النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,594

    Lightbulb السيد الشهيد محمد باقر الصدر(رض) لمحات من سماته الشخصية وومضات من فكره

    [align=center]السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رض)
    لمحات من سماته الشخصية وومضات من فكره [/align]


    أرض السواد :
    علي جابر الفتلاوي


    [align=center][/align]

    قال الأمام الصادق ( ع ) : (( العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس ))

    يفسر الشهيد مطهري ( قدس ) قول الأمام الصادق ( ع ) : (( أي من عرف زمانه وفهمه وأدرك خفاياه لم تفاجأه الأمور المشتبه بها وآلمحيرة )) والإمام الشهيد الصدر كان عارفا بزمانه عالماً به مصداقا لقول الإمام الصادق ( ع ) السابق ، إذ لم يكن الصدر شخصية اعتيادية ، بل كان متميزا منذ صغره بالايمان والذكاء والعلم والمعرفة ، تميّز باتخاذ القرار المناسب والمنسجم مع قابلياته وكفاءته العقلية والفكرية والإيمانية . روى النعماني في كتابة (( شهيد الأمة وشاهدها )) . (( انه رحمهُ الله حينما بلغ العاشرة أو الحادية عشرة من العمر وجد نفسه ـ داخل الأسرة ـ بين نزعتين متخالفتين ... فمن جانب كانت والدته تحثه على الدراسة في الحوزة واختيار حياة الطلبة ، ومن جاب أخر كان المرحوم السيد محمد الصدر يرغبّة في مستقبل يضمن فيه سعادة دنياه والعيش في رفاه ودعه بعيداً عن حياة الحوزة وما يكتنفها من فقر وفاقه . أما السيد الشهيد فقد وقف موقفا عمليا حسم به ذلك التجادل واشعر تلك الإطراف التي تقاطعت رغباتها بمستقبله بواقع ما يطمح أليه ، فقد أضرب تقريبا عن الطعام من دون إعلان ، واكتفى من الطعام بقطعة صغيرة من الخبز يسد بها رمقه طوال الليل والنهار . بعد أيام أحسًّ الجميع ـ بالإضراب الهادئ ـ فسألوه عن السبب فقال : أن الذي يستطيع إن يعيش على قطعة صغيرة من الخبز أياماً عديدة قادر على أن يستمر إلى أخر العمر فانا لا أخشى من الفقر ولا أخاف من الجوع )) .

    وهكذا حسم الشهيد الصدر ( رض ) موقفه وهو في هذه السن المبكرة من عمره القصير بقرار ينم عن قدراته العقلية في التحكم بالأمور واتخاذ القرارات الصائبة ، كان الشهيد الصدر واعيا بمشاكل عصره ، مستوعبا ما يهدد الإسلام الأصيل على مستوى الفكر من تشويه وانحراف وعلى مستوى الواقع من أبعاد للأمة عن ثوابتها ومبادئ دينها الحنيف ، كان السيد الشهيد يلقي بنظراته الثاقبة على واقع الأمة ، فيجد المد الفكري الذي يريد إزاحة الأمة المسلمة عن دينها ، ويجد الطروحات الغربية التي تروّج بعقم الفكر الإسلامي في معالجة مشاكل الأمة الاقتصادية من فقر واستغلال ، ويجد الحكام الظلمة الذين يحكمون بالنار والحديد باسم القومية أو الديمقراطية ، إلى غير ذلك من المشاهد التي تدل على التخلف في كل الميادين إزاء هذه المشاهد المؤلمة الكثيرة ، هل يقف الشهيد الصدر ( قدس ) حائراً وهو العالم الرباني العارف بزمانه والذي لم تفاجئه اللوابس ، نزل إلى آلساحة بقدراته الكبيرة ليقاتل على أكثر من ميدان وليتحمل المسؤولية الشرعية تجاه دينه وأمته التي أريد لها الضياع في المتاهات والضلال ، وليرسم الطريق السليم للوصول إلى الهدف الذي يبرئ الذمة ويرضي الله تعالى أولاً ويرضي ضميره ووجدانه الإسلامي الأصيل ثانيا الذي هو وجدان آل البيت ( ع ) في الحرص على الإسلام والمسلمين في أعلى درجات الإيثار والتضحية ، اختار طريق التضحية بالنفس طريق الحسين ( ع ) من اجل سلامة الدين ووضع الأمة في المسار الصحيح والسليم ، كان السيد الشهيد رجل المرحلة ، انه المشروع المتكامل لمعالجة حالة الأمة المتردية من جميع أوجهها ، كان الشهيد ( قدس ) مشروع الإنقاذ للأمة ، لم يحمل هماً أكثر من همّ أمتّه ، فانطلق في كافة الاتجاهات ليحقق مشروعه المنقذ ، فهو الفقيه المجتهد الواعي المجدد ، وهو المجاهد في سبيل الله ، المتفاني من اجل الدين إلى درجة الاستشهاد ، كان ينبوعاً متدفقا من العطاء ، كان فرداً لكنّ فعله وإنجازاته فعل امة وإنجازاتها ، عقد العزم للنهوض بالأمة المغلوبة على أمرها ، بفعل الغزو الفكري والثقافي للمستعمرين وتعرضها حسب قوله ( قدس ) ل (( سيل جارف من الثقافات الغربية القائمة على أسسهم الحضارية ، ومفاهيمهم عن الكون والحياة والمجتمع ، فكانت تمد الاستعمار أمداداً فكرياً متواصلاً في معركته التي خاضها للإجهاز على كيان الأمة ، وسر اصالتها المتمثل في الإسلام )) ـ فلسفتنا .

    وفي نظرة السيد الشهيد الواقعية الحركية لواقع الأمة المسلمة وجد من الضروري تأسيس حزب إسلامي عقائدي متنور يقود الأمة نحو البناء والإصلاح والتغيير لصالح الانسان المسلم وفق الأطروحة الإسلامية الأصيلة ، فكان ولادة حزب الدعوة الإسلامية عام 1957م ، لقد وجد الشهيد ( رض ) تأسيس حزب الدعوة الإسلامية ضرورة افرزها واقع الأمة التي دخلت ساحتها أحزاب علمانية وقومية حاولت أن تحرفها عن مسارها الصحيح ، وفي بدايات التأسيس شعرَ الشهيد بحاجة المسلمين إلى فكر إسلامي أصيل في طرح عصري يناسب الظرف الذي يمر به العالم الإسلامي الذي أصبح متخماً بالنظريات المادية والغربية العلمانية ، فكان صدور كتاب فلسفتنا عام 1959م وفيه مجموعة مفاهيم إسلامية صاغها السيد الشهيد بأسلوب علمي تحليلي حديث يحدد فيه الموقف الإسلامي تجاه الكون والحياة مع مناقشة الفلسفات التي لها نظريات تتقاطع مع النظرية الإسلامية ليثبت جدبها وخطئها ، وبيّن السيد الشهيد الغاية من مؤلفه (( فلسفتنا )) بقوله (( نستهدف أن نعرض المفاهيم الأساسية في الحقل الفلسفي الحديث ، لنحدد موقفنا منها ، وما هو المفهوم الذي يجب أن تتبلور نظرتنا العامة على ضوئه ، ويرتكز مبدؤنا في الحياة على أساسه )) ، وأعقب صدور كتاب (( فلسفتنا )) كتاب أخر حدد فيه السيد الشهيد النظرية الإسلامية في الاقتصاد والمال والعمل وفائض القيمة ... إلى غير ذلك من المفاهيم العلمية الاقتصادية وقتئذٍِِ ، فكان هذا الكتاب (( اقتصادنا )) الكتاب الثاني الذي ولد هزّة عنيفة في الأوساط العلمية والثقافية وشدّ الانتباه إلى السيد الشهيد على انه ليس عالماً دينياً اعتيادياً بل رجل فليسوف ومفكر كبير وفقيه مجدد ، وكان هذا ألانشداد باتجاه السيد الشهيد أفرز حالتين الأولى ايجابية حيث ارجع الجماهير المسلمة إلى وعيها وأعاد الثقة أليها ، وشعرت بالاعتزاز بدينها القادر على مسايرة الحياة المتطورة إذ لا يوجد فكر يمكنه أن يعوّض عن فكر الإسلام ، وكان صدور كتاب (( فلسفتنا )) و (( اقتصادنا )) مصدر قوة إلى حزب الدعوة الإسلامية وهو في بداية تأسيسه إذ نزل إلى الساحة وهو الحزب الإسلامي الوحيد الذي يحمل نظريات عصرية أسلامية في قبالة النظريات الماركسية واللبرالية في ذلك الوقت . والثانية سلبية وهي تحصيل حاصل إذ ُسلطت الأضواء على السيد الشهيد من قبل أعداء الإسلام بعد أن شعرت بخطره عليهم وعلى أفكارهم ، وهذا مما زاد من اعتزاز الجماهير المسلمة والتفافها حول قيادته ، إذ انه قائد المرحلة فكريا وفقهيا وسياسياً ، ولم يخيّب السيد الشهيد ظن الجماهير بل كان قائداً لبىّ طموح الجماهير المسلمة في قيادته ، فانبثقت هذه الثورة العلمية الثقافية الفقهية ، ولم يشعر بعد أعداء الإسلام بانبثاق حزب إسلامي سياسي يقود المرحلة تحت أشراف ورعاية السيد الشهيد ، فكانت ثورته ( رض ) متكاملة في كل الاتجاهات ، وبالإضافة إلى هذين المؤلفين اللذين كانا بمثابة ثورة حفزت العقول وألهبت العواطف والأحاسيس ، صدر له أيضاً العشرات من الكتب والبحوث والمحاضرات كلها تصب في مشروعه ألتغييري لإعادة الإسلام الأصيل إلى الحياة . (( أنها إنجازات وضعت الجميع أمام دهشة حقيقية مع أنها كانت مصحوبة بمعاناة السياسية والعمل الحزبي )) ، إذ كان شائعاً ولحد الآن عند بعض الأوساط أن ممارسة السياسة والعمل الحزبي في الإسلام حرام ، وهذه نظرة متخلفة في فهم الإسلام ، لكن السيد الشهيد ( قدس ) أعطى الجواب الإسلامي الصحيح منذ نهاية الخمسينيات من خلال قراءته للواقع والمستقبل ، وهو العالم الرباني المجتهد ، صاحب القدرات والكفاءات العالية ، والإمدادات الربانية الروحية إذ أكد على (( خطأ الفكرة القائلة برفض أي أسلوب غربي ، أو غير إسلامي بدعوى انه أسلوب خاطئ أو مناف للإسلام . فالأسلوب الذي يعتمده مبدأ من المبادئ ، ليس من الضروري أن يكون مرتبطاً بشكل مباشرٍ أو غير مباشر بذلك المبدأ ، وإنما يمكن توظيفه بالشكل الذي لا يتعارض مع أسس المبدأ أو العقيدة ، فإذا كان التنظيم الحزبي هو الأسلوب الشائع في الأنشطة السياسية في الغرب ، فأن ذلك لا يعني عدم أمكانية اعتماد هذا الأسلوب من قبل المسلمين بل إن السيد الصدر يؤكد أن هذا الأسلوب ليس غريباً عن التراث الإسلامي )) ( من فكر الدعوة ) وبهذا الطرح يكون السيد ( قدس ) أول مجتهد أسس للعمل الإسلامي الحركي وفق الأساليب العصرية ، وبذلك أعطى غطاءً شرعياً للعمل الحزبي الإسلامي كونه الآليّة أو الأسلوب الذي يتناسب وظروف العصر التي أوجبت التخطيط والتنظيم لمواجهة أعداء الإسلام الذين يعملون بنفس الأسلوب من التخطيط والتنظيم ، وبنظرة السيد الشهيد الموضوعية ونظرته الاجتهادية المتنورة وجد إن ولادة تنظيم إسلامي حركي لا تكفي لاستمرارية وحيوية هذا التنظيم أن لم يكن مدعوماً بشكل مباشر أو غير مباشر من المرجعية ، أن السيد الشهيد ( رض ) بفضل وعيه العميق لواقع الأمة المسلمة فَهِمَ أن العمل للإسلام في ظل الأوضاع الدولية الراهنة لابد له من علاقة جدلية بين العمل الحركي وبين المرجعية التي تؤمن بأنها لا تستطيع إن تطرح الإسلام للحياة من دون إن يكون لها جناح حركي في المجتمع ، كذلك التيار الحركي الإسلامي في المجتمع لا يمكن أن يتحرك للإسلام الذي يعيش الحياة بكل مفاصلها من دون أن يجد غطاءَ مرجعياً واعياً لهذه المهمة ، فكانت مرجعية السيد الشهيد ( قدس ) أول غطاء شرعي للعمل الإسلامي الحركي ، وكان حزب الدعوة الإسلامية أول تيار إسلامي حركي أصيل تمتد جذوره إلى مذهب آل البيت ( ع ) يتحرك لتغيير المجتمع نحو مبادئ الإسلام الأصيل بغطاء مرجعي متنور وبذلك تحققت العلاقة الجدلية بين التنظيم والمرجعية من اجل هدف واحد هو تغيير المجتمع نحو الإسلام ، لكن السيد الشهيد ( قدس ) هل كان يبني مشروع العمل الإسلامي الحركي المؤيد من المرجعية مادام هو موجوداً على قيد الحياة وهو يعلم انه سائر في طريق الشهادة ، من الطبيعي أن طموح السيد الشهيد يمتد في أفق المستقبل القريب والبعيد لهذا طرح مشروع ( المرجعية الصالحة ) ، (( والمشروع يعبر عن روح الوعي والمبادرة التي تميز بها السّيد الصدر طوال سنوات عمره القصير )) ( محمد حسين فضل الله ) ومشروع المرجعية الصالحة جاء تعبيراً عن قناعات السيد الحركية في نشر مبادئ الإسلام على نطاق واسع و (( أيجاد تيار فكري واسع في الأمة يشتمل على المفاهيم الإسلامية الواعية من قبيل المفهوم الأساسي الذي يؤكد بان الإسلام نظام كامل شامل لشتى جوانب الحياة ، واتخاذ ما يمكن من أساليب لتركيز تلك المفاهيم )) ( محمد حسين فضل الله ) ، ويضيف السيد فضل الله في كتابه (( المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية )) تعليقاً على مشروع السيد الشهيد ( قدس ) عن (( المرجعية الصالحة )) (( لقد كثّف السيد الصدر قناعاته الحركية في صياغة هذه الأهداف ـ يعني الأهداف الإسلامية للمرجعية الصالحة ـ فهي تلتقي من حيث الأساس مع ما سبق له أن حققه في مشروعه السياسي المتمثل بتأسيس حزب إسلامي والذي وضع له خطاً استراتيجياً عاماً يقوم على قاعدة التغيير الشامل في المجتمع على أساس الفكر والسلوك الإسلامي )) .


    وبهذا المشروع يكون السيد الشهيد ( قدس ) قد كسر الطوق المفروض على الإسلام انه دين عبادة فحسب ، ولا دخل له في السياسية التي هي جزء من الحياة وهو مفهوم غربي تبنته الأحزاب العلمانية عموماً ، وكثير من الحكومات الإسلامية الحالية ، وأخذت تحاسب من يقول أن لا فصل بين الدين والسياسة وبعض الحكومات تسوق من يقول ذلك إلى السجون أو الإعدام ، وهذه المشكلة هي التي جعلت السيد الشهيد ( قدس ) ومن بعده السيد الشهيد الصدر الثاني ( قدس ) في مواجهة عنيفة مع نظام صدام أوصلت الشهيدين إلى الإعدام وباستشهاد الشهيد الصدر الأول ( قدس ) يكون قد وضع الأساس للمرجعية الصالحة التي تطرح الإسلام للحياة بآليّة عمل عصرية هي التنظيم الحزبي الذي اثبت رضوان الله عليه شرعيته ، ولابد لكل مرجع يريد تطبيق الإسلام في الحياة من إن يرعى هذا التنظيم الإسلامي الحركي كي تتحقق الأهداف المرجوة من العمل ، ومن خلال رؤية ( السيد محمد حسين فضل الله ) لمشروع السيد الشهيد حول (( المرجعية الصالحة )) يقول في كتابه الذي ذكرناه سابقاً أنّ : (( السيد الصدر انطلق في صياغة هذا الهدف من تجربته الشخصية التي عاشها في العراق واشرف خلالها على تأسيس وعمل الحركة الإسلامية ، فقد لمس السيد الشهيد دور الحركة الإسلامية في خدمة قضايا الإسلام ، واكتشف بالتجربة حاجتها للدعم المرجعي ، وهو ما جعله يواصل تبنيه لها رغم خروجه من الهيكل التنظيمي )) (( أن تأكيده ـ قدس سرّه ـ على هذا الجانب يعكس رؤيته الحركية في فهم الدور الإسلامي في الحياة ، وإيمانه بضرورة امتلاك المرجعية الدينية الحس الحركي من اجل أن تتمكن من استيعاب الساحات الإسلامية وترشيد اتجاهاتها العاملة . )) .

    ومن سمات السيد الشهيد ( قدس ) أسلوبه المتميز بالموضوعية والعلمية والمنهجية ومخاطبة العقل ومقارعة الأفكار المخالفة بالحجج العلمية الموضوعية فلم يكن نسقياً بمعنى طرح المفاهيم التي يريد توصليها بالأسلوب الذي سار به من سبقه ، فقد كان السيد الشهيد ( رض ) ، لا يؤمن بالأسلوب الواحد كنسق في التعامل مع الأمة ومع العالم ، فهو يميز بين النظرية وبين الواقع ، فالإسلام نظرية لا تخضع للتغيير كونها نظرية إلهية غير خاضعة للتبدل أو التغيير (( أن هذا الدين هو اشرف رسالات السماء وخاتم تلك الأديان الذي ارتضاه الله تبارك وتعالى للإنسان في كل مكان وفي كل زمان ، ولهذه الصيغة النظرية للرسالة صيغة ثابتة لا تتغير ، ولا يمكن أن نؤمن فيها بالتجدد )) المحنة وحب الدنيا ـ السيد الشهيد .

    فالسيد الشهيد ( قدس ) من خلال منهجه الموضوعي في تحليل النظرية القرآنية للمجتمع يحدد الثابت من النظرية الإسلامية والمتغير منها ، فهناك خطان وفق النظرية القرآنية الاجتماعية خط علاقة الإنسان بالطبيعة وخط علاقة الإنسان بالإنسان هناك استقلال بين الخطين من جهة وتفاعل بينهما من جهة أخرى ، فالاستقلال نسبي (( هذا الاستقلال النسبي يشكل القاعدة لعنصر الثبات في الشريعة الإسلامية والأساس لتلك المنطقة الثابتة من التشريع التي تحتوي على الأحكام العامة المنصوصة ذات الطابع الدائم المستمر في التشريع الإسلامي )) هذا الاستقلال بين الخطين هو ما يعبر عنه بحالة الثبات في النظرية الإسلامية ، أما المتغير منها سماه الشهيد الصدر ( قدس )) بمنطقة الفراغ في كتابه ( اقتصادنا ) وهذا الفراغ هو (( الأساس للعناصر المرنة والمتحركة في التشريع الإسلامي ..... هذه العناصر المتحركة والمرنة والتي ترك للحاكم الشرعي إن يملأها )) المحنة وحب الدنيا . هذا ما يتعلق برؤية السيد عن النظرية الإسلامية ، فهو لم يعطها الثبات الجامد بل هناك المتغير منها (( الفراغ )) الذي يملأه الفقيه المجتهد حسب فهمه وامكاناته لفهم الظروف والمستجدات والاحاطة بعوامل التطور وحاجات ومصلحة الإنسان . إما ما يتعلق برؤية السيد الشهيد ( رض ) عن الواقع ، فنظرته لهذا الواقع تأتي بمنظار متجدد ملتزم فهو لم يكن نسقياً في التعامل مع الواقع ، بل يدعو إلى أن يكون التعامل مع الواقع متغيراً حسب الزمان والمكان ، لأن لكل نظرية لابد لها من واقع تطبق عليه وألا تصبح نظرية خياليه ، وبما أن النظرية الإسلامية هي نظرية واقعية ، فلابد من أسلوب لتطبيق هذه النظرية هذا الأسلوب في العمل واقعه ومساحته الأمة المسلمة إذ هي التي ستطبق مبادئ هذه النظرية ولكن بأسلوب متغير حسب الزمان والمكان فالسيد الشهيد ( قدس ) لا يدعو إلى تطبيق الأسلوب الثابت في التعامل مع الأمة لأجل تطبيق النظرية واعتبر ذلك عيباً وخللاً في تطبيق النظرية ويعلق الشهيد على هذه الحالة في العمل في كتابه المحنة بقوله : (( أما العمل في سبيل هذه النظرية ـ يقصد النظرية الإسلامية ـ أساليب العمل الخارجي ... في حالة العمل كانت لدينا حالة أنا أستطيع أن اسميها الاستصحابية لأساليب العمل ( حالة النزعة الاستصحابية ) ... الاستصحاب الذي قرأناه في الأصول طبقناه على أساليب العمل ... وطبقناه على حياتنا ، فكنا نتجه دائماً إلى ما كان و لا نفكر أبداً في انه هل بالامكان أن يكون أفضل مما كان ؟

    وهذه النزعة الاستصحابية إلى ما كان والحفاظ على ما كان تجعلنا غير صالحين لمواصلة مسؤولياتنا ، وذلك لان أساليب العمل ترتبط بالعالم ... ترتبط بمنطقة العمل ... وترتبط بالبستان الذي تريد أن تزرع فيه ، وهذا البستان ... هذه الأمة التي تريد أن تزرع فيها الخير .. التقوى ... الورع .... الأيمان ...هذه الأمة ليست حالة واحدة ، الأمة تتغير نعم إسلامك لا يتغير ... لكن الأمة تتغير ... الأمة اليوم غير الأمة بالأمس في مستواها الفكري ... في مستواها الأخلاقي ... في علائقها الاجتماعية .... في أوضاعها الاقتصادية ... في كل ظروفها .. الأمة اليوم غير الأمة بالأمس
    )) . هكذا ينظر السيد إلى أساليب العمل ويرفض الجمود في أسلوب التعامل مع الأمة (( لابد لنا أن نتحرر من النزعة الاستصحابية ، من نزعة التمسك بما كان حرفيا بالنسبة إلى كل أساليب العمل ، هذه النزعة التي تبلغ القمة عند بعضنا )) هذه الاستصحابية أو النسقية هي التي اعتبرها الشهيد خللاً في التعامل مع المجتمع هذا المنهج جعل الشهيد يميّز بين نوعين من التفكير تفكير رياضي يتم التعامل به مع العلوم البحتة ، أما المجتمع فله نسق في التفكير مختلف يقوم (( على أساس الحدس الاجتماعي ـ الذي ـ يتكون من الخبرة والتجربة ومن الإطلاع على ظروف العالم وملابساته )) ـ المحنه .

    [align=center][/align]

    ومن سمات شخصيه الشهيد ( قدس ) ابتعاده عن النسقية في الأسلوب كما أسلفنا أو كما اسماها هو الابتعاد عن الاستصحاب ، أيضاً من سماته انه يخاطب العقل في طرحه للمفاهيم التي يريد توصليها للأخر ، ففي بحثه (( النبوة الخاتمة )) ، يتناول السيد الشهيد وبأسلوب عقلي موضوعي لماذا التجديد في النبوات بمعنى بعد كل فترة يبعث نبي ، ولماذا كانت نبوة محمد ( ص ) خاتم النبوات ؟ فبحثه يعتمد (( على تقصي الأسباب من زاوية عقلية )) فعندما يتساءل الشهيد عن أسباب التجديد والتغيير في النبوة بمعنى (( لماذا لم يحل معضلة الإنسان نبي واحد ، أو رسالة واحدة ؟ )) ويجيب الشهيد على هذا التساؤل بأربعة أسباب نذكرها ليطلع عليها القارئ وليأخذ لمحة عن منهجه العقلي في الإجابة على التساؤلات المتعلقة بتحديد النبوة:

    1. استنفاذ غرض النبوة .

    2. انقطاع تراث النبوة .

    3. محدودية نفس النبي .

    4. تطور الإنسان المدعو .


    فكل سبب من الأسباب السابقة هو سبب معقول لتغيير النبوة وتجديدها ، فالسبب الأول مثلا عندما تكون النبوة لعلاج حالة معينة في المجتمع ، أي حالة مرضية غير صحيحة فتاتي هذه النبوة لعلاج تلك الحالة ، وبعد انتهاء العلاج لا يعقل أن تستمر النبوة العلاجية هذه كخط عام للإنسان في المستقبل (( فمثلاً ما يقال من إن المسيحية كانت تتجه إلى نزعة روحية مفرطة ـ يعني الإفراط في الروحية ـ والتركيز على الجانب الغيبي بدرجة اكبر بكثير من التركيز على أي جانب من جوانب الحياة المعاشة المحسوسة .. والتركيز على جعل النفس منقطعة عن كل علائق الدنيا ، هذا التركيز الذي قامت على أساسه فكرة الرهبنة المسيحية كان علاجاً لمرض كان يعيشه شعب بني إسرائيل حينما ظهرت المسيحية . هذا المرض ـ وهذا الانغماس المطلق في الدنيا .... وهذه الحالة النفسية التي تجعل الإنسان اليهودي مشدوداً إلى درهمه ، وديناره ، ويومه ، وغده )) النبوة الخاتمة .

    مثل هذه الحالة تعتبر حالة مرضية تحتاج لعلاج ، فجاءت المسيحية لعلاج حالة المادية المسيطرة على الإنسان اليهودي ، والتي تعتبر شذوذاً (( وانحرافاً لأنه دواء للمريض وليس طعاما للصحيح )) .

    فهذا السبب وكذلك الأسباب الأخرى هي أسباب موضوعية يتقبلها العقل كحجة يقنع بها الإنسان العاقل بالأسباب التي تدعو إلى التجديد والتغيير في النبوة فمخاطبة العقل هي سمة أخرى من سمات أسلوب السيد الشهيد ، تضاف إلى السمة السابقة السمة الأخرى التي تميز بها الشهيد في أسلوب طرحه لتصوراته والمفاهيم والنظريات الإسلامية التي يريد تبليغ الأمة بها وهو الأسلوب العلمي المستند إلى جمع الحقائق الموضوعية والأدلة الواقعية والتحليل لهذه الأدلة لصياغتها بما يخدم الهدف الذي يروم تحقيقه وهذا الأسلوب تميّز به السيد الشهيد عن غيره من الباحثين والمفكرين الإسلاميين فهو لم يلجأ إلى مسلّماته الشخصية . لإقناع الأخر ، حتى لو كانت نصوصاً من القران أو السنة ، على اعتبار إن الأخر ليس بالضرورة أن يكون مؤمناً بالنص المُتبنى عند المحاور كحجة وان امن به كوجود لكن مضمون النص مُختَلََف عليه عند الاثنين ، أذن لا يمكن الاستدلال به كحجة ، لذا فالسيد الشهيد يلجأ وبقدرات عالية إلى الأسلوب العلمي المنهجي في إثبات المفاهيم والأفكار التي يريد أقناع الآخرين بها ، ولجوؤه إلى هذا المنهج العلمي أثار عليه بعض الشبهات ممن يقعون ضمن دائرة النسقية والنصيّة التي لا تستعين بالمنهج العلمي الموضوعي في الاستدلال لذا فالسيد الشهيد يعتبر سابق لثقافة عصره الذي عاش فيه . وكمثال على ذلك كَتَبَ الشهيد بحثاً بعنوان (( بحث حول المهدي )) إذ يناقش فكرة المنقذ والمخلّص للبشرية واليوم الموعود الذي تسود فيه العدالة وينتهي الظلم بأسلوب نفسي موضوعي يتناغم مع تطلعات الإنسانية في الخلاص إذ يقول (( ليس المهدي تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب ، بل عنوان لطموح اتجهت أليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها ، وصياغة لإلهام فطري ، أدرك الناس من خلاله ـ على الرغم من تنوع عقائدهم ووسائلهم إلى الغيب ـ إن للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض ..... بل لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي على المؤمنين دينياً بالغيب ، بل امتد إلى غيرهم أيضاً وانعكس حتى على اشد الأيدلوجيات والاتجاهات العقائدية رفضاً للغيب والغيبيات ، كالمادية الجدلية التي فسرت التاريخ على أساس التناقضات ، وامنت بيوم موعود ، تصفي فيه كل تلك التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام )) وهكذا لأسباب نفسية فطرية تؤمن البشرية بهذا اليوم الموعود ويأتي دور الدين لدعم (( هذا الشعور النفسي العام ))

    فالسيد الشهيد يثبت بالأسلوب النفسي العلمي أن اليوم الموعود طموح أنساني للخلاص من الظلم ثم تأتي الفكرة الدينية لتنسجم مع هذا الطموح وتدعمه وتعطيه وضوحاً اكبر ، فالمسلم تأتيه القناعة بفكرة المهدي عن طريق العلم والاستعداد النفسي العام وعن طريق الدين والنصوص التي تؤكد هذه الفكرة . وبنفس الأسلوب العلمي هذا يخلص الشهيد إلى نتيجة مفادها أن طول عمر الإنسان لا يتعارض مع الطبيعة البشرية والسنن الإلهية وقد وجد في التاريخ من البشر من وصل عمره ألف عاماً إلا قليلا كالنبي نوح ، ويقول السيد الشهيد (( ولا ادري هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط ، بتفريغ الحضارة الإنسانية من محتواها الفاسد وبنائها من جديد ، فيكون لكل منهما عمر مديد يزيد على أعمارنا الاعتيادية أضعافاً مضاعفة ؟ّ! احدهما مارس دورهُ في ماضي البشرية وهو نوح الذي نص القران الكريم على انه مكث في قومه ألف عام إلا خمسين سنة ، وقدر له من خلال الطوفان أن يبني العالم من جديد ، والأخر يمارس دورهُ في مستقبل البشرية ، وهو المهدي الذي مكث في قومه حتى الآن أكثر من ألف عام وسيقدر له في اليوم الموعود أن يبني العالم )) ويعلل السيد الشهيد إطالة العمر بعاملين اولهما انه يتم بواسطة القوانين الطبيعية التي أودعها الله تعالى في الكون ولم يتح للبشرية أو العلم أن يكتشفها الآن ، وربما تأتي مئات من السنين حتى يتمكن الإنسان أن يفهم أو يكتشف هذه القوانين الطبيعية التي مكنت الرسول ( ص ) للإسراء إلى السماء أو (( اتاحت لأخر خلفائه المنصوصين العمر المديد قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك )) والعامل الثاني يتحقق طول العمر فيه بمعجزة إلهية تعطل القانون الطبيعي تحقيقاً لأمر الهي تتطلبه المحافظة على رسالة السماء أو الحفاظ على حياة حجة الله في الأرض كضرورة لإنجاز مهمة هذا الحجة على الأرض ، كما حصل لإبراهيم ( ع ) عندما القي في النار ، أو خروج النبي محمد ( ص ) ، من بين حشود الناس من قريش وهي مجتمعة لقتله ، حينئذ تتدخل الإرادة الربانية لتعطيل ذلك القانون (( وعلى العكس إذا كان الشخص قد انتهت مهمته التي أعد لها ربانيا فانه سيلقى حتفه ويموت أو يستشهد وفقا لما تقرره القوانين الطبيعة )) .

    وهكذا نرى السيد الشهيد كيف يسوق الأدلة الموضوعية والعلمية لطرح أطروحة الإمام المنتظر أو اليوم الموعود ليثبتها إلى العقل السليم خارج أطار النص أو النقل وهذا ما انتهجه أيضاً في معالجة أطروحة الخلافة بعد وفاة النبي ( ص ) سيما وان الرسول الأكرم (( كان يدرك منذ فترة قبل وفاته ، أن اجله قد دنا ، وأعلن ذلك بوضوح في حجة الوداع ـ ولم يفاجئه الموت مفاجأة . وهذا يعني انه كان يملك فرصة كافية للتفكير في مستقبل الدعوة بعده )) محمد باقر الصدر ـ نشأة الشيعة والتشيع .

    فهل يعقل أن يترك النبي ( ص ) وهو خاتم الأنبياء وصاحب الرسالة ألتغييريه لبناء الأمة في الحاضر والمستقبل كون الإسلام خاتم الأديان هل يعقل أن يترك أمته من دون قائد بعده ، وليس وجود قائد أيما قائد كاف لاستمرار الرسالة لتحقيق أهدافها الإسلامية الرسالية التي أرادها الله بل الضرورة تفرض وجود قائد اقرب ما يكون إلى مبادئ النبوة ، ومُعَّداً أعداداً رسالياً خاصاً وبأشراف مباشر من النبي محمد ( ص ) هذه الضرورة (( تفرض على القائد الأول يعد للتجربة قائدها الثاني الذي تواصل على يده ويد خلفائه نموها الثوري ، وتقترب نحو اكتمال هدفها ألتغييري في اجتثاث كل رواسب الماضي الجاهلي وجذوره ، وبناء امة جديدة على مستوى متطلبات الدعوة ومسؤوليتها )) السيد الشهيد ( قدس ) .

    ووفق هذه المنهجية التي أراد النبي محمد ( ص ) لها الاستمرار من بعده اعدَّ الرسول الأكرم الإمام علي ( ع ) لهذه المهمة الرسالية ، يقول السيد الشهيد ( قدس ) (( الشواهد كثيرة على أن النبي ( ص ) كان يعد الإمام أعداداً خاصاً لمواصلة قيادة الدعوة من بعده ، فالشواهد على إعلان الرسول القائد عن تخطيطه هذا ، وإسناده زعامة الدعوة الفكرية والسياسية رسمياً إلى الأمام علي ( ع ) لا تقل عنها كثرة ، كما نلاحظ ذلك في حديث الدار وحديث الثقلين وحديث المنزلة ، وحديث الغدير ، وعشرات النصوص النبوية الأخرى . ))

    [align=center][/align]

    بعد هذه الحجج العقلية والنقلية يسوق السيد الشهيد ( قدس سرّه ) احتمالات الموقف ما بعد وفاة الرسول الأعظم ( ص ) بطريقة منطقية عقلية . فالاحتمال الأول أما أن يكون الرسول ( ص ) قد أهمل أمر الدعوة الإسلامية بعد وفاته و ((ترك مستقبلها للظروف والصدف )) ، وهذا احتمال لا يمكن افتراضه لأنه لا ينسجم وطبيعة الرسول محمد ( ص ) وحرصه على مستقبل الإسلام والدعوة حتى وهو على فراش الموت حيث قال ( ص ) (( ائتوني بالكتف والدواة اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً )) فهذا يدل على أن الرسول حريص كل الحرص على آلمستقبل وعلى استمرار منهج النبوة من بعده ، وتحصينها من الضياع أو الانحراف.

    والاحتمال الثاني أن الرسول لم يهمل أمر الدعوة واهتم بمستقبلها إلا انه ترك أمر اختيار القائد من بعده إلى الأمة عن طريق الشورى ، وهذا الاحتمال يستبعده السيد الشهيد أيضاً لأسباب عديدة منها واقعية وموضوعية وهذا منهجه في البحث ومن جملة ما ذكره السيد الشهيد في هذا المجال قوله (( أن النبي ( ص ) لم يمارس عملية التوعية على نظام الشورى لان هذه العملية لو كانت قد أنجزت لكان الطبيعي أن تنعكس وتتجسد في الأحاديث المأثورة عن النبي ( ص ) وفي ذهنية الأمة ... مع أننا لا نجد في الأحاديث عن النبي ( ص ) أي صورة تشريعية محددة لنظام الشورى )) ـ نشأة الشيعة والتشيع .

    وبقي الاحتمال الثالث الذي يحدد موقف الرسول ( ص ) من الدعوة بعد وفاته وهو (( أعداد ونصب من يقود الأمة . وهذا هو الطريق الوحيد الذي بقي منسجماً مع طبيعية الأشياء ومعقولاً في ضوء ظروف الدعوة والدعاة )) وهكذا فان الوقائع العملية وسلوك النبي في هذا المجال هو الذي (( يضمن مستقبل الدعوة وصيانة التجربة في خط نموها )) والذي تبنى هذا المنهج هو التشيع الذي تبنى التجربة النبوية في أن يختار (( بأمر الله سبحانه شخصاً يرشحه عمق وجوده في كيان الدعوة ، فيعده أعداداً رساليا وقيادياً تتمثل فيه المرجعية الفكرية والسياسية للتجربة ، وليواصل بعده ـ بمساندة القاعدة الشعبية الواعية من المهاجرين والأنصار ـ قيادة الأمة وبناءها عقائدياً ، وتقريبها باستمرار نحو المستوى الذي يؤهلها لتحمل المسؤوليات القيادية )) ويضيف السيد الشهيد ( قدس ) (( وهكذا وجُد التشيع في إطار الدعوة الإسلامية متمثلاً في هذه الأطروحة النبوية التي وصفها النبي ( ص ) بأمر من الله ـ للحفاظ على مستقبل الدعوة )) .

    وإذ يطرح السيد الشهيد رؤاه الفكرية لصيانة الرسالة الإسلامية من الانحراف كما أراد الله تعالى لهذه الرسالة من تحقيق أهداف اجتماعية وإنسانية ، حيث جعل الله تعالى ضمانة عدم انحرافها التزام خط الرسول ( ص ) ومن بعده التزام خط علي ( ع ) والأئمة المعصومون ( ع ) لبناء قاعدة الرسالة والدعوة للحاضر والمستقبل ، ومن خلال فهم علي ( ع ) والأئمة المعصومين ( ع ) من بعده للرسالة والدعوة بترسيخ المنهج السليم في الحفاظ على كيان الإسلام الشامل والصحيح . وإذ يطرح السيد الشهيد ( قدس ) هذا المنهج لا يطرحه بصفته المذهبية بل يقدمه أطروحة أسلامية متكاملة لجميع المسلمين وبطريقة علمية عقلية تنأى عن التعصب والانغلاق ، بل يطرحه بالطريقة المنفتحة المرنة التي تجمع المسلمين عموماً على المبادئ المشتركة خارج أطار المتذهب والتعصب انطلاقاً من وعيه وشعوره بالمسؤولية تجاه أمته ودينه المهدد من أعداء الإسلام بمختلف اتجاهاتهم إذ أن هؤلاء الأعداء يحاربون الإسلام كمنهج للحياة ، ولا يميّزون بين مسلم وأخر إلا بما يخدم أهدافهم حيث نراهم أحياناً يتبنون مذهباً من المذاهب ويحاولون نصره على المذاهب الأخرى من اجل خلق الفتنة الداخلية لقتل الإسلام من الداخل ، سيما إذا وجدوا في المذهب الذي يدعمونه بذور التعصب الأعمى تجاه المذاهب الإسلامية الأخرى إذ يغذون هذه العصبية لغرض الهدم وزرع بذور التمزق الذي يقود إلى الضعف وإذا وجدوا رجال دين مسلمين يحملون هذه الأفكار المنحرفة فان أعداء الإسلام يحتضنوهم ويقدمون لهم كل الدعم خدمة لأهدافهم في زرع بذور الفرقة والعداء بين المسلمين ، ومن هذا المنطلق أدرك السيد الشهيد هذه النوايا السيئة لأعداء الإسلام فحمل أسلام أهل البيت إسلام المحبة والإنسانية فطرحه بصورته الناصفة كدين عالمي يدعو إلى العدالة ونبذ الظلم ويدعو إلى التزام الإنسان والدفاع عن حقوقه التي منحها الله تعالى له من الحرية والكرامة والعيش الكريم والتي صودرت وحوصرت من النظريات الغربية الوافدة . هذا الطرح الكلي الذي تبناه السيد الشهيد دعاه إلى إن يطرح منهج أهل البيت ( ع ) ، بطريقة تتناسب ومسؤوليتهم في قيادة الأمة إذ أن (( هناك دور مفروض للائمة في نص الشريعة الإسلامية ، في عالم التشريع ، وهو دور صيانة تجربة الإسلام ، تجربة المجتمع الإسلامي التي أنشأها النبي ( ص ) ، وكان المفروض أن هذه القيادة تتسلسل في هؤلاء الأئمة ألاثني عشر ( ع ) واحداً بعد الأخر )) . محمد باقر الصدر ـ أهل البيت ..تنوع ادوار ووحدة هدف .

    هذا الدور والتسلسل الذي اختاره الله تعالى حفاظاً على الإسلام من الانحراف ، فيما لو تولى الأمر أناس آخرون له ثلاث مراحل حسب تشخيص السيد الشهيد ( قدس ) : حسب ما ذكره في كتابه أهل البيت .

    المرحلة الأولى : (( وهي تفادي صدمة الانحراف ، هذه المرحلة التي عاش فيها قادة أهل البيت ( ع ) مرارة الانحراف ، وصدمته بعد وفاة رسول الله ( ص ) ... الأئمة ( ع ) في هذه المرحلة قاموا بالتحصينات اللازمة بقدر الامكان .. فحافظوا على الرسالة الإسلامية نفسها )) ، فمن اضطلع بهذه المسؤولية من أهل البيت ( ع ) الأمام علي ( ع ) والإمام الحسن والحسين وعلي بن الحسين ( ع ) .

    المرحلة الثانية : (( وهي التي شرع فيها قادة أهل البيت ( ع ) ـ بعد أن وضعوا التحصينات اللازمة .. ضد صدمة الانحراف ـ ببناء الكتلة المنضوية تحت لوائهم )) وفي هذه المرحلة لا يعني أن المسالة حدية بحيث تنتهي مرحلة وتبدأ أخرى أنما هناك تداخل ، ولكن هناك اولويات أيضاً ، فمرحلة التحصين ضد الانحراف لا يعني أنها انتهت بل أصبح خطرها اقل بحيث يأتي دور الأمام لبناء حالة جديدة أخرى يتطلبها الظرف الموضوعي إضافة إلى حماية التحصين بدرجة من الدرجات ولكن الجهد الأكبر للائمة ( ع ) انصب في هذه المرحلة على بناء الجماعة التي تبنت مشروع أهل البيت ( ع ) بمساعدتهم في فهم الإسلام وبناء مرتكزاته الأساسية والأئمة الذين قاموا بهذا الدور إضافة إلى الأمام علي بن الحسين ( ع ) الذي اعتبره السيد الشهيد نهاية المرحلة ولكن ليس بصورة حدية بحيث يمكن أن تقول (( هذه اللحظة هي نهاية المرحلة وبداية أخرى وإنما هذا التصور يتفق مع طبيعة الأحداث المتصورة في خط تاريخ الإسلام )) أهل البيت ... محمد باقر الصدر .

    فيعتبر السيد الشهيد زمان الأمام الباقر ( ع ) الذي استمر بمنهج إبائه في التحصين ضد الانحراف بالإضافة إلى دوره في توعية المجموعة المنضوية تحت لواء الأئمة ( ع ) (( حتى تكون هذه الجماعة ، هي الرائد والقائد والحامي للوعي الإسلامي الذي حصن بالحد الأدنى ، هذا العمل مارسه الأمام الباقر ( ع ) على مستوى القمة واستمرت إلى زمن الأمام الكاظم ( ع ) )) .

    المرحلة الثالثة : بدأت بحياة الأمام الكاظم ( ع ) حيث هي متداخلة مع المرحلة السابقة ، ففي هذه المرحلة بالإضافة إلى استمرار الأئمة عليهم السلام في التحصين وبناء الوعي الجماهيري خاصة عند الجماعة التي تبنت مذهب أهل البيت ( ع ) ، إلا أن هذه المرحلة (( لا تحدد بشكل بارز من قبل الأئمة ( ع ) أنفسهم ، يحددها بشكل بارز موقف الحكم المنحرف من الأئمة أنفسهم ، وذلك لان الجماعة التي نشأت في ظل المرحلة الثانية التي وضعت بذرتها في المرحلة الأولى نشأت ونمت في ظل المرحلة الثانية .... وبدا للخلفاء أن قيادة أهل البيت ( ع ) ، أصبحت على مستوى تسلم زمام الحكم والعود بالمجتمع الإسلامي إلى حظيرة الإسلام الحقيقي )) وهذا خلّف بشكل رئيسي ردة فعل للخلفاء تجاه الأئمة ( ع ) من أيام الأمام الكاظم ( ع ) ـ محمد باقر الصدر ( قدس ) .

    أن اتجاه السيد الشهيد ( قدس ) في دراسة حياة الأئمة ( ع ) بصورة كلية ، لتأكيد مفهوم أن كل أمام من الأئمة ( ع ) له دور معين يتحدد حسب الظروف الموضوعية الواقعية زمن الأمام فعندما حارب الحسين ( ع ) يزيداً حتى استشهد أنما لقيام الحجة لهذا الموقف كذلك موقف الأمام الحسن ( ع ) مع معاوية أنما الظروف الواقعية هي التي تفرز الموقف الذي يلتزمه الأمام حيال أي حالة وهو يتصرف بحكم كونه إماماً معصوماً منُّصباً باختيار ألهي ولياً وخليفة للرسول الأكرم ( ص ) ، فعندما ندرس حياة الأئمة ( ع ) بصورة جزئية تظهر مثل هذه المواقف في الحياة التفصيلية للإمام لكن عندما ندرس حياة الأئمة ( ع ) كلية وفق الخط الإسلامي الذي يسيرون فيه تتلاشى هذه الفروقات والتناقضات في المواقف والتي تبدو ضمن الحالة الجزئية أنها مختلفة الواحد عن الأخر ، ومن هنا يتوضح أهمية منهج السيد الشهيد ( قدس ) في دراسة حياة الأئمة ( ع ) بصورة كلية ، لكن . هذا لا يعني إلغاء التعرف على الحياة الجزئية التفصيلية لكل إمام إذ أنّ هذه الحياة الجزئية هي التي تؤسس لدراسة الحياة الكلية للائمة ( ع ) وفي هذا الصدد يقول السيد الشهيد في كتابه (( أهل ... البيت ... )) (( أن هذه الدراسة الجزئية نفسها ضرورية لإنجاز دراسة شاملة كاملة ملائمة ككل ، إذ لابد لنا أولاً أن ندرس الأئمة بصورة مجزئة تستوعب إلى أوسع مدى ممكن حياة كل إمام ، بكل ما تزخر به من ملامح وأهداف ونشاط ، حتى نتمكن بعد هذا أن ندرسه ككل ونستخلص الدور المشترك للائمة ( ع ) جميعاً ، وما يعبرون عنه من ملامح وأهداف وترابط )) .





  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    29,594

    افتراضي


    من هذا نستنتج إن الأئمة عليهم السلام (( مشروع سياسي وفكري لقيادة الأمة واستلام سدّة الحكم وإدارة الحياة العامة ، وان كل واحد من هؤلاء الأبرار مارس دوراً فيه من الخصوصيات والاشتراك مع ادوار الآخرين بحيث يشكلون بمجموعهم مجموعة فريدة ومتكاملة )) شبهات عقائدية . عمار أبو رغيف .

    ما تقدم لمحات سمات شخصية الشهيد الصدر وومضات من فكره المتنور العلمي العقلي الرصين ، وهذه اللمحات والومضات ما هي إلا جزءٌ يسيرٌ للغاية مما هو موجود بين أيدينا من أفكار ونظريات تعود للسيد الشهيد سواء في الفقه أو التاريخ أو الاجتماع أو السياسة أو الاقتصاد أو العلوم الأخرى وكل هذا النتاج الضخم للشهيد هو الجزء الظاهر من شخصية الشهيد لكن المخفي من شخصيته الفذة لازال مجهولاً ولا نعرف عنه سوى معلومات يسيره كون الجزء المخفي متعلق بعلاقته الشخصية من حيث القرب والمنزلة عند الله تعالى حيث لا يخفى إن مثل هذا الرجل لا يمكن أن تكون علاقته بالله تعالى اعتيادية كبقية الناس وهو الذي يمتلك هذه المؤهلات والتميز عن الأقران منذ طفولته فقد روى احد أساتذته : ( لقد جاءني يوماً مبدياً رغبته في أن يقرأ بعض الكتب الماركسية ، ليطلع على مكونات هذه النظرية ، ترددت في بادئ الأمر عن إرشاده إلى ذلك لأنه طفل ، وخشيت أن تتشبع أفكاره بالماركسية ونظرياتها . وبعد إلحاح منه شديد ولما كنت لا أحب رد طلبه أرشدته إلى بعض المجلات والكتب المبسطة ... بعد أن تسلمها مني تهلل وجهه فرحاً ثم أعادها بعد أن قرأها ) وجدد (( طلبه أن أجد له كتباً أكثر موضوعية وأعمق شرحاً وعرضاً لآراء الماركسية ، فهيأتُ له طلبه ، وكنت أظن انه سوف لا يفقه منها شيئاً لأنني أنا نفسي رغم مطالعتي الكثيرة في هذا الموضوع أجد أحياناً صعوبة في فهمها . بعد مدة أسبوع واحد أعادها إلي وطلب غيرها ، وأضاف المدرس قائلاً : أحببتُ أن اعرف ما الذي استفاده هذا الطفل من قراءته لهذه الكتب ، وإذا به يدخل لشرح الماركسية طولاً وعرضاً ، فأخذتُ عن شرحه لها كل ما غمض عليّ معناها عند قراءتي لها ، فعجبت لهذا الطفل المعجزة وهو لما يزل في المرحلة الثالثة من الدراسة الابتدائية وقد زاد في اطمئناني عندما راح يشرح لي انه كان يأتي على مناقشة كل رأي على حده مناقشة العالم المتبحر في العلم ، فاطمأننتُ بأنه لم يتأثر بالماركسية ، مطلقاً ، وانه كان يقرؤها كناقد لا كدارس لها )) الشيخ النعماني ـ شهيد الأمة وشاهدها ـ وفي رأي الباحث علي حسن هذيلي (( أن القراءة التي تريد أن تكشف وتريد تقبل الآخر والانفتاح عليه ، ومن ثم تحليله وإعادة بنائه هي ممارسة عرفانية )) إذن الأمر المخفي الذي لم يفصح عنه هو ـ نظرية الصدر العرفانية ـ التي لم يتطرق لها الكتاّب والباحثون بصورة تفصيلية وواضحة ، كما انه ( قدس ) لم يتطرق لها كبحث مستقل إنما تناول منازل التقرب إلى الله ثم ذكر كلماتٍ وترك أثاراً نستشف منها مقدار قربه من الله تعالى ، ونستشف منها انه أيضاً من العارفين ، ولو جمعت هذه الآثار نستطيع أن القول انه وضع أسس نظرية عرفانية صدرية تميزت في نهجها عن نهج السالكين في العرفان الذين طالما يميلون إلى العزلة والابتعاد عن الناس و (( لا يتكلمون بلسان عموم الخلق ، ولا يخوضون فيما يخوض فيه الناس من مسائل علم الظاهر ، وإنما يتكلمون بلسان الرمز والإشارة والمجاز ... وهذا ما لا نجده في لغة الصدر ، فلغته واضحة نقية محددة لأنها تتناسب وموضوعات بحثه ... لغته استطاعت أن تأسر القارىء وتؤثر فيه لأنها لغة الحس والعقل والوجدان )) علي حسن هذيلي .

    لقد أسس السيد الشهيد ( قدس ) لنظرية عرفانية واعية لا علاقة للفكر أو العقل فيها وهو الذي تميّز بنتاجاته بالعمق الفكري والعقلي والموضوعي أما في نظريته العرفانية فأنه ينتقل (( من منطقة الفكر إلى منطقة القلب .. من منطقة العقل إلى منطقة الوجدان )) المحنة ـ محمد باقر الصدر ـ .

    لكن هذا الانتقال لا يكون خارج المألوف أو خارج العقل ، انه لا ينسى دوره في المجتمع ومسؤوليته تجاه أمته ، انه ( قدس ) من أولئك الذين ظهروا في التاريخ الإسلامي ممن سلكوا طريق القلب للوصول إلى ذات الحق انه من الطبقة التي وصفها الشهيد مطهري بقوله (( ظهر دائماً وما يزال ـ وخاصة بين الشيعة ـ عرفاء لا يتميزون بالظاهر عن الآخرين في شيء وهم في نفس الوقت من عمق أهل السير والسلوك العرفاني . وفي الحقيقة إن العرفاء الحقيقيين هم من أهل هذه الطبقة )) ـ العرفان .

    أن العرفاء الحقيقيين هم من سلكوا طريق النبي محمد ( ص ) والأئمة المعصومين ( ع ) في التقرب إلى الله تعال : (( أن العارف الحقيقي يكتب بلغة العقل ما يشاهده بالقلب ويراه بتمام وجوده )) مطهري .

    كان السيد الشهيد ( رض ) ، من طبقة العارفين الحقيقيين ، العارف الذي يصعد في سلم القرب إلى الله تعالى ، دون أن يفرض العزلة على نفسه عرفانه ليس لذاته فحسب ، أنما عاش وعي العرفان النبوي وعرفان أئمة أهل البيت ( ع ) حيث الشهود مع الحقيقة الإلهية ثم العود إلى المجتمع لممارسة الدور الرسالي ، وفق هذه الرؤية مارس الشهيد الصدر ( قدس ) معرفته الإلهية ونال من الدرجات والمنزلة التي أهلته أن يكون شاهداً العصر على أمته . كان ( رض ) قد حدد أربعة وسائل لبلوغ منازل القرب نحو الحقيقة الإلهية هي : 1. الحس 2. المعطى الإلهي أو ( الثقافة الإلهيـــــة ) 3. القلب 4. الحب .

    كان السيد الشهيد ( قدس ) يقول : (( الإنسان خلق حسياً أكثر منه عقلياً يتفاعل مع حسه أكثر مما يتفاعل مع عقله ... الإنسان بحسب طبيعة جهازه المعرفي وتكوينه النظري خلق حسياً أكثر منه عقلياً )) (( أهل البيت ـ تنوع أدوار و وحدة هدف )) لكن هذا الحس لا يتفتح أو يظهر إلى الوجود ألا إذا تهيأت الظروف إلى ذلك ، وقد يعيش الإنسان سنوات عمره ولا تتفتح خامات الحس عنده بالرغم من وجودها في طبيعته البشرية ، وقد تتفتح في مرحلة من المراحل العمرية ، هذه الامكانات الحسية يشبهها الشهيد ( قدس ) كالبذرة التي لا تنبت إلا إذا توفرت لها الشروط كذلك هي كالشهوات والغرائز الموجودة (( في الإنسان منذ يخلق وهو طفل ولكنه لا يعيش تلك الشهوات ولا يعيش تلك الغرائز )) إلا في مراحل لاحقه من حياته (( كذلك على مستوى هذا الحس الذي هو اشرف وأعظم وأروع ما أودع في طبيعة الإنسان )) .

    ولهذا السبب جاءت أكثر المعجزات لإثبات الدين معجزات حسيـــة ، كي تتناسب والطبيعة البشرية ولان الإدراك الحسي أكثر قبولية من الإدراك العقلي (( بناء على هذا كان لابد للإنسانية من حس مربي ، زائد على العقل والمدركات العقلية الغائمة الغامضة التي تدخل إلى ذهن الإنسان بقوالب غير محددة وغير واضحة )) ثم يضيف السيد الشهيد إلى مبدأ الحس الذي هو أساس المعرفة الإنسانية مبدأ أخر هو القيم والمثل السماوية التي سمّاها (( الثقافة الإلهية )) أو (( المعطى الإلهي )) ، هذه القيم والمثل السماوية كيف يستنزلها الإنسان لتصبح قيماً ومثلاً حسية واقعية ، وان بقيت هذه (( القيم والمثل والأهداف والاعتبارات عقلية محضة فهي سوف تكون قليلة الفهم ضعيفة الجذب بالنسبة إلى الإنسان وكلما أمكن تمثيلها حسياً أصبحت أقوى وأصبحت أكثر قدرة على الجذب والدفع . )) ويلخص السيد الشهيد ( قدس ) العلاقة بين مبدأ الحسية والثقافة الإلهية بقوله في كتابة أهل البيت .. (( لئن بقيت القيم والمثل والأهداف والاعتبارات عقلية محضة .. فهي سوف تكون قليلة الفهم ضعيفة الجذب بالنسبة إلى الإنسان وكلما أمكن تمثيلها حسياً أصبحت أقوى وأصبحت أكثر قدرة على الجذب والدفع )) .

    القيم والمثل الالهيه يمكن أن تبقى مجرد أفكار في أذهاننا ، ولا تنزل إلى ارض الواقع الذي نحسه لعدم توفر أرضية استنزال هذه القيم أو المثل أو الأفكار إلى الواقع المحسوس وأرضية استنزال هذه القيم هو (( الحب )) إذ هو المفتاح لاستنزال هذه القيم والأفكار والمثل إلى المحسوس ، فالثقافة الإلهية تبقى عائمة أو معلقة في الهواء إن لم تعش إحساسنا ، ولا نحس بها إن لم يتوفر الحب في مقر الحب وهو القلب بمقدار ودرجة الحب في القلب والصعود في سلّمه بمقدار ما يتحقق من استنزال وتجسيد للأفكار والقيم والمفاهيم التي سماها السيد الشهيد ( قدس ) (( الثقافة الالهيه )) بصورة حسية . يصنف السيد الشهيد الحب الذي يستقطب قلب الإنسان في كتابة (( المحنة )) على درجتين :


    الأولى : الحب المحور الذي يشكل (( قاعدة لمشاعر وعواطف وأمال وطموحات الإنسان )) لكن قد يبتعد عنه لقضاء حاجة مثلاً أو الانشغال بعمل أو علاقات ثانوية لكن سرعان ما يتحقق العود إلى المحور .

    والثانية : الحب المحور الذي (( يستقطب .. كل وجدان الإنسان بحيث لا يشغله عنه على الإطلاق ... انه يرى محبوبه وقبلته وكعبته أينما توجه )) .


    هاتين الدرجتين من الحب يمكن أن تتحقق في القلب لله سبحانه وتعالى ويمكن أن تتحقق للدنيا ، وإذا تحقق الحب لله تعالى فهو عند السيد الشهيد ( قدس ) أيضاً على درجتين :

    الأولى : الحب الذي يتولد في قلوب المؤمنين الصادقين لله تعالى (( هؤلاء يجعلون من حب الله محوراً لكل عواطفهم ومشاعرهم وطموحاتهم وآمالهم )) لكن قد يغادرون هذا الحب لحاجة دنيوية ثم يعودون إلى حب الله تعالى .

    الثانية : (( فهي الدرجة التي يصل أليها أولياء الله من الأنبياء والأئمة ( ع ) )) يقول الرسول ( ص ) : (( لي مع الله حال لا يسعه ملك مقرب ولا نبي مرسل )) حالة الحضور والشهود للأنبياء تختلف عن بقية الأولياء ، وحالة النبي محمد ( ص ) وهو خاتم الأنبياء مع الله لا يضاهيها حال سواء كان نبياً أو مَلكاً مقرباً كذلك الإمام علي ( ع ) له حضوره حيث يقول (( أني ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله معه وقبله وبعده وفيه )) هذا هو حب الله في قلب أمير المؤمنين علي ( ع ) (( استقطب وجدانه إلى الدرجة التي منعه من أن يرى شيئاً آخر غير الله ، حتى حينما كان يرى الناس كان يرى فيهم عبيد الله ، حتى حينما كان يرى النعمة الموفورة ، كان يرى فيها نعمة الله سبحانه وتعالى ، دائماً هذا المعنى الحرفي ، هذا الرابط بالله دائماً وأبداً يتجسد أمام عينيه ، لان محبوبه الأوحد ، ومعشوقه الأكمل ، قبلة آماله وطموحاته لم يسمح له بشريك في النظر ، فلم يكن يرى إلا الله سبحانه وتعالى )) هؤلاء الذين اختصهم الله تعالى (( بعنايته ولطفه واختياره الذين يرتفعون إلى مستوى أن تصبح كل المعقولات الكاملة محسوسات لديهم يصبح كل ما نفهمه وما لا نفهمه من القيم والمثل أمراً حسياً لديهم يحسونه ويسمعونه ويبصرونه )) .

    فالنبي يعيش أعلى درجات الحس و (( هو الوحي المتمثل في مَلك يتفاعل معه النبي تفاعلاً حسياً من جميع جوانبه ، كما كان يعيش سيد المرسلين ( ع ) مع جبرائيل ( ع ) هنا يعيش رسول الله ( ص ) يعيش الحقيقة الإلهية عيشاً حسياً من جميع جوانبها يعيشها كما نعيش على مستوى حسَّنا ووجود رفيقنا وصديقنا ، لكن مع فارق بين هذين الحسّين بدرجة الفارق بين المحسوسين ))

    فالوحي عند السيد الشهيد ( قدس ) هو المربي الأول للبشرية وبدون الوحي تعيش البشرية حسّ المادة فقط أو تعيش المثل والقيم بناء على الفهم العقلي الذي لا يهزُّ القلب بمعنى إن ما نفهمه عقلياً لا يدخل قلوبنا ولا دخل له في الحب القلبي لكن العكس ممكن عندما تدخل المفاهيم والقيم قلوبنا وتعيش الحب الإلهي الحقيقي يمكن حينئذٍ أن نكتب ما نعيشه بالقلب بلغة العقل . النبي ( ص ) عاش الحقيقة الإلهية بصورة مباشرة ، ونحن البشر نعيش هذه الحقيقة بصورة غير مباشرة سماها السيد الشهيد ( قدس ) (( حس بالحس لا حس بالحقيقة الإلهية مباشرة )) وهذا الحس هو النبي محمد ( ص ) ويضيف السيد الشهيد (( ليس كل إنسان يعيش محمداً ( ص ) مئة بالمئة وألا لكان كل الناس من طلابه الحقيقيين كل إنسان لا يعيش محمداً إلا لحظات معينة تتسع وتضيق بقدر تفاعل هذا الإنسان برسالة محمد ( ص ) )) هذا الانفتاح على النبي محمد ( ص ) من قِبَلِنا في لحظة من اللحظات أو ساعة من الساعات ، وأحياناً اليوم كلّه أو العمر كلّه حسب درجته وتقربّه ومنزلته هو ما يسميه الشهيد ( رض ) بـ (( الجلوة )) هذه الجلوة كثيراً ما تفارقنا كلنا أو بعضنا حينما ننحرف لا سامح الله عن خط الرسالة خط النبوة وعندما تعود ألينا الجلوة وهي (( لحظة الانفتاح المطلق على اشرف رسالات السماء تلك البذرة سوف تشعره وسوف تقول له في تلك اللحظة إياك من المعصية إياك من أن تنحرف قيد أنملة عن خط محمد ( ص ) )) فعندما تعود هذه الجلوة (( تصبح العلاقة حينئذٍ ليست مجرد نظرية عقلية بل هناك اتفاق هناك معاهدة هناك بيعة أعطاها لهذا النبي ( ص ) في لحظة حس في لحظة قريبة من الحس ، كان كأنه يرى النبي أمامه فبايعه )) .

    من هذا تظهر بوضوح نظرية الصدر العرفانية ـ التي تقوم على أساس الحضور والجلوة والحس بالحس الذي هو الحقيقة الإلهية والمثل الإلهية التي جسّدها بصورة محسوسة رسول الإنسانية والأئمة الطاهرين المعصومين ( ع ) من بعده ، والتي وسائلها الحس والمثل الإلهية والقلب والحب .. وما علينا إلا أن نتضرع إلى الله (( أن يرينا الطريق رؤية عين لا رؤية عقل فقط ... وان نفكر في أن نحصل اكبر درجة ممكنة من الوضوح في هذا الطريق بيننا وبين أنفسنا ... يجب أن نفكر في إننا سوف لن نطمح في هداية الآخرين عن طريق أعطاء المفاهيم فقط عن طريق أعطاء النظريات المجردة فقط وتصنيف الكتب العميقة كل هذا لا يكفي إلقاء المحاضرات النظرية لا يكفي ... لابد لنا أن نبني تأثيرنا في الآخرين أيضاً على مستوى الحس يجب أن نجعل الآخرين يحسون منا بما ينفعلون به انفعالاً طيباً طاهراً مثالياً فان الآخرين ... بشر والبشر ينفعلون بالحس أكثر مما ينفعلون بالفعل )) علينا أن نستنزل المثل الإلهية إلى واقع محسوس ولا تطمح بالتأثير على الآخرين (( على مستوى النظريات فحسب فان هذا وحده لا يكفي وان كان ضرورياً ... ولكن يجب أن نضيف إلى التأثير على مستوى النظريات تطهير أنفسنا وتكميل أرواحنا وتقريب سلوكنا من سلوك الأنبياء ( ع ) وأوصياء هؤلاء الأنبياء نستطيع أن نجسد تلك القيم والمثل بوجودنا أمام حس الآخرين قبل أن نعطيها لعقول الآخرين )) السيد الشهيد من خلال الآثار التي تركها لنا تدلل انه من العارفين الحقيقيين وصاحب نظرية في العرفان وفي منازل القرب إلى الله تعالى ، وانه ( رض ) من الأولياء الذين عاشوا المثل والقيم الإلهية بشكلها المحسوس بحيث أعطى نموذجاً مثالياً للمسلمين ولمحبيه وأتباعه ، أورد الشيخ محمد رضا النعماني في كتابه (( شهيد الأمة وشاهدها )) قولاً للشهيد الصدر ( قدس ) نرى من خلاله حضوره العرفاني حيث يقول (( إني آليتُ على نفسي منذ الصغر أن لا أصلي إلا بحضور قلب وانقطاع ، فأضطر في بعض الأحيان إلى الانتظار حتى أتمكن من طرد الأفكار التي في ذهني ، حتى تحصل لي حالة من الصفاء والانقطاع وعندها أقوم للصلاة )) .

    يقول الشيخ النعماني تعقيباً على ما يتمتع به السيد الشهيد ( قدس ) من حضور ووضوح عرفاني (( في عقيدتي إن هم تلك الكرامات ، ما كنت ـ والقول للشيخ النعماني ـ أحسه منه ففي الأمور الصعبة والحرجة التي يصعب على العقل أن يستنتج الموقف الصحيح والمناسب وقد قال لي : إن حالة من الوضوح تحصل لي في مثل هذه الموارد )) إن ما يميّز عرفان الصدر عن غيره انه عرفان الوعي النبوي ، عرفان الوعي الامامي الذي يتميز بالشهود والحضور ثم العود إلى الإنسانية لأداء رسالة السماء وحل كل المشاكل التي تعترض المجتمع ، فعرفان السيد الشهيد ( رض ) عرفان اجتماعي أنساني ، عرفان استقبال لنور الله في القلب ، وإرسال وانفتاح (( على الوجود كل الوجود : الله ، الإنسان ، الكون ، الحياة ، القيم ، الأخلاق ، الفلسفة ، الاجتماع ، التاريخ ، المنطق ، الفلسفة ، التفسير ، الأصول ، الفقه ..... العرفان ـ كما يراه الصدر ـ يجد في المقدس حلاً لكافة المعضلات الإنسانية التي نعاني منها ، فإلى جانب انه موقف فردي ـ أي العرفان ـ يتخذه الفرد ولا يعلن عنه )) علي حسن هذيلي ـ الصدر والعرفان .

    إلا انه عند الصدر موقف إنساني اجتماعي إضافة إلى صفته الفردية وقوله ( رض ) : (( إن حالة من الوضوح تحصل لي في مثل هذه الموارد )) يعني الموارد الصعبة تظهر حالة الوضوح هذه بارزة ففي رسالته التي تنبأ بها بمستقبل الطغمة البعثية كما أوردها الباحث علي حسن هذيلي في كتابه (( الصدر والعرفان )) : (( والله لن تلبثوا بعد قتلي إلا أذلّة خائفين تهول أهوالكم وتتقلب أحوالكم يسلط الله عليكم بأيديكم من يجرعكم مرارة الذل والهوان ويسقيكم الهزيمة والخسران ويذيقكم ما لم تحتسبوا من طعم العناء ويريكم ما لم تحتسبوا من البلاء فلا يزال بكم على هذه الحال حتى يؤول بكم شرَّ ماَل جموعاً مثبورة صرعى في الروابي والفلوات وفلولاً مدحورة تطلب السلام والنجاة حتى إذا انقض عديدكم وفلّ حديدكم دمدم عليكم فدمّرَ عروشكم وترككم أيادي سبأ أشتاتاً بين مَن أكلتهم بواتره بواتره ومَن هاموا على وجوههم في الأقطار وولوا مذعورين إلى شتى الأمصار وأورث الله المستضعفين أرضكم ودياركم فإذا أمسيتم لعنة تتجدد على أفواه الناس صفحة سوداء في أحشاء التاريخ )) .

    هذا الكلام فيه الحضور العرفاني والوضوح في تحديد المصير للمستقبل وينم هذا الكلام عن منزلة عرفانية عالية كان السيد الشهيد ( قدس ) يتمتع بها وان كان الصدر ( رض ) في الظاهر لا يختلف في شيء عن أمثاله من المجتهدين ، وبسبب هذه الدرجة العالية من العرفان قدم محمد باقر الصدر نفسه قرباناً على مذبح الحرية والكرامة انتصاراً للدين على طريقة جده الحسين ( ع ) حينما قال (( إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني )) والإقدام على الشهادة هي من أعلى المقامات كما قال ذلك رسول الله ( ص ) للحسين ( ع ) : (( إن لك مقامات لن تنالها إلا بالشهادة )) . قال تعالى (( إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونورٌ يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء )) المائدة / 44 .
    يفسر السيد الشهيد ( رض ) الآية بان الشهداء على الأمة ثلاثة (( هم النبيون والربانيون والأحبار وهم علماء الشريعة والربانيون درجة وسطى بين النبي والعالم وهي درجة الإمام )) الإسلام يقود الحياة ـ محمد باقر الصدر ـ انه ( رض ) من الشهداء على أمته انه من ( الأحبار ) الذين قصدهم القران الكريم انه شاهد عصره


    [align=center][/align]

    [align=center] فسلام عليه يوم ولد ويوم عاش ويوم استشهد وإنا لله وإنا أليه راجعون . [/align]



    علي جابر الفتلاوي

    سدة الهندية

    [email protected]




    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته





  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    المشاركات
    91

    افتراضي

    مشكور اخي على جهدك الرائع و انت الاروع
    و رحم الله السيد المجاهد و المناضل السيد محمد باقر الصدر
    و جعل هذا العمل في ميزان حسناتك يا رب
    قال الرسول الاعظم(ص):
    :Iraq:اول الواجبات حب الوطن:Iraq:

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    6,631

    السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رض)

    [align=center]رحمة الله على شهيدنا الغالي والعظيم اية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر رضوان الله تعالى عليه[/align]

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    المشاركات
    2,848

    افتراضي

    خالدا ستبقي ياصدر العراق
    اللهم صلي علي محمد وال محمد

    https://www.facebook.com/pages/%D8%A...54588968078029

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني