قبل زمانٍ ليس ببعيد، ومع بدء النَّاس بالحديث عن التّكنولوجيا وأشكالها وتطوّرها، كان يستنتج أنَّ حياة الكتاب والصَّحيفة سيكونان في خطرٍ داهمٍ سيصيب قلبيهما، ومع تقلّب الأيّام، وجدنا أنَّ التّكنولوجيا أصابت قلب الأسرة الدّافئ، وبدأت تحوِّله إلى قطعٍ جليديَّةٍ متناثرة، تفتقد إلى حرارة الشّعور الإنسانيّ.
ولم يوفّر جيش التّكنولوجيا في غزوه لبيوتنا حتّى "القرى" الَّتي تعبّر عن خزّان الذّكريات الحميمة للأسر، فلم يعد مألوفاً أن ترى اجتماع الأسرة على مائدةٍ واحدة، ولم يعد انتظار الأب أو الأمّ يعني شيئاً للأولاد، فترى الأخ والأخت وحتّى الأب والأمّ، تسرقهم التّقنيات، وكلٌّ له وسيلته التقنيَّة الافتراضيَّة الَّتي يسرح ويمرح بها على حساب عالم علاقات الأسرة وبناء أوصالها...
وحتّى الزّوجان بعد إمضاء الوقت في العمل، يمضيان ما تبقّى من "فتات" الوقت عبر مختلف الشَّبكات الاجتماعيَّة التّكنولوجيَّة، سواء على الإنترنت أو عبر الجوّال، حتّى فقد الحديث الّذي من المفترض أن يبقى حيّاً في أرجاء المنزل، يجمع المشاعر بين أفراد الأسرة ويشدّها، ويعزّز انتماءها إلى هويّتها الأسريَّة، لتبقى حيَّةً وحاضرةً بقوّة في وجدان الأبناء. وهذا ما ينبغي للآباء والأمّهات أن يتنبّهوا له، وأن يثقّفوا أولادهم ويعلّموهم عليه، وأن يعوّدوهم على التَّواصل داخل الأسرة بالشَّكل الكافي، فليس مطلوباً اليوم أن نبتعد عن الوسائل التقنيَّة، فهذا ليس بأيدينا، ولكن لكلِّ شيء وقت، وعلينا أن نحسن توزيع الوقت، وأن لا يكون شيء على حساب شيء آخر، حتّى لا نصل إلى خسارة كلّ شيء...
لقد فرضت هذه الوسائل نفسها علينا بقوَّةٍ فائقة، حتَّى غدت كالظلّ الشَّخصيّ لكلِّ فردٍ منّا، وصارت تعبِّر عن خلفيَّته النّفسيَّة والاجتماعيَّة...
هي إذاً قضيَّة التّواصل الأسريّ والمحافظة عليه في حدوده الدّنيا، فهل نشهد من جديد تجمّع العوائل حول الموائد وفي جلساتها الحميمة، فتتبادل الأحاسيس والهموم، وتشترك في رسم أمانيها وطموحاتها؟!
أم أنَّ ما نتمنَّاه أضحى من الأمور النَّادرة والصَّعبة، وبات أمراً مقتصراً على العائلات الَّتي لم نتمكَّن بعد من التّواصل مع عالم التّكنولوجيا لأسبابٍ اقتصاديَّة...
وهل أصبحت "التّكنولوجيا" تفرض سيطرتها على الأسرة وتعتبر المحرّك الأوَّل والأساس لتوجّهاتها، وبالتَّالي، هل سنصل في وقتٍ من الأوقات إلى العيش في أسرةٍ على مستوى الشَّكل فقط، نحيا ضمنها بأجسادنا، وتغادرها مشاعرنا وأحلامنا المشتركة؟!.. سؤال يبقى برسم الجميع!!
محمَّد فضل الله
التاريخ: 29 صفر 1433 هـ الموافق: 23/01/2012 م