بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين ....
يكفي محمد الصدر فخرا ان يكون تلميذا مخلصا في مدرسة جعفر الصادق ( ع )
ويكفينا فخرا ان نكون خدم في مدرسة محمد الصدر ( قدس سره ) ....
نعيش هذه الأيام ذكرى مناسبتين مهمتين في تاريخنا الإسلامي فقد مرت قبل أيام ذكرى شهادة الإمام جعفر الصادق ( ع ) .
وسنعيش بعد أيام ذكرى شهادة السيد الشهيد محمد الصدر ( قدس سره )
واللطيف ان ذكرى ولادة هذين الشخصين العظيمين أيضا مقارنة فكلاهما ولد في ذكرى واحدة وهي أيضا ذكرى ولادة النبي الأعظم ( ص ) في السابع عشر من ربيع .
أن حياة العظماء تزخر بالمواقف و الإمام جعفر أبن محمد الصادق (ع) واحدا من اكبر العظماء الذي أثرى الساحة العلمية والجهادية بالكثير من المعارف والعلوم، والصدر العظيم كان صاحب أضخم مدرسة دينية خرَّجت الآلاف المؤمنين والمجاهدين في عصر تكالبت فيه قوى الاستكبار ويعاضدها الجهل والاستعباد.
المدرسة العلمية للإمام الصادق عليه السلام تركز على البرهان الساطع و الأساس الراسخ في مجال البحث العلمي أو حتى الإنساني.
ومحمد الصدر هو أحد أعلام المدرسة الجعفرية، وسعى الى ان ينشر علوم أهل البيت عامة وخاصة علوم الإمام الصادق(ع) تلك الكنوز والاستفادة منها، عبر ظهور تلك العلوم
ولا نبالغ إذا قلنا أن ما عند الصدر الشهيد من علوم يرجع الفضل بها إلى الإمام الصادق (ع) لأنه المنبع الأصيل لجميع العلوم والثقافات والذي تغذت منه مختلف الخطوط والاتجاهات.
هنا نريد ان نقف عند بعض الجوانب التي اشتهر بها الإمام الصادق ( ع ) وسار على هداه فيها السيد الشهيد الصدر وهي كثيرة ولكن منها باختصار :
أولا : الموسوعية في المعرفة والعلم
الإمام جعفر الصادق (ع) رائد البحث العلمي ومؤسس اكبر المدارس الفكرية في الإسلام حيث اشتهر الإمام الصادق ( عليه السلام ) بين عموم المسلمين بالثقافة الموسوعية في شتى العلوم .
فالصادق ( ع ) لم يكن عالما في العلم الشرعي فقط بل كان عالما عارفا في كافة حقول العلوم الإسلامية بل ان الصادق ( ع ) كان عالما في كافة مجالات الحياة غير الدينية فمثلا برع في الطب والفيزياء والفلك وغيرها حتى ان مؤسس علم الكيمياء جابر بن حيان كان تلميذا عند الصادق ( ع ) وهو الأكثر شهرة في مجال الكيمياء والعلوم الطبيعية فقد دوّن ألف ورقة وخمسمائة رسالة من تقريرات الإمام في علمي الكيمياء والطب .
ثم ان الصادق (ع) كان على معرفة بالطب، وقد خصص فيما ألقاه على المفضل بن عمر الجعفي فصلاً تحدث فيه عن الطبائع وفوائد الأدوية ووظائف الأعضاء.

وهنا سار محمد الصدر على خطى الإمام الصادق ( ع ) ففي العلم الديني كان محمد الصدر مرجعا كبيرا فاق غيره من العلماء وخاض كافة الحقول الإسلامية الأخرى كالعقائد والتفسير والتاريخ والأخلاق وله في كل حقل مؤلف مهم يعتبر في صدارة الكتب في المكتبة الإسلامية .
بل حتى العلوم الغير دينية كان للسيد محمد الصدر باعا بها ويكفينا هنا كتابه ما وراء الفقه الذي يعتبر من نوادر المكتبة الإسلامية على الإطلاق .
ثانيا :
تَتَلمذ على يد الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، العديد من العلماء ، والفقهاء ، وزعماء المذاهب قد انتسبوا إلى مدرسته ( عليه السلام ) منهم ابو حنيفة فكل الباحثين حتى غير الشيعة يؤكدون انه (ع) كان مَرجِعَ الأمَّة وهم معترفون بالفضل لهذا المُعلِّم الحكيم ، الذي أعطى المعرفة للجميع دون تمييزٍ بين فِرَقِه ، وطائفة ، ومذهب .
ومحمد الصدر كان أستاذا بارعا لم ترى المحافل العلمية له نضير في قوة طرحه وبراعة أسلوبه .
ثالثا:
اشتهر عصرُ الإمام الصادق ( عليه السلام ) بظهور الحركات الفِكريَّة ، وغزو النظريات الغريبة في المجتمع الإسلامي حيث تضارَبَتْ فيه الآراء والأفكار فتلك الفترة شكَّلتْ تحدِّياً خطيراً لوجود الإسلام لذا كان الإمام ( عليه السلام ) سَفينَة النجاة في هذا المُعتَرَك العَسِر لجميع الناس وتصدى بقوة لكافة الجماعات المنحرفة .
وسار محمد الصدر على هذا النهج فقد كان يتصدى للجماعات الضالة وللأفكار المنحرفة حتى ان الأمة وجدت فيه حصنا منيعا وملاذا أمنا للحفاظ على عقيدتها فكانت جهوده المباركة ( قدس سره ) جهاداً علميّاً ضد المنحرفين والطواغيت كما كان الإمام الصادق ( ع ) مجاهدا في كافة ميادين الجهاد العلمي .
رابعا :
امتازت الفترة التي عاشها الإمام الصادق ( عليه السلام ) بأنها مرحلة توسع العلوم وذلك لانفتاح البلاد الإسلاميَّة على الأمم الأخرى ، وخصوصا لانتشار الترجمة التي ساعدت على نقل الفلسفات الغربيَّة إلى العرب .
فبدأ الغزو الفكري باتجاهاته المنحرفة ، ونشأت على أثره تيَّارات الإلحاد ، وفِرَق الكلام ، والعقائد الغريبة الضالَّة .
وقد تطلَّبت تلك الظروف أن ينهض رجل ، عالِم ، شجاع ، يردُّ عادِيَة الضلال عن حصون الرسالة الإسلاميَّة .
فكان أن قيَّض الله جلَّ وعلا الفرصة للإمام الصادق ( عليه السلام ) الذي كان حصنا منيعا وسببا أساسيا لبقاء أفكار الإسلام في الأمة .
وهكذا هو عصرنا عصر الانترنت والفضائيات حيث غزت الأمة العديد من التيارات والأفكار فعاش الإسلام في العالم عموما وفي العراق خصوصا فترة ضعف فقيض الله عالِم ، شجاع مخلص، يردُّ الضلال عن الأمة الإسلاميَّة وهو محمد الصدر تلميذ المدرسة الجعفرية الشريفة فجنَّد الصدر العظيم ( عليه السلام ) جهوده العلمية الهائلة لمواجهة الانحراف والتحريف في عصرنا هذا .
خامسا : وأخيرا
ينسب المذهب الشيعي للإمام حين يقال (( الجعفرية )) وقد علل السيد الصدر الثاني ذلك في خطبة الجمعة فقال:
(( ومن هنا نستطيع ان نخطو الخطوة الأخرى لنتوصل الى النتيجة وهي التساؤل عن السبب في نسبة المذهب اليه فانه لا شك انه كان يدعوا الى المذهب ويؤمن بولاية امير المؤمنين (سلام الله عليه) والمعصومين من ابائه وابنائه وبتعبير آخر انه (سلام الله عليه) استطاع استقطاب اكبر عدد وأعظم نسبة من المجتمع في هذا الاتجاه وان الملتفين حوله والمتعلمين منه كانوا بإعداد هائلة جدا حتى ان تسعمائة شيخ في مسجد الكوفة يقول حدثني جعفر بن محمد (صلوات الله عليه). فكيف بغير مسجد الكوفة من مناطق الإسلام ونحن نرى الان ان كل جماعة او مجموعة تنتسب الى راعيها وقائدها والرئيسي الموجه ( كول لا !) فنقول مثلا ناصريين لأصحاب جمال عبد الناصر و خالصيين لأصحاب الشيخ محمد الخالصي وسيستانيين لأصحاب السيد علي السيستاني وصدريين لأصحاب السيد محمد الصدر وهذا معاش وكلكم مشاهديه فكذلك قال المجتمع يومئذ عن أصحاب الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنهم جعفريون اي هم الملتفون حوله و المندرجون تحت قيادته وعقيدته وأهدافه ))
واليوم وبعد مُضِيِّ ما يقرب من ثلاثة عشر قرناً على حياة الإمام الصادق ( عليه السلام ) لا يزال المذهب الجعفري يستمد قوته من الإمام الصادق ومن أبائه وأبنائه الطاهرين .
وبعد مضي أكثر من اثنتي عشر سنة لا تزال مدرسة محمد الصدر ثابتة الأسس تستمد قوتها من الصدر العظيم ومن هنا تساقطت مؤامرات الذين أرادوا القضاء على الخط الصدري وهم كثيرون منهم جهات دينية ومنهم جهات سياسية ومنهم جهات دولية ومنهم جماعات من داخل الخط الصدر انشقوا عنه .
فالخط الصدري قوي ومستمر من كثير ...
فمن النواحي فمن ناحية العمق التاريخي ممتد الى اكبر نهضتين من خلال مرجعية الشهيد الصدر الأول والشهيد الصدر الثاني.
ومن ناحية ارتكازه على ثوابت قوية ورصينة استلهمها واختزنها من اكبر مدرستين في التاريخ المعاصر وهما مدرسة الصدر الأول ومدرسة الصدر الثاني وكلاهما تنبعان من مدرسة واحدة ممتدة إلى مدرسة أهل البيت.
ومن ناحية وجود الجماهير المؤمنة بعدالة قضاياها مما جعلها تضحي بالغالي والنفيس لأجل إثباتها وصمودها وبقائها و رغم القتل و التشريد و الاعتقال لا زال أبناء الخط الصدري صامدون ثابتون .
ومن ناحية وجود قائد إسلامي حقيقي بل هو من أولئك النوادر الذين قلما يجود بهم الزمان وهو سماحة السيد مقتدى الصدر .
فسلام عليك يا جعفر بن محمد
ورضي الله يا محمد الصدر

أبو فاطمة العذاري