عقيدتنا في الإسلام

نعتقد أن الدين عند الله الإسلام ، وهو الشريعة الإلهية الحقة التي هي خاتمة الشرايع وأكملها وأوفقها في سعادة البشر ، وأجمعها لمصالحهم في دنياهم وآخرتهم ، وصالحة للبقاء مدى الدهور والعصور لا تتغير ولا تتبدل ، وجامعة لجميع ما يحتاجه البشر من النظم الفردية والاجتماعية والسياسية .

ولما كانت خاتمة الشرايع ولا تنرقب شريعة أخرى تصلح هذا البشر المنغمس بالظلم والفساد ، فلا بد أن يأتي يوم يقوى فيه الدين الاسلامي فيشمل المعمورة بعدله وقوانينه .

ولو طبقت الشريعة الإسلامية بقوانينها في الأرض تطبيقا كاملا صحيحا ، لعم السلام بين البشر ، وتمت السعادة لهم ، وبلغوا أقصى ما يحلم به الانسان من الرفاه والعزة والسعة والدعة والخلق الفاضل ، ولا نقشع الظلم من الدنيا وسادت المحبة والإخاء بين الناس أجمعين ولانمحى الفقر والفاقة من صفحة الوجود .

وإذا كنا نشاهد اليوم الحالة المخجلة والمزرية عند الذين يسمون أنفسهم بالمسلمين ، فلأن الدين الاسلامي في الحقيقة لم يطبق بنصه وروحه ، ابتداء من القرن الأول من عهودهم ، واستمرت الحال بنا - نحن الذين سمينا أنفسنا بالمسلمين - من شئ إلى أسوأ إلى يومنا هذا ، فلم يكن التمسك بالدين الاسلامي هو الذي جر على المسلمين هذا التأخر المشين ، بل بالعكس إن تمردهم على تعاليمه واستهانتهم بقوانينه وانتشار الظلم والعدوان فيهم من ملوكهم إلى صعاليكهم ومن خاصتهم إلى عامتهم ،

هو الذي شل حركة تقدمهم وأضعف قوتهم وحطم معنوياتهم وجلب عليهم الويل والثبور ، فأهلكهم الله تعالى بذنوبهم ( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ، تلك سنة الله في خلقه ( إنه لا يفلح المجرمون ) ( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ) ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) .

وكيف ينتظر من الدين أن ينتشل الأمة من وهدتها وهو عندها حبر على ورق لا يعمل بأقل القليل من تعاليمه .

إن الإيمان والأمانة والصدق والاخلاص وحسن المعاملة والإيثار وأن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه ، وأشباهها من أول أسس دين الإسلام ، والمسلمون قد ودعوها من قديم أيامهم إلى حيث نحن الآن . وكلما تقدم بهم الزمن وجدناهم أشتاتا وأحزابا وفرقا يتكالبون على الدنيا ويتطاحنون على الخيال ويكفر بعضهم بعضا بالآراء غير المفهومة أو الأمور التي لا تعنيهم ، فانشغلوا عن جوهر الدين وعن مصالحهم ومصالح مجتمعهم بأمثال النزاع في خلق القرآن والقول بالوعيد والرجعة وأن الجنة والنار مخلوقتان أو سيخلقان ، ونحو هذه النزاعات التي أخذت منهم بالخناق وكفر بها بعضهم بعضا ، وهي إن دلت على شئ فإنما تدل على انحرافهم عن سنن الجادة المعبدة لهم ، إلى حيث الهلاك والفناء .

وزاد الانحراف فيهم بتطاول الزمان حتى شملهم الجهل والضلال وانشغلوا بالتوافه والقشور ، وبالأتعاب والخرافات والمجادلات والمباهاة ، فوقعوا بالأخير في هاوية لا قعر والأوهام ، وبالحروب لها ، يوم تمكن الغرب المتيقظ العدو اللدود للاسلام من أن يستعمر هذه البقاع المنتسبة إلى الإسلام وهي في غفلتها وغفوتها ، فيرمي بها في هذه الهوة السحيقة ، ولا يعلم إلا الله تعالى مداها ومنتهاها ( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ) .

ولا سبيل للمسلمين اليوم وبعد اليوم إلا أن يرجعوا إلى أنفسهم فيحاسبوها على تفريطهم ، وينهضوا إلى تهذيب أنفسهم والأجيال الآتية بتعاليم دينهم القويمة ، ليمحوا الظلم والجور من بينهم . وبذلك يتمكنون من أن ينجوا بأنفسهم من هذه الطامة العظمى ، ولا بد بعد ذلك أن يملؤا الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا ، كما وعدهم الله تعالى ورسوله وكما هو المترقب من دينهم الذي هو خاتمة الأديان ولا رجاء في صلاح الدنيا وإصلاحها بدونه .

ولا بد من إمام ينفي عن الإسلام ما علق فيه من أوهام وألصق فيه من بدع وضلالات ، وينقذ البشر وينجيهم مما بلغوا إليه من فساد شامل وظلم دائم وعدوان مستمر واستهانة بالقيم الأخلاقية والأرواح البشرية . عجل الله فرجه وسهل مخرجه .

- عقائد الامامية - الشيخ محمد رضا المظفر ص 57