بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد واله الطاهرين

اَللّهُمَّ عَظُمَ بَلائي وَاَفْرَطَ بي سُوءُ حالي، وَقَصُرَتْ (قَصَّرَتْ) بي اَعْمالي وَقَعَدَتْ بي اَغْلالى، وَحَبَسَني عَنْ نَفْعي بُعْدُ اَمَلي (آمالي)، وَخَدَعَتْنِي الدُّنْيا بِغُرُورِها، وَنَفْسي بِجِنايَتِها (بِخِيانَتِها) وَمِطالي يا سَيِّدي فَأَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ اَنْ لا يَحْجُبَ عَنْكَ دُعائي سُوءُ عَمَلي وَفِعالي، وَلا تَفْضَحْني بِخَفِي مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنْ سِرّى، وَلا تُعاجِلْني بِالْعُقُوبَةِ عَلى ما عَمِلْتُهُ في خَلَواتي مِنْ سُوءِ فِعْلي وَإساءَتي وَدَوامِ تَفْريطي وَجَهالَتي وَكَثْرَةِ شَهَواتي وَغَفْلَتي، وَكُنِ اللّهُمَّ بِعِزَّتِكَ لي في كُلِّ الاَْحْوالِ (فِي الاَْحْوالِ كُلِّها) رَؤوفاً وَعَلَي في جَميعِ الاُْمُورِ عَطُوفاً اِلـهي وَرَبّي مَنْ لي غَيْرُكَ أَسْأَلُهُ كَشْفَ ضُرّي وَالنَّظَرَ في اَمْري

كثيرة هي الدروس التي نستطيع ان نستفيدها من قصص الأنبياء في القران الكريم وفي مختلف الأصعدة والمجالات خصوصا اذا علمنا ان الله تعالى اهتم بها وجعلها أحسن القصص {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ {يوسف/3} وقد سمى الله تعالى في كتابه العزيز سورة كملة باسم سورة القصص وقد أمر نبيه محمد (صلى الله عليه واله ) في استخدام القصص النافعة وسيلة لتربية الأمة وتطوير مستواها الفكري فقد قال تعالى " فاقصص القصص لعلهم يتفكرون " ونريد ان نسلط الضوء على جوانب مهمة ذكرت في قصة نبي الله نوح (ع) وبالخصوص ما ذكره القران في سورة نوح(ع) . فان هذه السورة الجليلة هي السورة (71) حسب التسلسل القرآني وعدد آياتها (28) أية وقد ورد في فضل هذه السورة العديد من الروايات بالإضافة الى فضل القران اجمعه وسورة نوح جزء منه وورد فيها خصوصا الكثير من الأحاديث عن المعصومين(ع) منها ما روي عن الإمام الصادق (ع) : (( من كان يؤمن بالله ويقرا كتابه لا يدع قراءة سورة " انا أرسلنا نوحا الى قومه " فاي عبد قرأها محتسبا صابرا في فريضته او نافلته اسكنه الله تعالى مساكن الأبرار )) . و نريد ان نستفيد عدة نقاط من هذه السورة المباركة ضمن إطارين الأول الجانب الاجتماعي وحركة المؤمن الرسالي في داخل المجتمع للدعوة الى الله تعالى والثاني أخلاقيات العمل الإسلامي في استهداف الهداية والصلاح انطلاقا من روح المسؤولية بواقع الأمة ومستقبلها . والإشارات القرآنية النافعة في هذه السورة كثيرة جداً في الا اننا نشير الى بعضها و كما يلي:

أولا: ان الهدف الأسمى للمؤمن في عمله الاجتماعي هو تركيز عبادة الله تعالى والتوجيه الحقيقي والمتواصل إليها فقد قال تعالى في هذه السورة على لسان نوح " قال يا قوم اني لكم نذير مبين * ان اعبدوا الله واتقوه واطيعون " .

ثانيا: ان المؤمن صاحب الرسالة والذي يحمل قضيه عادلة لا يقدم شكواه من الصعوبات التي يواجهها داخل المجتمع الا إلى الله تعالى وهنا نذّكر الإخوة ان كثير منا حينما يواجه أي صعوبة في عمله في خدمة الدين والمذهب فانه يبدأ بالشكوى والتذمر وهذا ينبغي ان يترك والموجود الوحيد الذي يستحق ان نشكو إليه همومنا الاجتماعية وغيرها هو الله تعالى فقد قال تعالى في هذه السورة على لسان نوح " قال رب اني دعوت قومي ليلا ونهارا * فلم يزدهم دعائي الا فرارا "

ثالثا: ان المؤمن الرسالي يستخدم كل الأساليب والطرق الممكنة للوصول بالمجتمع الى الهداية والصلاح ولذلك نجد ان السورة تشير الى ان نبي الله نوح حاول معهم بكافة الوسائل ولم يمنعه إعراضهم وإنكارهم عن ذلك فان صاحب القضية لا يتراجع بسبب موقف أهل الضلال وهذا من الدروس التي رأيناها في مشروع السيد الشهيد الصدر فانه رغم إعراض الكثيرين وصدهم له ووضعهم للعقبات أمامه بقى مصرا ثابتا على طريقه حتى حقق الله على يديه فتحا إلهيا كبيرا للان تعيش الأمة ثماره وأنت اذا قرأت السورة تلاحظ هذا المعنى فقد قال تعالى " قال رب اني دعوت قومي ليلا ونهارا " وقال تعالى " ثم اني دعوتهم جهارا * ثم اني أعلنت لهم وأسررت لهم أسرارا "

رابعا: ان المؤمن الرسالي يعتمد في إرشاد الناس الى بيان النتائج الكبيرة التي تترتب على الالتزام بالأوامر الربانية وهذه النتائج في الدنيا والآخرة بطبيعة الحال . هنا نجد نبي الله نوح يؤكد على الآثار المترتبة على الاستغفار فقد قال تعالى " فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا " . إذن علينا ان نفهم هذه الحقيقة الثمينة فنحن عندما نريد ان ندعو الناس للطاعة والالتزام علينا ان نبين لهم الآثار الايجابية التي تترتب على ذلك وان نؤكد ان السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة انما تكون في السير على السنن الإلهية وان الأنظمة البشرية مهما تقدمت وحققت نجاحا هنا وهناك فإنها غير قادرة ان توفر للبشرية المقدار الأعلى والكافي من السعادة والحياة الكريمة .

خامسا: من أساليب الهداية والإرشاد التي على المؤمن الرسالي ان يتخذها في هداية الأمة أسلوب الإشارة الى الإتقان والحكمة الإلهية في خلق الكون على مستوى خلق السماء والإبداع الإلهي في نظامها فقد قال تعالى على لسان نوح وهو يذّكر قومه بذلك " الم ترو كيف خلق الله سبع سماوات طباقا * وجعل القمر فيهن نورا والشمس سراجا " ثم تذكير الإنسان بأصل وجوده من الأرض وخروجه منها بعد الموت وكيف ان الله تعالى خلق الكرة الأرضية مؤاتية للحياة البشرية قال تعالى في السورة " والله جعل لكم الأرض بساطا * لتسلكوا منها سبلا فجاجا " ان الحديث الواعي الذي ينطلق من حقائق علمية رصينة هو الأسلوب الأمثل في إقناع المجتمع . فعلى جميع العاملين لنشر الدين والمذهب ان يعتمدوا أسلوب نوح (ع) في الحوار الصريح المبني على الحقائق العلمية التي لا يرقى إليها الشك وليس صحيحا ان نؤسس نشاطنا الرسالي على شعارات فارغة لا تحتوي مضمونا علميا حقيقيا مقنعا للجماهير .

سادسا: نوح هنا يكشف لنا عن حقيقة مرة وعن مرض اجتماعي خطير من حيث ان الأمة المنحرفة والأمة الجبانة هي التي تترك قيادة الأنبياء والأئمة الصالحين وتسير خلف المترفين والأقوياء . كما أكد السيد الولي ان الغرب يسيطر على وجه الكره الأرضية بالمال والسلاح فتنبه معي لتعبير القران على لسان نوح : " قال رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده الا خسارا " إذن قوم نوح تركوا القيادة الصالحة كما قال " رب إنهم عصوني " واتبعوا القيادة الفاسدة الدنيوية " واتبعوا من لم يزده ماله وولده الا خسارا " إذن الأمة التي تسير خلف المترفين والأقوياء هي امة تصطدم مع القيادة الإلهية وبالتالي تؤسس حضارتها وكيانها على الظلم والعدوان والعناد الفكري والفساد الأخلاقي كما نراه اليوم في حضارات العالم.

سابعا: الأمة المنحرفة والمجتمع الفاسد بطبيعة الحال يتمسك بعناوين الضلال وبرموز الانحراف فقد قال تعالى عنهم " وقالوا لا تذرن إلهتكم و لاتذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا " هذه أسماء إلهتهم آنذاك وألان المجتمع الفاسد يتمسك بعناوين من نوع أخر فكثير من النساء عنوانهن ومثالهن في الحياة هي الراقصة الفلانية والمغنية الفلانية وعارضة الأزياء الفلانية وكذلك الرجال مثلهم الأعلى اللاعب الفلاني والفنان او المغني الفلاني . الذين نقلدهم بالكلام والملابس والشكل . هذا مرض اجتماعي خطير عانى منه نوح ونعاني منه الان . ولكن نحن من سيكون الأجدر كرمز لنا؟ لا نقبل برمز لنا الا محمد وعلي والأئمة والصدرين والسيد القائد المقتدى . ونسائنا لا يقبلن برمز الا فاطمة الزهراء وزينب وبنت الهدى .

ثامنا: ان النتيجة الحقيقية لانحراف المجتمع هي الدمار فقد قال تعالى في هذه السورة " مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا " هذا مع قوم نوح – اما الآن فالحروب والأزمات الاقتصادية والأمراض العالمية وغيرها كما نرى وترون .
ثامنا: المجتمع الذي يستحق الدمار والانهيار وبحسب منطوق هذه السورة قد وصل الى نقطتين خطيرتين
1- انه أصبح مصدر لإفساد المجتمعات الأخرى " انك ان تذرهم يضلوا عبادك " وهذا نلاحظه في كثير من المجتمعات التي سيطر عليها الانحراف فبدأت بتصديره لباقي الأمم كما في أوربا .
2- ان عامل الوراثة قد احكم قبضته بحيث انه من الصعب او المستحيل ان الجيل اللاحق سيكون أفضل حالاً من الجيل السابق . " ولا يلدوا الا فاجرا كفارا " فالوراثة والتربية – كما يقول علماء النفس –وصلت بهم الى اتجاه لا أمل فيه لتوقع الخير إطلاقا .

تاسعا: ان المؤمن الواعي لابد ان يهتم في أي إصلاح يقوم به بدائرتين مهمتين:
اولا: الأسرة فقد قال تعالى على لسان نوح " رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا "
ثانيا: الجماعة المؤمنة : فقد أكملت الآية السابقة " والمؤمنين والمؤمنات "

ونوح أيها الإخوة صورة صادقة عن جميع المؤمنين الرسالين عبر التاريخ الذين يحملون قضية الهداية والإصلاح لباقي الناس وتوجد العديد من الالتفاتات الجليلة في هذه السورة نتركها طلبا للاختصار ونوكل للقارئ ان يقرأها جيدا ويستخرج منها وقفات أخرى
والله المستعان .


ابو فاطمة العذاري