من النجف الى سامراء
هكذا يؤكد المرجع الفقيه قاسم الطائي في منهجه المرجعي الذي يختلف كلياً عن منهج مراجعنا السابقين والحاضرين، وهو قريب المشرب من منهج أستاذه الشهيد في ميدانية حركته وتواصله الدؤوب مع المجتمع العراقي، بكل طوائفه ومكوناته، وقد أخذ على عاتقه وأصبح هاجسه الرئيسي هو لحمة الشعب العراقي، وسد الفجوات النفسية والطائفية التي صنعتها المرحلة الحالية، وفي وقت يعيش العراق صراعاً سياسياً حاداً في تشكيل حكومته التي تأخرت كثيراً، والشعب ينتظر بزوغها، والناس خائفة من مستقبل مجهول قد يرجعها الى أيام السنوات القليلة الماضية التي وقى الله العراقيين شرها وأضرارها.
فقد أخذ على عاتقه مسؤولية إعادة بناء النسيج العراقي وتنقية النفوس مما علق بها من أحداث الطغاة وأوهام أهل الضلال والحرام، وهو دائم الحركة والتنقل بعيداً عن أضواء الإعلام وتكليف الدولة مسؤولية حمايته وتوفير وسائل النقل لحركته، متسلحاً بإيمانه بالله أولاً وبقضية بلاده ثانياً وأنه يعتبرها أول الأولويات التي يتعين على المرجع توليتها اهتمامه، وهكذا أستغل فرصة الزيارة لمناسبة شهادة الإمام الهادي (عليه السلام) ليزور مرقده في سامراء وفي مخيلته أعمال من الضروري القيام بها، وتوجيه أنظار الأمة إليها.
وقد تستغرب حينما تعرف أنه ذهب بسيارته الصغيرة مع سائقه واثنين من حمايته، وبلا سلاح إلا سلاح الإيمان بمنهجه ورهانه على نجاحه في تحقيق ما يرجوه لشعبه وبلده بل ولدينه وحوزته، وسيارة مستأجره فيها عدد من طلبته الأعزاء ، وكانت الجولة قد انطلقت يوم الثلاثاء الموافق (2) رجب 1431 من مدينة الكرار، الساعة الخامسة صباحاً.
ووصلت محطتها الأولى بغداد، حيث قصد بيت والده في حي العامل /بغداد وزيارة والدته وتفقد حالتها الصحية مع بعض أخوته، وأخواته.
ثم قصد محطته الأخرى بعد مكث لم يتجاوز الساعتين في بغداد قاصداً مدينة الجهاد والتضحية "الدجيل العزيزة" وأهلها يرتبطون به بعلاقة حميمة منذ ثمانينات القرن الماضي، حيث تربطه وقائمقامها علاقة جهاد وصداقة ضد الطاغية،ورابطة عمل في سوق الشورجة مطلع التسعينات، وآخرين من أهلها، وقد استقبل في ضيافة القائمقام .. وأستقر به الحال في حسينية الزهراء في مدينة الدجيل حيث أدى صلاة الظهر والعصر إماماً للمصلين، وتناول الغداء مع أهلها، وتناول الأحاديث مع ناسها ومن التقاهم منها.
وكان يقصد تعزيز الثقة ما بين أهلها ونصحهم الاهتمام بشؤونها والمحافظة على ما تحقق لها من مكاسب، وأنفتح لها من حربه، وحث القائمقام على الإسراع في مشاريع العمران والتأكيد على مشاريع مهمة واستيراتيجية كالكهرباء والخدمات، والزراعة.
ثم قصد موكب الكادر التدريسي من أهل الدجيل على الشارع العام، وكانوا على اشتياق كبير لمقابلة الشيخ بعد لقائه بهم في داره –النجف الأشرف- وإعجابهم الشديد بشخصيته وعلمه وثقافته وطرحه، وحججه، وأقواله في حواراته.
ولكن من المؤسف أنه لم يجد منهم إلا قلة لاشتغال المعظم في الرقابة الامتحانية للمدارس.
ثم توجه موكب الشيخ، بعد أن التحق به بعض المحبين والمقلدين من بغداد بعدد من السيارات كان مجموعها 8 سيارات.
توجه الموكب الى بلد لزيارة السيد محمد أبن الإمام علي الهادي (عليه السلام)وقد استقبله بعض مسؤولي الحضرة، ودار حديث شيق مع مسؤولها المهندس (أمين عام الحضرة) وقد عبر الشيخ عن سروره للقاء الأخوة وحثهم على مواصلة الخدمات لزوار المرقد وتقديم أفضل ما يمكن تقديمه، وشجع على الاستمرار في الاعمار، واستثمار مبالغ المرقد لمشاريع إنمائية وخدمية يرصد ريعها للمرقد، وقدم في نهاية الحديث مع المسؤول الأول –الأمين العام- للحضرة، خدماته الهندسية والعلمية وهي تحت خدمة الأخوة المسؤولين، فزادهم ذلك سروراً وانشراحاً.
((الى هنا نشر في هذا العدد .. والبقية في العدد القادم))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبعد أداء مراسيم زيارة المرقد-توجه الركب الى سامراء المقدسة لزيارة الإمامين العسكريين، وكان في استقبال الوفد بعض مسؤولي القوات الأمنية المسؤولة عن المنطقة حيث أوصل الشيخ وموكبه الى قرب الصحن الشريف، وأدى الزيارة والصلاة جماعة في المرقد داخل الرواق-المغرب والعشاء- وبعدها توجه الى أحد مواكب المؤمنين من أهالي النجف الأشرف وكان قد أخبرهم بأنه سيزورهم-إن شاء الله- وقد فعل، وفي الموكب التقى بعض مشايخ سامراء، ودار حديث أخوي موسع تناول ضرورة إعادة لحمة أبناء العراق بعيداً عن التوصيف الطائفي، وإن الضرورة قاضية ولمصلحة الجميع أن يرجع الود الى ما كان عليه، ودعا بعضهم الشيخ لتناول الشاي في داره القريبة من الموكب بمسافة 100م فلبى الشيخ الدعوة وذهب راجلاً مع أصحابه في مشهد استغرب بعض العسكريين منه متسائلين، الى أين؟
وقد رحب أصحاب الدار، وهم من الحسينيين السادة على ما أدعوا، وكانت جلسة للحديث والشعر البدوي أتحفنا به صاحب الدار، وأبنائه وكانوا في غاية السرور من لقائنا، والترحيب بنا.
وعرض الشيخ خدماته لهم فيما يستطيع وبحدود ما هو متمكن منه، وألحوا عليه المبيت عندهم، ولكنه آثر الخروج والرجوع الى الموكب، بعد أن شيعه أهل الدار الى مسافة راجلين.
وبعد الوصول الى موكب-طريق الحق- لأهالي النجف النجباء، وقد استنزف الطريق والحديث والتوقفات الكثير من قوة الشيخ البدنية، وكانت الحاجة الى الراحة، وأخذ قسطاً من النوم.
فتوجه الى أحد الدور القريبة من الموكب، والمرقد، وقد رحبوا به كثيراً أهل الدار وأحد أبناء عمومتهم ممن كان متواجداً هناك، وهم من السادة العباسيين على ما أدعوا، وأخذ الحديث الطيب يدور ما بين الشيخ والمشايخ وقد نبههم على ضرورة إعادة الوضع الأمني الى سابقه، ورجوع التواصل والزيارة الى المرقد باستمرار، لما فيه من خير المدينة أولاً وتنشيط جانبها الاقتصادي، وإعادة موقعها المتميز ثانياً وخلق فرص عمل لأبناءها واستعادة استقبالها لأبناء العراق، وإن مسألة إعادة الأمور بأيديكم يا أهل سامراء، عليكم ضمان الأمن للناس وحماية أرواحهم، وطرد الدخلاء عنكم، وعدم السماح للمغرضين بالدخول معكم.
وتواعد الطرفان على تبادل الزيارات، وبعض الفكاهات من قبل ما قاله أبن عم أهل الدار الشيخ المضيف، أمان يا شيخ-لا تخاف- فأجابه الشيخ الطائي ومن قال لك أننا نخاف، لا نخاف حتى لو ذبحتمونا فضحك الجميع، وقال:( إذا جيناكم لعاد تذبحونا أيضاً) فودع الشيخ ابن عم أهل الدار الشيخ متمنيناً له طيب الإقامة، وقد قام بحراسة الشيخ، أحد الأخوة من أهل الدار فجزاهم الله خيراً.
وعند الصباح من يوم 3/رجب 1431هـ خرج الشيخ قبل الآذان بقليل الى الحضرة المشرفة لأداء فريضة الصبح والزيارة داخل المرقد، بعد أن ودع المضيف وشكره على حسن ضيافته واستقباله وطلب نقل سلامه الى أهالي سامراء.
وبعد أداء الزيارة خرج الشيخ، ولم يكن الوقت ليسمح بالالتقاء بالعاملين هناك والمشرفين على إعادة أعمار المرقد الشريف.
توجه الموكب الى بغداد قاصداً زيارة الكاظمين عليهما السلام، وبعدها توجه الى النجف الأشرف، واصلاً بسلامة في حدود الساعة الحادية عشرة صباحاً.
فكانت جولة ممتعة ومثمرة استغرقت 30 ساعة متواصلة تخللها نوم لأربعة ساعات فقط في أثناء المبيت في سامراء.
والحمد لله على وصوله بسلامة وأدائه الرائع في منهج مرجعي، لم يسبق له سابق وربما لا يلحقه لاحق.
وها هو الشيخ يؤكد دائماً أن المرجع هو من يتعين عليه التواصل مع الناس، لا أن ينتظر تواصلهم إليه، وكأنه صاحب حق له عليهم، بل الحق للطرفين على الطرفين، والسابق بأداء حق الآخر هو الأكرم.
{وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً }