إدريس هاني: هكذا كان سيكون موقف السيِّد فضل الله(رض) من الثَّورات العربيَّة
في جوابٍ للباحث الإسلاميّ المغربيّ إدريس هاني، ردّاً على سؤالٍ افتراضيّ في ما لو كان سماحة الفقيه المجدّد السيّد محمد حسين فضل الله(ره) على قيد الحياة؛ هل كان سيؤيِّد هذه الثّورات أم يعارضها، وماذا سيكون خطابه؟ وقد جاء ذلك خلال مقابلةٍ له مع موقع مؤسَّسة الفكر الإسلامي المعاصر، تمحورت أسئلتها حول الثَّورات العربيَّة والرَّبيع العربيّ... وهذا نصّ الجواب:

في الحقيقة، اشتغل سماحة السيِّد طيلة هذه العقود على بلورة خطابٍ دينيّ وسياسيّ ساهم بشكل كبيرٍ في تنوير الحركة الإسلاميّة من المحيط إلى الخليج. كان تأثير سماحة السيّد تأثيراً مباشراً بدون وساطة. لم يستطع أحد أمام عقلانيّة خطابه أن يرفع سلاح الفيتو. بل كانت كلماته تنطلق منسابةً ودون موانع، لأنَّها كانت تدخل القلوب والعقول. فقد نجح سماحة السيِّد وتميّز في هذا المجال بأنّه فرض على الجميع أن ينصت وأن يتقبّل آراءه وأفكاره. ولذلك، تفاعلت أكثر الحركات الّتي عرفت تجديداً وتطويراً مع أدبيّاته وخطابه هذا. وأنا أذكر ما قاله الغنوشي له يوماً عندما كان في المنفى، بأنَّ كتاباته (رضوان الله عليه) ليس عليها فيتّو داخل حركة الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة ) ، لأنّ خطابه جاء في مرحلة كانت الحركة الإسلاميّة تعيش نوعاً من التخلّف الفكريّ، وتعيش نوعاً من التّراجع والرجعيّة، وكان الطّاغي عليها التّسطيح وأسلوب الوعظ والإرشاد، ولم تكن تحمل العمق والفكر والكياسة السياسيّة ولا البعد الاستراتيجي، وقد كان سماحته من أبرز أولئك الّذين أدخلوا هذا البعد إلى الحركة الإسلاميَّة. فلذلك كانت نظرته بعيدة المدى، لأنّها لم تكن سياسيّة آنيّة، بل كانت استراتيجيّة.

أعتقد أنّه من خلال مجموعة من المميّزات الّتي تميّز بها الخطاب الفكريّ للسّيد، نستطيع أن نحقّق مقاربةً بأثر رجعيّ للأحداث الرّاهنة كما لو كان معنا. فهو رجل انفتاح وإصلاح وإيجابيّة وواقعيّة وشجاعة في الخطاب، وصاحب منظور استراتيجيّ بعيد المدى. ولذلك تخفّ لديه نظريّة المؤامرة ببعدها الرّثّ والسّمج، ولكنّه لا يستبعدها. ثم هو صاحب منطق أولويّات، نظراً إلى كونه مفكّراً وفقيهاً أيضاً، فهو يدرك ترتيب الأولويّات، وبالتالي، كلّ ذلك يجعله ينظر نظرةً واقعيّةً إلى الأمور، ولذا فهو لن يتَّهم هذه الثّورات بأنّها ثورات ناتجة من مؤامرة، بل سوف يعتبر أنّ حراكها أصيل وطبيعيّ، وسوف لن يغضّ النّظر عمّا طرأ عليها من ملابسات، وما تعرّضت له من احتواء من قوى وأطراف دوليّين وإقليميّين، وسوف يكون له خطاب توجيهيّ لهذه الحركات قد يؤدِّي دوره كاملاً.

فالسِّيد كان صاحب خطاب مسموع عند الكثير من الحركات الإسلاميَّة. ربما كان سيكون نجماً من نجوم الحراك، ورائداً في ترشيد هذه الحركات الإسلاميَّة والثّورات العربيّة. لكن شاء الله وقدّر! وقد ترك السيِّد وراءه منهجاً نستطيع من خلال استيعاب منهجيّته أن نحلّل الوقائع. وهو لن يبخل على الحركة الإسلاميّة بتوجيهات وإرشادات، ولا توجد حركة لم تدمج في برنامجها التّربويّ أفكاراً للسيّد، أو لم تتأثّر قيادتها بخطابه الحركيّ، ثم ترجمته في خطاباتها دون أن تحيله إلى السيد، ولكنّها تربّي قواعدها على هذا الخطاب. ولي أمثلة ملموسة على ذلك. فالعقلانيّة والإيجابيّة والحركيّة وفكر الوحدة وفلسفة الحوار في القرآن، مما أغناه فكراً وخطاباً عمّ وانتشر في أدبيّات الحركة الإسلاميّة العربيّة. وأعتقد أنّه كان سيجد الكثير من التّطوّر لدى الحركة الإسلاميّة اليوم، من حيث انفتاحها على مقولات سياسيّة وفكريّة حديثة وخروجها من ظلاميّتها ورجعيّتها...
التاريخ: 17 ربيع الأوّل 1433 هـ الموافق: 09/02/2012 م