التاريخ: 21 رجب 1434 هـ الموافق: 31/05/2013 م

قد يتساءل البعض عن صحّة ما لو استأجر أحد شخصاً للقيام بأعمالٍ وفرائض دينيّة، مثل القيام بواجبات مطلوبة منه، كالصّلاة اليوميّة أو الصّوم الواجب عنه أو الحجّ... أو تعليم أمور الشَّريعة أو المستحبّات أيضاً كالنّوافل والأذكار، وما حكم الاستئجار عن الميت؟ كلّها تساؤلات قد تُطرح في الذّهن، ويجيب الشّرع عنها وما يتعلّق بها من تفاصيل. يقول سماحة المرجع الإسلامي السيّد محمد حسين فضل الله(رض): إنّه لا يجوز ولا يصحّ استئجار المكلّف من أجل أن يؤدّي الواجبات المطلوبة، فلا يجوز استئجاره ليصلّي الفرائض الخمس (الصّلوات الخمس الواجبة) عن نفسه، أو ليصوم شهر رمضان، أو ليحجّ، أو ليؤدّي غير ذلك من الواجبات الّتي يراد منه الإتيان بها مجاناً دون عوض.
كما لا يجوز ولا يصحّ أخذ الأجرة على المستحبّات المطلوب أداؤها من كلّ مكلّف، كالنّوافل والأذكار والأدعية ونحوها، مما ينبغي فعله عن النّفس مجاناً وتقديساً لله تعالى والتزاماً بأوامره، فلا يسوّغ استئجار الشّخص لكي يصلّي صلاة اللّيل عن نفسه، أو ليقول تسبيحات الزّهراء(ع)، أو ليؤذّن ويقيم للصّلاة ونحو ذلك، سواء في ذلك العبادات أو غيرها، مثل صلة الرّحم وعيادة المريض ونحوهما.
أمّا إذا كان المستحبّ مطلوباً بنحو مطلق، كمثل كنس المسجد وعمارته، ومثل إزالة الأذى من طريق المسلمين، وقضاء حاجاتهم، وإدخال السّرور على قلوبهم، وقراءة مجالس العزاء أو القرآن الكريم في مناسبة عامّة، وأداء أذان الإعلام، ونحو ذلك من المستحبّات الكثيرة، فإنّه لا مانع من الاستئجار فيها، ويصحّ أخذ الأجرة عليها، ويكون الثّواب لباذل الأجرة، سواء كان استئجاره عن نفسه أو غيره من الأحياء أو الأموات.
ويتابع سماحته(رض): لا بأس بأخذ الأجرة على تجهيز الميت إذا لم يكن منافياً لقصد القربة إلى الله.. وينبّه سماحته(رض) إلى أنّه في كلّ مورد تصحّ فيه الإجارة على الواجب أو المستحبّ، لا ينبغي للأجير المساومة على الأجرة وطلب الزّيادة فيها، حرصاً على الجانب المعنويّ والأخلاقيّ، وخصوصاً إذا كان في ثياب أهل العلم وزيّهم، فإن فعل ذلك لم يكن آثماً، ولم يجز للغير التّشنيع عليه به.
ويضيف: لا مانع من الإجارة لفعل العبادات عن الميت، سواء منها ما كان قضاءً لواجب عليه، كالصّلاة اليوميّة وصلاة الآيات والصّوم والحجّ، أو ما كان مستحباً، كالصّلاة والصّوم والحجّ عنه بداعي استكثار الثّواب له، كما أنّه لا مانع من أخذ الأجرة على فعل غير العبادات من المستحبّات، كقراءة مجالس العزاء والقرآن الكريم والأدعية عن الميت، كما لا تصحّ الإجارة على ما سبق ذكره، فإنّه لا تصحّ الجعالة عليه أيضاً، فمن قال: من صلّى صلاة الصّبح من أهل بيتي فله عليّ عشرة مثلاً، فقام بعضهم وصلّى من أجل ذلك الجعل، لم يجز له أخذه، بل إنّ الجعالة غير صحيحة بهذا النّحو... [فقه الشّريعة، ج2، ص:150 وما بعدها].
ويقول في مكان آخر: يجوز الاستئجار للصّلاة ولسائر العبادات عن الأموات، وتفرغ ذمّتهم بفعل الأجير، من دون فرق بين كون المُستأجِر وصيّاً أو وليّاً أو وارثاً أو أجنبيّاً... [فقه الشّريعة، ج1، ص:447].
وأمّا علماء العامّة (أهل السنّة والجماعة)، فيذهبون إلى أنّه من الجائز أخذ الأجرة على الأذان ونحوه، كالإمامة والتدريس، وهذا عند الشافعيّة، بينما يحرم أخذ الأجرة على الأذان والإقامة إن وُجِد متطوّع بهما، وإلا أعطى وليّ الأمر من يقوم لهما من بيت مال المسلمين، لحاجة المسلمين إليهما، وهذا قول الحنابلة والحنفيّة.
وفي الإطار عينه ، يقولون بأنه لا حرج على المسلم في أخذ الأجرة على تعليم العلوم الشرعيّة، بل والأولى عدم أخذ شيء عليها إن أمكن ذلك.
ويتابعون: بالنّسبة إلى أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم، فهي موضع خلاف بين العلماء، إذ ذهبت طائفة منهم لمنعه مطلقاً، وطائفة أخرى تقول بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلوم الشرعيّة، لأنّه استئجار عل عمل معلوم بعوض معلوم، وهذا هو مذهب الشافعيّة والمالكيّة والظاهريّة.
ويخلصون إلى أنه : أمّا القائم بتنظيم المسجد وإغلاقه وفتحه، وغير ذلك من أعمال، فإنّها تدخل في باب الخير وسائر المعروف، ولا حرج في أخذ أجرة على ذلك مع عدم السّؤال...
محمد فضل الله