الذي يرفض نظام الدبابة يجب أن يرفض نظام الشبح
الخميس 26 ديسمبر 2002 19:37
يحي أبوزكريا



تعيش المعارضة العراقيّة في الظرف الراهن حالة من الإرتباك والتنافر في المواقف والآراء بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ العراق, وعلى الرغم من توافق هذه المعارضة ظاهرياّ على إسقاط نظام صدّام حسين في العراق إلاّ أنّها تعيش تمزقا وتشتتا ليس في الإيديولوجيا فحسب بل في المواقف السياسية وفي الولاءات الإقليمية والدوليّة, فالشيعة منقسمون على أنفسهم والسنة منقسمون على أنفسهم والأكراد منقسمون على أنفسهم والكل منقسم على نفسه رغم ما لحق بالشعب العراقي من حيف وظلم وتجاوزات خطيرة.
وخلال منافيّ المتعددّة في العديد من الأوطان العربية والغربية تسنى لي أن أقترب من المعارضة العراقية وبعض أقطابها, فوجدت أنّ هناك أقطابا للمعارضة العراقية أثروا إثراءا فاحشا من أموال الخمس والزكوات وبعض الجهات العربية أو الخليجية على وجه التحديد وأشتروا بيوتا فارهة في شوارع المزة والرملة البيضاء ولندن وغيرها من الشوارع الأنيقة, فيما ظلّ قطاع واسع من الشعب العراقي يدق أبواب العلماء والشخصيات المعارضة هذا يريد كيلو أرز وذاك يريد أن يتزوج وآخر يريد مساعدة عاجلة وكثيرا ما تغلق الأبواب في وجوه هؤلاء المحتاجين وهذا ما جعل سقف الردّة يرتفع وسط المهاجرين والمهجرّين العراقيين في القارات الخمس.
و المعارضون العراقيون الذين يتبسمّون للكاميرات ينطبق عليهم قوله تعالى : تراهم جميعا وقلوبهم شتى. فالمعارضة الشيعية فيها عشرات الأحزاب من حزب الدعوة وإلى منظمة العمل الإسلامي, إلى جند الإمام والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق إلى حركة المجاهدين وغير ذلك من التيارات التي تستند كل واحدة إلى مرجع فقهي معيّن و كل حركة تقللّ من المرجع الفقهي للحركة الأخرى وهكذا دواليك, بل إنّ كل حركة تسعى لإستضعاف الحركة الأخرى تماما كما فعله محمد باقر الحكيم بحزب الدعوة في إيران رغم أنّ حزب الدعوة هو الذي إستقدمه من سوريا وأوصله إلى سدّة ما هو فيه الآن, وقد دفع حزب الدعوة الكثير بسبب عدم إيمانه بولاية الفقيه المطلقة المعمول بها في إيران.
والمعارضة الكرديّة لا يجمع بينها جامع على الإطلاق فبين الطالباني والبرزاني تاريخ من التصدعات والتشققات وقد تزيد المستجدات الراهنة والمقبلة في توسيع الفجوة بين هذين الشخصين الطامحين إلى حكم كردستان العراق, وقد أدّى دخول المعارضة الإسلامية الكردية على الخطّ والتي ساهمت إيران في تأسيسها إلى خلط الأورواق في المنطقة الكرديّة. أما المعارضة السنية ورغم محاولات الشيعة والأكراد في السيطرة على رسم توجهات العراق المستقبلية مازالت موزعة هي الأخرى بين التيار الإخواني والسلفي والتنويري.
فهذه القوى السياسيّة رغم توافقها على إسقاط نظام صدّام حسين إلاّ أنّها غير متوافقة البتة على ما يجب أن يكون عليه مستقبل العراق لأنّ هذه المعارضة شاءت أم أبت قد وكّلت واشنطن في صناعة مستقبل العراق وهي ستؤسسّ لمعادلة خطيرة في المنطقة العربية والإسلامية مفادها أنّ التغيير يجب أن يأتي من أمريكا, بل إنّ هذه المعارضة بما تتلقاه من أموال جبارة بالدولار الأمريكي تعتبر سباقة إلى توكيل أمريكا في رسم مستقبل العراق. ففي أفغانستان لا أحد كلف أمريكا بإقامة نظام متأمرك في أفغانستان, بل إنّ الإدارة الأمريكية هي التي قررت ذلك عقب أحداث الحادي عشر من أيلول 2001.
و في الحالة العراقيّة فإنّ المعارضة العراقية اللهمّ إلاّ القليل منها هي التي وكلّت واشنطن برسم مستقبل العراق, وهنا بودي أن أوجّه بعض الأسئلة إلى بعض أقطاب المعارضة العراقية بمختلف ألوان طيفها السياسي. وأبدأ بمحمد باقر الحكيم الذي قال في جلسة خاصة قبل سنوات أنّه من واجبه الشرعي أن يحكم العراق.
كيف يتعامل محمد باقر الحكيم مع قوله تعالى: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكّم النار. وماذا يقول في قول الإمام الخميني الذي عندما قيل له أنّ الغرب والشرق غاضبان علينا أجاب بقوله الحمد للّه نحن إذن على حق مصداقا لقوله تعالى : لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم.
وماذا يفعل الحكيم في فتاوى كبار علماء الشيعة المتقدمين والمتأخرين الذين مازالوا يعتبرون أمريكا شيطانا أكبر ويحرمون التعامل معها. ألم يقرأ باقر الحكيم المجتهد ما أورده الكليني من أنّ رجلا قال لجعفر الصادق عليه السلام: يا إبن رسول إنني أكري - أؤجّر- جمالي لأحد الظلمة فما حكمي. فأجابه جعفر الصادق أنت الظالم نفسه, فماذا يقول الحكيم في هذا وهو الذي أرسل عبد العزيز الحكيم إلى البيت الأبيض الذي فيه تصاغ كل سياسات إذلال العالم العربي والإسلامي.
إنّ باقر الحكيم يريد أن يسخّر لواء بدر الذي تأسسّ لنصرة صاحب الزمان لخدمة سالبة الزمان والمكان أمريكا. وهل تناسى الأكراد أنّ أمريكا هي التي دعمت كافة الدول التي قهرتهم وأذّلتهم وحرمتهم من مشروع الدولة الكرديّة, وهل مازال الأكراد يتذكرون عندما وقعت مجازر حلبجة كيف أنّ واشنطن رفضت إتهام العراق بلإقتراف هذه المجازر وإتهمت إيران بالقيّام بهذه المجازر, أليس رفيق درب البارزاني والطالباني عبد الله أوجلان إصطادته المخابرا ت الأمريكية والصهيونية من إفريقيا وجرى تسليمه للسلطات التركيّة.
إنّ واشنطن لا يهمها شيعي أو سني أو كردي يهمها فقط مصالحها ومصالحها فحسب. أين أصبح أقطاب جيش الشمال الذين حررواّ كابول من حكم الطالبان ألم تخرجهم واشنطن من الملعب السياسي الأفغاني و عينت على مراكز القرار شخصيات لا يعرفها الشعب الأفغاني على الإطلاق.
أليس السودان قدمّ خدمات جليلة للأمريكان في مجال الملفات الأمنية وغيرها وكافأتها واشنطن بالعمل على تقسيمها والمساعدة على ذلك , أليس مصر لعبت أكبر الأدوار في خدمة المشروع الأمريكي في العالم العربي وهاهي واشنطن تسحب المساعدة تلو المساعدة عن مصر تمهيدا لتغيير مرتقب في أرض الكنانة يتمّ على عين واشنطن.
إنّ المعارضة العراقية التي رفضت في الماضي حكما تسلطيّا تفرضه الدبابة والثكنات العسكريّة عليها أن ترفض حكما مستعربا أمريكيا يأتي على متن طائرة الشبح الأمريكية.
ثمّ إنّ أقطاب المعارضة العراقيّة الذين وبدون حياء يتبجحون بوجود موفدين أمريكيين رسميين بين ظهرانيهم ألا يستحون من أبناء جلدتهم, ألا يستحون من الأجيال القادمة عندما يقال أنّ هؤلاء إستقدموا هولاكو إلى بغداد وأعطوه شرعية البقاء في أرض الرافدين.
إنّ الإسلامي العراقي الذي يسعى للتمكين لأمريكا في العراق إنما خان إسلامه, والقومي الذي ينسق مع أمريكا إنّما خان قوميته والوطني العراقي الذي يتلقى رواتب طازجة من المخابرات الأمريكية إنمّا لم يخن الوطن فحسب بل خان كل المقدسّات.
إنّ المعارضة التي تجتمع في فندق تدفع فاتورته السفارة الأمريكية في لندن وغيرها لا تعتبر معارضة بل هي أشبه بالأيتام في مأدبة اللئام.
إنّ إسقاط الطغاة مهمة جماهيرية تضطلع بها الجماهير, ووالله لو أنّ أركان المعارضة العراقية إتقوا الله وطلقوا الدنيا وجاهدوا كما جاهد محمد باقر الصدر وإسترسلوا في جهادهم لأمكنهم أن يفعلوا الكثير, لكنّ كثيرا من أقطاب هذه المعارضة تلاعبت بخمس صاحب الزمان ووزعته على الأبناء والحواشي والغواشي, وأثّاقلت إلى الأرض وقعدت عن الجهاد وأسندت مهمّة الجهاد لأمريكا, والأجدى أن يكملوا خطوات الإستسلام ويهدوا بوش العمائم السوداء و يصمموا له نسبا شريفا ويجلعونه من الأشراف. أمّا أن نعتبر أمريكا تستهدف واقعنا العربي والإسلامي وننسقّ معها فذاك حقا فقه القرامطة وليس فقه الحسين بن علي صاحب معركة الطفّ.

http://www.elaph.com:9090/elaph/arabic/index.html