النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: لذلك لن ننسى..

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2008
    المشاركات
    3,118

    لذلك لن ننسى..

    لذلك لن ننسى..








    السيد جعفر فضل الله


    في الثامن من آذار 1985، وحيث كان يسكن أبو الحالة الإسلاميّة في لبنان، الذي كان يُطلق عليه إعلامُها آنذاك: "العلاّمة المجاهد" أو "آية الله"، وفي قلب المنطقة المكتظّة سكّانيّاً، دوّى انفجارٌ تمّ تجهيزه في سيّارة مفخّخة بالمتفجّرات في شارعٍ عامّ، كان موجّهاً لقتل شخصٍ واحد، وهو الشخص الذي "أصبح مزعجاً للسياسة الأمريكيّة" ولذلك "عليه أن يرحل" ـ كما نقلت مذكرات سريّة (نشرت لاحقاً) عن بعض القيادات السياسية الأمريكيّة.

    لقد كان مزعجاً لأنّه يؤصّل فكر المقاومة لأعداء الإسلام والإنسان؛ فلا يكتفي بحثّ الناس على مواجهة الآلة العسكريّة الصهيونية التي اجتاحت لبنان إلى عاصمته في العام 1982، بل كان دوره أنّه زرع هذا الفكر المقاوِم في وجدان الأمّة؛ فأرجعه إلى كتابِ الله وإلى سنّة النبيّ (ص) وإلى سير الأئمّة (ع)، بحيث لم يعد من فصلٍ ـ في وحدان المؤمن ـ بين التكبير في الصلاة وبين التكبير في مواجهة العدوّ في ساحة القتال، ولم يعد الحسين (ع) مجرّد قصّة نستمع إليها في عاشوراء، بل أصبح نهجاً وموقفاً يهزّ العالم كلّه..

    كانت لحظة الانفجار هي لحظة عودة السيّد محمّد حسين فضل الله من مسجد الإمام الرضا (ع) في بئر العبد (الضاحية الجنوبية لبيروت)؛ ذلك الذي أصبح اسمه العلَم المتداول: "السيّد"؛ ولكنّ الحقيقة التي كان يردّدها "السيّد" نفسه مراراً وتكراراً:(كفى بالأجل حارساً)، كان تجسيدها في ذلك الموقع، الذي شُبّه فيه للحاقدين والمجرمين أنّ السيّد قد وصل إلى ساحة الجريمة، فأطلق التفجير؛ في الوقت الذي كان "السيّد" فيه ـ وعلى إصرارٍ منها ـ يستمع إلى مشكلة مؤمنة كانت الوسيلة الإلهيّة لتأخير وصوله إلى ساحة الانفجار..

    وهكذا ازداد عزم "السيّد"، وانطلق بأشدّ ممّا كان؛ "لا يجامل استكباراً ولو كان بحجم أمريكا؛ ولا يجامل واقعاً إقليمياً ولو كان بحجم كيان العدوّ الصهيوني" بنفس القوّة التي انطلق فيها ليرفع الجهل من بين أبناء الأمّة؛ في لبنان والعالم العربي والإسلام وفي مدى انتشار المسلمين فيه..

    نعم؛ لن ننسى؛ لا لأنّنا نريد أن نمجّد الشخص؛ فهو بغنى عن كلّ تمجيد بعد أن ارتبط بالله عزّ وجل؛ ولكنْ لكي نقول إنّ تلك اللحظة التي تطايرت فيها أشلاء الشهداء لحظة الانفجار، هي لجظة تكثّف عندها الحدث التاريخي؛ ولا يجوز أن يمرّ مرور الكرام، أو أن تطويه صفحات "الطفولة" السياسيّة التي تدخل التاريخ في الزواريب العصبيّة الضيّقة، التي تتنكّر لتاريخها لأنّه مرتبط بمن نشنأ أو نختلف معه في بعض الأمور الهامشيّة...

    لن ننسى؛ إرهاب الإدارة الأمريكية التي لا تزال تتساءل إلى اليوم: لماذا يكرهوننا؟.. ولن ننسى تواطؤ أنّ المال العربيّ كان إلى وقتٍ قريب ـ وربما لا يزال ـ قيد إشارة الخطط الأمريكية لضرب مواقع القوّة في عالمنا العربي والإسلامي؛ ولن ننسى حقبة من تاريخ بلدنا الذي لا يزال يأتي برموز الإجرام فيها إلى مواقع متقدّمة في السياسة اللبنانيّة..

    لن ننسى؛ لأنّ تلك اللحظة كانت تشير إلى موقع قائد ومرشد وموجهّ ومفكّر وفقيه، واكب المقاومة بكلّ جهده وعرقه وجهاده، وكانت عباءته التي تمزّقت مراراً وتكراراً بشظايا التحدّيات، تحمي شبابها المؤمن، الذي كان يصلّي في المسجد، ويبكي خشوعاً على وقع خشوع "السيّد"، ثمّ ينطلق متسلّحاً بإرادة المؤمن إلى ساحات القتال؛ تزول الجبال ولا يزول..

    لن ننسى.. حتّى لا نُدخل التاريخ في "مصيباتنا" العصبيّة، ولا نؤرّخ لتلك المرحلة على طريقة: "قيل إنّها استهدفت السيّد"، أو أنّها استهدفت المدنيّين، أو ما إلى ذلك.. لأنّ ذلك الحدث الرهيب كان جزءاً من مشهد تندمج فيه القيادة مع القاعدة، في مشاركتها كلّ الآمال والآلام؛ ولذلك فعندما يُستهدف القائد ويُستشهد فإنّه يُستشهد مع القاعدة التي احتضنته وبينها، أو يشاء الله تعالى له أن يبقى ليكمل الرسالة مع القاعدة نفسها، مع أبناء الآباء الذين قضوا، أو إخوتهم، أو أقرانهم..

    هكذا.. يكون قلم المستقبل صادقاً؛ عندما يصدق في كتابة التاريخ؛ والله من وراء القصد.


    جعفر فضل الله





    اليوم: الاثنين 7 آذار 2011 الموافق 2 ربيع الثاني 1432هـ


    شهداء بلادي إرث العراق





  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2008
    المشاركات
    3,118

    افتراضي

    كتاب (كي لا ننسى) مجزرة بئر العبد: ذاكرة الإرهاب الأمريكي


    مجزرة بئر العبد (8-3-1985) : ذاكرة الإرهاب الأمريكي




    إعداد: مركز بيّنات للانترنت والدراسات
    بسم الله الرحمن الرحيم

    لم يبدأ الاهتمام الأمريكي بمواجهة القوى المعارضة لسياسة الولايات المتحدة، تحت عنوان ما يسمى "بمكافحة الإرهاب"، نتيجة أحداث 11أيلول، إنما جاءت هذه الأحداث لتكرس نهجاً أمريكياً ثابتاً، تميز بعنف دموي في تعامله مع الشعوب والدول التي كانت تسعى لاستقلالها وممارسة حريتها سواء في أفريقيا وآسيا أم أمريكا اللاتينية، ويمكن تعريفه، ومن دون أي إجحاف بـ"إرهاب الدولة العظمى".

    وإذا كانت الولايات المتحدة استطاعت في بعض الأحيان إخفاء وتمويه كثير من جرائمها الكبرى، فإن سياساتها الإرهابية في فيتنام وتشيلي وإيران واندونيسيا وفلسطين وكثير من الدول الأخرى، قد انكشفت إلى حدود بعيدة، وكان ضحاياها الملايين من البشر.
    ونقدم في هذا الإطار، نموذجاً عن هذه السياسة موثقة بالأدلة والأرقام ذات المصدر الأمريكي، والتي تُرجمت في منتصف الثمانينات، وبقرار رسمي من واشنطن، عملية ضخمة حاولت اغتيال أحد أبرز الشخصيات الإسلامية وهو المرجع العلامة السيد محمد حسين فضل الله، والتي نجا منها بحمد الله وعنايته، وللتدليل على ما اقترفته أميركا، ننشر بعض المعلومات التي تتعلق بهذه القضية، على أمل تقديم عمل مفصل في المستقبل القريب، يوضح كافة الخلفيات والمعطيات التي أسست وواكبت لهذه السياسة الإرهابية وتداعياتها في لبنان والمنطقة..


    الرؤية الأمريكية لمواجهة المقاومة

    إاثر انطلاق الحالة الإسلامية في لبنان التي رفعت لواء التحرّر من الصهيونية والاستكبار بمختلف ألوانه وأشكاله، وعملت على إفشال مخططات هذا الاستكبار الذي يمارس إرهابه على الشعوب ويصادر ثرواتها وقرارها، وبرزت مقاومة الاحتلال الصهيوني في شكل غير مسبوق، ثبت موقع لبنان والأمة في مواجهة أخطر التحديات.




    أعلنت أمريكا الحرب على الإسلام الحركيّ المنفتح على قضايا الحرية والعدالة في العالم، ورأت الاستخبارات الأمريكية أنّ الوسيلة الفضلى للإجهاز على هذا الإسلام إنما تكون من خلال العمل على اغتيال رموزه وشخصياته التي يشكل نشاطها خطراً على مواقع سيطرتها، ولذا لم تتورع في هذا السبيل عن ارتكاب أبشع المجازر، وبمختلف الأساليب الوحشية التي كان منها المتفجرة التي وضعتها في محلة بئر العبد، وحصدت العشرات من النساء والأطفال والشيوخ والشباب الأبرياء كعنوان من عناوين الهمجية الأمريكية.
    فبعد ظهر يوم الجمعة 8 آذار 1985 كانت هذه المجزرة المروعة التي حاولت المخابرات المركزية الأميركية من خلالها اغتيال سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، باعتباره يشكل الخطر الكبير على مصالحها في المنطقة من خلال دوره في احتضان وتوجيه حركة المقاومة المتنامية ضد العدو الصهيوني والاستكبار الأمريكي.
    غير أن أمريكا بإتباعها هذا الأسلوب الوحشي فتحت باب الصراع في المنطقة على مصراعيه، ما ولّد حالة من النهوض الإسلامي العارم انطلق في المواجهة استناداً إلى شرعيّة الدفاع عن الذات وقضايا الأمة.


    تصعيد صهيوني يواكب التراجع:

    في أوائل عام 1985 كانت إسرائيل قد اتخذت قراراها بالانسحاب من مناطق لبنانية واسعة. وكانت خطة الانسحاب تقضي بأن تخلي إسرائيل الأراضي الواقعة شمالي نهر الليطاني، تحت تأثير ضربات المقاومين والعودة إلى الشريط الحدودي في محاولة منها لتشكيل "حزام أمني" يبعد الهجمات عن المستوطنات الشمالية.

    وفي أثناء انسحابها كانت إسرائيل"تعمل على تصفية قادة المقاومة، واقتلاع القرى التي تمثل معاقل حصينة للعمل المقاوم"، وذلك ضمن السياسة المعروفة إسرائيلياً وأمريكياً في ملاحقة وضرب "الأصوليين والمتطرفين" سواء عبر استهداف قواعدهم أو قياداتهم، فقد كانت ترى أن "التصفية الجسدية لرؤساء المنظمات هي الطريقة الفاعلة".
    وهكذا في أوائل ذلك العام حصلت حوادث متعددة، حيث استهدفت سيارة مفخخة منزل مصطفى معروف سعد مما أدى إلى استشهاد ابنته "13 عاماً" وأصابته بجروح خطيرة فقد على أثرها عينيه الاثنتين.

    وفي أوائل آذار 1985 انفجرت عبوة ناسفة في حسينية بلدة معركة ما أدى إلى استشهاد عدد من المواطنين بينهم الشهيد محمد سعد "27 عاماً" وهو أحد القادة الميدانيين للعمل المقاوم.


    الهدف الثمين للمخابرات الأمريكية الصهيونية:

    لم تكن دماء مجزرة "معركة" قد جفت بعد عندما حصلت عملية أخرى وهي الانفجار الضخم في بئر العبد، لكن هذه المرة كانت المجزرة مروعة أكثر والحصيلة أكبر والاستهداف أخطر، حيث كان المستهدف سماحة المرجع السيد محمد حسين فضل الله". وجاءت الحصيلة الدموية على الشكل التالي:" حوالي 80 شهيداً بينهم أكثر من 40 امرأة، وحوالي 260 جريحاً إضافة إلى تدمير أربعة مبان، تضرر 20 بناية ضمن دائرة شعاعها 200متر، وتدمير أكثر من 20 سيارة وتضرر حوالي 30 سيارة.


    لماذا تحول "السيد" إلى "هدف ثمين":

    لماذا كانت هذه المجزرة؟ ولماذا استهداف العلامة المرجع فضل الله؟ وما الذي حوّله إلى هدف ثمين لأجهزة المخابرات تلك؟
    تحول السيد فضل الله إلى ذلك "الهدف" لأنه بحسب اعتقاد المخابرات الأميركية كان قد "استقبل وبارك الرجل الذي فجر مقر المارينز" (السفير14/5/1985)، وأدى ذلك التفجير إلى مقتل 241 جندياً أميركياً، ما أجبرها على سحب وحدتها العاملة ضمن القوات متعددة الجنسيات، وبدأت أميركا حينها حملة تحريض إعلامي ضد المجاهدين... إلى حد اتهام بعض شخصياتهم، خصوصاً سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله الذي حملته مسؤولية ما لقيت من هزيمة في لبنان، لذلك أخذت الاستخبارات على عاتقها مهمة الانتقام، ووضعت قائمة اغتيالات "كان على رأسها اسم السيد فضل الله".

    هذا أميركياً أما إسرائيلياً، فإن السيد فضل الله كان يمثل خطراً على إسرائيل بصفته كان يشكل "المرشد الكبير لحزب الله" وكانت علاقة الحزب معه على هذا الأساس، كان الحزب يمثل أحد أهم تيارات المقاومة ضد احتلالها لجنوبي لبنان. لذلك تحول "السيد" إلى شاغل لبال أكثر من جهاز مخابرات حتى تحوّل مجرد ذكر اسمه إلى فزّاعة "ترسم صورة من الرعب والارتباك" على صورة السجانين في معتقلات العدو، كما يقول بعض الأسرى.
    لذلك كله تقاطعت مصالح أميركا وإسرائيل مع مصالح بعض الجهات الإقليمية والمحلية على ضرورة التخلص من هذا "الرمز".


    تهيئة مناخ الاغتيال:

    وقد أوردت وكالة الاستخبارات الأمريكية عدداً من التقارير تُحمّل فيها سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله المسؤولية المباشرة عن سلسلة من الهجمات التي طاولت المنشآت الأمريكية في لبنان عامي1983 و1984، بما فيها مساهمته في اتخاذ قرار تفجير مقر قيادة المارينز في بيروت، والذي شكل ضربة موجعة للقوات الأمريكية.

    ولتفادي مثل هذه الهجمات، تداولت السلطات العليا الأمريكية في الأمر، ورأت أنّ الخيار الأفضل لمواجهة المسؤولين عنها هو اعتماد العمليات الأمنية السريّة في العالم بدلاً من اللجوء إلى القوة العسكرية المباشرة كاستخدام مدافع البارجة نيوجرسي، التي كانت ترسو في البحر مقابل شواطئ بيروت ضد مواقع لبنانية، أو الغارات الجوية التي قد تُحدث دماراً شاملاً وخسائر مادية وبشرية، كما حدث في البقاع، وتكون بمثابة أعمال عدوانية فاضحة قد ترتدّ بشكل سيئ على سمعة الولايات المتحدة ومصالحها في العالم.

    وفي ضوء ذلك، نشأت فكرة تدريب ودعم فريق سريٍ ما، سيجنّب ـ برأي المصادر الأمريكية المطلعة ـ احتمال تغطية اعلامية حية للعمل العسكري الأمريكي يؤذي صورة واشنطن، كما ستتفادى الاستخدام العلني للقوة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، التي تتزايد فيها مشاعر العداء للولايات المتحدة وعمليات "الإرهاب" ضدها.. وإلى ذلك، فإنه بالمقارنة مع البدائل الأخرى، فإنّ فريقاً أمنياً صغيراً سيكون أقلّ الخيارات كُلْفَة. (السفير14/5/1985ـ تقرير الـ"واشنطن بوست").
    ولما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تخشى من ردّ فعل ضدّ الأمريكيين العاملين في لبنان، رأت مصادر الاستخبارات أن تقلّل من أهمية علاقة الـ"سي.آي.إيه" بالوحدات المناهضة للإرهاب. (نيويورك تايمزـ السفير14/5/1985).


    الرئيس الأمريكي يوقع على القرار:

    ومن هنا وافق الرئيس الأمريكي، رونالد ريغان، في أواخر1984، على عملية سريّة تخوّل وكالة الاستخبارات المركزية تدريب ودعم عدد من الوحدات المضادة للإرهاب مهمتها ضرب "الإرهابيين" المحتملين قبل أن يستطيع هؤلاء مهاجمة المنشآت الأمريكية في الشرق الأوسط. (السفير14/5/1985).





    وكشفت المصادر في وقت لاحق بشكل تفصيلي عن أهداف هذه الموافقة، حيث جاء في نص تقرير آخر أنّ ريغان وقّع في 3 نيسان1984 قانوناً للتنفيذ فوراً، ويقضي بالقيام بأعمال استباقية ضد "الإرهاب" وضد دول "ترعى الإرهاب". وقد لاقت هذه الخطوة دعماً من وزير الخارجية جورج شولتس، ومستشار الأمن القومي، روبرت ماكفرلين، ومدير الـ"السي.آي.إيه" وليم كايسي.
    ونتيجة لذلك، بدأ عملاء الاستخبارات الأمريكية وعناصر عسكرية بالتمويل والتدريب والمشاركة في تقديم المعلومات ودعم مجموعة من الفرق الخاصة في بلدان صديقة لمواجهة "الإرهاب". (السفير15/5/1985 ـ تقرير نيويورك تايمز).

    وممّا قاله أحد المسؤولين عن تشكيل هذه الوحدات إنه "إذا أخذنا الإرهاب على محمل الجد، مثلما يتوجب علينا، خصوصاً أننا ندرك أن الأمور قد تسير نحو الأسوأ، فمن الضروري أن نفعل، فليس هناك خيار آخر، فهذا هو نوع من المسائل التي سيتوجب علينا مواجهتها ومن الأفضل أن نكون مستعدين" (السفير14/5/1985 ـ نص تقرير الـ"واشنطن بوست").


    تبريرات للمجزرة الأمريكية:

    ومن هنا فقد علّل ريغان ومسؤولو إدارته، بأنّ الغاية من إنشاء هذه الوحدات الهادفة إلى "قتل الإرهابيين هو القيام بعملية دفاع وقائي عن النفس أكثر مما هو عملية اغتيال"، مبررين ذلك بالقول: "إنّ لطم شخص ينوي قتلك ليس اغتيالاً بقدر ما هو إطلاق شرطيّ النار أولاً على شخص يوجّه مسدسه نحوه".
    وكان وزير الخارجية الأمريكي شولتس، قد حثّ مراراً على القيام بردّ قوي على "الإرهاب" الذي دعاه "بالبربرية التي تهدّد الأسس العميقة للحياة المتمدنة". وقال محابياً الأعداء الصهاينة في خطاب له في جامعة يشيفا: "إنّ تعاليم التلمود تتضمن قوانين كونية حول الدفاع عن النفس، وتقول إذا ما حاول أحدهم قتلك أسرع إلى قتله أولاً". وأضاف أنه: "طالما وُجِد التهديد، فإنّ من حق ومن واجب الدول التي تحترم القانون أن تحمي نفسها".


    فضل الله هدف مطلوب:

    أما ماكفرلين فقد أدلى بعد أسبوعين من عملية السيارة المفخخة في بئر العبد التي استهدفت المرجع فضل الله، بتصريح ورد فيه ما بدا أنه تأكيد لوجود نوع من الفعالية المضادة للإرهاب: "إننا لا نحتاج للتأكيد على الدليل المطلق بأنّ الأهداف استخدمت لدعم الإرهاب".
    وفي كلمة حول "الإرهاب ومستقبل المجتمع الحر" أورد ماكفرلين "المبادىء العملية" للتوجّه الرئاسي بالنسبة إلى "الإرهاب"، حيث قال: "في أي وقت نحصل فيه على دليل بأنّ عملاً إرهابياً على وشك الحصول ضدنا، فسوف يكون أمامنا مسؤولية اتخاذ إجراءات لحماية مواطنينا وممتلكاتهم ومصالحهم". وتابع يقول: "إن استخدام القوة للدفاع عن النفس عمل مشروع في القانون الدولي. ومنصوص عليه في البند(15) من ميثاق الأمم المتحدة". (السفير14/5/1985 ـ نص تقرير الواشنطن بوست).
    هذا باختصار ما كانت عليه الرؤية الأمريكية لمعنى مكافحة "الإرهاب" كما تدّعي، وهي بالتالي تعكس نمط الذهنية في التعاطي مع الآخر.


    محاولة الاغتيال ـ المجزرة: تواطئ عربي وحرب استباقية

    لقد كشفت العديد من الوسائل الإعلامية طبيعة العلاقة حينها بين الاستخبارات الأمريكية والاستخبارات اللبنانية، وكيفية نشوئها، والأهداف التي وطدت هذه العلاقة، يقول تقرير نيويورك تايمز: "تمّ الاتفاق بين مسؤولي الإدارة الأمريكية لمواجهة الحالات التي تشكّل خطراً على المصالح في الخارج لجهة استباق الأعمال الإرهابية وتحديد الدول التي ترعاها، ولكن لم يكن هؤلاء يخطّطون لاستخدام الأمريكيين في بلدان أخرى، وهذا يعني الاعتماد على أجانب يعملون في خدمة حكومات أخرى".
    ضمن هذا التوجه، شكلت شخصية السيد محمد حسين فضل الله القاسم المشترك بين الاستخبارات الأمريكية والاستخبارات اللبنانية، حيث كان كِلا الجهازين يتعقبه، ولكن لأسباب مغايرة. (السفير15/5/1985).

    وحاول تقرير نيويورك تايمز أن يرمي الـ"سي.آي.إيه" خارج نطاق التهمة من خلال ما جاء على لسان المسؤولين الأمريكيين، حيث يقول: إن الـ"سي.آي.إيه" لم تقرّر ما الذي تريد أن تفعله بشأن السيد فضل الله، أما الاستخبارات اللبنانية، ولأسباب خاصة، لم يكن لديها القدرة على التحرك ضده، باعتبارها جهازاً رسمياً، والشيعة كانوا جزءاً من الحكومة اللبنانية، ولذلك استأجر جهاز الاستخبارات اللبناني أشخاصاً من خارج الجهاز لتنفيذ العملية. (السفير15/5/1985 ـ تقرير نيويورك تايمز).

    ولإيضاح كيفية نشوء فكرة اغتيال السيد فضل الله أشارت الـ"نيوزويك" بناءً على مصادر من واشنطن: "إنّ الحكومة اللبنانية طلبت في عام 1984 المساعدة في تدريب قوة لمجابهة الإرهاب، وحسب مصدر قريب، فإنّ هذه الحكومة كانت تريد تشكيل فرقة ضاربة لمعاقبة "الإرهابيين"، وبعد نيل الموافقة من الرئيس "ريغان" ومدير الـ"سي.آي.إيه"، وليام كايسي، ووزير الخارجية شولتس، ومستشار الأمن القومي روبرت ماكفرلين، أُعطيت التعليمات للوكالة للعمل مع قسم المخابرات في الجيش اللبناني بقيادة كولونيل يُدعى سيمون قسيس.

    في هذا السياق كانت الخطة تقضي بتدريب ثلاث مجموعات مكوّنة من خمسة عناصر لكل منها، وبحسب مصادر لبنانية، فإنّ مجموعتين تمّ تجنيدهما مكوّنتين من ثمانية مسيحيين ومسلِمَيْن، وقد أخبر أعضاء لجان المخابرات في مجلس الشيوخ والنواب بذلك. (نيوزويك، أيار1985).
    وهكذا تم تجنيد المخبرين والعملاء لجمع المعلومات ووضع خطة قضت بتفجير سيارة مفخخة بموكب سماحة السيد فضل الله في "موعد لا يخطئ" وهو موعد خروجه من صلاة الجمعة. لهذا تم تحضير العملية على هذا الأساس.



    لحظات ما بعد خطبة الجمعة:




    وفي الموعد المقرر، وبعد انتهاء السيد من إلقاء خطبة الجمعة على مجموعة من الفتيات والنساء، وفي أثناء توجهه إلى منزله كالمعتاد، ألحت إحدى السيدات عليه بأن يجيبها على بعض الأسئلة الشخصية، وفي تلك الأثناء دوى انفجار هائل وعلت غمامة من اللهب ابتلعت عدداً كبيراً من المارة جلّهم من النساء الخارجات من المسجد، بالإضافة إلى دمار كبير أصاب المنطقة، "وهكذا استحال المكان إلى جحيم من النار تلتهم كل شيء... والدماء في كل مكان ... ولكن الهدف كان أكبر من هذا ... كان المقصود "الإرهابي الكبير بنظر الاستخبارات الأمريكية".. ولكن السيد نجا بعناية الله من الانفجار، لتستمر المسيرة بعد ذلك شامخة، فلا الموت يرهبها ولا الجراح تدميها، وكيف ذلك وقائد المسيرة يقول حينها: "..إنهم يخوفوننا بالموت، ونحن الموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة..".


    من المسؤول عن المجزرة؟!

    وتركز المصادر المطلعة أنّ واحداً من الضباط المشاركين هو من نقلت عنه صحيفة الـ"واشنطن بوست" قوله: "إنّ جهازي هو من قام بعملية التفجير ضد السيد محمد حسين فضل الله في 8 آذار الماضي، وأعتقد أنه تمّ القيام بها لإظهار أننا أقوياء، إذ عليك أن تعمل على وقف الإرهاب بالإرهاب". (السفير15/5/1985).
    وحاولت الإدارة الأمريكية التنصل مما نشرته صحيفة الواشنطن بوست، ولكن الوكالة تبنّت من حيث لا تدري ـ أو ربما من حيث تدري ـ انفجار بئر العبد في 8 آذار1985 عندما وصفته بـ"عملية مضادة للإرهاب"، بدلاً من أن تصفه بأنه "عملية إرهابية"، وجاء ذلك في ظرف كان ينبغي للاستخبارات وفق ما أعلنه أحد المسؤولين في إدارة ريغان أن تمتنع عن إصدار أي تصريح، ورغم النفي المتسرع للوكالة فقد كان واضحاً تحمّلها المسؤولية، ما أضفى قدراً أكبر من المصداقية على تحقيق الـ"واشنطن بوست" على التصرفات التي قامت بها وكالة الاستخبارات الأمريكية وجاءت مخالفة لنفيها الرسمي. (الكفاح العربي 20/5/1985).

    ومن ناحية أخرى، فإنّ الـ"نيويورك تايمز" وصفت البيان الذي أصدرته الـ"سي.آي.إيه" ونفت فيه مسؤوليتها عن تدريب منفذي عملية التفجير في منطقة بئر العبد، بأنه بيان "لا يتجه إلى صلب الموضوع"، وتركّز نفي الـ"سي.آي.إيه" على أنها لم تقم بتدريب من قاموا بعملية التفجير، في حين أن البيان لا يتضمن نفياً محدداً في أن الوكالة كانت تعمل مع الاستخبارات اللبنانية".
    وتنحو في هذا الاتجاه صحيفة "مونتريال غازيت" الكندية التي ذكرت أنّ قول وكالة الاستخبارات "بأنها لم تكن ترغب في وقوع العملية، إنما هو مجرد تبرير لسياسة سيئة". (العالم25/5/1985).




    الاغتيال لرفع المعنويات الأمريكية:

    ولكنّ التقرير الذي نشرته التعبئة الأمنية في حزب الله أثناء محاكمة منفذي المجزرة جاء ليدحض كلّ تلك المزاعم وليؤكد العلاقة المتينة والقوية بين جهازي الاستخبارات الأمريكية واللبنانية في مواجهة الحالة الإسلامية.
    لقد جاء في هذا التقرير الذي استند إلى التحقيقات التي أُجريت مع أفراد الشبكة الذين نفّذوا عمليات التفجير، أنه "بسبب ما لقيت أمريكا من هزائم في لبنان أخذت تهيىء الرأي العام العالمي لعمل عسكري ينقذ معنوياتها المتدنية، وبدأت الإعداد لتنفيذ هذا التوجه، فاستنفرت كلّ أجهزتها، وأوعزت بموافقة صديقها الحميم، رئيس لبنان في تلك المرحلة أمين الجميل، إلى مدير مخابرات الجيش اللبناني العقيد سيمون قسيس، من أجل تأسيس فرع مخابراتي خاص يتولى التنسيق مع جهاز الأمن التابع للقوات اللبنانية تحت إشراف ضابطين من الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي.آي.إيه".



    التعاون الاستخباراتي"العربي":





    "وبالفعل فقد تشكّل هذا الفرع وبدأ عمله تحت عنوان "فرع العمل والتحليل الخارجي" بإدارة المقدم أدونيس نعمة المتخصّص بالدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني ومدير مكتب العقيد سيمون قسيس، وقد حُدِّدَتْ لهذا الفرع أهداف عدة كان في مقدمها اغتيال العلامة السيد محمد حسين فضل الله" (التقرير الذي نشرته التعبئة الأمنية في حزب الله).
    أما عن تورّط أحد فروع الاستخبارات العربية مع الاستخبارات المركزية الأمريكية في محاولة قتل السيد فضل الله في انفجار بئر العبد، فقد جاء في احدى الشهادات الأمريكية النادرة، والتي وردت في كتاب "الحجاب".. الحروب السرية للـ"سي.آي.إيه" 1981 ـ 1987، الذي كتبه مدير تحرير صحيفة الـ"واشنطن بوست" بوب ودورد.

    يقول بوب وودورد في كتابه: "إن المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وليم كايسي، ساعد شخصياً (جهاز استخبارات عربي) على تنفيذ ثلاث عمليات سرية، الأولى مساعدة تشاد في مواجهة ليبيا، والثانية إحباط الآمال الانتخابية للحزب الشيوعي الإيطالي في أيار عام1985، أما الثالثة فهي محاولة اغتيال السيد محمد حسين فضل الله في 8 آذار 1985 في سيارة ملغومة أسفرت عن مصرع 80 مدنياً في بئر العبد".




    وقال "وودورد" في مكان آخر: "إنّ هذا الطرف العربي دفع مبلغ15 مليون دولار لتمويل العمليات الثلاث، ولكن بعد فشل محاولة الاغتيال حاول هذا الطرف إقناع السيد فضل الله بمباركة كايسي بوقف عمليات السيارات الانتحارية ضد الأهداف الأمريكية والغربية عن طريق مساعدة بقيمة مليوني دولار كمواد غذائية ومنح جامعية إلى أتباعه".
    وكان "وودورد" نفسه قد كتب في صحيفة "واشنطن بوست" في العام 1985 إنّ محاولة الاغتيال كانت جزءاً من عملية الـ"سي.آي.إيه" التي تستهدف تدريب وحدات لبنانية على القيام بهجمات وقائية ضد الإرهابيين"، ولكنه أشار إلى أنه لم يعرف كما قالت الصحيفة، بدور إحدى الدول العربية التي شاركت الاستخبارات الأمريكية في عمليات عديدة في مختلف أنحاء العالم لا سيما في دعم مرتزقة "الكونترا" في نيكاراغوا ومرتزقة "اليونيتا" في أنغولا.

    وفي ردٍ على سؤال حول ما نشره "وودورد" قال سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله في حديث لوكالة "يونايتدبرس" في هذا الشأن: "ليس لدي دلائل ملموسة على تورط أحد أجهزة الاستخبارات العربية، لكن أيضاً ليس لدي معلومات تنفي ذلك، لكن على قاعدة العلاقات الخاصة بين أمريكا وبعض البلدان العربية نعتقد أنه من المحتمل أن يكون بإمكان أمريكا أن تضغط على هذه الدول من أجل تمويل بعض الأعمال الإرهابية الأمريكية".




    كما نفى سماحته بشدة أيضاً ما ذكره وودورد في كتابه عن أن واشنطن قدمت مساعدات بقيمة مليوني دولار إلى أنصاره مقابل وقف الهجمات الانتحارية على الأهداف الأمريكية، وتحدى "أي شبكة استخبارات أن تثبت هذه المعلومات بمعدل 1 في المائة". (السفير30/9/1987).


    امريكا حملت السيد مسؤولية هزيمتها في لبنان

    أكد الكاتب الصحفي باتريك فورستيه (Patrick Forstie) في مقال له أنّ السيد فضل الله يرفض فكرة الإرهاب، حيث يقول: "نحن نؤمن بأنّ الإسلام يمنح حياة أفضل، نحن نسعى لنشر أفكارنا ليس عن طريق القوة، إنما عن طريق الفكر والحوار، نحن نستخدم القوة فقط ضد أولئك الذين يهاجموننا".
    ويتابع صاحب المقال القول: "إذا كان السيد فضل الله قد أعلن دائماً أنه ضد العمليات الانتحارية، فهو ليس ضد العمليات "الاستشهادية" التي هي واحدة من أركان الإسلام الشيعي".

    ولم يلبث أن تحدث عن موقعية السيد فضل الله على صعيدي العالم الإسلامي والمحلي فيقول: "بأنه الشخصية الثالثة في الإسلام الشيعي بعد آية الله الخميني وآية الله أبو القاسم الخوئي الموجود في النجف، ولكنه يبقى الرقم الأول في "الموقع الديني" الشيعي اللبناني، بحيث يؤثر بهذه الصفة في التوجهات الكبرى، ويؤثر بأفكاره المسموعة بقوة في المليون شيعي الذين يشكلون اليوم الجماعة الأهم في لبنان".




    وأخيراً يعرض رأي السيد فضل الله في الشهادة من خلال نص من جريدة العهد جاء فيه: "الشهادة ليست موتاً، إنما هي في الأساس عمل روحي طوعي، لأن القضية أهم بكثير من الحياة". (باري ماتش ـ 22آذار 1985).
    وبالعودة إلى ما خططت له الاستخبارات الأمريكية، فقد تناول التقرير الذي نشرته التعبئة الأمنية في حزب الله استناداً إلى ملف محاكمة منفذي مجزرة بئر العبد، الهدف من اغتيال سماحة السيد وجاء فيه: "على أثر تصاعد الحالة الإسلامية الناصعة المعادية لأمريكا وإسرائيل في لبنان، وبعد تداعي أسطورة العدو الصهيوني وانسحابه ذليلاً من المناطق المحتلة، وتحطم هيبة الشيطان الأكبر الذي أصيب بمقتل، نتيجة تفجير مقر قيادة المارينـز ومقر سفارته وملحقها في عوكر ـ في المنطقة الشرقية من بيروت ـ استنفرت الإدارة الأمريكية أجهزتها السياسية والإعلامية والأمنية وبدأت حملة تشويه وتحريض إعلامي ضدّ المسلمين المجاهدين هدفت إلى عزلهم والإساءة إلى جهادهم ورموزهم إلى حد الاتهام المباشر لبعض شخصياتهم، وخصوصاً سماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله، الذي حمّلته أمريكا مسؤولية ما لقيت من هزيمة لها في لبنان، وأخذت تهيئ الرأي العام العالمي لعمل عسكري ينقذ معنوياتها المتدنية". (تقرير التعبئة الأمنية في حزب الله).

    المرجع فضل الله: المعركة مفتوحة بين الشعوب والإدارة الأميركية


    رأى المرجع فضل الله أنّ ما حصل يشكل حلقة من حلقات الصراع جاء في سياق السياسة الأمريكية التي أعلنت الحرب على الحالة الإسلامية، حيث يقول: "تعوّدنا أنّ الأمريكيين يعملون بطريقة وقائية فيما يريدون أن يقدموا عليه من خلال أجهزتهم المحلية والإقليمية، كما أن أمريكا خصصت 300مليون دولار وأعلنت ذلك منذ مدة لمحاربة ما تسميه الإرهاب والتطرف الديني في لبنان، ما يعني أنّ هذه الحادثة هي الحلقة الأولى التي ستتبعها حلقات". (النهار10/3/1985).

    كما أنه اعتبر أن هذه المجزرة جاءت كعملية انتقام وثأر من قبل أمريكا وإسرائيل والقوى المتعاونة معهما على الهجمات التي تعرّض لها الأمريكيون والفرنسيون في لبنان، وهذا ما عبّرت عنه بوضوح وسائل الإعلام، حيث قال سماحته: "إننا نتوقع كلّ يوم عدواناً إسرائيلياً وأمريكياً، ولا تعتبر المتفجرة التي حصدت مئات الضحايا في بئر العبد إلا عدواناً مشتركاً، وهذا ما يفسّر فرح أجهزة الإعلام الغربية ومقارنة شاشات التلفزيون في فرنسا وفي غيرها من البلدان بين ما حدث في الضاحية، وما حدث للأمريكيين والفرنسيين سابقاً، للإيحاء بأنّ هذا العمل يمثّل بعض الثأر لذاك".
    ويضيف سماحته: "لقد أرادوه عملاً استخباراتياً، إذ إننا لا نظن أنّ أمريكا تواجه الضاحية بالطريقة السافرة التي تجعلها تقصف الضاحية، لأن مثل ذلك لا يخدم مشروعها السياسي في المنطقة في هذه المرحلة، أما إسرائيل التي تعوّدت على أساليب النازية، فإنّ الأمر ليس بعيداً عن سياستها، لكن لا نجد هناك أي بادرة تبرر لها قصف الناس بشكل مباشر، لأنّ المنطقة لا تشتمل على مراكز عسكرية فيما تعتبره إسرائيل قاعدة للإرهاب". (اللواء 15/3/1985).

    ولم يبرئ سماحته إسرائيل التي كانت تحاول الانتقام من الضاحية الجنوبية والعبث بأمنها بالتعاون مع القوى المتحالفة معها، لأنها ـ أي الضاحية ـ تشكل الخزان الرئيسي للمجاهدين الذين يقفون في وجه المطامع الإسرائيلية في لبنان، وقد تجلى ذلك بقوله: "كان الانطباع أنّ هذه المجزرة التي تعتبر أكبر من الكلام كانت بحجم إسرائيل التي حاولت أن تمد القبضة الحديدية كما تقول إلى الضاحية الجنوبية التي تعتبرها مسؤولة عن الإمداد اليومي للمجاهدين المؤمنين".
    ويتابع القول: "الواقع عندما نتهم إسرائيل فإننا نتهم معها القوى المتحالفة من أجهزة المخابرات الأمريكية والأجهزة اليمينية، لأنها تتحرك في خط واحد وتتعاون في عملية التفخيخ والتفجير". (الشراع18/3/1985).


    لن نترك مواقعنا في العمل:

    وعن رأيه بتقرير الـ"واشنطن بوست"، الذي كشف عن ضلوع الاستخبارات الأمريكية واللبنانية بتفجير بئر العبد، قال سماحته: "لم يفاجئنا تقرير الواشنطن بوست بجديد، لأننا نملك معلومات دقيقة عن علاقة المخابرات الأمريكية واللبنانية الكتائبية والرسمية والإسرائيلية في هذا الأمر، وعندما صرحنا عند حدوث المجزرة بأن للمسألة علاقة بالمخابرات الأمريكية والإسرائيلية واللبنانية لم نكن نطلق تصريحات استهلاكية، بل كنا ننطلق من معلومات دقيقة..".
    ويتابع سماحته القول: "إننا نعتبر أنّ المعركة مفتوحة بين الشعوب وبين الإدارة الأمريكية، ونحن مستعدون لكل احتمال، ولن نترك مواقعنا في العمل من أجل الحرية لكل المسلمين، ولكل المستضعفين في العالم، وقد قلنا عند حدوث المجزرة إنهم إذا كانوا يخوفوننا بالموت، فنحن مع شعار أجدادنا من أهل البيت(ع): القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة..".

    كما رأى أنّ توقيت نشر هذه المعلومات التي وردت في تقرير الـ"واشنطن بوست" ومحاولة التنصل من أي علاقة لها بالمجزرة من خلال نفيها علاقتها بتدريب منفذي المجزرة إنما كان "محاولة لتبرئة المخابرات الأمريكية التي تشعر بأن علاقتها بالمسألة أصبحت مفضوحة، وربما تكشف أرقامها في وقت قريب، فتحاول الالتفاف على ذلك"..
    أما عن طريقة الرد المناسب على هذه المجزرة، فرأى سماحته: "أنّ الشعب الذي يعاني من السياسة الأمريكية المتحالفة مع السياسة الإسرائيلية في المنطقة هو الذي يعرف كيف يرد، لكنه لا يرد بطريقة انفعالية، بل بخطة متكاملة تسقط السياسة الاستعمارية، وعلينا أن نعرف أننا لسنا ضد الشعب الأمريكي، ففي أمريكا كثيرون لا يوافقون على سياسة حكوماتهم، ولكننا ضد السياسة الاستعمارية للإدارة الأمريكية التي تريد أن تجعل المنطقة محمية أمريكية ـ إسرائيلية، ولهذا فإننا لا نحمّل أفراد الشعب الأمريكي الذين يعملون بعيداً عن أجهزة التجسس والتخريب أيّ ذنب في أي مشروع تقوم به أمريكا، لأنّ الله علّمنا المبدأ القرآني: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}. (السفير14/5/1985).


    سقوط اسطورة الجندي الصهيوني والمخابرات الامريكية:

    وقال سماحته في احتفال في الذكرى السنوية الأولى لحدوث متفجرة بئر العبد: "إن متفجرة بئر العبد، هي دليل الصراع بيننا وبين المخابرات الأمريكية، وهي تُفهمنا أن المخابرات ليست قضاء لا يردّ كما أفهمونا أن الجندي الإسرائيلي لا يقهر، فإذا به أرنب لا يغادر آليته. وسقط الجندي الإسرائيلي كما تسقط أسطورة المخابرات الأمريكية. فهي قد تستطيع أن تسقط شخصاً، لكنها لن تسقط شعباً ولا روحاً، لذلك لا نعيش هاجس الخوف من المخابرات المركزية، إنهم أشخاص يملكون فكراً يخطط، إنهم بيننا يتسلمون أحياناً رئاسة جمهورية، أو قيادة جيش أو رئاسة حكومة أو وزارة، المخابرات الصغيرة هم الأدوات الحقيرة الصغيرة للمخابرات المركزية الأمريكية".


    وطالب سماحته بمحاكمة صانعي الفتنة ومدبريها، واعتبر أنه لا مجال لمهادنة النظام اللبناني الذي انطلقت مخابراته الشرعية والحزبية لتكون أداة تنفيذ بيد المخابرات الأمريكية، وقد أمسك ببعض هؤلاء، لكن بقي هناك أسماء كبيرة في قيادة الجيش والدولة، لهذا فإن المسألة هي محاكمة من صنع الجريمة وليس فقط أن تحاكم الأدوات، نريد أن نحاكم النظام، لا لثأر شخصي، بل لنحمي شعبنا وأمتنا من كل الذين تربعوا على ساحة القيادة في هذه الدولة..". (السفير9/3/1986).



    الإمام الخميني يعزي العلماء العظام وحزب الله يهدد ببركان





    أما على صعيد المواقف وردود الفعل، فقد استنكرت القوى والهيئات السياسية والنقابية ودان علماء ورجال دين ورسميون هذه الجريمة البشعة، وحمّلوا أمريكا وإسرائيل وعملاءهما المسؤولية..

    شهداء طريق الحق:

    كان في طليعة المستنكرين للمجزرة الإمام الخميني(قده) الذي عزى الشعب اللبناني والسيد فضل الله بيان جاء فيه: "إنني أتقدم بالعزاء للشعب اللبناني وخصوصاً العلماء العظام على تلك المصائب التي تعرّض لها شعب لبنان المسلم، وخصوصاً فاجعة الانفجار الأخيرة التي أدّت إلى استشهاد وجرح الكثير من الأخوة والأخوات، وأطلب من الله تبارك وتعالى أن يمنّ على هؤلاء الشهداء؛ شهداء طريق الحق، وخصوصاً شهداء الأحداث الأخيرة في العراق ولبنان بالرحمة والمغفرة..". (العهد، 22جمادى الثانية، 1406هـ).


    التحالف الأمريكي الصهيوني مهزوم:

    كما استنكر حزب الله المجزرة وأصدر بياناً جاء فيه: "في الوقت الذي لم تفلح الهجمة الإسرائيلية الشرسة المسماة القبضة الحديدية في جبل عامل والتي كان آخرها جريمة التفجير الآثمة في "معركة"، وفي الوقت الذي يقوم شعبنا بتوجيه ضربات قاضية للوجود الإسرائيلي، عمدت إسرائيل بتوجيه عملائها في الداخل إلى ارتكاب جريمة وحشية جديدة تضاف إلى سجلها الحافل بالإجرام والإرهاب، هذه الجريمة التي ذهب ضحيتها عشرات الرجال والنساء والأطفال كأحدث وسائل الانتقام التي تمارسها أمريكا وإسرائيل والكتائب ضد المسلمين الآمنين.

    إن سفك أمريكا وإسرائيل دماء شعبنا بالأمس في "معركة" و"بئر العبد" سيكون شاهداً أمام الرأي العام العالمي على أن أمريكا هي حامية الإرهاب في العالم، إن دعمها اللامحدود لربيبتها إسرائيل الغاصبة ولحلفائها في المنطقة وانحيازها الأعمى سيكلفها كثيراً، وسيلحق الهزائم بها أينما حلّت وارتحلت، وإن قوافل الشهداء في الجنوب وبيروت ستخلّف بركاناً يدمر كل أركان الاستكبار والعمالة ويغير كل المعادلات التي رسمتها قوى الاستعمار الحديث. وإننا إذ نتقدم من إمام الأمة الخميني العظيم بالتهنئة بسقوط الشهداء الأبرياء وبسلامة حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد حسين فضل الله، ندين هذا العمل الإرهابي الذي تقف وراءه أمريكا ونحمّل المسؤولية الكاملة للنظام الكتائبي في شخص رئيسه الذي ينفذ السياسة الأمريكية ـ الإسرائيلية بزرع العبوات والمتفجرات في مناطقنا الإسلامية الصامدة". (العهد، عدد خاص، جمادى الثانية، 1406هـ/12/3/1986).



    يتبع ...


    شهداء بلادي إرث العراق





  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2008
    المشاركات
    3,118

    Arrow

    تكملة :


    درب الأنبياء محفوف بالمكاره:

    ورأى أمير حركة التوحيد الإسلامية المرحوم الشيخ سعيد شعبان "أن هذه التفجيرات لن تحقق غرض العدو، لأن درب الأنبياء محفوف بالمكاره، فكل الذي أخبر به القرآن متحقق اليوم في حياتنا، الخوف والجوع ونقص الأموال والقتل في الأنفس وقلة الثمرات، وكل هذا لن يزيدنا إلا صبراً، لأن البشارة للصابرين على الحق، ولن نصبر على الباطل، ولن نقف إلى جانبه بإذن الله، وإننا لنرسل بعزائنا إلى آل الشهداء المظلومين الأبرياء والدعاء بالشفاء للجرحى وتعويض المتضررين، ونهنئ سماحة السيد محمد حسين فضل الله بسلامته، وهو رمز من رموز الحق ومن حملة الرسالة الإنسانية". (العهد، 22 جمادى الثانية، 1406هـ).


    عدوان آثم ومعركة مستمرة:

    واعتبر المسؤول السياسي لـ"الجماعة الإسلامية" في الجنوب الشيخ صلاح الدين أرقه دان أن الجريمة "ما هي إلا شكل من أشكال الحرب الإسرائيلية، وهي تنفيذ للتهديدات المتعددة التي أطلقها القادة السياسيون والعسكريون للدولة العبرية، وهم يهدفون من وراء ذلك إلى تركيع المجاهدين، ونحن من موقعنا في الجنوب نقول إن المعركة مع الإسرائيليين ستستمر ولن يفتّ من عضدنا أي تهديد أو إجرام أياً كان، ونهنئ أنفسنا والعالم الإسلامي بنجاة صاحب السماحة العلامة محمد حسين فضل الله". (العهد، 22 جمادى الثانية، 1406هـ).
    وكان العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين توجه بـ"أحر تعازيه القلبية إلى ذوي الضحايا مبتهلاً إلى المولى العليّ القدير أن يمنّ على الجرحى بالشفاء العاجل".

    وطالب بـ"إدانة إسرائيل على تماديها في مسلسل جرائمها ضد اللبنانيين وتعزيز روح التضامن الوطني بين اللبنانيين". (العهد، عدد خاص، جمادى الثانية، 1406هـ، 12/3/1986).
    ووجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد نداءً إلى جميع اللبنانيين للحفاظ على وحدة الصف في هذه المرحلة الخطيرة، وقال: "إن هذا العدوان الآثم الذي لم يعد معه الاستنكار يجدي بشيء، ينبغي أن يكون حافزاً لنا لكي نتنبه إلى ضرورة صون صفنا الإسلامي والوطني من الأيدي الخبيثة التي تريد له الفرقة والتناحر والعبث.

    إن علينا أن نقف صفاً واحداً فوق الجروح مهما كبرت، لنصل إلى ما يؤمّن لنا الاستقرار والأمن والعدالة والمساواة في هذا البلد، وإن الله مع الصابرين" (العهد، عدد خاص، جمادى الثانية، 1406هـ، 12/3/1986).


    مع الحق رغم التضحيات:

    وقال المفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الأمير قبلان: "أمام هذه المجزرة الرهيبة وما سبقها ضد شعبنا الذي اختار الشهادة لتحقيق النصر، نقول إن ردّنا هو المزيد من الإيمان والصبر والتشبّث بموقفنا الرافض لكل أنواع الذل والهزيمة، مؤكدين وقوفنا المطلق إلى جانب الحق مهما غلت التضحيات..".
    وأضاف: "لقد أثبت شعبنا قدرته على تخطي العقبات والتغلب على المآسي والنكبات مسترشداً بالإمام الحسين(ع) الذي علمه تخطي المحن والخروج منها مستمداً القوة عازماً على مواصلة الجهاد ضد كل المؤامرات. لشهدائنا الرحمة ولجرحانا الشفاء العاجل، معاهدين دماءهم الزكية على البقاء مخرزاً في عيون الأشرار والأعداء.." (العهد، عدد خاص، جمادى الثانية، 1406هـ، 12/3/1986).

    كما دان المجزرة الأمريكية كل من: المكتب الإعلامي لحركة "أمل"، المقاومة الإسلامية، الجماعة الإسلامية، الهيئات النسائية الإسلامية، اللقاء الإسلامي، حركة التوحيد الإسلامي، الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.. وأيضاً العديد من الشخصيات السياسية الرسمية والحزبية والنقابية والعلمائية والدينية والفاعليات الاجتماعية (النهار 12/3/1985).


    مواقف من الكشف عن المتورطين:

    ومما جاء في بيان هيئة علماء جبل عامل أثناء الكشف عن المتورطين بالشبكة الإرهابية: "العملية الإجرامية التي قام بها عملاء المخابرات الأمريكية من المكتب الثاني والجبهة اللبنانية والقوات اللبنانية والموساد الصهيوني والتي كانت تستهدف سماحة العلامة الجليل السيد محمد حسين فضل الله، التي أودت بحياة العشرات من الأبرياء رجالاً وأطفالاً ونساءً، وصدعت العديد من البنايات وعطلت أهم المرافق الحيوية في الضاحية الجنوبية..
    إن هذه العملية كانت تهدف إلى تصفية الرموز الإسلامية، وبالتالي إلى تصفية الوجود الإسلامي كله، وكان من فضل الله علينا سلامة العلامة الجليل وانبعاث الحياة الإسلامية والروح الجهادية أكثر فأكثر". (العهد، 5جمادى الثانية، 1406هـ، 26/3/1986).


    قاسم: لن يقتلوا المسيرة

    وفي الذكرى السنوية الرابعة لمجزرة بئر العبد، ألقى الشيخ نعيم قاسم كلمة حزب الله، ومما جاء فيها: "نقف في هذا المأتم على أرواح شهداء استشهدوا لا لشيء إلا لأنهم قالوا ربنا الله، فالمتفجرة عندما وضعت لم تراع وجود طفل أو شيخ أو امرأة، المهم عندهم أن تقتل، وأن تدمر، وليس مهماً كم تقتل وكم تدمر، ولكن المهم عندها أن يقتلوا رمزاً من رموز الإسلام حتى يقتلوا المسيرة، كل ذلك إرضاءً لظلمهم، ولكن الله شاء أن يحفظ سماحة السيد فكشف أمريكا وإسرائيل والقوات اللبنانية والمخابرات اللبنانية الرسمية، وكشف الزمرة التي فجرت". (نص مكتوب في 12/3/1986).



    أهالي الشهداء والجرحى: السيد والضاحية منابع الإسلام والمقاومة


    نستشهد ويبقى السيد حياً:

    كان لنجاة سماحة السيد من المجزرة قدر من العزاء والسلوى للكثير من أهالي وأخوة وأبناء الشهداء والجرحى، وفي هذا الإطار نعرض لعينات من أقوال ذوي الشهداء والمعوقين: الحاجة أم حسن نور الدين، قالت: "لقد كان السيد هو المقصود، وكان زوجي رحمه الله يقول: أمريكا وإسرائيل ستحاولان اغتيال السيد وإن شاء الله أفدي نفسي وأولادي ويبقى السيد حياً يؤدي رسالة الله، وبالفعل لقد استشهد زوجي وبقي السيد حياً ولم يصب بأذى".





    وعن كيفية تلقي أطفالها نبأ استشهاد أبيهم قالت: "أذكر أنني وجدتهم ينطلقون نحوي عند استشهاد والدهم ويقولون: الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، وكأنهم فهموا المدبر الحقيقي، وأذكر أن أحدهم وعمره سبع سنوات قال بعد استشهاد والده: عندما أكبر أريد شيئاً فقط، أريد القيام بعملية ضد الصهاينة".


    لن نزيح عن الخط:

    نعمة درويش أخ لشهيدتين سقطتا في الانفجار، قال: "المهم أن يبقى آية الله السيد محمد حسين فضل الله، لأنه العمود الفقري للعمل الإسلامي في هذا البلد، ونعاهد الله أننا لن نزيح عن هذا الخط (العهد، 25 جمادى الثانية 1406هـ، 6 آذار1986).
    أما والد الشهيدين محمد ترمس وشقيقته زينب ترمس، قال: لقد أرادوا من المجزرة اغتيال "السيد" وإضعافنا من خلال قتل أكبر عدد ممكن من الناس، كان بمقدورهم أن يقتلوا "السيد" وحده، لكنهم أرادوا أن يقتلوا معه عدداً كبيراً من الناس إجراماً وحقداً على الإسلام، ولكن الحمد لله أن "السيد" بقي موجوداً مع هذا الجيل.

    الأخت آمال علاء الدين التي فقدت يدها اليمنى تقول: "الحمد لله، هذه المجزرة زادتني عزيمة وقوة، لأن المعاق ليس معاق اليد، وإنما هو المعاق في عقله وإيمانه، لقد كنا ننتظر ذلك من أمريكا وما زلنا ننتظر أكثر منه كل يوم، وقد رأيناها ماذا فعلت فينا خلال موسم الحج الماضي، لقد أرادت أن تقتل هذه المنطقة كلها وليس "السيد" وحده، لأنها منبع الإسلام والمقاومة والإيمان، ولكنها مهما عملت فلن يهمنا ما تفعل وإن كانت قوة كبرى، فلدينا شبابنا في المقاومة الإسلامية الذين نفتخر بهم أمام العالم أجمع".. (العهد، 23 رجب 1408هـ).


    شهادتي سعادتي:

    أما أحد أبناء الشهيد أبو حسن نور الدين فيقول: "لقد أرادوا إطفاء الشعلة الإسلامية، لكنهم رأوا خلال تشييع الشهداء تعبير الجماهير عن سخطها ضد الاستكبار، وهذه المجازر لن ترهبنا، وكما يقول أحد شهدائها شهادتي سعادتي، إنهم يخوفوننا بالموت وهو لا يزيدنا إلا قوة وعزماً، ولذلك على شعبنا أن يفهم الواقع من حوله، وأن يعرف من هم أعداؤه، لا أن يتلهى بالقشور الأخرى".. (العهد، 23 رجب، 1408هـ).


    التحقيق في المجزرة:

    بعيد الانفجار بدأ جهاز أمن حزب الله بالتحقيق واعتقل عدداً من المشبوهين واستمر التحقيق فترة طويلة وأعلنت نتيجته بعد سنة كاملة عبر بيان مفصل وعدد خاص من جريدة "العهد" التابعة للحزب.

    وتمت إذاعة نتائج التحقيق في مطلع آذار 1986 في الذكرى السنوية الأولى لمجزرة بئر العبد، وجاء في مقدمته ليهدي الانجاز بكشف المجرمين إلى قادة مسيرة المقاومة والى المرأة التي أرسلتها العناية الإلهية لإبطال كيد الشياطين:

    " إلى قائد الأمة الإمام الخميني،
    إلى الإمام المغيّب السيد موسى الصدر.
    إلى آية الله السيد محمد حسين فضل الله، الرجل الذي أرادت أميركا قتله وأراد الله حفظه، فكان لله ما أراد.
    إلى تلك المرأة التي ألحت على سماحته بأسئلتها في المسجد وأخرت انطلاقه، فخيب الله بها آمال الحاقدين.."

    وقد تضمن التقرير خلاصة التحقيق مع أفراد الشبكة التي كان الحزب قد اعتقلها بعيد الانفجار،وفيه عرض لمراحل تأسيس تلك الشبكة والعمليات التي قامت بها ونبذة عن كل عضو من أعضائها.

    ويذكر الصحفي اللبناني عمار نعمة في صحيفة السفير (13/7/2008) ان الشهيد القائد الحاج عماد مغنية هو الذي قام بمتابعة مسؤولية التحقيق في محاولة الاغتيال التي استهدفت سماحة السيد فضل الله في بئر العبد والتي أودت بحياة العشرات من الشهداء.
    ويعتبر أن "صفات الشهيد مغنية ومهامه فرضت اختياره للتحقيق، حيث يمتاز بالنباهة الزائدة، الثقة بالنفس، القدرة الذهنية الحادة، التحفز والتوثب، إضافة إلى لازمة بالغة الأهمية أيضا، هي الحذر الشديد والحرص على المعلومة مهما كانت صغيرة."

    ويضيف : "وقد عرّف مغنية عن نفسه عند إعلان التحقيق بأنه أحد القادة الأمنيين المتولي مسؤولية التحقيق. وكان ذلك الشاب التقي الملتحي، المربوع القامة في ذلك الوقت، حريصاً على بث ونشر نتائج التحقيق في تلك الجريمة، عبر سرد الوقائع المُدينة بحق هؤلاء بموضوعية والتي توصلنا إليها بالتنسيق مع بعض القوى الأمنية في المنطقة".


    "السيد" لحماية الحرية ومواجهة الهيمنة:

    وأخيراً، نختم بقول لسماحة السيد يختصر فيه واقع الصراع بين الاستكبار والحالة الإسلامية، جاء فيه: "ما دامت الساحة ساحة معركة بين معنى الحرية ومعنى الاستعمار، وبين معنى الهيمنة ومعنى العدالة، فمن الطبيعي أن ننتظر مثل هذه الأساليب في أكثر من موقع، لأن هذه القوى مضادة لمستقبل الشعب والأمة، ومعادية للإسلام والمسلمين، لأنها لا تملك إلا هذه الأدوات في الساحة في ما تتحرك به من أدوات الحرب".


    شهداء بلادي إرث العراق





ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني