كلام الليل يمحوه النهارُ


بينا محمد بن زبيدة الأمين يطوف في قصر له، إذ مرّ بجارية له سكرى، وعليها كساء خز تسحب أذياله، فراودها عن نفسها،
فقالت: يا أمير المؤمنين، أنا على حال ما ترى، ولكن إذا كان من غد إن شاء الله.
فلما كان من الغد مضى إليها،
فقال لها: الوعد.
فقالت له: يا أمير المؤمنين: أما علمت أن كلام الليل يمحوه النهار؟

فضحك، وخرج إلى مجلسه،
فقال: من بالباب من شعراء الكوفة؟
فقيل له: مصعب والرقاشي وأبو نواس.
فأمر بهم فأدخلوا عليه، فلما جلسوا بين يديه
قال: ليقل كل واحد منكم شعراً يكون آخره: كلام الليل يمحوه النهار

فأنشأ الرقاشي يقول:
متى تصحو وقلبك مستطار ** وقد منع القرار فلا قرار
وقد تركتك صباً مستهـاماً ** فتـاة لا تزور ولا تـزار
إذا استنجزت منها الوعد قالت ** كلام الليل يمحوه النهار



وقال مصعب:
أتعذلني وقلبك مستـطـار ** كئيب لا يقر له قرار
بحب مليحة صادت فؤادي ** بألحاظ يخالطها احورار
ولما أن مددت يدي إليهـا ** لألمسها بدا منها نفار
فقلت لها عديني منك وعداً ** فقالت في غد منك المزار
فلما جئت مقتضياً أجابت ** كلام الليل يمحوه النهار



وقال أبو نواس:
وخود أقبلت في القصر سكرى ** وزين ذلك السكر الوقار
وهز المشي أردافـاً ثقالاً ** وغصنا فيه رمان صغار
وقد سقط الردا عن منكبـيها ** من التجميش وانحل الإزار
فقلت: الوعد سيدتي فقالت: ** كلام الليل يمحوه النهار


فقال له: أخزاك الله، أكنت معنا ومطلعاً علينا؟
فقال: يا أمير المؤمنين عرفت ما في نفسك فأعربت عما في ضميرك.
فأمر له بأربعة آلاف درهم، ولصاحبيه بمثلها.


المصدر: كتاب نوادر أبو نواس

وقال مضر الغالبي:
وغادية بدا منها الوقار ** لها حسن له في القلب نار
فحانت ساعة منها وأبدت ** محاسن وجهها والناس حاروا
وسكْرُ المرء قد يبدي خفياً ** فبان الخصر والشعر الضفار
فجئت لها وقد غارت نجوم ** فقالت في غد يُرخى الستار
فلما أنْ أبان الصبح قالت: ** كلام الليل يمحوه النهار