قاسم قصير | 03/11/2010 - 09:12


"أيها الأحبة" كتاب جديد لسماحة المرجع السيِّد محمد حسين فض الله(قده) وهو المتضمن نص الحوار الطويل الذي أجراه قبل عشر سنوات الشيخان يوسف عباس ومحمد عمير ولم يتم نشره لأنَّه يتضمن مواقف وآراء لسماحة السيِّد حول العديد من القضايا والملفات الخاصة.
وقد عمد نجله السيِّد جعفر فضل الله إلى مراجعة الحوار وإعادة تبويبه وتنظيمه ليصبح "الوصية العامة" لسماحة السيِّد ومما جاء في مقدمة الكتاب بقلم السيِّد جعفر: "هذا الحوار لم يجرِ مع "السيِّد" في آخر حياته وربما تكمن أهميته هنا، لأن ما تعكسه أجوبة سماحته من سمو أخلاقي وروحي هو في عمق حالة الصراع الذي كان يضغط على كل مشاعر سماحة السيِّد وأحاسيسه، ويدخل الواقع الإسلامي كله في مستوى انتشاره في العالم، في نوع من الفتنة التي تستدعي كل مفردات التضليل والتكفير والإخراج من الملّة والدين بكل وسائل الاتهام والكذب وتحريف الكلام عن مواضعه وما إلى ذلك، ومع ذلك لا تلمح فيه حقداً حتى على الذين أدخلوا الواقع الإسلامي في الفتنة ولكنه يكلهم إلى الله عزّ وجل لأن الحق العام بيد الله وحده".
ويضيف السيِّد جعفر "واليوم إذ ننشر جزءاً من الحوار الذي أجراه الأخوان العزيزان الشيخ يوسف عباس والشيخ محمد عمير في صيف العام 2000 ننشره لطلاب الحقيقة والإنسانية، ورتبناه بما يعني القارئ، فحذفنا بعض الأسئلة واكتفينا بعناوين الموضوعات وجمعنا ما ذكره "السيِّد" في بداية الحديث مع ما ذكره في آخره حول الموضوع ذاته لتتكامل الفكرة في إيحاءاتها وآفاقها، ليكون هذا الكتاب عبارة عن وصايا وكلمات أخيرة ومواضيع تتصل بطبيعة الموت والانفتاح على الآخرة تاركين نشر الحوار الكامل والموثَّق بالصوت والصورة للمستقبل الآتي بإذنه".
وأما عن مضمون الحوار ـ الوصية، فهو يتضمن عدة أقسام ومنها في البداية الحديث عن شخصية السيِّد ورؤيته للعمل الإسلامي ودوره وموقعه وعن بعض مقولاته حول "حرمة الراحة للعاملين للإسلام" وموقفه من الذين حقدوا عليه وأساؤوا إليه حيث يقول "إنني منذ انطلقت في الحياة تعلمت الحب من الله ومن رسول الله(ص) ومن الأئمة(ع)، فأنا أحب الإنسان كله ولكني أبغض انحرافه وجريمته وكفره وظلمه.. إنني وأنا أتألم مما يتحرك به كل هؤلاء ولا أدَّعي لنفسي أنني ابتعد عن الأحاسيس والمشاعر، لكني أحاول دائماً أن أدرس نقاط الضعف التي فرضت عليهم ذلك. وأنني أؤمن بحقيقة وهي أن عليك أن تحب الذين يخاصمونك لتهديهم، وتحب الذين يوافقونك لتتعاون معهم، وأنني أحب الذي التقي معهم لأتعاون معهم على البر والتقوى، وأحب الذين اختلف معهم لأتعاون معهم في الحوار من أجل فهم الحقيقة".
وبعد ذلك ينطلق سماحته ليتحدّث عن الحياة والموت والشخصيات التي أثرّت في شخصيته وعلاقاته بالأحبة والأقرباء وكيفية استقباله للموت عند حضوره وعلاقته بالله عزّ وجل ومما يقوله "أنني أشعر دائماً عندما أتطلع إلى رحمة الله وإلى عطفه وحنانه أنني أعيش في أحضان الله كما كنت أعيش في أحضان أمي وأبي بعيداً عن كل معنى للجسمية.
لذلك ـ وأنا أشكر الله على هذا ـ أعيش دائماً هذه اللحظة الحنونة بين يدي الله التي تجعل الدموع تنساب في عيني، مما يختلط فيه الحزن والفرح والخوف بالرجاء، إنني أشعر بأحلى لحظات السعادة عندما تأتيني هذه اللحظة، لحظة التجلي، ولحظة التوجه بين يدي الله، وهي من أحلى لحظات حياتي، ولهذا فإنني أشعر في بعض الحالات بأنني أحب الله بعيداً عن كل شيء".
ويتواصل الحوار مع سماحته حول الآخرة وأجواء اللقاء مع الله عزّ وجل بعد الموت فيوضح سماحته حول رؤيته للآخرة ولقائه بالله "من الصعب جداً أن يستحضر الإنسان أجواء العالم الآخر، لأن عالم الدنيا هو عالم الحس الذي قد يرتبك بالمحسوسات التي قد تجتذب مشاعره وأحاسيسه واهتماماته، بينما قد لا تكون المسألة بهذا الحجم في الآخرة، لذلك ما أتصوره الآن هو أن أتحسس الله في وجداني حيث أملك عالماً جديداً في العيش معه وفي التطلع إليه وفي الحديث معه، لأننا ونحن في الدنيا في شوقنا إلى الله، لا نستطيع أن نتمثل شيئاً منه إلا من خلال أحاسيس الفطرة التي نبقى نعيش معها في ضباب بالرغم من اليقين والاطمئنان لوجوده ورعايته للكون كله".
وفي القسم الثاني من "الكتاب ـ الوصية" يقدم سماحة "السيِّد" وصاياه للعالم الإسلامي وللأحزاب والحركات الإسلامية وللجيل الرسالي ولقيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمرجعيات الشيعية ولأصدقاء الأمس وللذين عملوا معه ثم تخلوا عنه وللجيل الحوزوي ولأهل الكتاب وللعاملين في المؤسسات التي أطلقها ومن هذه الوصايا نقتطف ما يلي:
"أنني أطلب من أبنائي وبناتي وأحبائي من هذا الجيل الشاب الذي أريد له أن يدخل ساحة الصراع من موقع قوّة ومن موقع وعي أن يتابع خط الوعي وأن يتحمل وأن لا يسقط تحت تأثير هجمات التخلّف"
"أقول لقيادة الجمهورية الإسلامية أن عليها أن تنفتح على الواقع الإسلامي كله"
"المرجعية الشيعية هي المرجعية التي تحاول أن تجمع الشيعة على خط الإسلام في خط الوعي وأن تخفف من كل وحول التخلف وخطوط الجهل"
"أقول لكل الذين أثاروا الحرب ضدِّي بالكثير من الكلمات غير المسؤولة أقول لهم "اللهم أغفر لقومي أنهم لا يعلمون" إن مشكلتي معكم ليس مشكلة ما تحدثتم به ولكن مشكلتي معكم أنكم لا تعرفون النتائج السلبية التي أحدثتموها في واقع الإسلام في خط أهل البيت(ع) فقد صنعتم فتنة لا ترتكز على أساس".
ويختتم الكتاب بما يمكن أن يقوله سماحة السيِّد في حفل تأبينه عند رحيله ومما جاء في هذه الكلمة "إنّ هذا الإنسان عاش حياته منفتحاً على الرسالة منذ أن فتح عينيه على الحياة وعمل على أن يتحرك في خطوطها حتى في بداية طفولته أو في مقتبل طفولته وشبابه، وعاش وتألم في درب الرسالة، وكان يحاول أن يكون صادقاً وأن يكون مخلصاً، وربما كانت النفس الأمَّارة بالسوء تأخذ عليه ما يأمله ولكنه أكمل الرسالة بحسب طاقته، وواجه الرساليين.
وكان في كل حياته منفتحاً على الله ويأمل برحمة الله.. وكنت أقول للناس: إن عليهم أن يدرسوا تجربته لأنَّها كانت تجربة واسعة عميقة ممتدة في خطوط الرسالة كانت تاريخاً قد يحمل السلب والإيجاب ولكنه لم يكن فيها شيء لغير الرسالة وربما لا يلتقي الناس بتاريخ معاصر، في شخص معاصر، بمثل هذا الغنى وبمثل هذه الصفات.
لذلك فإنني في حديثي هذا أقول للرساليين حاولوا أن تفهموني جيداً، فإذا كان البعض لم يفهمني في حياتي، لأنَّ التهاويل والانفعالات والتعقيدات قد حجبت وضوح الرؤية، ولكن عندما يغيب الإنسان عن الساحة ويشعر الآخرون بالأمن من تعقيدات وجوده عليهم يمكن أن يفهموه أكثر وأن يستفيدوا من تجربته أكثر".
هذا الكتاب ـ الوصية لسماحة المرجع الراحل السيِّد محمد حسين فضل الله(قده) يستحق أن يُقرأ من كل إنسان ليعرف حقيقة هذه الشخصية الإنسانية الرائدة.