين، استقبل القبلة وقال: "اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني"، لأنّك وعدتني بالنّصر. }يُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ{[الأنفال: 7[، ولا يكون ذلك إلا بانتصار المسلمين على المشركين، فأنا (النبي) أطلب منك يا ربّ أن تنجز لي هذا الوعد الّذي وعدتني إيّاه. "اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض"؛ طبعاً عبّر عن المسلمين بالعصابة، كنايةً عن القلّة، باعتبار أنَّ العصابة هي الّتي يعصب بها الإنسان رأسه، ومن الطّبيعيّ أنّ ذلك يمثّل المنطقة الّتي لا امتداد لها.. "اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد"؛ لأنّ هؤلاء هم الّذين يمثّلون الكيان الإسلاميّ والقوّة الإسلاميّة، فإذا لم يحقّقوا النّصر، وإذا هزموا في المعركة، وكانت الغلبة لقريش، فسوف تسيطر عليهم وعلى من خلفهم، وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد.


    المدد الإلهيّ

    تقول الرّواية: فما زال النبيّ(ص) يهتف بربّه مادّاً يديه، حتى سقط رداؤه من منكبيه، فأنزل الله هذه الآية: }إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ{[الأنفال: 9[، فكأنّ الله أوحى إلى رسوله أنّ الملائكة سوف يحضرون في المعركة، بحيث يشعر المسلمون بأنّ الملائكة معهم. وقد تحدّث الله في هذه السّورة (الأنفال) عن ألفٍ من الملائكة مردفين، ولكنّه في سورة (آل عمران) يقول: }وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ{[آل عمران:124-123]، فلم يقل إنَّ هناك ألفاً فقط، إنَّما ألف قابلة للزِّيادة. ثم بعد ذلك، أراد الله تقوية الموقف النّفسيّ للمسلمين، فزاد العدد إلى ثلاثة آلاف. وهكذا لاحظنا أنَّ الله زادها أكثر: }بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ{[آل عمران: 125[، يعني لا ينزل الملائكة ليقاتلوا معكم، لأنَّ الملائكة إذا أرادوا أن يقاتلوا، فملكٌ واحد يهزم الكلّ، لكنّ الله أراد للملائكة أن يعيشوا في أجواء المعركة لتقوية الحالة النّفسيّة للمسلمين آنذاك }وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{[آل عمران: 126[، حتّى تعيشوا السّكينة والطّمأنينة لموقفكم، {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ}، فالله هو الّذي يهيِّئ أسباب النَّصر.


    وهكذا انطلق المسلمون في المعركة. ثم أراد الله أن يهيّئ الأرضيّة للمسلمين، حتّى يقاتلوا من دون أن يحجبهم الغبار الّذي يحدث من خلال حركة الحرب، لأنّ الأرض كانت أرض رمال وأرضاً متربة، والحركة فيها سوف تعطّل حركة المقاتل في هذا المجال. ولهذا ركّز الله على أن ينزل مطراً خفيفاً لتسهل الحركة في هذه الأرض. وهناك نقطة أخرى أيضاً، وهي ما قاله تعالى: }إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ ويُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ{[الأنفال:11[، ومعنى ليطهّركم، أي لتغتسلوا من الجنابة، ويذهب عنكم رجز الشّيطان كناية عن الجنابة، وليربط على قلوبكم ويثبّت به الأقدام. لأنّ الأرض عندما ينزل عليها الله مطراً خفيفاً، تتثبّت الأرض، ويأخذ المقاتلون حرّيّتهم في الكرّ والفرّ.
    }إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ{[الأنفال: 12[، فدور الملائكة هو دور نفسيّ ودور تثبيت وليس دور قتال }سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ{، أيضاً أراد الله سبحانه وتعالى في المعركة، أن يبعث الحالة الانهزاميّة لدى المشركين، وحالة الرّعب الّذي يلقيه الله في نفوسهم }سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ{[الأنفال: 12[، هذا موجّه إلى المسلمين. أمّا مبرّر قتال الكافرين فهو ما توحي به الآية: }ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{[الحشر : 4[


    شجاعة أمير المؤمنين(ع)

    وانطلقت المعركة، واستبسل المسلمون في المعركة، وكان فارس المعركة الأوّل الّذي لم يحصل على أيّ تدريبٍ عسكريّ، وكان في العشرين من العمر، هو عليّ بن أبي طالب(ع)، الذي قتل نصف المشركين بشكلٍ مستقلّ، وشارك المسلمين الآخرين بقتل النّصف الآخر، ومع ذلك، ومع انشغاله بالحرب، كان يترك المعركة ويأتي إلى رسول الله ليتفقّده. ويروى عنه أنّه كان يأتي إلى رسول الله، فيراه ساجداً، ويكرّر: يا عليُّ يا عظيم، لأنّ رسول الله كان في حالة الاستغاثة بالله سبحانه وتعالى. وبذلك، فإنّ عليّاً(ع) ربح المعركة. ومما يدلّ على ثقة النبيّ(ص) ببطولة الإمام عليّ(ع) على حداثة سنّه، أنّه دفع إليه رايته، ولا تُدفع الرّاية في الحرب إلا لأكثر المقاتلين بطولةً وقوّةً وشدّةً، وهذا ما تميّز به عليّ(ع) في معركة بدر، حتى قيل: إنّ جبرائيل كان يقول للنّبيّ: "يا رسول الله، هذه هي المواساة". ويقال إنّه هتف في أثناء المعركة أو بعدها: "لا فتى إلا عليّ، ولا سيف إلّا ذو الفقار".


    وبذلك نعرف أيّها الأحبَّة، أنّ عليّاً(ع) كان هو الأوَّل بين المسلمين جميعاً، الّذي انطلق في الدِّفاع عن الإسلام بالرّغم من حداثة سنّه، إذ لم نجد لأيّ صحابيّ، مع احترامنا للكثير منهم، أنّه مثّل هذه البطولة ومثّل هذا الإخلاص للإسلام وأهله ولرسول الله(ص)، لأنّ عليّاً(ع) كان من خصائصه أنّه باع نفسه لله ولرسوله، يعني لم يكن لعليّ أيّ شغلٍ بذاته، لم يكن يفكّر في نفسه، بل كان يفكّر في الله، وهذا ما تدلّ عليه الآية الّتي نزلت في ليلة الغار: }وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ{[البقرة: 207[، أي يبيع نفسه ابتغاء مرضاة الله. ولذلك أيُّها الأحبَّة، فإنّ موالاتنا لعليّ(ع) لم تنطلق من حالة عاطفيَّة، إنما انطلقت من حالةٍ موضوعيَّةٍ إسلاميَّة، لأنَّ عليّاً(ع) كان في جميع مواقع الإسلام ومواقفه، هو الَّذي يواجه التحدّي، حتّى إنّه في واقعة الخندق، عندما جاء "عمرو بن عبد ودّ"، وهو يتحدّى المسلمين بطريقة السّخرية، قائلاً: إنّكم تقولون إنّ من يُقتل في الصّراع مع المشركين سوف يدخل الجنّة، تعالوا حتّى أدخلكم الجنّة. فأصبح يجول ويصول، فكان عمرو يعدُّ بألف فارس، والنبيّ يقول: "من لعمرو وقد ضمنْتُ له على الله الجنّة؟"، من يبرز له؟ فلم يقم إلّا عليّ قائلاً: "أنا له يا رسول الله"؛ قال(ص): "اقعد"، ثم كرّر السّؤال، ولم يقم إلا عليّ، ثم كرّر مرّةً أخرى ولم يقم إلا عليّ، عند ذلك، أذِن له رسول الله(ص)، ورفع طرفه إلى السماء وقال: }رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ{[الأنبياء :89[. أنا(النبي) ليس لديّ إلا عليّ بن أبي طالب، فاحفظه يا ربّ، لأنّ عليّاً إذا قتل، فسأظلّ وحدي.


    وتروي الرّواية، في حوار عليّ(ع) مع عمرو، قال له عمرو: "من أنت؟ قال: "أنا علي بن أبي طالب"، فقال: "والله ما أحبّ أن أقتلك" .. فقال علي(ع): "ولكنّي أحبُّ أن أقتلك". أنت تتحدَّث عن الصّداقة وأنا أتحدَّث عن الرِّسالة وعن الله وعن كلمة الله. فحمي عمرو، ونزل عن فرسه، وتجاولا وتصاولا، وضرب عليّ(ع) عمراً على فخذه فقطعها، وسقط عمرو، وبقي عليّ ينتظر، والمسلمون يقولون: يا عليّ، احتزَّ رأسه، هذا رجلٌ غدّار، وعليّ ينتظر، ثم بعد ذلك قتله، فقالوا له: لماذا لم تبادر فوراً إلى قتله؟ .. قال: لأنَّني عندما صرعته سبَّني وبصق في وجهي، فثارت أعصابي، فخفتُ إذا قتلته أن أقتله لنفسي، فسكنت حتّى قتلته لله. ورجع عليّ إلى رسول الله يحمل راية النّصر، وقال (ص) آنذاك: "ضربة عليّ يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين"، لأنّه لو لم يقتل عمرو، لسيطر المشركون وحلفاؤهم واليهود على المدينة، ولم يبق للسّلام موقع.


    هذا هو عليّ، ولذلك فإنّنا نحبُّ عليّاً ونواليه ونتبعه، فهو في أعلى مواقع العصمة، وأعلى مواقع العلم والتّقوى. إنّنا لا نستطيع إلا أن نحبّه ونواليه، وصدق ذلك الشّاعر المسيحيّ عندما يتحدّث عن عليّ:

    يا سماء اشهدي ويا أرض قرّي واخشعي إنّني ذكرت عليّا


    و الحمد لله ربّ العالمين


    ألقيت في 17 رمضان 1430هـ

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    6,631

    Lightbulb

    محاضرات رمضانية / الإمام علي(ع): نشأته في كنف النبوّة





    للمزيد




    محاضرة رمضانيّة لسماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله ، تتحدّث عن ولادة أمير المؤمنين عليّ(ع) في الكعبة المشّرفة، ونشأته في كنف رسول الله(ص)، حيث يعرض لجانبٍ من تفاصيل حياته معه. التفاصيل



    الإمام عليّ(ع): نشأته في كنف النبوّة

    بسم الله الرّحمن الرّحيم، والحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا محمّد، وعلى آله الطيِّبين وأصحابه المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.


    ولادة عليّ(ع) في الكعبة

    حديثنا في هذه الحلقة، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) بمناسبة شهادته.

    كانت ولادته ولادةً مميّزة، فقد جاءت أمّه إلى المسجد الحرام، وكان قد جاءها طلق، فدخلت إلى الكعبة، ووضعت عليّاً(ع) في بيت الله في الكعبة، وكان أوّل وليدٍ في هذا المكان المقدّس. وبعض النّاس يروون أنّه فُتح لها جدار الكعبة، ولكنّ هذا غير ثابت. فالكعبة لها باب، ولم يكن الباب من فوق كهذه الأيّام، بل كان على الأرض، فدخلت بشكلٍ طبيعيّ.


    في كنف رسول الله(ص)

    كان أبو طالبٍ صاحب عيال، وكان عليّ(ع) واحداً منهم، وكان وضع أبيه المادّيّ ضيّقاً، فجاء النبيّ(ص) إليه وأراد أن يساعده، فأخذ عليّاً(ع) ليربّيه بنفسه، لأنّ النبيّ لم يكن قد تزوَّج آنذاك، وكان النّبيّ يحضنه، حتى إنَّه، كما ينقل الإمام في نهج البلاغة، كان يضمّه إليه، ويوسده معه في فراشه، ويشمّه عرفه، أي عطره ورائحته، وكان يمضغ الشّيء، لأنّ الإمام لم يكن لديه أسنان، ثمّ يمضغه إيّاه.

    وهكذا تربَّى في أحضان رسول الله(ص)، ولم يتربَّ في أحضان أبيه وأمِّه. وكان يعيش مع النبيّ(ص) عندما كان النبيُّ يخلو بنفسه في غار حراء، وكان، كما يقول الإمام عليّ فيما روي عنه: "كان يلقي إليّ في كلّ يومٍ خلقاً من أخلاقه"، كان يربِّيه بأخلاقه، حتّى يصوغ شخصيَّته صياغةً أخلاقيّةً تشبه أخلاقيَّته(ص). يقول: "وكنت أتبعه اتّباع الفصيل إثر أمّه". كيف يتبع ابن النّاقة أمّه؟ يقول: أنا كنت هكذا، أفعل ما يفعل، وأقول مثلما يقول، "وما وجد لي كذبةً في قول، ولا خطلةً في فعل". يقول النّبيّ(ص)، إنّه عندما ربّى عليّاً(ع) هذه التّربية، رأى نتيجة تربيته، أنّه لم ير على عليّ(ع) أيّ خطأٍ في أيّ فعلٍ من أفعاله، ورأى أنّه كان صادق القول، بحيث لم يحصِ عليه حتّى في طفولته أيّ كذبة.


    وهكذا يقول الإمام(ع) كما روي عنه: "إنّ الله وكّل بالنبيّ ملكاً عظيماً من ملائكتة"، فالله كان يريد أن يربّي النبيّ أيضاً، فأنزل عليه ملكاً ليربّي عقله وقلبه وسلوكه وحياته، وكان عليّ(ع) يستمع إلى ذلك الملك، وكان يتعلَّم منه ما تعلَّمه رسول الله، وبذلك استطاع الإمام أن يصوغ شخصيَّته بصياغة شخصيَّة النبيّ(ص). وعندما نزل الوحي على النبيّ(ص)، كان عليّ يرى جبرائيل، وكان يستمع إليه عندما كان يخاطب النبيّ بالوحي، وحدَّث النبيَّ بذلك، فقال له: "إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، ولكنَّك لست بنبيّ".


    أول المسلمين

    وهكذا كان عليّ(ع) أوّل مسلمٍ أسلم على يدي رسول الله قبل أن يسلم أحد، بعض النّاس أرادوا أن يهوّلوا من إسلام الإمام(ع)، لأنّ الله أرسل النبيّ بالرّسالة، وكان عمر عليّ 10 سنوات، يقولون إنّه أوّل من أسلم من الصّبيان، أي أنّه إسلام صبيّ، والصّبيّ يتبع عادةً من يربّيه دون وعي، كأنّهم يقولون ذلك. ولكن ما يدلّ على أنّ الإمام أسلم إسلاماً واعياً منطلقاً من إيمانه والتزامه، وعمق وعيه لهذه الرِّسالة، يروى أنّه قيل له: لـمَ لم تستشر أباك عندما أسلمت؟، فعادةً يستشير الأولاد آباءهم إذا عرض عليهم شيء، فكان جوابه: إنّ الله لم يستشر أبي عندما خلقني، فهل أستشير أبي عندما أريد أن أسلم لله سبحانه وتعالى؟ هذا يدلّ على إسلام مفكّر، وواعٍ، بعض الأشخاص قد يكون عمره عشر سنوات ولديه وعي من عمره أربعون سنة، وبعضهم عمره أربعون سنة ويملك وعي طفلٍ في العاشرة من عمره.


    وهكذا سار عليّ(ع) مع النبيّ(ص) في ليله ونهاره، وكان يقول: "اللّهمّ إنّي أوّل من أناب وسمع وأجاب، لم يسبقني إلا رسول الله بالصّلاة". وكان يخرج مع رسول الله إلى المسجد ليصلّي خلفه، فكان عن يمينه، وكانت خديجة أمّ المؤمنين(ع) من ورائهما، وعندما حانت التفاتةٌ من أبي طالب، قال لابنه جعفر: "يا بنيّ، صل جناح ابن عمّك"، أي أنّ عليّاً من الجانب اليمين، فكن أنت من اليسار، وهذا يدلّ على إسلام أبي طالب، لأنّ بعض النّاس يقولون إنّ أبا طالب مات كافراً، لأنّهم يريدون أن يقولوا إنّ أبا سفيان، أبا معاوية، أسلم، وإنّ أبا طالب، أبا عليّ، لم يسلم!! وهو من قال: "ولقد علمت أنّ دين محمّد من خير أديان البريّة ديناً". هل هذا قول من ليس بمسلم؟!! فكان يرافق النبيّ(ص) وكان يقول: "لم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما"، لم يضمّ أيّ بيتٍ في الإسلام إلا هؤلاء الثّلاثة.


    وكان الوحي ينزل على رسول الله، وكان عليّ يسمعه، وكان رسول الله يخبره به... حتى أصبح عليّ نفس رسول الله في أخلاقه، وروحانيّته، وعلمه، وصلابته في الحقّ. ويُقال إنّه عندما كان المشركون يسلّطون أطفالهم على رسول الله(ص) ليؤذوه، كان عليّ وهو في أوائل شبابه أو أواخر طفولته، يلاحقهم ويمسكهم من آذانهم، حتّى إذا رأوه كانوا يقولون: "جاء مصلّم الآذان". كان يدافع عن رسول الله حتّى في تلك المرحلة. ولذلك لم يحصل أحد من الصّحابة على ما حصل عليه عليّ(ع) من رعاية رسول الله(ص)، حتى إنّ بعض زوجات النبيّ ـ بعد أن تزوّج النبيّ ـ كانت تعتبر أن عليّا يشغل رسول الله عنّهم، لأنّه كان يسهر مع النبيّ(ص) ليعلّمه، وليخبره بالوحي في هذا المجال.


    وهكذا نشأ عليّ(ع) في حضن رسول الله، في عقل رسول الله، وفي قلب رسول الله. ولذلك فإنّنا عندما نحبّ رسول الله، فلا بدّ من أن نحبّ عليّاً. لأن عليّاً كان هو الصّورة المتجسّدة عن رسول الله(ص)، ولذا نحبّه ونواليه ونقتدي به، لأنّه الإنسان الّذي عصمه الله، وعصم فكره، وعصم سلوكه، فلم يسر إلا بطاعة الله سبحانه وتعالى.


    والحمد لله ربّ العالمين.


    ألقيت في 18 رمضان 1430

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    6,631

    Lightbulb

    محاضرات رمضانية / ولاية أمير المؤمنين(ع)








    في هذه المحاضرة الرّمضانيّة يتحدث سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، عن ولاية امير المؤمنين(ع)، متناولاً تنصيب النبي(ص) له في غدير خمّ خليفةً له، وما جرى بعد وفاة رسول الله (ص) من أحداث، وموقف الإمام (ع) منها، مشيراً الى أن شخصيته كانت امتداداً لشخصية رسول الله (ص)، كما كان يمثّل أعلى درجات العصمة...التفاصيل



    ولاية أمير المؤمنين(ع)

    بسم الله الرّحمن الرّحيم، والحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد وعلى آله الطيّبين، وأصحابه المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.


    شخصيّة رسول الله(ص)

    نستهلُّ حديثنا بسؤال مهمّ: لماذا نوالي عليّاً(ع) بالولاية الشّرعيّة الّتي تفرض علينا أن نتبّعه في كلّ ما قاله وفي كلّ ما فعله وفي كلّ ما حرّكه من مواقف؟ لماذا نؤمن بإمامته وأنّه الإمام المفترض الطّاعة من قبل الله بعد رسول الله(ص)؟

    نحن عندما ندرس مسألة الإمامة بعد رسول الله، والخلافة عن رسول الله، فإنّنا نلاحظ مسألةً مهمّةً جدّاً، وهي أنّ لرسول الله(ص) عدّة شخصيّات، فهو الرّسول النبيّ الّذي أرسله الله إلى النّاس ليخرجهم من الظّلمات إلى النّور، فلا بدَّ من أن يكون خليفته في هذا المستوى من حركة الإسلام كلّه، في وحي الله، وفي إبلاغ رسالته للنّاس، وفي المحافظة على امتداد الإسلام وانتشاره في حياة النّاس وحماية المسلمين.


    الشّخصيّة الثانية للنبيّ(ص) هي شخصيّة القائد، لأنّ النبيّ هو الّذي كان يقود المجتمع الإسلاميّ في الحرب وفي السّلم، فكان في كلّ حروبه هو القائد الّذي يحرّك الجيش في الحرب، وكان الرّسول، حسب ما روي عن عليّ (ع)، يمثّل القوّة الرّوحيّة والقياديّة الّتي يفزع إليها المسلمون، كما قال عليّ(ع) أيضاً: "كنّا إذا اشتدّ البأس اتّقينا برسول الله، فكان أقربنا إلى العدوّ"، أي أنَّه كان في المقدِّمة كما هو القائد.

    والشّخصيَّة الثَّالثة لرسول الله هي شخصيَّة الإدارة للدَّولة الّتي صنعها في المدينة، وإدارته للدَّعوة من خلال الرّسل الّذين كان يرسلهم من أجل هداية النَّاس، ونحن عندما نقرأ ما روي عن رسول الله(ص) في سنّته، نجد أنّه كان يدير أمور المسلمين بكلّ حكمةٍ وبكلّ دقّةٍ، بحيث إنّه يلاحق كلّ نقاط الضّعف وكلّ نقاط القوّة، في محاولة توحيدهم وتقريبهم من بعضهم البعض.


    علي(ع) الأجدر بالخلافة

    ولذلك، فإنّ أيّ خليفة يكون لرسول الله، لا بدّ من أن يجمع هذه العناصر، وليس هناك في المسلمين كلّهم من جمع هذه العناصر إلا عليّ بن أبي طالب، فعليٌّ لم يكن نبيّاً، ولكنّه كان وصيّاً يحمل الرّسالة، ويحميها، ويفكّر في سلامة المسلمين حتّى على حساب قضاياه الخاصّة، لأنه يرى نفسه مسؤولاً عن الإسلام كلّه بعد رسول الله، بينما لم نجد هناك من الصّحابة من يملك هذا الموقع.

    العنصر الثَّاني، أنَّ عليّاً كان القائد، وكانت راية رسول الله بيده، في بدرٍ وفي أُحد، كما في فتح مكَّة، لأنّه كان الأكثر حضوراً في الموقع القياديّ في الحرب، لأنّه هو الّذي يعرف كيف يدير قضايا الحرب في حال المواجهة مع المشركين، ولذلك كان عليّ البطل القائد العسكريّ الّذي يعرف كيف يحقّق النّصر بتخطيطه وبقيادته، ولم يكن هناك من الصّحابة من يملك مثل هذا.


    المسألة الثانية هي المسألة الإداريّة، ونحن في نهج البلاغة، عندما نقرأ رسائله إلى المندوبين عنه ممن كان يرسلهم إلى المناطق الإسلاميّة للقيام بشؤون المسلمين، كان عليٌّ يدير أمورهم ويحاسبهم، حتّى قال لبعضهم وهو من أقربائه، عندما رأى فيه شيئاً من الانحراف :"والله لو أنّ الحسن أو الحسين فعلا مثلما فعلت، ما كان لهما عندي هوادة"، لأنّه كان يتحمّل المسؤوليّة الإداريّة للواقع الإسلاميّ، حتى يضبط الحياة الإسلاميّة.


    تنصيب عليّ(ع) في غدير خمّ

    ولذلك رأى رسول الله(ص) بوحيٍ من الله، أنّ الشخص الذي يمكن أن يكون خليفةً له هو عليّ بن أبي طالب(ع)، لا أحد سواه، لأنّه يستطيع(ع) أن يكمل ما بدأه رسول الله، ونحن عندما نقرأ أجواء الغدير، عندما رجع الرّسول(ص) من حجّة الوداع، جمع المسلمين في الصّحراء ـ ويقال كانوا عشرة آلاف ـ ووضع له منبراً من أحداج الإبل بعد أن نزلت عليه الآية: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} يعني إن لم تفعل، فتكون قد تركت الإسلام والمسلمين من دون راع، وإن كنت تخاف أن يقولوا ابن عمّه، أو غير ذلك، فـ {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة: 67]. عند ذلك، شعر النبيّ بالمسؤوليّة، بأنّ الله حمّله مسؤوليّة إبلاغ المسلمين ولاية عليّ بن أبي طالب(ع) على مستوى القيادة، وعلى مستوى الخلافة، وعلى مستوى الطّاعة. عند ذلك، أخذ بيد عليّ(ع) ـ كما تقول الرّواية ـ ورفعها حتى بان بياض إبطيه للنّاس، ثم سأل النّاس: "ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟"، لأنّ الله يقول: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]، أي أنّ النبيّ يمون على الإنسان، لأنّه وليّ كلّ إنسان أكثر من ولاية الإنسان على نفسه، وهذا معنى القيادة. قالوا: "اللّهمّ بلى". قال: "اللّهم اشهد!" ثم قال: "فمن كنت مولاه فعليّ مولاه"، أي من كنت أولى به من نفسه، بحيث أكون أنا وليّه أكثر من ولايته على نفسه، نتيجة مسؤوليّته عن النّاس وسيطرته عليهم، فعليّ مولاه. "اللّهمّ وال من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه كيفما دار". ونصب له خيمةً، وأمر المسلمين أن يسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، أي أن يقولوا له "السّلام عليك يا أمير المؤمنين". حتى إنّ بعض الّذين تقدّموه في الخلافة قالوا له: "بخٍ بخٍ لك يا عليّ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة!!".


    الوضع الطّارئ بعد الرّسول(ص)

    ويُروى أنّه نزلت بعد ذلك هذه الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة: 3] ، لأنّ النبيّ بلّغ كلّ الإسلام وبقيت الولاية، وعندما بلّغ الولاية، تمّ الإسلام. وفسّرها البعض: من كنت مولاه، أي من كنت محبّه فعليّ محبّه، ومن كنت ناصره فعليّ ناصره، هكذا يستخفّون بعقول النّاس. فالنبيّ يجمع كلّ هؤلاء النّاس في الشّمس ووقت الظّهيرة، حتّى يقول لهم إنّ من أحبّه فعليّ يحبّه؟!!! معقول هذا؟! لا بدَّ من أن يكون أمراً خطيراً حتَّى يجمع المسلمين، وخصوصاً في حجَّة الوداع الّتي أعقبت وفاة النبيّ(ص) ، ولكن كان هناك من يدبِّر أمراً آخر.

    فالنّبيّ(ص) رأى أنّه يوجد قضيّة ما، وكان على فراش المرض، وقال: "آتوني بدواةٍ وكتفٍ لأكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً". أراد أن يسجّل مسألة الولاية بنصّ مكتوب. وعرف بعض النّاس، وقال بعض الصّحابة: "إنّ النبيّ ليهجر"، أي أنّ عقله ليس معه، بحيث إنّ النبيّ الّذي {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النّجم:3ـ4]، قد غلبه الوجع، بحيث إنّه يتكلّم من دون وعي، ولم يعترض أحد على هذا الصّحابي.


    واختلف المسلمون، منهم من يقول أحضروا الكتاب، ومنهم من يقول لا، ثم سألوا النبيّ فقال: "أبعد الذي قلتم؟!"، غداً تحضرون الكتاب وأكتب شيئاً، فتقولون النبيّ كتبه من دون وعي. ثم بعد أن توفّي النبيّ(ص)، وكان عليّ مشغول بتجهيزه، اجتمع الجماعة، وقال الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير، جماعة آخرون قالوا له: مدَّ يدك نبايعك. ومشت القصّة، هل هي قصّة إمارة؟ بل هي قصّة رسالة، قصّة شخص يريد أن يكمل ما بدأه الرّسول(ص)، قصّة شخصٍ يتميّز بالصّفات التي تميّز بها رسول الله(ص)، قصّة العلم الّذي أراد الله للنّاس أن يعلموه، وليس عمليّة انتخاب. يوجد شاعر يخاطب النّاس الّذين تقدّموا عليّاً(ع):

    فإن كنت بالشّورى ملكت أمورهم فكيف بهذا والمشيرون غُيَّب

    فالإمام عليّ وبنو هاشم كانوا مشغولين بتجهيز النبيّ،فإن كانت قصَّة شورى، فانتظروا حتّى يغسّل النبيّ ويكفّن ويُصَلَّى عليه، وبعدها تتكلّمون بقصّة الخلافة!! ولكنهم يريدون الإسراع قبل أن يبدو حقّ عليّ(ع).

    ودارت الدّائرة، وعرف الإمام عليّ(ع)، وصبر لمصلحة الإسلام، وأفضل من عبّر عن هذه الحالة، هو عليّ بن أبي طالب(ع) في نهج البلاغة، حيث قال: "فما راعني ـ أي تفاجأت ـإلا انثيال النّاس على أبي بكرٍ يبايعونه ـ كيف يبايعونه؟ وعلى أيِّ أساس؟ يقولون النبيّ جعله يصلّي مكانه، هذا غير معلوم ـ فأمسكت يدي حتَّى إذا رأيت راجعة النَّاس قد رجعت عن الإسلام ـ وأصبحت هناك ردّة، وبدأ الإسلام يتفكَّك، ـ يريدون محق دين محمّد(ص) ـ وهو ما يمثّل فتنةً داخليّة، ونحن نعرف في حياتنا، أنّ الفتنة الدّاخليّة أخطر من الفتنة الخارجيّة، لأنّ الأمّة تأكل نفسها بنفسها، تأكل بعضها ولا تبقى أمّة ـ فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً ـ أنا كنت النَّاصر للإسلام في زمن رسول الله، والآن هذه النّصرة أقوى، لأنَّها النّصرة للإسلام من الخطر الدّاخليّ، ـ تكون المصيبة بها عليّ ـ كما يكون للشّخص ولد وسيفقده، هكذا أمر الإسلام بالنِّسبة إلى الإمام، فالإسلام كولده بالنّسبة إليه ـ أعظم من فوت ولايتكم هذه ـ أي الخلافة ـالّتي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب ـ أي عندما تمشي في الصّحراء، ترى سراباً، فتظنّ أنّه مياه، ولكن ما من مياه ـ أو كما يتقشّع السّحاب، فنهضت حتى ذهب الباطل وزهق، واطمأنّ الدّين وتنهنه"، فقمت وأعطيتهم النّصيحة والمشورة والقوّة والتّدبير، حتّى ارتاح الدّين وزال الخطر، وإن بقيت بعض الأمور.


    عليّ(ع) إمام الكلّ

    ومن هنا، يمكن أن نقول إنّه لا يمكن أن يكون الشَّخص الخليفة بعد رسول الله، إلا الشَّخص الّذي يملك العناصر الّتي تنفتح على الإسلام، ثقافة الإسلام، شريعته، عقيدته، مواجهاته، إدارة شؤونه، لا أحد غيره، ولذلك عندما قال النبيّ: "يا عليّ، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي"، أي أنا وأنت معاً في الخطّ نفسه والمهمّة ذاتها، إلا أنّه لا نبيّ بعدي، فهارون كان نبيّاً وأنت لست بنبيّ. وسُئل الخليل بن أحمد الفراهيدي، صاحب علم العروض، قيل له: "لم قدّمت عليّاً على غيره"، كلّ النّاس مع الآخرين، لم أنت فقط فضّلت عليّاً؟. فقال ـ انظروا إلى جواب المثقّف ـ قال: "احتياج الكلّ إليه، واستغناؤه عن الكلّ، دليل أنّه إمام الكلّ"... فهو لا يحتاج إلى أحد، بينما في كلّ مشكلة كانوا يلجؤون إليه.

    لذلك أيّها الأحبّة، لا نملك إلا أن ننحني لعظمة عليّ، إلا أن نحبّ عليّاً، لأنّه أحبّ الله ورسوله، ولأنّه في أعلى درجات العصمة، وأنا أستغرب من بعض النّاس والمعمّمين الّذين يقولون إنّ السيد لا يقول بعصمة عليّ!! وهل رأيتم أنّي قلت ذلك في الثّلاثين والأربعين سّنة التي فاتت؟؟!!! ولكن مشكلتنا مع الّذين لا يتّقون الله، ويكذبون ويحرّفون الكلم عن مواضعه، نسأل الله أن يهديهم سواء السّبيل.


    والحمد لله ربّ العالمين.

    ألقيت في 20 رمضان 1430

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    6,631

    Lightbulb

    محاضرات رمضانية / وصايا الإمام علي(ع) ليلة استشهاده





    محاضرة رمضانيّة لسماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، في أجواء استشهاد أمير المؤمنين(ع)، حيث يتناول الوصايا الّتي توجّه بها إلى النّاس، وهو على فراش الموت، ووصيته لولديه الإمامين الحسنين(ع)، والتي تمثل أيضاً، وصاياه الى شيعته والى المسلمين، على امتداد الزمن...التفاصيل


    بسم الله الرّحمن الرّحيم

    الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد وعلى آله الطيّبين وأصحابه المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.


    أحداث استشهاد أمير المؤمنين(ع):

    يُروى في كتاب السّيرة، أنّ النبيّ(ص) عندما أكمل خطبته الّتي استقبل بها شهر رمضان بكى، فقال له عليّ(ع): "ما يبكيك يا رسول الله؟ "قال: "أبكي لما يُستحلّ منك في هذا الشّهر"، كأنّي بك وأنت تصلّي لربّك وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين... فضربك ضربة على قرنك، فخضب منها لحيتك".


    فقال له عليّ(ع): "يا رسول الله، وذلك في سلامة من ديني؟" يعني أنا لا أخاف الموت، فقد اقتحمت الموت في كلّ حروب الإسلام، وأنا ممن لا أخاف أَدخلتُ إلى الموت أم خرج الموت إليّ، لكنَّ المهمَّ عندي أن يأتيني الموت وأنا في سلامةٍ من ديني، حتَّى ألقى الله سبحانه وتعالى بالدّين الخالص، قال(ص):

    "في سلامة من دينك"، قال الإمام: إذاً لا أبالي أوقعت على الموت أم وقع الموت عليّ.

    وهكذا كان الإمام(ع) يعيش هذا الهاجس، لأنّه ـ سلام الله عليه ـ أدخل من قبل المسلمين بعد خلافته في حروب متلاحقة؛ فمن حرب الجمل، إلى حرب صفّين، إلى الخوارج، هؤلاء التّكفيريون الذين كفّروا عليّاً عندما قَبِل تحت ضغط الكثيرين من جيشه بالتّحكيم في حربه مع معاوية، لكنّ هؤلاء الّذين يعيشون عقولاً مغلقة، لا تفكّر ولا تدخل في حوارٍ، قالوا له: "يا عليّ، لقد حكّمت الرّجال في دين الله، وبذلك فقد انتقلت من الإسلام إلى الكفر"، بعد أن كانوا قد ألحّوا عليه بالقبول بالتَّحكيم، وكان يؤكّد لهم أنّ القوم ليسوا أصحاب التزام دينيّ. وعاش الإمام مدّةً بعد ذلك يبعث إليهم من يحاورهم، وكان هو أيضاً يحاورهم ، ولكنّهم أصرّوا على ذلك، وبدؤوا ينشرون الفوضى في العالم الإسلاميّ، بحيث كانوا يقطعون الطّرق، ويقتلون الأبرياء، فحاربهم الإمام(ع)، وبذلك قرّروا اغتياله، ولذلك كان الإمام عليّ(ع) يحتمل ذلك.


    ويُقال إنّ امرأةً اسمها قُطام، كانت جميلةً، وكانت صاحبة مال، خطبها عبد الرّحمن بن ملجم، فقالت: "إنّ مهري مبلغ من المال، وأن تقتل عليّ بن أبي طالب". وهذا الرجل كان من الخوارج، فدبّر الخطّة مع بعض معاونيه ومساعديه من الخوارج، وكمنوا لعليّ(ع) في المسجد، ووقف هذا الرّجل وراءه وهو يصلّي، أو كان متّجهاً للصّلاة، وضربه على رأسه بسيفٍ مسموم، وكان آخر ما قاله الإمام: "بسم الله، وبالله، وعلى ملّة رسول الله، فزت وربّ الكعبة". وإنّما أكَّد الإمام فوزه بهذه الشَّهادة، لأنّه(ع) في تلك اللّحظة، استعرض كلّ حياته، ورأى أنّ حياته كلّها كانت في سبيل الله، فكان المجاهد، وكان المعلّم، وكان الرّفيق لرسول الله، والحامي للإسلام بفكره وحركته وعلاقاته، حتى إنّه كان يعاون الّذين تقدّموه في الخلافة الّتي هي حقّ له.


    وصايا الإمام(ع) إلى الناس:

    وكان الإمام(ع) حتَّى وهو في هذه الحالة، يوجِّه وصاياه إلى النّاس وهو على فراش الموت، فمن وصيَّةٍ له كما جاء في نهج البلاغة: "أيّها النَّاس، كلّ امرئٍ لاقٍ ما يفرّ منه في فراره ـ لن يسلم أحد من الموت حتّى لو فرَّ منه ـ والأجل مساق النّفس ـ لأنّ هناك أجلاً لا يقدَّم ولا يؤخَّر، فهو الّذي يسوق نفس الإنسان إليه لتبلغه ـ والهرب منه موافاته ـ من يهرب من الموت يلتقي به في الطّريق ـ كم اطّردت الأيّام ـ أي تتابعت الأيّام ـ أبحثها عن مكنون هذا الأمر ـ أي عن سرّ هذا الأمر وهو الموت ـ فأبى الله إلا إخفاءه ـ أي لأنّ الإنسان لا يعرف متى يموت ـ هيهات! علم مخزون ـ فالله سبحانه وتعالى هو الّذي اختزن علم الأجل ـ أما وصيّتي ـ وهذه الوصيّة للنّاس جميعاً، من كان في زمانه ومن جاء بعده، وذلك يعني أنّ الوصيّة تشملنا ـ فالله لا تشركوا به شيئاً"، التّوحيد، وحّدوا الله في العقيدة، فلا إله غيره، وفي العبادة، فلا معبود غيره، وفي الطّاعة فلا طاعة لسواه، لأنّ النّاس كلّهم خلق الله وعباده، بمن فيهم الأنبياء والأوصياء، وفي التّشهّد نحن نقول: "أشهد أنّ محمداً عبدك ورسولك"، أي أنّ عظمة محمّد(ص)، هو أنّه عبد أخلص لله العبادة، والله حدّثنا عن الملائكة: {عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} ]الأنبياء: 26- 27[.


    طلب الحوائج من الله:

    نحن نؤكّد دائماً أن لا نطلب حاجاتنا إلا من الله، لأنّ الله هو وليّ كلّ حاجة وكلّ نعمة، وصاحب كلّ حسنة، أي لا يجوز أن نقول: يا محمّد اقض لي حاجتي، أو يا عليّ اشفني، أو يا حسين ارزقني، كلّهم عباد الله، وهم يسألون الله قضاء حاجاتهم، ولذلك نحن لا نوافق على ما هو مشهورٌ في كلمات الشّيعة في دعاء الفرج: "يا عليّ يا محمّد، يا محمّد يا عليّ، اكفياني فإنّكما كافيان، وانصراني فإنّكما ناصران" ... إنّ الله وحده هو الكافي، ماذا نقول نحن في الدّعاء: "يا من يكفي من كلّ شيء ولا يكفي منه شيء". الله هو الكافي، وليس النبيّ (ص) ولا الإمام عليّ (ع)، لأنّ الله يملك حاجات السّائلين، {وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} ، لا تدعوا أحداً مع الله، لا النبيّ ولا الإمام. هذا هو المعنى الحقيقيّ للتّوحيد الخالص. ولذلك، بعض النّاس الّذين يحاولون طلب حاجاتهم من الأنبياء والأئمّة والسيّدة زينب وأمّ البنين، هذا كلّه ينافي الإخلاص في التّوحيد. نعم، الله أذن لهم بالشّفاعة لنا، هناك فرق بين أن تطلب حاجتك منهم، وبين أن تطلب من الله أن يجعله شافعاً لك إذا كنت مذنباً، أو تتوسّل إلى الله أن يكرمه في قضاء حاجتك أو حاجة المؤمنين، وهذه أمور يجب أن نركّز عليها.


    الإلتزام بسنّة الرسول(ص):

    "ومحمد فلا تضيّعوا سنّته"، أي ما ورد منه في تعاليمه وتشريعاته التي هي سنّة النبيّ(ص)، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7]، أي كلّ شيء يثبت أن رسول الله قاله وأمر به، فعلينا أن نأتمر به، وكلّ شيء نهى عنه رسول الله، فعلينا أن ننتهي عنه. يقول الله عن لسان الرّسول: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} [آل عمران: 31]، اتّباع الرّسول علامة محبّة الله، ومحبّة الله لكم تكون في اتّباع رسوله، لأنّ الرّسول {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }[النّجم: 3 - 4]، "وأقيموا هذين العمودين"، أي توحيد الله، والإيمان برسالة الرّسول، فإذا تزلزل العمود وسقط، سقط الإسلام. ولذلك، فإنّ مدخل المسلم إلى الإسلام هو الشّهادتان.. "وأوقدوا هذين المصباحين"، أي أنّ توحيد الله يشرق في عقل الإنسان وقلبه وفي الحياة، وكذلك الإيمان برسول الله هو النّور، لأنّ الرّسول هو نور كلّه؛ نور في عقله، ونور في قلبه، ونور في حياته كلّها، فلا ظلمة في شخصيّته. "وخلاكم ذمّ"، أي من بعدها لا أحد سيذمّكم، "ما لم تشردوا"، أي ما لم تميلوا عن الحقّ. فلتبقوا ثابتين ومستقيمين، وهذا ما تشير له الآية: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف: 13].


    "حمل كلّ امرئٍ منكم مجهوده"، أي ما قام به من عمل، لأنّ العمل يمثّل أن يبذل الإنسان جهده في طاعة الله، وكلّ واحدٍ يحمل مجهوده على ظهره يوم القيامة، "وخفّف عن الجهلة ربّ رحيم"، أمّا الجاهلون الّذين يكونون معذورين في جهلهم، فإنّ الله يخفّف عنهم، "ودين قويم، وإمام عليم".

    ثم يخاطب النّاس فيقول: "أنا بالأمس صاحبكم، وأنا اليوم عبرة لكم" انظروا إليّ في حال احتضار، "وغداً أفارقكم غفر الله لي ولكم". انظروا كيف يهتم الإمام في هذه الوصيّة بأساس الإسلام، ويوجّه الناس للالتزام به، ويعظهم للاستعداد بعد الموت. وهذه الوصيّة للنّاس عامّةً.


    وصيته إلى ولديه الحسنين(ع):

    يوجد لديه أيضاً وصيَّة لولديه الحسن والحسين(ع)، ونحن نذكر من الوصيّة ما هو لعامّة النّاس. يقول(ع): "وإنما كنت جاراً جاوركم بدني أيّاماً"، أنا كنت كالجار الّذي يعيش معكم مدّةً ثم يترك البيت، "وستعقبون منّي"، سترون لاحقاً، "جثّةً خلاء"، هذا الشّخص الذي ترونه ويهجم ويتكلّم، غداً سترونه جثّة، "ساكنةً بعد حراك"، كلّنا سنصبح كذلك، نتكلّم ونذهب ونأتي وندخل صراعات، وبعدها لا يعود بمقدورنا أن نتكلّم أو أن نتحرّك، "وصامتةً بعد نطق"، كنت أتكلّم والآن لا أتكلّم، "ليعظكم هدوّي"، أي بالأمس كنت متحرّكاً، والآن أنا هادئ. هذه موعظة لكم، لأنّكم ستصبحون مثلي، "وخفوت أطرافي"، أي ستخفت عيناي، "وسكون أطرافي"، أي يدي ورأسي ورجلي، كلّها ستكون ساكنةً ولا يمكن أن أحرّكها، "فإنّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ"، أي أنّ هذه الصّورة، صورة الإنسان الّذي هو جثّة لا حراك فيها، هي أوعظ من ألف خطبةٍ، لأنّها موعظة حقيقيّة وميدانيّة، والـ "أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ والقول المسموع، وداعيكم وداع امرئٍ مرصدٍ للتّلاقي يوم القيامة".


    ثم يقول لهم، أنتم عشتم معي وعشت معكم وقامت مشاكل وظلمتموني، ولم تعرفوا قدري، ومنعتموني من تنفيذ خطّتي في إصلاحكم، غداً سترون من هم بعدي، "غداً ترون أيّامي"، تتذكروها، "ويكشف لكم عن سرائري"، أي وتعرفون أسراري وأفكاري، "وتعرفونني". الآن أنتم لا تعرفون من هو عليّ بن أبي طالب(ع)، "وتعرفونني بعد خلوّ مكاني وقيام غيري مكاني"، من جاء بعد عليّ(ع)؟ جاء معاوية، وجاء يزيد، وفهمت النّاس معنى عليّ(ع).


    علينا أن نفهم عليّاً (ع):

    ونحن يجب أن نفهم من هو عليّ بن أبي طالب(ع)، لأنَّنا لا نفهم عليّاً(ع)، صحيح نحن شيعة، شيعة عليّ(ع)، ولكن من قرأ نهج البلاغة؟ من عرف سرَّ عليّ(ع)؟ نقول: ضرب عمرو بن عبد ودّ، فتح باب خيبر... لكن هذه أقلّ فضائله؛ عليّ(ع) يمثِّل امتداد الحضارة الإسلاميَّة، وعليّ عندما نقرأه الآن فكأنّه حاضر بيننا، يعالج مشاكلنا، ولذلك علينا أن نعتصم به بعد الاعتصام بالله، لأنّه اعتصم بالله سبحانه وتعالى. وفي الزّيارة نقول: "السّلام عليك يا أمين الله في أرضه، وحجّته على عباده" هو الحجّة على العباد.


    والسّلام على عليّ(ع)، يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيّاً.



    والحمد لله ربّ العالمين.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    6,631

    Lightbulb

    محاضرات رمضانية / الإمام عليّ(ع) أنموذجٌ رساليٌّ خالد







    في هذه المحاضرة يتحدث سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، عن شخصية الإمام علي(ع) وعلمه، وموقعه من رسول الله(ص) ومنزلته عنده، حيث كان الإنسان الذي أحبّ الله ورسوله وأحبّه الله ورسوله، لذا لا نملك إلا أن نحبّه بكلّ عقولنا وقلوبنا...التفاصيل



    فضيلة العلم

    يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزّمر:9] ، ويقول سبحانه: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] ، ويؤكّد الله تعالى أنّ مشكلة المشركين في الجاهليّة أنهم كانوا يفقدون العلم، ولذلك فإنّ الله تعالى يقول عندما يتحدّث عن المشركين: {وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [البقرة:118] ، ولو علموا لما أشركوا.


    إنّ الإسلام الذي جاء بوحي الله وسنّة نبيّه، انطلق ليحوّل العالم كلّه من حال الجهل إلى حال العلم، واعتبر أنّ العلم هو القيمة الكبيرة التي لا بدّ لكلّ إنسان من أن يأخذ بها، لأنّ العلم هو الذي يعرّفنا بالله، وهو الذي يعرّفنا بالرسول وبالرسالة، وهو الذي يعرّفنا كيف نخطّط لأمورنا في الحياة، وكيف نميّز بين الخير والشر، وبين الحسن والقبيح. وقد أكّد الله دور العقل، وأراد للنّاس تنمية عقولهم، وذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [الرّعد:19]، وتحدّث عن بعض النّاس المنحرفين، أنّ {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا}[الأعراف:179]، وإنما يتبعون الجاهلين في ما يؤكّدونه من خطوط الجهل.

    وقد كان الفرق بين الإسلام والجاهليّة، أنّ الإسلام أراد أن يحرّر النّاس وينقلهم من ذهنيّة الجاهليّة وحكمها وحركتها، إلى الذهنيّة العلميّة والحركة العلميّة، ولذلك قال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة:50]. ونحن نروي في حديثٍ يرويه السنّة والشّيعة، "أنّ الله لما خلق العقل قال له: أقبل، فأَقبل، ثم قال له: أدبر، فأَدبر، ثم قال: وعزّتي وجلالي، ما خلقت خلقاً أعزّ عليَّ منك، إيَّاك آمر وإيَّاك أنهى، وبك أثيب وبك أعاقب".


    ولذلك نحن نقول إنَّ الله تعالى أرسل النبيَّ(ص) في الأربعين بعد أن استكمل عقله، وبعد أن رعى عقله ونمّاه وطوّره، لأنّ الله تعالى كان يرعى عقل النبيّ(ص)، والله تعالى أعطاه العلم الذي استطاع أن يفتح من خلاله عقول النّاس ووعيهم، وأراد لهم أن ينطلقوا على أساس أن يستفيدوا من هذا العلم ويعملوا به.

    ونحن نعتقد أنَّ مسألة الامتداد في حركة الإسلام في العالم، وفي مسؤوليّة المشرفين والولاة على المسلمين، أنّه لا بدَّ من أن يكون عقلهم أفضل العقول، وأن يكونوا في مستوى العلم الذي يعطون فيه النّاس من علمهم علماً يطوّر أوضاعهم، ويحسّن وعيهم، لأنّ دور النبيّ، والإمام الذي يخلف النبيّ، هو أن يجعل الواقع الإسلاميّ كلّه واقعاً حضاريّاً يتميّز بالإبداع العلميّ والرّحابة العلميّة والعمق العلميّ.


    عليّ(ع) وريث رسول الله(ص)

    ولهذا اختار رسول الله(ص)، بأمرٍ من الله تعالى، عليّاً(ع) ليكون خليفته، لأنّ عليّاً(ع) كان أعلم الصّحابة، ولم يكن هناك شخصيّة تساويه، فضلاً عن أن تتقدّم عليه؛ لأنّه(ع) أخذ علم رسول الله(ص) في كلّ ما أوحى الله به إلى رسوله، وانفتح عليه وطوّره. ونحن نقرأ في حديث عليّ(ع): "علّمني رسول الله ألف بابٍ من العلم ـ لأنّه كان لا ينفصل عن رسول الله؛ كان معه في طفولته وفي شبابه، وكان يقضي اللّيل والنّهار مع رسول الله، وكان(ص) يحدّثه بكلّ ما أوحى الله به إليه، وبكلّ ما ألهمه الله إيّاه، وبكلّ ما أذِن الله له في بعض تشريعاته. ولذلك فإنّه(ع) استوعب ذلك كلّه، ولم يكن(ع) مجرّد ناقلٍ للحديث، ولكنّه كان يسمع الحديث وينفتح به على آفاقٍ جديدةٍ ـ يُفتح لي من كلّ بابٍ ألف باب". ولذلك كان عليّ(ع) أعلم الصّحابة، ونحن نروي، كما يروي بعض علماء السنّة عن النبيّ(ص): "أنا مدينة العلم وعليّ بابها".


    ولذلك، فإنّنا إذا أردنا أن نفهم رسول الله وعمله، فإنّنا نفهمه في صفائه ونقائه من خلال عليّ(ع)، وعندما يقول رسول الله(ص): "عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيثما دار"، بحيث إنّه ليس هناك فاصلٌ بين الحقّ وبين عليّ، فالباطل لا يدخل بينهما، فإننا نقول: إنّ الذين يعملون الباطل ويلتزمونه، ويتّبعون أمراء الباطل ويقولون إنهم يوالون عليّاً، هم ليسوا صادقين، لأنّك كلّما اقتربت من الباطل ابتعدت عن عليّ(ع).


    منـزلة عليّ(ع) عند رسول الله(ص)

    وعليّ(ع) هو الّذي كان يتحدّث عن المستوى الذي بلغه وعن علاقته برسول الله(ص)، ففي بعض كلماته في نهج البلاغة يقول: "ولقد علم المستحفَظون ـ الذين أودعهم النبيّ أمانة سرّه وطالبهم بحفظها ـ من أصحاب محمّد(ص)، أني لم أردّ على الله ولا على رسوله ساعةً قطّ، ولقد واسيته ـ أي أشركته في نفسي ـ في المواطن التي تنكص ـ تتراجع ـ فيها الأبطال، وتتأخّر فيها الأقدام، نجدةً ـ شجاعة ـأكرمني الله بها، ولقد قُبض رسول الله(ص) وإنّ رأسه على صدري، ولقد سالت نفسه في كفّي، فأمررْتها على وجهي، ولقد وُلّيت غسله(ص) والملائكة أعواني، فضجّت الدار والأفنية ـ ما اتّسع أمام الدّار من كثرة الملائكة ـ ملأٌ يهبط وملأٌ يعرُج، وما فارقت سمعيهينمة منهم ـ الصّوت الخفيّ ـيصلّون عليه حتى واريناه ضريحه. فمن ذا أحقّ به مني حيّاً وميتاً؟ فانفذوا على بصائركم ـ البصيرة ضياء الحقّ ـ ولتصدق نيّاتكم في جهاد عدوّكم، فوالذي لا إله إلا هو، إني لعلى جادة الحقّ وإنهم لعلى مزلّة الباطل ـ المزلّة هي مكان الزّلل الموجب للسّقوط في الهلكة ـ أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم".


    هذا هو عليّ

    أيّها الأحبّة: هذا هو عليّ(ع)، هذا هو الإنسان الذي أحبّ الله ورسوله وأحبّه الله ورسوله، هذا الإنسان الذي باع نفسه لله، هذا الإنسان الذي لا نملك إلا أن نحبّه بكلّ عقولنا وقلوبنا وحياتنا، هو المعصوم في فكره وفي عمله وفي حكمه، إنها ولاية عليّ(ع)، هي ولايةٌ لرسول الله(ص)، وهي ولايةٌ لله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55].


    والسّلام عليه يوم وُلد، ويوم استُشهد، ويوم يُبعَث حيّاً.


    والحمد لله ربّ العالمين.

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    6,631

    Lightbulb

    محاضرات رمضانية / في رحاب ليلة القدر المباركة









    محاضرة رمضانيّة لسماحة العلامة المرجع، السيّد محمد حسين فضل الله، ألقيت في مسجد الإمامين الحسنين عام 1430هـ، في آخر ليلة قدرٍ أحياها المرجع الراحل وقد تحدّث فيها عن اجواء ليلة القدر المباركة وأسرارها وفضل إحيائها...التفاصيل



    بسم الله الرّحمن الرّحيم

    الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على سيّدنا محمد وعلى آله الطيّبين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.


    معنى ليلة القدر

    {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}
    [القدر: 1-5].

    هذه اللّيلة هي اللَّيلة المباركة كما عبَّر الله عنها {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدّخان : 3-4]. وقد تنوَّعت الآراء في معنى كلمة القدر، فمنهم من قال إنَّ القدر هو الشَّرف والمنـزلة، وبعضهم ـ ولعلّ هذا هو الأقرب ـ إنّ القدر هو التّقدير، لأنّ هذه اللّيلة هي اللّيلة الّتي أرادت حكمة الله تعالى أن تجعلها اللّيلة الّتي ينظّم الله فيها للنّاس أوضاعهم في أرزاقهم، وفي كلّ أمورهم الخاصَّة والعامَّة، وفي كلّ حركتهم في عالم التحدّيات، وفي عالم الصِّراع، وفي عالم الإنتاج، وفي عالم الإبداع، وفي عالم الأعمار.

    فالله سبحانه وتعالى هو المدبّر لهذا الكون، وهو القادر على أن يقول للشّيء كن فيكون، ولكنّ حكمته اقتضت أن يجعل إرادته في نطاق الزَّمن، ولذلك خلق الأرض والسَّماء في ستّة أيّام، وهو قادر على أن يخلقها في لحظة، أمَّا هذه اللّيلة، فإنَّها اللَّيلة الّتي أودع الله فيها الكثير من الأسرار الّتي تملأ كلّ ساعاتها، تماماً كما يضع الله الأسرار في المكان، فهناك مكان يعظّمه الله كما الكعبة، وفي الزّمان في بعض اللّيالي والأيّام، كيوم عرفة، وما إلى ذلك، كذلك أودع الله في هذه اللّيلة أسراراً روحيّةً تنظيميّةً سخيّةً عظيمة، تستوعب الكون كلّه، وتشرف على كلِّ قضايا الإنسان في كلِّ حياته، بحيث تحدِّد له أجله، وتحدِّد له رزقه وصحَّته وعافيته ومرضه وموقعه ونصره وهزيمته، فهي اللّيلة التي تدخل في عمق الوجود الإنسانيّ، لأنّ الله سبحانه عندما خلق الكون وخلق الإنسان، أودع فيه عنصر السببيّة: {قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شيءٍ قَدْراً} [الطّلاق: 3]، {إنّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر} [القمر: 49]. ولذلك، فإنّ الله جعل هذه اللّيلة اليتيمة في السّنة، جعلها خيراً من ألف شهر، وأراد أن يبيّن لنا أن حجم الزّمن لا يقاس بطبيعة ساعاته، بل بما يختزن من أسرار، وما يُقام فيه من أعمال، ومن مواقف وطاعات. فالمسألة إذاً هي أنّ الإنسان يستطيع أن يجعل من يومه شهراً، ومن شهره سنةً، لأنّ المسألة هي في النّوعيّة وليس في الكميّة.


    الملائكة والعناية بشؤون المؤمنين

    ونلاحظ أيضاً أنّنا في هذه اللّيلة، نعيش في الأجواء الّتي تتحرَّك فيها الملائكة، الَّذين حدَّد الله لكلِّ واحدٍ منهم وظيفةً ومهمَّة، فالملائكة موظَّفون عند الله، وهم {عبادٌ مُكْرَمُون * لا يَسْبقُونَهُ بالقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُون} [الأنبياء: 26-27]. ولكن كيف يدير هؤلاء الملائكة أمورهم ويقومون بمسؤوليّاتهم؟ فهذا أمرٌ لم يعرّفنا الله إيّاه، بل هو من أسرار الله ومن خفايا غيبه، لأنّنا لا نرى الملائكة ولا نشعر بحركتهم، ولكنَّهم يعيشون في أجوائنا عندما نجتمع لنعبد الله، ونصلِّي له، ونبتهل إليه، ونخشع بين يديه، وهم يباركوننا. وقد حدَّث الله عن الملائكة أنَّهم يستغفرون للّذين آمنوا، أي أنَّ الملائكة يطلّون على البشريَّة ويتابعون ما يقومون به من أعمال، وخصوصاً الملكان، ليستغفروا للّذين آمنوا وتابوا. ونلاحظ في آيةٍ قرآنيّةٍ ما يدلّّ على أنّ الملائكة هم أصدقاء البشر المؤمنين {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصّلت: 30]، أي بحيث إنّ من يسلكون خطّ الله المستقيم،{تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ} [فصّلت: 30]، ثم {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ} [فصّلت: 31]، أي أنّ الإنسان في الدّنيا من الممكن أن يشتهي شيئاً ولا يحصل عليه، ولكن في الآخرة، كلّ ما تشتهيه النّفس سيحقّقه الله سبحانه وتعالى لك، {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} [فصّلت: 31- 32]، أي ليس من عندنا. وهكذا نجد أنّ الملائكة في الجنّة، يقومون بزيارات {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرّعد: 23- 24]، وفي هذه اللّيلة، يقول الله سبحانه: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} ، والبعض يقول عن الرّوح إنّه جبرائيل، وبعضهم يقول: خلق عظيم من الملائكة ، {بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} [القدر: 4]، أي من كلّ أمر يتّصل بالحياة العامّة والخاصّة للنّاس.


    ثمّ إنّ الله جعل هذه اللّيلة ليلة السّلام الّتي يفرغ الإنسان فيها قلبه من كلّ حقدٍ وعداوة وبغضاء، وهذا هو شعار الإسلام، فتحيّة الإسلام الطبيعيّة سلام، إذا التقيت شخصاً فإنّك تحيّيه وتقول له "سلام عليك"، لذلك نحن نلفت إخواننا وأخواتنا الّذين يقول بعضهم: "صباح الخير"، أو يستعمل مفردات إنكليزيّة وفرنسيّة، أن يستعمل تحية أهل الجنة {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} [إبراهيم: 23]، لن تذهب إلى الجنّة وتقول "صباح الخير"، بل ستقول: "سلام عليكم".


    ولذلك، هذه اللّيلة هي ليلة السّلام الّتي نجلس فيها بين يدي الله، لنفتح قلوبنا له، لنفرغها من كلّ ما يسخطه سبحانه. وقد حدّثنا الله أنّ الإنسان ينتفع بالقلب السّليم، {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشّعراء: 88 - 89]، سليم من الشّرك، سليم من الحقد والعداوة والبغضاء.
    وننقل عن أحد علمائنا الكبار، وهو سيّد بن طاووس، صاحب كتاب الإقبال، الّذي ينقل عنه كلّ المؤلّفين من الأدعية ، يقول: إنّ ليلة الثّالث والعشرين ـ والمرويّ أنّها الأرجح ليلة القدر ـ فكّرت من أحقّ النّاس بالدّعاء؟ فكّرت في الأب والأم، لاحظت أنّ أبي مسلم مؤمن، وأمي مسلمة مؤمنة، هي تستحقّ الدّعاء، ولكنّها ليست أحقّ الناس به، لأنها تتعلّق برحمة الله سبحانه في طاعته له، فكّرت في المؤمنين والمؤمنات، الأمر نفسه، ثم فكّرت في الكفّار، فوجدت أنّهم الأحقّ، لأنّ الكافر لا يتعلّق بالله بشيء، فهو ينكر وجود الله، يشرك به، فقضيت ليلتي أدعو الله أن يهدي الكفّار، وأن يدلّهم على الإيمان حتّى يكونوا تحت رحمة الله سبحانه.

    هذا يدلّ على الإنسانيّة، وليس مثلنا، نوزّع الجنّة والنّار، فنقول فلان للجنّة، وفلان للنّار، ليس بيدك لا الجنّة ولا النّار، {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء : 48] ، المهمّ أن لا يكون مشركاً والله يغفر له، قد يكون مسيحيّاً أو يهوديّاً، المهمّ أن يكون موحّداً لله، يستحقّ العذاب، لكن قد تناله رحمة الله سبحانه وتعالى. فهذه تعبّر عن روح الإنسانيّة عند الإنسان المؤمن، بحيث إنّه يفكّر في كلّ النّاس، وهذا تعلّمناه من أمير المؤمنين(ع) في عهده لمالك الأشتر، عندما قال له: "النّاس صنفان، إمّا أخ لك في الدّين، أو نظير لك في الخلق". قد تلتقي مع أحد النّاس في الدّين، فأنت مسلم وهو مسلم، وقد تلتقي مع آخر بالإنسانيّة، هو إنسان وأنت إنسان، فكما عليك أن ترعى الإنسان الّذي تلتقي معه في الدّين، عليك أن ترعى الإنسان الّذي تلتقي معه في الإنسانيّة، فتكون إنسانيتك في إنسانيته.


    الحكمة في إخفائها

    في نهاية المطاف، متعارف في الكتب ذكر ليالي القدر، ونحن لا يوجد لدينا ليالي القدر، لدينا ليلة قدر، ويسمّونها ليالي لأنّها روايات، رواية تقول اللّيلة التّاسعة عشرة، وأخرى تقول الواحدة والعشرين، ورواية تقول الثّالثة والعشرين، ورواية تقول السّابعة والعشرين عند الإخوان السنّة، فليس لدينا ثلاث ليالي حتّى نقول ليالي القدر، بل هي ليلة واحدة، ولكنّ الله أخفاها حتّى يهتمّ النّاس بها، أيضاً اللّيالي العشر الأواخر من شهر رمضان، يستحبّ للإنسان المؤمن أن يحييها بالعبادة. وطبعاً نحن نعرف أنّ الخلاف الحاصل في أوّل الشّهر، جعل البعض يراها في ليلة والبعض الآخر في ليلةٍ أخرى، كلّ ذلك جيّد، لأنّه سواء كانت في هذه اللّيلة أو تلك، ماذا سنفعل بها؟ سندعو الله ونقرأ القرآن، وندعو دعاء الجوشن، فإذا كلّها متشابهة، لماذا التعصّب؟ هذا يقول هذه هي اللّيلة والآخر يقول لا هذه هي اللّيلة، الله أكرمنا بليلة القدر حتَّى نبتعد عن العصبيَّة، لا لنتعصّب، وإن شاء الله يكون الجميع معذورين، هذا مرجعه يرى شيئاً، وذاك مرجعه يرى شيئاً آخر، وللمجتهد أجران إن أصاب، وأجر واحد إن أخطأ. هذه العقليّة هي العقليّة المتخلّفة غير الإيمانيّة في قصّة العصبيّة للمرجعيّة، أو العصبيّة الحزبيّة أو القبليّة، العصبيّة في النّار.


    ولذلك، أيّها الأحبّة، لم يبق لنا في هذا الشّهر إلا ليالي، فعلينا أن نخلص فيها لله، وندعو فيها دائماً: "اللّهمّ إن كنت رضيت عنّي في هذا الشّهر، فازدد عنّي رضا، وإن لم تكن رضيت عنّي، فمن الآن فارضَ عنّي... اللّهمّ أدِّ عنّا حقّ ما مضى من شهر رمضان، اغفر لنا تقصيرنا فيه، واجعلنا من المرحومين ولا تجعلنا من المحرومين يا أرحم الرّاحمين".



    والحمد لله ربّ العالمين



    ألقيت في ليلة القدر ( الليلة الثالثة والعشرون) المباركة 1430 هـ

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    6,631

    Lightbulb

    محاضرات رمضانية / فتح مكّة - 2








    محاضرة رمضانيّة لسماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله(رض)، يتحدّث فيها عن ظروف فتح مكّة على يد النبيّ(ص) ودخول المسلمين إليها بطّريقة سلميَّة، وتحطيم الأصنام الموجودة في الكعبة، لتكون مكّة قاعدة للتّوحيد وللإسلام...
    التفاصيل

    إستماع



    بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطّاهرين وأصحابه المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.


    التَّخطيط لفتح مكَّة

    عندما هاجر النبيّ(ص) من مكَّة، أنزل الله عليه الآية التّالية: }إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ{ [القصص: 85]، أي سيعيدك إلى مكَّة في وقتٍ من الأوقات، وكانت مكَّة من خلال سكَّانها وزعمائها وطواغيتها وعبدة الأصنام فيها، تمثّل المنطقة الّتي يسيطر عليها الشّرك، والّتي كانت تثير الحروب ضدّ الإسلام والمسلمين بين وقتٍ وآخر، حتّى إنّ حربها في واقعة الأحزاب كانت حرباً استئصاليّةً، لأنّ قريش جمعت كلّ حلفائها من العرب، وأقنعت اليهود الّذين كانوا في عهدٍ مع النبيّ أن ينقضوا العهد، حتى إنّ المسلمين شعروا بالخطر، كما تشير الآية الكريمة: } إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا{ [الأحزاب : 10]. وكفى الله المؤمنين القتال، ولذلك فإنّ النبيّ(ص) كان يخطّط لفتح مكّة وللسّيطرة عليها وللدّخول إليها بدون حرب، لأنّه أراد أن يحافظ على صفة مكّة أنّها الحرم الآمن }أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْهُ{ [العنكبوت: 67]، ولذلك كانت خطّة النبيّ(ص) خطّة أمنيّة، بحيث أغلق كلّ النّوافذ على الّذين يتجسّسون ويخبرون قريش استعدادات النبيّ(ص)، وعبّأ النّبيّ أتباعه في هذه الواقعة، واستطاع بذلك أن يدخل مكّة، وكان قد أعطى رايته لسعد بن عبادة، وهو من زعماء الأنصار، وكان هذا الرّجل معقّداً من قريش، فلمّا حمل الرّاية ودخل إلى مشارف مكَّة، ارتجز وهو يقول:

    " اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة"

    يعني اليوم سنسبي نساء أهل مكّة، ويقال إنّه جاء العبّاس عم النبيّ (ص) وأخبره بذلك، فقال لعليّ(ع): خذ الراية من سعد وادخل بها إلى مكّة، ثم أخذ عليّ الراية، ويقال إنّه ارتجز:

    " اليوم يوم الملحمة اليوم تصان الحرمة"

    نحن لم نأت إلى مكّة لنعتدي على أعراض مكّة ولنسبي نساءها، بل لنصونهنّ كما نصون الرّجال من طغيان قريش.


    مكّة منطقة التّوحيد

    وهكذا خطّط النبيّ لأن يحيّد النّاس الّذين يمكن أن يقاتلوا؛ عن القتال، فأطلق ثلاثة نداءات: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن"، لأنّ أبا سفيان جاء إلى النبيّ في المدينة، واستجار به بواسطة العبَّاس بن عبد المطّلب عمّ النّبيّ، وأسلم على يديه، وكان زعيم قريش، وأراد النبيّ أن يكرمه، فأعطاه هذه المكرمة: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن". ثمّ أطلق النّداء الثّاني: "من دخل المسجد فهو آمن"، لأنّ المسجد هو بيت الله الّذي جعله الله حرماً ومثابةً للنّاس يأوي إليه النّاس، ليضمنوا سلامهم وعدم الاعتداء عليهم. ثم كان النّداء الثّالث: "من دخل بيته وأغلقه عليه فهو آمن".


    كانت هذه النّداءات الثّلاثة من النبيّ(ص) وسيلةً من وسائل التّحييد، يعني أراد أن يحيّد المقاتلين، لأنّه لا يريد قتالاً في مكّة، بل يريد أن يدخلها دخول سلام، لأنّ الله جعلها منطقة سلام. وهكذا كان، ودخل النبيّ(ص) وهو يقول كما ورد: "اللّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة"، فكأنّه أراد أن يبيّن لهم أنّنا نعمل للآخرة في كلّ فتوحاتنا وفي كلّ معاركنا، نطلب رضا الله في ذلك، ونتبع شريعته، فالقضيّة هي قضيّة الآخرة. ثم جمع النّاس في المسجد، فخاطبهم قائلاً: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده"، ليؤكّد بذلك أنّ مكّة أصبحت منطقة التّوحيد، لأنّ فيها المسجد والكعبة الّذي جعله الله للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود، واعتبر هذا الانتصار انتصاراً من الله، وأنّ الله هو الّذي هزم الأحزاب وحده، كما ورد في قوله تعالى: }وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى{ .


    الحريّة لمعشر قريش

    ثم قال للمجتمعين حوله: "يا معشر قريش، إنّ الله أذهب عنكم نخوة الجاهليّة وتعظّمها بالآباء"، أصبحتم بشراً كبقيّة البشر، لا فرق بينكم وبين بقيّة البشر. ثم قال: "النّاس من آدم وآدم من تراب }يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ{ [الحجرات: 13]، فالتّقوى هي الّتي تجعل الإنسان يُفضَّل على الإنسان الآخر، وتجعل له الكرامة التي يتميّز بها عن الإنسان الآخر.

    وهكذا التفت إلى المجتمعين وإلى أهل مكّة ومن قريش وقال لهم: "ماذا تراني فاعل بكم؟"، كيف أتصرّف، أنا سيطرت عليكم أجمعكم، وقد عطّلتم مسيرتي وأثرتم الحرب ضدّي وقتلتم الكثيرين من أصحابي، فماذا ترونني فاعل بكم، وكلّكم تحت سيطرتي، وليس منكم من يملك أن يقف في وجهي وأن يقاتلني، فكان جوابهم: "أخٌ كريم وابن أخٍ كريم"، لقد أسأنا إليك يا محمّد، ولكنّنا نعرف أنّك لا تحمل الحقد في نفسك، وأنّك تملك الصّدر الرّحب والحلم عمّن أساء إليك، وأنّك تبادل السيّئة بالحسنة. لذلك أنت الأخ لنا فأنت منَّا، وأنت ابن أخٍ لكبارنا وشيوخنا. فماذا كان ردّ النبيّ؟ قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، أنتم تحت سلطتي، وقد أعتقتكم، فلكم كلّ الحريّة، فاذهبوا أينما شئتم، فإنّني أحترم حياتكم، وإنّني أحترم حرّيتكم، فلكم أن تمارسوا ما تحبّون وما تريدون، ولكن فيما يحبّه الله ويرضاه. ولذلك نجد أنّ السيّدة زينب(ع) في خطابها ليزيد، حيث نادته "يا ابن الطلقاء" وذكّرته كيف ان جدّها رسول الله(ص) أطلق حريّة آبائه وأهله، حيث أرادت أن تعنّفه، وأن تبيّن له فضل آبائها عليهم، ولكن كما قال ذاك الشّاعر:

    ملكنا فكان العفو منّا سجيّةً فلما ملكتم سال للدّم أبطح
    وحللتم قتل الأسارى وطالما غدونا عن الأسرى نكفّ ونصفح
    فحسبكم هذا التّفاوت بيننا وكلّ إناءٍ بالّذي فيه ينضح


    تحطيم الأصنام

    ثم كان أوّل عملٍ قام به رسول الله، تكسير الأصنام حول الكعبة، لأنّهم كانوا ينصبون أصنامهم على الكعبة، ويتعبّدون لها، فبدأ النبيّ بتكسير الأصنام، وكانت بعض الأصنام عاليةً، فكلّف عليّاً(ع) أن يقف على كتفه ويكسر الأصنام، فالّذي قام بكسر الأصنام هو رسول الله أوّلاً، وعليّ(ع) ثانياً، ونحن نعرف أنَّ النبيّ(ص) أرسله الله برسالة التّوحيد التي تكسر الذّهنيّة الوثنيّة، وأنَّ عليّاً(ع) في نصرته للإسلام، استطاع أن يحطّم الصّنميّة وأن يحطّم الأصنام.


    المبالغة في وصف الأئمَّة

    ولكن أنا أضع ملاحظةً نقديَّةً على بعض الشّعراء، لأنَّهم صوَّروا أنَّ النبيّ(ص) عندما عرج به إلى السّماء، وضع الله يده على كتفه، ثم صعد الإمام عليّ(ع) على كتف رسول الله. بعض النّاس مستعدّون أن يمدحوا الإمام عليّ بما يسيء إلى الله ورسوله.. يقول:

    "ماذا أقول بمن حطّت له قدمٌ في موضعٍ وضع الرّحمن يمناه"

    يعني ماذا أقول في شخصٍ وضع رجله في المكان الّذي وضع الله يده عليه! هذه إساءة إلى الله!

    شاعر آخر يقول:
    "وعليّ واضع أقدامه في محلّ وضع الله يده"

    كمن يقول أنا وضعت رجلي في المحلِّ الَّذي وضعت فيه يدك. هذه إساءة إلى الله! يعني عقيدتنا أنَّ الله ليس جسداً له يدٌ ورجل.. فهو فوق الجسد .. ثانياً، حتىّ لو كان الأمر على نحو الكناية، فهذه إساءة إلى الله سبحانه وتعالى. ولكنَّ بعض الشّعراء تأخذهم العاطفة، فيتحدّثون بما يسيء إلى الله سبحانه وتعالى، مثل بعض النّاس كانوا في مدح العبّاس(ع) يقولون: "لولا القضا لمحا الوجود بسيفه". كيف يمحو الوجود؟! وإن عدّلها بعضهم بالقول: "لمحا العدوّ بسيفه". المبالغة في الشّعر قد تجعل الإنسان في بعض الأحيان يغفل عن العقيدة، كيف يمحو العبّاس الوجود، وجود السّماء الأرض والدّنيا كلّها .. هل سيفه يمحو كلّ الوجود؟! هذا غير معقول ولا يصحّ ذلك!


    رمضان: شهر الصّيام والجهاد

    على كلٍّ، فتح النبيّ(ص) مكّة التي انطلقت لتكون قاعدةً للتّوحيد وقاعدةً للإسلام، ليأخذ النّاس فيها حرّيّتهم في عبادة الله سبحانه وتعالى. وهكذا نعرف أنّ النبيّ(ص) خاض معركته في بدر، ومعركته في مكّة، في شهر رمضان، ما يدلّ على أنّ شهر رمضان كما هو شهر الصّيام، هو شهر الجهاد أيضاً.


    والحمد لله ربّ العالمين.


    ألقيت في 25 رمضان 1430هـ

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    6,631

    Lightbulb

    محاضرات رمضانية / شرح حديث الإمام علي(ع) لكميل بن زياد: أنواع الناس








    محاضرة رمضانيّة لسماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض)، تشرح حديث الإمام عليّ(ع) مع كميل بن زياد، الذي يقسّم الناس فيه الى ثلاثة انواع: عالم ربّاني، ومتعلم على طريق النجاة، وهمج رعاع، حيث يؤكد سماحته أهميّة تحريك عقولنا، بحيث لا نتّبع أي جهة بشكل أعمى...

    التفاصيل

    إستماع



    بسم الله الرّحمن الرّحيم، والحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد وعلى آله الطيّبين الطّاهرين، وأصحابه المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.


    دور العقل

    في حديثٍ عن كميل بن زياد الّذي روى الدّعاء عن أمير المؤمنين(ع) قال: "أخذ أمير المؤمنين(ع) بيدي، فأخرجني إلى الجبّان، فلمّا أصحر"، يعني صار في الصّحراء، "تنفّس الصّعداء ثم قال: "يا كميل، إنَّ هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها". طبعاً في القرآن القلوب مقصود بها العقول.

    وعلى هذا الأساس، استعمل الإمام كلمة القلوب بدل العقول، فيقول إنّ العقل هو وعاء يوضع فيه كلّ فكرٍ وكلّ موعظةٍ وكلّ نصيحة، ودور العقل هو الوعي، يعني الّذي يعي ويتفهّم ما يلقى في داخله. الفكرة الّتي توضع في العقل لا بدَّ للإنسان من أن يحيط بها، وأن يتعرّف آفاقها وكلّ عناصرها، حتّى يستطيع أن ينتفع بها، وأن يدخلها إلى حياته، لأنّ الإنسان إنما يتحرك في المواقع من خلال ما يختزنه من الفكر. فحركة الإنسان في الواقع، هي مظهر حركته في العقل. لذلك قال الله تعالى: } إنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم{ ، فالإنسان يتحرّك من خلال ما يعيش في نفسه من الفكر، ففكره في الدّاخل يمثّل انطلاقته في حركته في الخارج. فالإمام(ع) يقول: إنّ العقول تتفاضل، وخير هذه العقول هو الّذي يكون الأوعى؛ ليس الّذي يحمل الفكر، بل الّذي يتفهّم الفكر، والّذي يحرّك الفكر، والّذي ينطلق في حياته من خلال الفكر "فاحفظ عنّي ما أقول لك"، يعني أنا أتيت بك إلى هذه الصَّحراء الّتي ليس فيها ضجيج، وكلّ من فيها أموات، لا يصدر عن أيِّ واحدٍ منهم أيّ صوت.. هناك هدوء كامل، ومن الطّبيعيّ أنّ الجوّ كلّما كان أهدأ، كان الإنسان يستوعب التّفكير أكثر.


    أنواع النّاس

    ويكمل حديثه بالقول: "النّاس ثلاثة: فعالمٌ ربّانيّ" .

    النَّوع الأوَّل من النَّاس: عالم ربَّاني .

    هناك العالم الّذي وصل بعلمه إلى معرفة ربِّه، وإلى الإحاطة بعظمته، وإلى الانفتاح على كلِّ صفاته، في أنَّه هو الله وحده الَّذي لا شريك له، وهو المطلق الّذي لا حدَّ لعلمه ولا حدَّ لقدرته ولا حدَّ لقوَّته وعزَّته، وأنَّه الله الّذي أعطى كلَّ نفسٍ هداها، وأنَّه مالك الملك، يعطي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعزُّ من يشاء، ويذلُّ من يشاء، وهو خالق السَّماوات والأرض، وهو رحمن الدّنيا ورحيمها، وهو المهيمن على الأمر كلّه ؛ فعالمٌ ربّاني يعيش مع الله، وينفتح على واقع عظمة الله، وعلى خطوط رحمة الله الّذي سبقت رحمته غضبه.


    ويكمل الحديث عن النّوع الثّاني من النّاس: "ومتعلّمٌ على سبيل نجاة" .

    هناك شخص لا يملك العلم، لكنّه يتعلّم ليحصل من حقائق العلم على نجاة نفسه، فالإنسان كلّما ازداد علماً، ازداد معرفةً بنفسه ومعرفةً بربّه وخشيةً منه وإحساساً بالمسؤوليّة في عمله، ولذلك قال الله: } إنما يخشى اللهَ مِنْ عبادِهِ العلماءُ{ . فالّذين يخافون الله هم العالمون الّذين يملكون العلم الّذي يدلّهم على الله سبحانه وتعالى ، يعني الّذي يتعلّم من أجل أن ينجو بنفسه، ومن أجل أن يحسن عاقبته، ليفد إلى الله سبحانه وتعالى وهو في خطّ النّجاة، لأنّه قد تاب من ذنوبه وعمل صالحاً } إنّ الله لا يضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى{ ، وهكذا: } والعصر* إنّ الإنسان لفي خسر* إلا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وتواصوا بالحقّ و تواصوا بالصّبر{.


    القسم الثّالث من النّاس: "وهمجٌ رعاع"

    يعني النّاس الهمج الّذين لا علم لهم ولا فكر ولا وعي، عقولهم فارغة، وقلوبهم لا تملك في نبضاتها أيّ إحساسٍ بالخير، ورعاع يعني لم يتعلّموا ولم يفكّروا ولم يتدبّروا. ثم يصفهم الإمام فيقول: "أتباع كلِّ ناعقٍ"، والنّعيق إنّما هو للحمار، فيتبعون كلَّ من ينعق كما ينعق الحمار، ونحن بتعبيرنا نقول: "كلّ من يدقّ الطّبل يذهبون إليه". جرّبوا أن يأتي أحد خارج المسجد ويدقّ الطّبل، أيبقى أحد في المسجد إلا القليل؟ لأنّنا متعوّدون عندما يدقّ الطّبل، أن نندفع كلّنا له من دون أن نعرف ما المناسبة وما القضيّة ولماذا يدقّ الطّبل؟ يعني عقولنا في آذاننا، من دون مضمون.


    "يميلون مع كلّ ريح"، يعني إن أتت الرّيح شرقيّةً صاروا شرقيّين، وإن أتت غربيّةً صاروا غربيّين، كما بعض النّاس ينتقلون من زعيم إلى زعيم، لأنّ هذا يُعطي أكثر، وذاك يملك شعبيّةً أكثر. من هو هذا الزّعيم؟ وما فكره؟ وما مبادئه؟ غير مهمّ! بل المهمّ أنّه يعطينا، وهذا ما يُعرف في الانتخابات، فقد كتبت الصّحيفة الأميركيّة "نيويورك تايمز": "أنّ الانتخابات اللّبنانيّة هي أغلى انتخابات في العالم، لأنّ بعض الدّول العربيّة دفعت مئات الملايين من الدّولارات من جهة تمويل هذه الانتخابات"، فيصبح سوق مزاد، واحداً يعطونه 100 دولار، وآخر 200 دولار، وآخر 2000 دولار وآخر 3000 دولار، وحتى إنّهم يقولون للبعض: لا تصوّت واجلس في بيتك فقط. ثم تسأل بعض المنتخبين: لماذا انتخبت هذا؟ يقول أعطاني نقوداً. وتسأله: هل هذا رجل جيّد يخدم الوطن أو لا؟ فيجيب أنّه لا يعرف، المهمّ أنّه قبض نقوداً.


    الإتّباع الأعمى

    هؤلاء النّاس هم الّذين يميلون مع كلِّ ريح، فلا يحرِّكون عقولهم ولا مسؤوليَّتهم "لم يستضيئوا بنور الحقّ"، يعني لم يشرق الحقّ في قلوبهم وعقولهم ليعرِّفهم مسؤوليّتهم، وليجعلهم يخافون الله عندما يتكلّمون وعندما يصوّتون لهذا أو ذاك.

    أنا أسألكم، عندما تحدُث المهرجانات، هناك أناسٌ يصفِّقون وأناس يصلّون على النبيّ وهناك أناس يهتفون، كم في المائة من هؤلاء يفهمون ما القصَّة؟ يعني عندما تكون القضيَّة فلسطينيّة، ماذا يفهمون من القضيَّة الفلسطينيَّة؟ وعندما تكون القضيَّة وطنيّة، ماذا يفهمون من القضيّة الوطنيَّة؟ فلان يتكلَّم ونحن نهتف ونصفِّق! ماذا وراء هذا الكلام وما هي نتيجته؟ ما هي امتداداته؟ في المائة كم عدد الّذين يسألون؟ هل لديهم ثقافة سياسيَّة؟ هؤلاء أتباع الزّعماء، يقال إنّ أحد الزّعماء الإقطاعيِّين، كما كانوا يسمّونهم سابقاً، كان يقول لابنه: أنا تركت لك 10 آلاف رأس من الغنم! هؤلاء الّذين يرفعون أصابعهم في الانتخابات وفي داخل المجلس، والّذي تشتري صوته سيبيع صوته للّذي يعطيه أكثر. هؤلاء الّذين يتكلّم الإمام عنهم "لم يستضيئوا بنور العلم"، يعني لم ينطلقوا من إشراقة الحقّ في حياتهم وفي عقولهم، ليميّزوا بين الحقّ والباطل، وليتحرّكوا من خلال مسؤوليّاتهم. فهم لا يميّزون ذلك، لأنّ عقولهم مغلقة، والنّقود دورها أهمّ من دور العقل لديهم.


    فالّذين حاربوا الإمام الحسين(ع)، كانوا يقولون إنّهم يحبّون الحسين، ولما سأل الإمام الحسين(ع) الشّاعر الفرزدق، بعد أن جاء من الكوفة: كيف هو حال النّاس في الكوفة؟ قال: "قلوبهم معك وسيوفهم عليك"، لأنّ سيوفهم في خدمة أموالهم. بعض النّاس يقاتل مع هذا الزّعيم أو ذاك الزّعيم ليقبض الثّمن، فيصبحون رجال فلان، يعني رجال الشّيطان، ماذا تقول لله غداً؟

    "ولم يلجؤوا إلى ركنٍ وثيق"، يعني لم يعتمدوا على شيءٍ قويّ يسندون إليه ظهورهم وحياتهم. فليفكِّر الإنسان من أيِّ جهة كان: نحن نتعلَّم على سبيل نجاة أو أنّنا همج رعاع؟ عندما تريد أن تمشي وراء شخصٍ، يجب أن تفهم، هل تحاول أن تخدم أهواءه وأطماعه، أو أنّك تخدم الله؟ لأنّ الله سيسألك على أيّ أساسٍ أيّدت فلاناً، وعلى أيّ أساسٍ حاربت فلاناً، وعلى أيّ أساسٍ صفّقت لفلان وصوّتّ لفلان، {يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون * إلّا من أتى الله بقلب سليم}.



    ألقيت في 26 رمضان 1430


    للإستماع الى المحاضرة

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    6,631

    Lightbulb

    محاضرات رمضانية / موقف الإمام عليّ(ع) من السلطة والخلافة








    محاضرة رمضانيّة لسماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله، يتناول فيها موقف أمير المؤمنين(ع) من مسألة السلطة والخلافة والولاية، متناولاً محطات من سيرته ومواقفه في مواجهة الواقع الفاسد...


    التفاصيل

    إستماع



    بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد وعلى آله الطيّبين وأصحابه المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.



    ظروف تأجيل الحرب

    كيف كانت نظرة الإمام عليّ(ع) إلى مسألة السّلطة والخلافة والولاية؟ هل هي نظرة الإنسان إلى طموحاته الشّخصيّة الّتي يطمح فيها إلى أن يحصل على أعلى الدَّرجات، وأن يحكم النّاس، ويتزعّمهم، ويملك من خلال هذه السّلطة المال الكثير؟ هل كان عليّ كبقيّة النّاس، أم كان فوق السّلطة، وفوق الحكومة، وفوق السّيطرة على النّاس؟


    لقد كان(ع) الإنسان الرّساليّ الّذي كانت الرّسالة همّه في زمن النبيّ(ص)، فكان يعرّض نفسه للأخطار من أجل نصرة الإسلام، ويُروى عنه أنّه في أكثر من موقف، كانت كلمته: "لا أبالي أوقعت على الموت أو وقع الموت عليّ"، حتَّى إنّه كان ـ بعد النبيّ(ص) ـ عندما يدفع النَّاس إلى الحرب، لم تكن الحرب غايته، بل وسيلةً من وسائل الضَّغط الّذي يجتذب النّاس إلى التّفكير فيما طرحه عليهم من أمر الرّسالة، ومن السير في الخطّ المستقيم.

    ويُروى أنّه عندما سار إلى حرب معاوية في صفّين، وتقابل الجيشان، جيش عليّ(ع) وجيش معاوية، وكان جيش عليّ(ع) يستعجل الحرب، ويحبّ أن يبدأها ويستعجل الهجوم، ولكن عليّاً(ع) كان يؤخّر الإذن بالحرب من يومٍ إلى يوم. فتهامس أصحاب عليّ(ع): لماذا يتأخّر عليّ وهو المحارب، والّذي خاض الغمرات، والّذي يملك القيادة في حروب النبيّ(ص)؟!! وكان بعضهم يحدِّث بعضاً: "لماذا يتأخَّر عليّ في الإذن بالحرب لنا؟!! أكان ذلك كراهية الموت؟!! وكأنّهم كانوا يقولون إنَّ عليّ بن أبي طالب أصبح في الستِّين، والشَّخص عندما يكبر يكره الموت ويخافه ويحبّ الحياة أكثر، عادةً هكذا هو الأمر، ويمكن أنَّ عليّاً بعد هذا العمر الطّويل يخاف أن يقتل، فهل هذا التأخّر كراهية للموت، أم شكّ في أهل الشّام؟ لأنّه كان يرى في البداية أنّ أهل الشّام معتدون، لأنّهم يدعمون معاوية في خلافته غير الشّرعيَّة، ولأنَّ الخلافة الشّرعيّة كانت لعليّ(ع)، ولأنَّ معاوية كان غاصباً للخلافة ومتمرِّداً... هكذا كانوا يتساءلون. وسمع عليّ ذلك، والإمام عليّ(ع) عادةً كان صريحاً مع أصحابه، ويحاول دائماً أن يمنحهم الوعي، وإذا رأى منهم بعض الملاحظات عليه، كان يبادر للإيضاح لهم، فوقف فيهم خطيباً وقال: " أمَّا قولكم إنَّ ذلك كراهية للموت، فوالله ما أبالي أدخلت إلى الموت أم خرج الموت إليّ".


    هذا هو عليّ الّذي يخوض الغمرات، كان يدخل إلى الموت عندما يدخل الحرب، ويواجه الموت عندما يهجم النّاس عليه، "وأمَّا قولكم إنَّ ذلك كان شكّاً في أهل الشَّام"، يعني أنا تأخَّرت لأنّني كنت أشكُّ في أهل الشَّام، هل هم على حقّ أم على باطل؟ لا، أنا لست شخصاً يحبُّ الحرب أو يحبّ أن يقتل النّاس، "والله ما دفعت الحرب يوماً إلا وأنا أرجو أن تهتدي بي فئة، فتعشو إلى ضوئي"، ، يقول إنّ الحرب عندي هي وسيلة ضغط - عندما أحارب بعض النّاس المتمرِّدين- لأنَّ اشتداد الضَّغط يدفعهم إلى التّفكير في الحقّ الّذي أمثّله، فيأتونني، ويتركون الأشخاص الّذين يدعونهم إلى الضَّلال، "وذلك أحبّ إليّ من أن أقاتلها على ظلمها وإن كانت تبوء بآثامها"، أي أنّ الإمام عليّ(ع) ليس شخصاً يطلب السّلطة لنفسه، وهذا ما عبَّر عنه(ع) في مناجاته لله، وهو يخطب في النَّاس كما في نهج البلاغة: "اللّهمّ إنّه لم يكن الّذي كان منّا منافسةً في سلطان"، أي أنّ دخولنا في الصّراع مع كلّ هؤلاء من النّاكثين والقاسطين والمارقين، لم يكن سببه أنّني أريد أن أنافسهم في السّلطان ليكون لنا السّلطان بديلاً منهم. لا، أنا لست شخصاً يحب السّلطة، وليس لديّ مشكلة في موضوع السّلطة، أنا شخص رساليّ، "ولا التماس شيءٍ من فضول الحطام"، ولا أنّي أدخل في الصِّراع حتَّى أتغلَّب عليهم لأحصل على المال أو الثّروة، لأنَّ عليّ بن أبي طالب لا يهتمّ بالدّنيا، كما كان يقول: "ولألفيتم دنياكم هذه أهون عندي من عفطة عنـز"، الإمام لا تهمّه الدّنيا، "يا دنيا غرّي غيري، قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة لي بعدها أبداً"، فكما يطلّق الشَّخص زوجته ثلاث مرَّات، فلا يمكنه الرّجوع إليها بعد ذلك، هكذا يقول الإمام للدّنيا، طلّقتك ثلاثاً لا رجعة بعدها،"فعيشك قصير، وخطرك كبير".


    سبب الحرب: إظهار الإصلاح

    " اللّهمّ إنّه لم يكن الّذي كان منّا منافسةً في سلطان، ولا التماس شيءٍ من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك"، حتّى نوضح معالم الدِّين، ونصل إلى الخطوط الواضحة والأصول الأساسيَّة له، لأنَّ هؤلاء القوم قد انحرفوا عن الدّين، وضلَّلوا النَّاس، ونريد أن نرجع النَّاس إلى معالم الدّين، "ونظهر الإصلاح في بلادك"، نحن إصلاحيّون، نريد أن نظهر الإصلاح، لأنَّه {ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي النّاس}، ونحن نريد أن نغيِّر الواقع، من واقعٍ فاسدٍ إلى واقعٍ صالح، "فيأمن المظلومون من عبادك"، لأنَّ هناك أناساً مظلومين، ونحن نريد أن نظهر الإصلاح في بلادك، "وتقام المعطَّلة من حدودك"، نطبِّق القانون الإسلاميّ في معاقبة المجرمين، حتَّى تصبح الدَّولة الإسلاميَّة دولةً يأمن فيها المظلومون حتَّى لا يظلمهم أحد. ثم قال: "اللّهمّ إنّي أوَّل من سمع وأجاب"، أنا أوَّل واحدٍ سمع دعوة النّبيّ وأجاب الدَّعوة، لأنّي كنت أوَّل مسلمٍ أسلم علي يدي رسول الله(ص)، "لم يسبقني بالصّلاة إلا رسول الله"، لأنّي عشت مع رسول الله في إخلاصي لله، وفي معرفتي بالله، ولذلك كانت صلاتي منفتحةً على ذلك.


    سيرة أمير المؤمنين(ع)

    ولذلك أيُّها الأحبَّة، نقرأ في سيرة الإمام(ع)، أنَّه مرَّةً انحلَّ شسع نعله، وكان خليفةً في ذلك الوقت، فلم يطلب من أحدٍ إصلاحها، هو بدأ بنفسه يخسف شسع نعله ويصلحها، وكان إلى جانبه عبد الله بن عبَّاس ابن عمِّه، فاستغرب من أن يصلح أمير المؤمنين نعله بنفسه ولا يعطيها لأحدٍ ليصلحها، قال له: "يا بن عبَّاس، أترى إلى هذه النَّعل؟ إنَّها أعظم من إمرتكم هذه، إلا أن أقيم حقّاً أو أدفع باطلاً"، هذه النَّعل تنفعني، تحميني في البرد من البرد، وفي الحرِّ من الحرّ، هذه تنفعني، وماذا تنفعني إمرتكم؟ نعم، قد تنفعني لأن أقيم الحقّ عندما يصبح لديَّ سلطان، أو أدفع الباطل، لأنَّ الأساس لديَّ هو الحقّ. وهذا ما أكَّده رسول الله: "عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ، يدور معه حيثما دار"، أي لا فاصل بين الحقّ وعليّ، لذلك النَّاس الّتي تعمل "السَّبعة وذمّتها"، وتقول أنا أوالي عليّ بن أبي طالب، هذا لا مكان له جنب عليّ بن أبي طالب، لأن لا مكان للباطل جنب عليّ. يقول النبيّ(ص): "علي مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيثما دار"، وهو يقول: "ما ترك لي الحقُّ من صديق". انظروا أمانة الإمام عليّ(ع) في مسألة المال :"قل لو أعطيت الأقاليم السَّبع، بما تحت أفلاكها، على أن أعصي الله في نملةٍ أسلبها جلب شعيرة، ما فعلت"، "ما لِعليٍّ وقترةٍ تفنى ونعيمٍ لا يبقى؟".


    يقولون لنا: لماذا تحبّون عليّ بن أبي طالب ولِمَ تقدّمونه؟ نحن لا نستطيع إلا أن نحبّه، وإلا أن نواليه، وإلا أن ننحني أمام فكره، وأمام علمه، وأمام شجاعته. وصدق ذلك الشّاعر المسيحيّ الّذي انفتح على عليّ(ع) فقال:
    يا سماء اشهدي ويا أرض قرِّي واخشعي إنَّني ذكرْت عليّاً



    والحمد لله ربّ العالمين.


    ألقيت في 28 رمضان1430

    للإستماع الى المحاضرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني