لا زلت تسمو للعلا








طارق النّزر

استغرب الكاتب طارق النَّزر في مقالٍ له، الحملة الجديدة الّتي يشنُّها البعض على سماحة العلامة المرجع السيِّد فضل الله(رض) بعد رحيله، موجِّهين إليه الاتِّهام بأنَّه كان منتمياً إلى الماسونيَّة، مقدِّمين أدلّةً خياليّةً على ادّعائهم، مؤكِّداً أنَّ تجنّيهم لا يمكن أن يكون سلاحاً ضدَّ ما قدَّمه سماحته للإسلام والتشيّع والإنسانيَّة، وأنَّ ما يقومون به هو تمزيقٌ لأبناء المذهب الواحد، وتشويهٌ لصورته. ..التفاصيل


غياب شخصيّةٍ بحجم شخصيّة سماحة السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، بلا شكّ هو غياب ذو قيمةٍ كبيرةٍ وأثرٍ بالغ، وليس مستغرباً أن يستمرّ الحديث عن هذا الغياب في مختلف المنتديات والصّفحات الإلكترونيّة، ولا سيّما أنّ غيابه لم يمض عليه سوى أشهرٍ قليلة.

لكنّ المستغرب، القيام مؤخّراً بشنّ حملةٍ منظّمةٍ جديدةٍ من الهجوم الشَّرس واللا أخلاقيّ على سماحته بعد رحيله، وليست الغرابة في وجود أشخاصٍ حاقدين على سماحته حتّى بعد وفاته، ولا باستمرار نشر الأكاذيب عليه، في الوقت الّذي لم يعد خافياً على أيّ عاقلٍ "متتبّع للموضوع"، من عامّة النّاس أو من خاصّتهم، حجم هذه الأكاذيب والخرافات حول شخصيّة سماحته، ولا سيّما أنّ موقع "بيّنات" التّابع لسماحة السيّد فضل الله، هو موقعٌ مفتوحٌ ينشر أفكار السيّد بكلّ شفافيةٍ ومصداقيّة، فلم يبق أحدٌ ما بحاجةٍ إلى معرفة أفكاره عن طريق المواقع المشبوهة، والّتي من عادتها قلب الحقائق، وتحليل النّوايا، واستظهار ما في النّفوس كما يحلو لها، في سبيل خدمة مشروعها الفاشل، وهو إسقاط السيّد فضل الله شخصاً وفكراً وخطّاً.


لكن الغرابة قد تكمن في توجّههم إلى مسألةٍ غامضةٍ وغير ملموسة، وفيها مساحة واسعة من نسج الخيال والقصص والتَّحليلات المعقولة واللامعقولة، في محاولةٍ يائسةٍ وبائسةٍ لإحياء مشروعهم الّذي مات، وذلك من خلال اتّهام سماحة السيّد "بالماسونيّة"، وبأنّ سماحته تابع لهذه المجموعة ورائدٌ فيها بشكلٍ تنظيميّ وسرّيّ للغاية! لكنّهم، وبحكم نصرتهم للزّهراء كما يدّعون! كانت لديهم القدرة الخارقة على اكتشاف هذا الانتماء وتأليف كتاب بعنوان "الجنازة الماسونيّة" يفضح الخفايا والنَّوايا؟!!

كم هو مؤسفٌ أن يعتقد هؤلاء أنَّ النَّاس على هذا المستوى من السَّذاجة والغباء، ليصدِّقوا كتاباً تافهاً كهذا الكتاب، فهو يحمل فكرةً خياليّةً بامتياز، ويدافع عنها ويبرهنها بأدلَّةٍ خياليَّةٍ وتحليلاتٍ واستنتاجاتٍ ظنّيّةٍ مليئةٍ بالأكاذيب والطّرق الملتوية العقيمة، ولم يكتفِ بذلك الهجوم على سماحة السيِّد، بل تجاوز سماحته، لتتحوَّل صفحاته حفلةَ استهزاءٍ واستصغارٍ واستحقارٍ لمجموعةٍ من الشّخصيَّات العلمائيَّة القديرة، ذنبها الوحيد كان مشاركتها في تأبين سماحة السيِّد فضل الله!!


لكن، وعلى الرَّغم من ذلك التجنّي الكبير، فربَّ ضارّةٍ نافعة، لأنَّهم بهذا الأسلوب الرَّخيص الّذي تناولوا فيه شخصيَّة السيّد، وحتّى سبب وفاته ومكان دفنه، وبكلِّ هذا الاستحقار الشَّنيع لكلِّ من شارك في التّعزية بسماحته من علماء ومثقّفين، وإهانتهم واستصغارهم، كلّ ذلك كان برهاناً كافياً يوضح مدى حقدهم وإفلاسهم الموضوعيّ والإيمانيّ والأخلاقيّ، فأين هم في ذلك كلّه من قول النبيّ الأعظم(ص): "أكثر ما يلج به أمتي الجنّة: تقوى الله، وحسن الخلق"؟ وقول الإمام الصّادق(ع): "من حقّر مؤمناً واستخفّ به، حقّره الله تعالى، ولم يزل ماقتاً له حتّى يرجع عن تحقيره أو يتوب".

كتابٌ كهذا الكتاب، من خلفه أيادٍ مشبوهة، يحملون شعاراتٍ مزيّفةً، لم يقدّموا خدمةً تذكر لا للإسلام ولا للمذهب، حتّى وصل بهم الأمر إلى الوقوف عاجزين في محاولة تذكّر ما قدّمه زعيمهم السّابق من خدماتٍ للتشيّع، فلم يجدوا ما يذكرونه سوى أنّه ابتدع طقساً جديداً في المذهب الشيعيّ، تحت عنوان "نصرة الزّهراء"، من خلال تحويل يوم وفاتها الى يوم مسيراتٍ ومواكب من اللّطم والعزاء وضرب الرّؤوس والمشي حفاة القدمين لتقديم العزاء للسيّدة المعصومة(ع)، وقد كان هو أوّل من مشى حافياً على الأرض الملتهبة، داعياً المؤمنين والموالين إلى ذلك، وهو في حالٍ من التهاب القدمين واحتراقهما بحرارة الطّريق الموصوف بطريق الدّفاع عن سيّدة نساء العالمين وردّ الضالّين المضلّين! مشدِّدين على أنَّه كان يردِّد طوال سيره كلّما طلب منه الانتعال: فداك يا زهراء.


نعم، كان هذا هو الإنجاز العظيم الّذي قدّموه للإسلام بعامّةٍ، وللمذهب الشّيعيّ بخاصّة! معبّرين عن تلك الأيّام بقولهم: فما أعظم تلك الأيّام الّتي كانت تفيض جهاداً ونضالاً للصّدّيقة! فهنيئا لك يا أسد الزّهراء، ويا سيف العقيدة وليث الولاء، هذا التّاريخ المشرق الوضّاء!!

فتاريخٌ كهذا التّاريخ، من الصّعب أن يكون سلاحاً لهم في حربهم ضدّ عطاء سماحة السيد محمد حسين فضل الله وتاريخه، وهو الّذي لا زال هناك من يجد له الكثير من العطاءات لم تذكر في الكتابات الّتي تناولت سيرته بعد وفاته، وتطرّقت إلى إنجازاته العديدة في خدمة الإنسانيَّة والإسلام والتشيّع، وهو الّذي كانت حياته وسيرته كلّها في سبيل الإسلام بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة، وكان يردّد دائماً: «أنا موكلٌ بالإسلام أتبعه»، فلم يكرّس جهوده ولا وقته للدّفاع عن نفسه أو شخصه، ولا حتّى للانتقام مِمَّن ظلمه وافترى عليه، فقد كان منشغلاً بالإسلام قولاً وفعلاً، وهم منشغلون بالأحقاد والعقد والفتنة والتخلّف والجهل والغلوّ قولاً وفعلاً، لم يدخل نفسه في هذه الحرب القذرة، على الرّغم من كلّ ما تعرّض له من أذى وظلم، فصارت مسيرته مسيرة عقلٍ كلّه فكر وأصالة، وقلبٍ كلّه محبّة وسلام، لتكون مسيرة الإسلام النقيّ الأصيل مقابل الإسلام المتخلّف، لقد كان مصداقاً لقوله تعالى: ?الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ?[آل عمران: 173- 174] .


لم يجد أحدٌ في فكر سماحته إلا القرآن، ولم يكن في فكرهم إلا الخرافة والجهل، فكيف لهم أن يتوقّعوا النّصر، وكيف لهم أن يتوهّموا بذلك دفاعاً عن الزّهراء(ع)؟ ?أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ? [القلم: 35 - 36].

من المؤسف أنّه في الوقت الّذي يتعرّض له الإسلام لحملات التّشويه والاستهزاء من الخارج، وللفتنة المذهبيّة والتمزّق الطائفيّ ما بين السنّة والشّيعة من الدّاخل، نجد أنّ هناك من أمثال هؤلاء الّذين يعملون على تمزيق حتّى أبناء المذهب الواحد، وتشويه صورة المذهب، وتحريف عقائده، وكلّ ذلك باسم الدّفاع عن الزَّهراء(ع) أو آل البيت(ع)، وهم أبعد ما يكون عن ذلك. لكنّ المستقبل بيننا، وقمامة التّاريخ ما زالت تتّسع للمزيد، طالما أنّ هناك مستقبلاً مشرقاً وواعداً، وإنّ غداً لناظره قريب: ?وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ?[الشّعراء: 227].




شبكة راصد الإخباريّة

التاريخ: 12 ذو الحجّة 1431 هـ الموافق: 18/11/2010 م