النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2008
    المشاركات
    3,118

    Lightbulb دور الفقيه السيِّد فضل الله في الدِّفاع عن الوحدة الإسلاميَّة

    دور الفقيه السيِّد فضل الله في الدِّفاع عن الوحدة الإسلاميَّة





    محمّد السّمّاك*

    2011-06-11







    تزامن انطلاق ما اتّفق على تسميته بالصّحوة الإسلاميّة، مع وقوع أحداثٍ أعادت صياغة المعادلات الدّوليّة، وطرحت إعادة تموضع الإسلام فيها، كما طرحت إعادة النّظر في موقفه منها. وقد استندت المعادلات الجديدة إلى نظريات فكرية أسّست لها، ووضعت لها الإطار العقائديّ، وحدّدت لها معالم الفلسفة الّتي استندت إليها في توجّهاتها الجديدة.



    بدأت هذه الأحداث بسقوط الاتّحاد السوفياتيّ في أفغانستان، ثم بقيام الثّورة الإسلاميَّة في إيران، وبعد ذلك، بالحرب العراقيَّة على إيران، ثم بغزو العراق للكويت.. وبالردِّ على الغزو باجتياحٍ أمريكيٍّ للمنطقة، وانتهاءً بانتهاء الحرب الباردة الّذي أدَّى إلى سقوط الشيوعيَّة وتفتيت الاتحاد السوفياتي، ومن ثم محاولة فرض نظامٍ عالميّ جديد يقوم على القطبيّة الواحدة.



    النّظريّات الفلسفيّة الّتي واكبت هذه الأحداث ووضعت لها الإطار المنهجيّ الفكريّ، تمحورت حول صناعة عدوٍّ جديد يحقّق التّضامن بين القوى الدّوليَّة الّتي اعتبرت نفسها وريثة عالم ما بعد الحرب الباردة، ومعنيّةً بالتّالي بإعادة تركيب وإدارة النّظام الجديد. فكان التّوافق المعلن بين هذه القوى، ومنذ مطلع التّسعينات من القرن الماضي، على أن يكون الإسلام هو هذا العدوّ.. وكان من مستلزمات نجاح هذا التّوافق، أن يبدو العدوّ قويّاً بما يشكّل حافزاً لتضامنٍ ضدّه، ولكن أن لا يبلغ من القوّة بحيث يشكّل خطراً جدّيّاً على مصالح أهل النّظام الجديد.



    لقد كان واضحاً أنّ استعداء الإسلام يشكِّل في ذاته حافزاً له ـ أي للإسلام ـ للتوحّد، ولاستنفار الحميّة الدّينيَّة، وبالتَّالي للاستقواء على استهدافه. فوجد مستهدفوه أنَّه من الضَّروريّ العمل على استعدائه وعلى استضعافه معاً، وذلك بضرب أحد أهمّ المقوّمات التي يتحصَّن ويستقوي بها، وهي وحدته.



    المناسبة الّتي تجمعنا اليوم، تجعلني مضطرّاً عندما أتحدَّث عن موضوع استهداف وحدة المسلمين، أن أحصر حديثي بالدَّور الّذي قام به فقيدنا الكبير العلامة السيِّد محمد حسين فضل الله، للدِّفاع عن هذه الوحدة، وللتَّنبيه من مخاطر المنزلقات الّتي كانت تعدّ لدفع المسلمين باتجاهها.



    لم يكن فكر العلامة (رحمه الله وأحسن مثواه)، فكراً صوفيّاً عاجيّاً، كان فكره مجبولاً بتراب الواقع الإسلاميّ، كانت الوحدة الإسلاميّة خبزه اليوميّ، وكان همّه البحث عن وضع تصوّر واقعيّ لها، ورسم طريق آمن للتحرّك نحوها، ولذلك اعتمد منهجيّةً قامت على أساس حصر المشاكل الّتي تواجهها هذه الوحدة، ومن ثم دعا إلى وضع برنامج عمل للتّعامل مع هذه المشاكل بما يعطّل بعضاً من مفاعيلها السلبية.



    نجح السيّد حيث تعثّر كثيرون، فقد مدَّ جسراً بين الفكر والاجتهاد، وكان هو نفسه ذلك الجسر، فجمع بين الفقه المتخصّص والثّقافة العامّة، واستطاع بذلك مقاربة الهدف الأسمى، وهو: "تقريب المضمون الإسلاميّ إلى الوجدان الإسلاميّ، وترتيب مفرداته لتركيز القاعدة الفكريّة الواحدة في عالم القرن الواحد والعشرين".



    كان هدفه "أن لا يكون هناك عدّة إسلامات، بل إسلام واحد لا تختلف عناوينه في خطوط الفكر والواقع إلا ببعض التَّفاصيل التي لا تمسّ الخطَّ العام". ولكنَّ السيِّد كان يعرف أنَّ دون ذلك عقبات داخليّة وخارجيّة، ورغم أنّه لم يستهن بها، إلا أنَّه لم يهن أمامها. فعلى الصَّعيد الدّاخليّ، رأى أنّ تنازع الحركات الإسلاميَّة المتعدّدة في نظام الحكم وحوله، وفي أسلوب العمل، غالباً ما يؤدِّي إلى صراعٍ مذهبيّ يتحوَّل في الوجدان الشَّعبيّ إلى حالةٍ حادَّةٍ من العصبيَّة الخانقة ضدَّ المسلمين الآخرين، ورأى كيف أنَّ هذه العصبيَّة تغذّي بعض التّراكمات التاريخيّة والتعقيدات النّفسيَّة في قضايا التّاريخ المنعكسة على الواقع؛ وهنا يحدث الأخطر والأسوأ، وهو تقاطع هذا التَّنازع مع السياسة الدّوليَّة الّتي كان السيِّد يردِّد دائماً أنَّ موقفها ـ موقف هذه السياسة الدّوليّة ـ من قضايا العالم الإسلاميّ يعاني من عقدةٍ تاريخيّةٍ من الإسلام، فقد كان واضحاً لديه، الواقع التّصادميّ بين مصالح المسلمين ومصالح الاستكبار العالميّ؛ وأنّ هذا الواقع كان معنيّاً بالسّيطرة على كلّ مفاصل الاقتصاد والأمن والسياسة، من أجل تأمين المصالح الحيويّة للأجنبي، لتكون كلّ ثروات المسلمين رصيداً احتياطيّاً لثرواته، فلا يبقى للمسلمين منها إلا القليل، كما تتحوّل المواقع الاستراتيجيّة في البلاد الإسلاميّة إلى هامشٍ لحاجاته ـ لحاجات الأجنبي ـ الأمنيّة والسياسيّة، في صراعاته المتفرّعة، ليكون العالم الإسلاميّ تابعاً له في كلّ قضاياه بحيث لا يملك أيّ فرصةٍ للتحرّك الذّاتيّ.



    أيّها الأخوة والأخوات.. ما كان للسيِّد أن يرى البُعد الحقيقيّ للأخطار المترتّبة على التفرّق الإسلاميّ لو كان مجرَّد رجل فقهٍ ووعظٍ تقتصر حركته على ما بين البيت والمسجد؛ كان يعيش أحداث العالم، ويتابع التطوّرات والمتغيّرات والمستجدَّات ، وكان يقرأ ويستقرئ بعمق تأثيراتها الآنيَّة واللاحقة في العالم الإسلاميّ وفي وحدته ودوره. كان يرى بوضوح العلاقة السببيَّة المباشرة بين واقع الانقسام الإسلاميّ والسّيطرة الأجنبيّة. ولذلك كان يعرف أنَّ العمل من أجل الوحدة الإسلاميَّة معناه التصدّي للهيمنة الأجنبيَّة ومواجهتها، وكان يعرف أيضاً أنَّ المتضرّرين من قيام الوحدة لن يوفّروا أيَّ جهدٍ، ولن يتردَّدوا بالقيام بأيِّ عملٍ لتعطيلها فكراً وعملاً. وكان يعرف جيّداً كذلك أنَّ الاستمرار في الدّعوة إلى الوحدة الإسلاميّة وفي العمل من أجلها، سوف يواجَه بكلّ وسائل التّعطيل. وبالتّالي، فإنّ الصّدام كان حتميّاً، وكان صداماً استراتيجيّاً باهظ الثمن. وكان يعرف كذلك أنّ عليه كحامل لواء الوحدة أن يسدّد هذا الثّمن.

    حاربه أعداؤه الخارجيّون ، لأنَّهم كانوا يخافون من نجاح الوحدة على مصالحهم ومخطَّطاتهم. وخاصمه ذوو القربى الدّاخليّون لأنَّهم أساؤوا فهمه






    ونحن وأنتم أيّها الأخوة والأخوات، جميعنا نعرف كيف خرج (رحمه الله) من تحت الدّماء على أجنحةٍ ملائكيَّةٍ، ليتابع دعوته إلى الوحدة، وليواصل مقاومته للهيمنة الأجنبيَّة.. ونعرف كذلك أنّه ظلم، وأنّه عانى من ذوي القربى، من أهل دينه ومن أهل مذهبه، ولكنَّه مع ذلك، لم يهن ولم يستكن ولم يتردَّد. حاربه أعداؤه ـ أعداؤه الخارجيّون ـ المتربّصون شرّاً بالوحدة الإسلاميَّة، لأنَّهم كانوا يخافون من نجاح الوحدة على مصالحهم ومخطَّطاتهم. وخاصمه ذوو القربى الدّاخليّون لأنَّهم أساؤوا فهمه، أو لأنّهم لم يفهموا نبل دعوته إلى الوحدة وإخلاصه لها، فالتقى الجمعان من حيث لا يريدان على اعتراض مسيرته.. ولكنّه مضى قدماً حاملاً لواء الوحدة وعاملاً عليها حتّى لاقى وجه ربّه الكريم.



    لقد ربط في فكره وفي اجتهاده بين التمزّقات الإسلاميَّة المذهبيَّة والاجتماعيَّة والحركيَّة الّتي أضعفت الواقع الإسلاميّ كلّه، وتكالب القوى الأجنبيَّة عليه، وربط بين فقد المسلمين قوّة الضّغط واستقامة الطَّريق ووحدة الهدف، وقوَّة سيطرة القوى الأجنبيَّة والتبعيَّة له. ولذلك كان يؤمن بأنّ الوحدة الإسلاميَّة هي من أجل الإسلام؛ الفكر والدَّعوة والحركة والواقع، ليكون الدّين كلّه لله.



    لم يكن السيِّد يريد من الوحدة استقواء فريقٍ على آخر، إنَّما لجعل كلِّ الفرقاء فريقاً واحداً اسمه الإسلام. ورغم وضوح رؤيته ووضوح نصّه ووضوح فكره، فقد كان هناك من أساء فهمه، ومن حاول أن يمذهبه أو أن يحزّبه.



    لم يقتصر دور السيِّد على مجرَّد توصيف حالة التمزّق الإسلاميّ، كان يقرُّ بأنَّ كلَّ المسلمين يريدون الوحدة وأنَّهم يسعون إليها، ولكنَّه لاحظ ما سماه "فقدان الرّوحيَّة الحواريَّة" الّتي تعتبر الحوار وسيلةً لاكتشاف الحقيقة بالتَّعاون مع الآخر والاستماع إلى وجهة نظره بفكرٍ منفتح. وكان يؤمن بأنَّه لا يكفي أن يصل الإنسان إلى الحقيقة من خلال تجربته الذاتيَّة، لأنَّ من الممكن أن يكتشف شيئاً آخر في التَّجربة الثّقافيَّة المشتركة في ساحة الحوار..



    وكان يرى "أنَّ على المسلم أن يختزن في وجدانه الدّينيّ أنَّ الخطَّ المذهبيّ يمثِّل وجهة نظر في فهم الإسلام في تجربته الثّقافيَّة ، فذلك الّذي يجعله أكثر قدرةً على فهم حقيقة انتمائه الّذي يكون ناشئاً من واقعٍ وراثيٍّ أو عاطفةٍ خاصّةٍ أو تأثيرٍ اجتماعيّ تقليديّ، ما قد يؤثّر في التزامه الثقافيّ به، ويمكن أن يمتدّ ذلك إلى الاختلافات الاجتهاديَّة في داخل المذهب الواحد، فإنَّ هذه الرّوح ـ الكلام لسماحة السيِّد ـ هذه الرّوح الموضوعيَّة، قد تتيح للإنسان الفرصة للاختيار الذّاتيّ في التزاماته الكلاميّة أو التّاريخيّة أو الفقهية".



    واضح من كلام السيِّد أنَّه استوحى ذلك من قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}[سبأ:24]، فإذا كان هذا النّصّ القرآنيّ يعكس أدب الحوار النّبويّ مع الكفّار، فحريّ أن يشكّل أساساً لأدب الحوار مع أهل الكتاب، ولأدب الحوار المؤمن مع أتباع النبي.



    هنا أيّها الأخوة والأخوات، لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ الوحدة الإسلاميَّة لا تعني التّماثل، أو أنّها لا تقوم أساساً إلا على أنقاض الاختلافات الاجتهاديّة، فالاعتصام بحبل الله ـ أي بالإسلام ـ يتناقض مع التفرّق وليس مع الاختلاف، عندما يقول لنا القرآن الكريم: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}[آل عمران: 103] لم يقل ولا تختلفوا.



    يتناقض التفرّق مع الاختلاف، ولو كان الأمر غير ذلك، لما دعانا الله سبحانه وتعالى إلى الاعتصام بحبله ونهانا عن التفرّق، كما ورد في الآية القرآنيّة الكريمة.. ولما ذكّرنا سبحانه وتعالى بقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ}[الرّوم: 22]، ولما خاطبنا بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}[الحجرات: 13].. أي أنّنا بإرادة الله جُعِلنا مختلفين شعوباً وقبائل؛ هذه إرادة إلهيّة أن نكون مختلفين، ولكن يجب أن لا يؤدّي اختلافنا إلى تفرّق.



    إنَّ الوحدة الإسلاميَّة، أيّها الأخوة والأخوات، تتناقض مع ثقافة التَّكفير، من حيث إنَّها ثقافة إلغائيَّة للمؤمن الآخر، فكراً واجتهاداً وعقيدةً، ومن حيث إنَّها ثقافة احتكاريّة للمعرفة الإيمانيَّة وللتّعبير عن الإيمان. تتحقَّق الوحدة الإسلاميَّة بنبذ هذه الثَّقافة، وباعتماد ثقافة احترام الاختلافات الاجتهاديَّة والفقهيَّة الّتي تبدو كمجاري الحقّ الّتي تخرج من ينبوع واحد.



    إنَّ الطَّريق إلى الوحدة الإسلاميَّة واضح، السنّة مسلمون، والشّيعة مسلمون، وهم يتوحّدون سنّةً وشيعةً بمعادلةٍ بسيطةٍ جدّاً: تقبُّل الاجتهاد المختلف واحترامه، فالحقّ واحد وإن تعدّدت الطّرق إليه.



    لقد كان مرجعنا الرَّاحل (رضوان الله عليه) من أصحاب هذه الدَّعوة، كان حريصاً على طمأنة الخائفين على انتماءاتهم المذهبيَّة أو على مواقعهم الاجتهاديّة، أنّ الوحدة لا تعني في حركيّتها في الواقع دعوة الإنسان إلى أن يترك مذهبه تلقائيّاً، بل إنّها تعني أن يلتقي المسلمون على الخطوط العقيديّة والشّرعيّة للإسلام، ليتحاوروا فيها.. وليكون الاختلاف في التّفاصيل هنا وهناك على أساس إرجاع الأمر إلى الله ورسوله، على ما جاء في قوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}[النّساء: 59].



    رحم الله فقيدنا الكبير وأجزل له الثّواب، وجعلنا من العاملين على نهجه من أجل الوحدة الإسلاميّة الّتي وقف فكره وعمله وحياته من أجلها



    * محاضرة عن الحكمة والموعظة الحسنة عند السيد المجدد فضل الله (ره) على هامش المؤتمر التربوي العشرين الذي اقامته جمعية المبرات الخيرية .




    http://www.b-iraq.com/descriptionfrombyynat.php?x=2313


    شهداء بلادي إرث العراق





  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2005
    المشاركات
    1,948

    افتراضي

    احسنتم بارك الله بكم

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2008
    المشاركات
    3,118

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عابرة سبيل2005 مشاهدة المشاركة
    احسنتم بارك الله بكم

    وانتم من المحسنين , ويعطيكم العافية.


    شهداء بلادي إرث العراق





ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني