خبر..


أصدر مجلس الإفتاء الفلسطيني فتوى تقضي بتحريم إجهاض الجنين المصاب بمرض "التّلاسيميا"، وقال بيان للمجلس إنَّ هذه الفتوى جاءت بعد استيضاح من الجهات المعنيّة في جمعيّة مرض "التّلاسيميا"، وبعض أصحاب العلاقة حول هذا المرض، والمصابين به، وجاء في البيان: إنّ موقف الإسلام واضح من تحريم الإجهاض، إذ يعتبره تعديّاً على حقّ الجنين في الحياة والوجود، إلا إذا وجد ما يستدعيه حسب القواعد والمبادئ والأحكام الّتي يؤخذ بها في هذا المجال، وحيث إنّ تحديد مستوى الإصابة بـ"التلاسيميا" يصعب تحديده في بدايات الحمل، فإنَّ إجهاضه لهذا السّبب يقوم على الظنّ، واليقين لا يُزال بالشّكّ، إلا إذا وجدت أسباب أخرى تستدعي إجهاضه، ومرض "التلاسيميا" هو مرض وراثيّ ينتج من خلل في الجينات، ويتسبّب بفقر الدّم المزمن، وقد يسبّب الوفاة عند المصابين...

وتعليق..

والإجهاض من القضايا الحسّاسة على المستوى الأخلاقي والإنساني والديني، وعلى الجميع من أهلٍ وهيئاتٍ طبيّة وشرعيّة، الاهتمام بقضايا الإجهاض ومتابعتها، وخصوصاً أنّنا بتنا نسمع الكثير اليوم عن الإجهاض تحت مسمّيات وظروف ومبرّرات، فالحياة ليست ملكاً لأحد، إنما هي أمانة الله يهبها لمن يشاء وينزعها ممّن يشاء...
وبالنّسبة إلى الرأي الشرعي حول الإجهاض، فإنّ سماحة الفقيه المجدّد السيّد محمد حسين فضل الله(رض) يقول: إنّ الإجهاض في النّظرة الإسلاميّة محرّم ابتداءً من المرحلة الّتي تحصل فيها عمليّة التلقيح للبويضة والتصاقها بجدار الرّحم، حيث تبدأ البويضة رحلة الحياة، ففي هذه الحالة، لا يجوز الإجهاض باعتبار احترام الحياة منذ بدايتها، ونقصد بالحياة الحياة في ظروفها الطبيعيّة الموجودة في داخل جسم الأمّ. نعم، فيما يتعلّق بالإجهاض، هنا حالتان وقعتا موضعاً للجدل الفقهيّ:
الأولى: إذا كان الحمل يضرّ المرأة ضرراً بالغاً، وليس الضّرر العاديّ الّذي تفرضه طبيعة الحمل، بل هو الضّرر فوق العادة، وهكذا إذا كان الحمل يشكّل حرجاً شديداً لا تتمكّن الأمّ من تحمّله، ففي هذه الحالة، يبيح بعض فقهائنا، ومنهم السيّد الخوئي(قده) ـ ونحن نوافقه اجتهاديّاً على ذلك ـ الإجهاض على أساس القاعدة القرآنيّة الفقهيّة {مَاْ جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدّينِ من حَرَج}[الحجّ: 78]... لأنّ بقاء الحمل يؤدّي إلى حرجٍ ومشقّةٍ وجهدٍ فوق العادة في جسم المرأة... والله لم يجعل في أحكامه حكماً ضرريّاً أو حرجيّاً، فيجوز إسقاط الجنين حينئذٍ...
الثّانية: أن يتحوّل الحمل إلى خطرٍ على حياة الأمّ، فهنا يجيز بعض الفقهاء، ومنهم ـ أيضاً السيّد الخوئي ـ أن تقوم الأمّ بمهمّة الدّفاع عن نفسها ـ ولو بإسقاط الجنين ـ ونحن نوافقه على ذلك، لأنَّ المسألة لا تكون مسألة قتل ابتدائيّ، وإنما تكون مسألة دفاع عن النّفس، وهي كما يمثّله البعض، بأنّه لو كنت نائماً وجاء شخص لا وعي له، وألقى بثقله عليك، ما شكّل تهديداً لحياتك، ولم تكن تستطيع أن تخلّص نفسك إلا بأن تدفعه بشكلٍ ربما أدّى إلى موته، ففي هذه الحال، يجوز ذلك من باب الدّفاع عن النّفس...
وهناك من الفقهاء من يقول إنّه ينتظر أمر الله في ذلك، فهو لا يعطي رأياً في هذا ولا ذاك... [من محاضرة لسماحته في الجامعة اليسوعيّة تحت عنوان: الأخلاقيات الطبية وأخلاقيات الحياة].
وفي موضع آخر يقول سماحته: يحرم على المرأة إجهاض جنينها مهما كان عمره، حتى لو طلب زوجها ذلك منها، إلا في حالات معيّنة:
1 ـ خوف حدوث الموت أو ما هو دونه من الأخطار الشّديدة، كالشّلل أو العمى أو ما أشبههما، وذلك إمّا لعارض صحّي، أو لاستهدافها بالانتقام لمحو العار، ففي هذه الحالة، يجوز الإجهاض مهما كان عمر الجنين.
2 ـ الجزم بوجود تشوّه في الجنين، بحيث توجب تربيته وقوع الأهل في الحرج الشَّديد، ففي هذه الحالة، يجوز إجهاضه إن لم تكن قد ولجته الرّوح بعد، أي إذا كان دون الأربعة أشهر، فإذا أجهضته الأمّ، ولو حال كونها معذورةً فيه ومضطرّةً إليه، فإنّ عليها دفع دية تختلف باختلاف عمر الجنين... [المسائل الفقهيَّة، ص:576].
مؤسسة سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (ره)
التاريخ: 14 ربيع الثاني 1433 هـ الموافق: 07/03/2012 م