كلّ من يسيء إلى زوجات النبيّ(ص) يسيء إلى النبيّ والقرآن والشّيعة قبل السنَّة:
السيّد علي فضل الله يدعو مراجع الشّيعة إلى التصدّي للأصوات النّشاز السّاعية لإثارة الفتنة بين المسلمين


رأى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ان من يسيء الى احدى زوجات النبي ص يسيء الى القران الكريم ويسيء الى الرسول الاكرم ص مشيرا الى فتوى سماحة المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله في حرمة سبّ الصّحابة أو الإساءة إلى أمَّهات المؤمنين تحت أيّ اعتبارٍ من الاعتبارات ، مؤكِّداً هذا الموقف الشَّرعيّ الّذي ينبغي أن يلتزم الجميع به.
وحذَّر من انخراط البعض في لعبة إثارة الفتنة في المواقع العربيَّة والإسلاميَّة، من خلال الإساءة إلى الصّحابة وزوجات النبيّ(ص)، مشدّداً على أنّ هؤلاء يسيئون إلى الشّيعة والسنّة معاً، داعياً المرجعيّات الإسلاميّة الشيعيّة إلى التصدّي لهؤلاء، وقطع الطّريق عليهم، حرصاً على وحدة المسلمين، وعدم السماح لأعداء الأمّة بتحقيق أهدافهم وإثارة فتن داخليّة هنا وهناك.
جاء ذلك في حوارٍ صحافيّ مع سماحته، سئل في بدايته عن السّبب في عودة بعض الأصوات ـ كما يحدث الآن في الكويت ـ التي تسيء إلى وحدة المسلمين بحديثها السلبي عن الصّحابة وأمّهات المؤمنين، إلى الظّهور، فأجاب:
نأسف لمثل هذه الأصوات الّتي عادت لتصدر في مرحلةٍ نلمس فيها سعياً حثيثاً لإثارة الانقسامات والفتن، وهناك من يعمل ليكون مساهماً في تهيئة المناخ لذلك، ونشعر بأنّ هؤلاء بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، يعملون على مساعدة من يبشّرون بالفتن في لبنان والعراق وغيرهما، لإفقاد المسلمين وحدتهم وقوَّتهم. ونحن نستحضر في هذه الأجواء الفتوى الّتي أصدرها سماحة المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله، بحرمة سبّ الصّحابة أو أمّهات المؤمنين، فعندما نسيء إلى زوجة الرَّسول، فنحن نسيء إلى الرَّسول وإلى القرآن الكريم أيضاً الّذي تحدَّث عن زوجات الرّسول الكريم بوصفهنّ أمّهات المسلمين، فالتعرّض لإحداهنّ بمثل هذا الكلام المسيء، يعني مخالفةً صريحةً لما جاء في القرآن الكريم عن زوجات النبيّ، فإذا كان هناك بعض الملاحظات على أحداث تاريخيّة، فيجب أن تطرح بشكلٍ علميّ سليم، ويجب أن تخضع للتّقويم التّاريخيّ، وما أصدره سماحة المرجع السيّد فضل الله من حرمة سبّ الصّحابة وأمّهات المؤمنين، هو حكم شرعي نتبنّاه ونعمل به.
الإساءة إلى زوجة الرّسول(ص)، يمثّل إساءةً إلى الرّسول(ص) ومخالفةً صريحةً لما جاء في القرآن الكريم
س: أمام خطورة هذا الأمر، لماذا لا تبادر بقيّة المراجع الشّيعة لاتخاذ مواقف علنيّة كمواقف السيّد الرّاحل فضل الله، تدين مثل هذه التوجّهات؟
ج: كلّ مراجع الشّيعة يحرصون على الوحدة الإسلاميّة ويعملون في هذا الإطار، ونحن نأمل من المراجع الشّيعة الّذين يتحدّثون عن ذلك في الإطار العام، أن يدخلوا أكثر في التفاصيل لتوضيح المواقف أمام الرّأي العام، وذلك لنزع فتيل أيّ فتنة. وهنا يجدر التّاكيد أنّ سماحة السيد فضل الله، في مواجهة ما كان يراه من سعيٍ حثيثٍ للفتنة، لم يكتفِ في الحديث عن ذلك بالإطار العام، إنّما تحدّث أيضاً في التّفاصيل، وأوضح أبعاد هذا الكلام وخطورة مثل هذه المواقف على الواقع الإسلاميّ ووحدته وقوّته، وذلك لنزع كلّ الفتائل الّتي يمكن أن تُستغلّ وتُستعمل من قبل الّذين يريدون إثارة الفتن في الواقع الإسلاميّ، ولذلك هو تحدّث عن الذين يعمدون إلى سبّ الصّحابة وأمّهات المؤمنين بالتّفصيل، فحرّم ذلك، واعتبر بشكلٍ علنيّ وصريحٍ مثل هذا الكلام محرّماً شرعاً. ونحن ندعو ونطلب من المرجعيّات الإسلاميّة الشيعيّة، ومن كلّ الذين يريدون تأكيد الوحدة الإسلاميّة، ومن كلّ الحريصين على وحدة المسلمين، أن يتحرّكوا في إطار حمل المسؤوليّة، لقطع الطّريق على أيّ حديث أو محاولةٍ لإثارة الفتن، وألا يكتفوا بالحديث العام، فلا بدّ من الدخول في التفاصيل والتصدّي لكلّ الأدوات التي تستخدم في إثارة الفتنة، وحماية الوحدة الإسلاميّة، وعدم السّماح لمن يريد سوءاً بالمسلمين ووحدتهم أن يحقّقوا أهدافهم، ولذا فهذه المسؤوليّة تقع على عاتق المرجعيّات الإسلاميّة الشيعيّة، وكلّ الذين يريدون خيراً لهذا العالم العربيّ والإسلاميّ، الّذي يمتلك الكثير من مواقع القوّة التي يريد بعضهم ضربها من خلال إثارة الفتن الدّاخليّة.
ندعو الشّيعة الكويتيّين قبل غيرهم ليكونوا أول من ينبذ أصوات النّشاز المسيئة إلى وحدة المسلمين.
س: بين الحين والآخر، تبرز مثل هذه المواقف ويثار حولها الجدل، فإلى أيّ حدّ تمثّل مثل هذه الأحاديث قبولاً عند الشّيعة؟
ج: لا أعتقد أنّ جمهور الشّيعة هو في مثل هذا التوجّه، بل على العكس، فإنَّ الجمهور الشيعيّ جمهور يسعى ويتصرَّف انطلاقاً من وعيه لحركة الإمام عليّ(ع)، فهو قدوة المسلمين الشّيعة، والجمهور الشّيعيّ يستلهم الكيفيّة التي تحرّك من خلالها الإمام عليّ(ع) مع الخلفاء، وكيف تعامل مع السيّدة عائشة بعد معركة الجمل. فالشيعة عندما ينطلقون من قدوة لهم، عليهم أن يلتزموا مواقفها عندما يقتدون بها، ولا يمكن لهم أن يكونوا إلا كما كان الإمام عليّ(ع) في علاقته مع أصحاب رسول الله والخلفاء الّذين تقدّموه في الخلافة، وفي علاقته مع السيّدة عائشة. ولهذا من يطرح هذه الأمور بهذا الشّكل، لا يمثّل جمهور الشّيعة، ولا يمثّل صورة الإمام عليّ، ولا يمثّل الصّورة الّتي انطلق منها عندما قال: "لأسالمنّ ما سلمت أمور المسلمين". والرّوح الإسلاميّة التي عاشها أهل البيت في كلّ المراحل ومع كلّ الأئمّة، هي روح التّواصل والوحدة، فالإمام الصّادق(ع) كان يقول: "صلّوا فيمساجدهم (ويقصد أهل السنّة)، وعودوا مرضاهم،واشهدواجنائزهم (أي لا تكونوا مجتمعاً منعزلاً)... "كونوا زيناًلنا ولا تكونوا شيناًعلينا".
الأصوات النشاز التي انطلقت لإثارة الفتنة لا تمثل إلا أصحابها وهي تخالف منهج الإمام عليّ(ع) في حفظ الواقع الإسلامي
إذاً علينا ألا نأتي بأي تصرّف يسيء إلى سلامة الواقع الإسلاميّ، والإمام زين العابدين(ع)، له دعاء لأهل الثّغور في وقتٍ كان الجيش جيشاً تابعاً، على مستوى الحكم، لسلطة يزيد الّذي قتل الحسين (ع) وأصحاب الحسين، ورغم ذلك، وقف ليدعو لهذا الجيش، لأنّه رأى أنّ المصلحة الإسلاميّة تقتضي ذلك، فالجيش آنذاك كان يمثّل الصّورة الإسلاميّة العامّة. وهكذا كان الإمام عليّ (ع) من قبله، ناصحاً للخلفاء الّذين تقدّموه، فمثلاً عندما استشاره الخليفة عمر بن الخطّاب في مسألة أن يذهب ليقود هو الجيش في الحرب على الفرس، أشار عليه بعدم الذّهاب وقال: "كن قطباًواستدر الرّحى بالعرب"، فهو كان حريصاً على موقع الخلافة وعلى الخليفة نفسه الّذي رأى أنَّه يمثّل صورة الإسلام. هذه هي حقيقة القدوة الّتي قدّمها أهل البيت، وهي القدوة الّتي يقتدي بها الشّيعة عامّةً.
ولذلك، يجب ألا نُدخل ما قاله هذا الشّخص أو غيره في إطار صراعٍ سنّيّ ـ شيعيّ، فهذا الشّخص لم يُسئْ إلى السنّة، بل أساء إلى الشّيعة أيضاً، وإلى المسلمين جميعاً، وهو بطبيعة الحال، لا يمثّلهم ولا يمثّل إلا نفسه بما قال ونطق.

التاريخ: 6 شوّال 1431 هـ الموافق: 16/09/2010 م