لم يكن السعي الحثيث لتأمين الجودة العالية في مؤسسات التعليم العالي بمثابة أستراتيجية جديدة فقد وضعت المؤسسات التعليمية نصب أعينها ، على الدوام ، الوصول الى تحقيق التميز الأكاديمي والجودة العالية. وكان من السهل تحقيق تلك الأهداف لدى توفر الموارد المالية الكافية الى جانب الجوانب الديموغرافية المؤاتية. بيد أن الأمور بدأت تتغير فالمؤسسات التعليمية بدأت تواجه تناقصا في أعداد الطلبة المسجّلين لديها وكذلك الموارد المالية المتاحة فيما بدات تكاليف الدراسة والمنافسة تزداد باضطراد.
يهدف هذا التقرير الى أعادة النظر بالمباديء الرامية الى تحسين الجودة في مؤسسات التعليم العالي. ونحن نشير في هذا التقرير الى البنية المفاهيمية لحركة الجودة ب (مباديء الجودة) quality principles . والمباديء التي نتطرق اليها هنا ليست جديدة أو فريدة من نوعها ، غير أن تطبيقها بصفتها منهج نظام شامل يمثل نهجا فلسفيا حول الكيفية التي تعمل المؤسسات بموجبها. وتنبع أهمية التقرير من حقيقة كونه يتناول تأثير هذه المباديء لدى تطبيقها على نحو شامل ووفق نظام محدد ، الأمر الذي سوف يؤدي الى خلق ثقافة تميز أكاديمي في مؤسسات التعليم العالي.
مباديء الجودة : ماذا تعني؟
تعتبر مباديء الجودة بمثابة منهج أدارة يزيد من فاعلية مؤسسات التعليم العالي وتاثيرها فضلا عن تأمين بيئة افضل للحصول على الدرجة العلمية وبيئة أفضل للعمل. وقد عمل خبراء مرموقون مثل دبليو أدواردز ديمنك W. Edwards Deming وجوزيف أم جوران Joseph M. Joran وفيليب كروسبي Philip Crosby على بلورة تلك المباديء وتوثيقها ومن ثم تطبيقها على نطاق واسع في الولايات المتحدة الأمريكية تحت أسم (أدارةالجودةالشاملة) TQM . وسرعان مابدأت الكتابات المتعلقة بالجودة تنمو وتزدهر لتكون مؤشرا على أن مباديء الجودة تمثل وسائل موثوقة تدلل على تحسين فعالية المنظمات وكفاءتها ، وبالفعل أستفادت أعداد كبيرة جدا من الشركات ، من مختلف الصناعات ، من تطبيق مباديء الجودة.
ومن بين الكتابات الوفيرة عن تحسين الجودة برزت ثمانية مباديء مهمة ستتم مناقشتها بالتفصيل لاحقا. تجدر الأشارة هنا الى اهمية بروز القيادة في مستهل (رحلة الجودة) بهدف خلق ثقافة خاصة بالجودة ، كما يتسم مبدأ الجودة بالحيوية الكبيرة فيما بعد للأرتقاء بمستوى تحسين الأداء. والمباديء الثمانية هي:

1. الرؤية والرسالة والنتائج
2. الأنظمة المستقلة
3. القيادة: استحداث ثقافة للجودة
4. التحسين الفردي النظامي
5. القرارات التي تعتمد على الحقائق
6. التفويض بأتخاذ القرارات
7. التعاون
8. التخطيط بهدف التغيير
9. القيادة: دعم ثقافة الجودة
في ضوء هذا التقرير فأن (مباديء الجودة تمثل فلسفة شخصية وثقافة تنظيمية تستخدم معايير النتائج العلمية واساليب الأدارة النظامية والتعاون لتحقيق الرسالة التي تؤمن بها المنظمة). أضف الى ذلك، تعمل مباديء الجودة في جوهرها على تغيير ثقافة مؤسسات التعليم العالي.

سمات مباديء الجودة

تتصف المباديء التي يدعو اليها هذا التقرير بكونها متداخلة ومعتمدة بعضها على البعض الآخر ويتعين تنفيذها بصفة نظام من خلال الرؤية vision التي تتبناها المؤسسة وكذلك رسالتها mission. ثم ان رسالة المؤسسة تتطور وتتغير مع تضمين توقعات أصحاب الأسهم (في المؤسسة) في تحديد توجهاتها. كما أن قوة تلك المباديء تنبع من تعاون النظام بأكمله الأمر الذي يؤدي الى ربط الرسالة بالنتائج القابلة للقياس.

كيف تعمل مباديء الجودة في مؤسسات التعليم العالي؟

لابد أن تتوائم مباديء الجودة مع القيم المتعارف عليها في التعليم العالي لكن ثقافة الجودة ينبغي أن تتغير لدعم تلك المباديء. ورغم أن غالبية مؤسسات التعليم العالي تؤمن برسالة واضحة لها فأن معظمها غير معتادة على قياس نتائج العمليات الجارية فيها. وقد جرت العادة أن تؤدي الجماعات العاملة ضمن أطار مؤسسات التعليم العالي مهامها بشكل مستقل وليس بالتنسيق أو بالتوافق مع بعضها. كما أن قادة تلك المؤسسات غير مدربين في العادة على الأساليب والآدوات التي يتم توظيفها في تحسين الأنظمة والعمليات. غير أن تطوير المهارات الأدارية والمعرفة لايمثل المعيار أو النموذج في التعليم العالي ، فالتطوير المهني يمثل القاعدة (السلوك) ويرتبط بالأشخاص بدلا من تطوير الأعضاء القادرين على تطوير العمليات المؤسساتية بجهود جماعية. ورغم أن عملية جمع المعلومات تتم لأغراض مختلفة في أطار توجيه المؤسسات التعليمية وأدارتها فان مباديء الجودة تؤكد على جمع تلك المعلومات بشكل منتظم قبل أتخاذ أية قرارات أكاديمية أو أدارية. ثم أن تشكيل اللجان في الوسط الأكاديمي أمر مالوف ومتداول لكن التعاون والعمل بروح الفريق أمر غير معهود في واقع الأمر!
وبهدف العمل على تغيير ثقافة الجودة يتعين على الأعضاء أن يعملوا على تغيير تفكيرهم حول الكيفية التي يتم أنجاز الأعمال بموجبها ، فحين يتغير النموذج يشرع الأعضاء بطرح اسئلة مختلفة بحثا عن أجابات جديدة للمشاكل القديمة ذاتها. وهم يتقبلون مثل هذا التغيير بسرور بصفته قيمة ايجابية في أطار ثقافة الجودة لأن التحسن المستمر يعتمد على التغيير المستمر. لذا لابد من تدريب الناس عل الشعور بالأرتياح أزاء مثل ذلك التغيير وليس الخشية من التورط في جهود التحسن. أما القادة فلابد أن يعملوا من جانبهم على أعتبار التخطيط بهدف التغيير أمرا مهما يقتضي الرعاية والأهتمام في المؤسسة التعليمية فلهؤلاء القادة الدور الريادي في صناعة ثقافة الجودة كما أنهم يؤدون دورا هاما في تأمين الموارد الضرورية بهدف مساندة مبادرات الجودة. وحين يتم تطبيق مباديء الجودة بشكل شمولي فأن ثقافة التميز الأكاديمي سوف تتبلور بوضوح اثر ذلك.


هاشم كاطع لازم