كان السيِّد فضل الله عملاقاً في قلبه الّذي ينبض بالحبِّ، فلا يملك إلا أن يحبَّ كلّ النّاس، ولذا أحبّه كلّ من التقى به وحاوره وعرفه عن قرب، أو عرفه من خلال كتبه الغزيرة وفكره الثّرّ...
كان صاحب القلب الكبير والصّدر الرّحب الّذي يتّسع للنَّاس جميعاً، حتى لأولئك الذين أعمى الحقد والحسد قلوبهم، فكذَّبوا فيما كتبوا، وإن كانوا قد أعجبوا فيما أسرّوا وكتموا، وهذا سرّ حلم سماحة السيِّد عنهم، حيث عرف أنّهم يكيدون ويمكرون ويبهتون، ففضَّل - مع ألمه – أن يجعل خاتمة مكرهم إلى الله عزّ وجلّ، فكبر وصغروا، وعزَّ وذلّوا ...
كان عملاقاً في فكره الَّذي انطلق من البحث الحرِّ عن الحقيقة التي جعل الحوار أرضاً طيبةً لها، يعمل على استنباتها ورعايتها كي تثمر حباً ومعرفةً وانفتاحاً...
لم يجعل لفكره حدّاً وقيداً، بل أطلقه من عقال القداسة والخرافة والمألوف، فالفكر الحرّ يأبى أن يخضع لتقديس ما لا قداسة له، وأن يركن إلى أحاديث التَّخريف والتَّحريف التي ليست من الإسلام في شيء، وأن يسير خلف ركب فكر الآخرين ورأيهم من دون حجَّة أو دليل.
وأحسب أنَّ هذا الفكر المطلق الحرّ الواقعيّ، هو ميزة سماحة السيّد(رض)، وبه تنسّم المعالي الفكريّة والمواقع العلميّة الاجتهاديّة، لأنَّه رفض أن يكرِّر وينسخ ما لدى الآخرين من الفقهاء والعلماء الأقدمين والمعاصرين، بل آمن بالدّليل والحجّة واحترم بذلك عقله، ولطالما سمعناه يقول: "هم رجال ونحن رجال، وكم ترك الأوّل للآخر" .
إنَّه فضل الله الّذي منّ به الله على هذه الأمّة الإسلاميَّة، حيث فتح لها باباً على جرأة العلم وحريّة الكلمة، في زمنٍ بات يخشى الكثيرون من إطلاق الكلمة التي اقتنعوا بها.
لا زالت الأمَّة يوماً بعد يومٍ، تقدّر لسماحة السيّد(رض) حلمه وعلمه وفكره، وترى أنّها مدينة له في حريّة الفكر وانطلاقة الإبداع، ولن يخبو ذكر هذا العالم الكبير ما دام في الأمَّة عقول تفكّر وعيون تقرأ...
الشّيخ يوسف نبها – أستراليا
التاريخ: 20 رجب 1432 هـ الموافق: 23/06/2011 م