روي عن الهادي (عليه السلام) أنه قال:
( أمي عارفة بحقّي وهي من أهل الجنة، لا يقربها شيطان مارد، ولا ينالها كيد جبّار عنيد، وهي مكلوءة بعين الله التي لا تنام، ولا تختلف عن أمهات الصدّيقين والصالحين)
( كتاب دلائل الإمامة )
يا لها من رواية جليلة صدرت من الهادي ( ع ) بحق امه السيدة النبيلة ويستفاد منها أن السيدة سمانة كانت على درجة كبيرة من الإيمان والإخلاص والمزايا الحميدة والأخلاق العالية و يفهم من هذا الحديث تقواها العالية كما هو الحال بالنسبة إلى سائر أمهات الأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين). ومن الإشارات المهمة الواردة في هذه الرواية أمور منها:
أولا: الإشارة إلى مسالة مهمة وهي معرفة حق الإمام (ع) التي لا ينالها إلا الاوحدي من الخلق وهذه وغيرها من المزايا التي لا تقل بصاحبها درجة عن درجات الصديقين والصالحين
والهادي (ع) يشهد لها بهذا الفضل ((اُمّي عارفة بحقّي )) وهي عبارة مجملة تختصر فيها أعمق المضامين فقد ورد في الدعاء
(( اللهم عرفني نفسك فانك ان لم تعرفني نفسك لم اعرف رسولك, اللهم عرفني رسولك فان لم تعرفني رسولك لم اعرف حجتك, اللهم عرفني حجتك فان لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني )) .
ومعرفتهم (ع) الحقيقية من الأسرار المحجوبة عن معظم الخلق الا القليل من أهل التقوى العالية كما نرى قد ورد في الحديث النبوي الشريف:
« يا علي لا يعرف الله إلا أنا وأنت ولا يعرفني إلا الله وأنت و لا يعرفك إلا الله وأنا »
أننا لا نستطيع أن نعرف منزلة الإمام ومكانته الحقيقية ويمكننا فقط بمقدار استطاعتنا والأمر متوقف على كثير من المقدمات التي تتهيأ للفرد منها طهارة النفس ونقاوة القلب و الأعمال الصالحة .
ثانيا : ثم أشار الإمام (ع) إلى مزية أخرى مهمة جدا فقد قال ((وهي من أهل الجنة ))
فالسيدة سمانة مستحقة لدخول الجنة ويكفيها في ذلك كله قوله تعالى عن أهل الجنة :
( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) – المائدة 119-.
وقد قال تعالى :
(( وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ))
وقال تعالى :
((وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {الأعراف/43} ))
قال تعالى :

((أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا {الفرقان/24} ))
وقال تعالى :
((وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ))
ثالثا: ثم أشار الإمام إلى منزلة رفيعة لامه السيدة سمانة حين قال
(( لا يقربها شيطان مارد، ولا ينالها كيد جبّار عنيد ))
ومن هنا كانت ورعة عن الذنوب مصونة عن المعاصي إلى درجة أن الشيطان لا يقربها لأنها بعيدة قلبيا وروحيا ونفسيا عن التفكير بأي معصية ولو طرفة عين ويمكن لنا الاستفادة من هذا النص أنها معصومة بمستوى من مستويات العصمة الثانوية بطبيعة الحال.
رابعا: ومن ثم قال الهادي (ع)
(( وهي مكلوءة بعين الله التي لا تنام ))
فهي محفوظة بعين الله تعالى ومن ثم يمكن لنا أن نفهم الحفظ الإلهي الواقع عليها على عدة جوانب منها :
أولا: حفظها قبل أن تصل لزوجها الإمام الجواد (ع) و وصولها إليه سالمة مصانة لم يمسسها احد وقد حصل ذلك فعلا كما اقره التاريخ .
ثانيا: محفوظة من بعد وصولها للبيت العلوي الطاهر وهذا حصل رغم الصعوبات التي حصلت على أسرة زوجها الإمام الجواد الذي لاقى ألوان الصعوبات من قبل أعداء أهل البيت ( ع ) .
وهي محفوظة من بعد شهادة الإمام الجواد حيث استمرت أشكال الظلم على أهل البيت (ع) من قبل طواغيت العصر كما نقله التاريخ.
ثالثا: إن الحفظ الإلهي الحاصل لها إنما هو معنوي من حيث توفيقها وتسديدها في عدم الوقوع في المعاصي .
وهذا ناتج من استحقاقها من حيث أنها تلك السيدة التي كانت تمتلك ورعا كبيرا وتقوى عالية مما أهلها لان تنال هذا التوفيق الإلهي الذي لا يناله إلا ذو حظ عظيم.
رابعا: يمكن أن نقدم اطرحوه قابلة للنفي والإثبات وهي:
أن الإمام قال (( وهي مكلوءة بعين الله التي لا تنام ))
ويمكن أن نفهم - وهو الثابت - انه ليس لله عين باعتبار انه جل جلاله منزه عن الجسمانيات ومن هنا يكون المعصوم تعبير مجازي عن عين الله تعالى.
فقد ذكر الكليني في (أصول الكافي) قال الإمام محمد الباقر:
(( نحن وجه الله ونحن عين الله في خلقه ويده المبسوطة بالرحمة على عباده ))
وورد عن أبي عبد الله عليه السلام قال :
(( إن أمير المؤمنين عليه السلام قال : أنا علم الله ، وأنا قلب الله الواعي ، ولسان الله الناطق ، وعين الله ، وجنب الله ، وأنا يد الله ))
فليس لله عين ولا يد ولا وجه وليس أي شيء جسماني وإنما يكون المعصوم تعبير مجازي عن رقابة الله ورحمته وإرادته التي انصهرت فيها روح المعصوم.
حيث قال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه:
( ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه (
و إذا كانت السيدة سمانة مكلوءة بعين الله التي لا تنام فإنها إنما حفظت إيمانها من خلال المعصوم وبالتالي فالمعصوم حافظ لها ويرعاها من أي خطر مادي ومعنوي .
وهو أمر متاح للمؤمن الذي يصل لمرتبة عالية ومقام سامي يؤهله لشيء من هذا القبيل فقد ورد
في الحديث:
(اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله )
وفي رواية أخرى:( بعين الله(
المهم هذا مجرد اطرحوه نقدمها للقارئ العزيز.
خامسا : ثم إن الهادي وصفها وصفا الهادي (ع ) مهما حين قال
(( ولا تختلف عن أمهات الصدّيقين والصالحين ))
وفي تاريخ الرسالات الإلهية نجد أن أمهات الصديقين والصالحين إنما هن من الصديقات والصالحات ومن اللواتي شهد المؤرخون بمواقفهن الكبيرة في مساندة أولادهن من الصالحين والصديقين.
والسيدة سمانة إنما هي أم لذلك للصديق والصالح العظيم وهو ولدها الهادي (ع).
والشيء المركز في هذا النص الشريف المروي عن الإمام الهادي (ع) انه شهادة مهمة وجليلة في الإشادة بهذه السيدة الجليلة سمانة سلام الله عليها.


أبو فاطمة العذاري