ثمة إشكال كبير يظهر، فجأة، في لحظات التحول الشديد، كما في حالات الثورات والحروب متمظهراً في إطار ما هو مستجد يومي، خارجاً عن مألوفية الحدث الذي طالما يفرز أدوات إيصاله وتلقيه، من دون كبير جهد وإمعان نظر، من خلال تحولات بسيطة، في كل مرة،لا تستعصي على كل من يتسلح بأولويات الرؤية، والمرجعية الفكرية، بل والموقف، حيث يتم فهمها ضمن دورتها، من خلال ملاحظة ما هو جديد فيها، وإن كانت الجدة هنا محض نسبية، في الحالات العادية .

ولعلَّ طمأنينة تلقي الحدث، تتم عادة في ظروف الرَّتابة، من دون أن يكلف الباحث، وهو هنا “الكاتب/ المثقف” إرهاق نفسه، ما يجعله أمام حالتين متناقضتين، إحداهما: التراخي والكسل، وثانيتهما تهيئة ظروف تجاوز الذات والعام، من خلال الحفر المتأني، حيث لكل من هاتين الحالتين فضاؤها الخاص، لينوس بينهما، حسب إمكاناته، كي يكون من نتائج ذلك نصّان، أحدهما مكرِّر لذاته وللآخر، والثاني يحرز إضافاته المتتالية في كل مرة، وإن كان الأول يتحايل على ذاته، في بعض الأحيان .

ومن يمعن النظر في سبب تلكؤ القراءة الصحيحة، في مثل هاتيك اللحظات التحولية، يجد، أن ذلك يعود إلى السرعة الخاطفة لوقوع الحدث، الجديد، وهو يحرز المفاجأة تلو التالية، بما يجعل زمن البتّ فيه، وامضاً، يحتاج إلى عمق معرفيّ روحيّ فريد.

لاسيما عندما يكون من ذلك النوع الغارق في الصَّدمة، والإثارة، وهو ما يمكن تشخيصه في الأثر الذي تتركه آلة الحرب من أفعال وردود أفعال، وتداخلات، وتشابكات، بل وكرٍّ وفرٍّ، وقد يزداد الأمر تعقيداً عندما تتوالى مشاهد مثل هذا الحدث، لتكون لكل منها ملامحها الفارقة، غير المستنسخة .

بدهيٌّ، أن الباحث، وبحكم اختلاف طبيعة رؤاه وتفكيره وتفاعله مع الحدث مختلف في جوهره عن طريقة تفكير السياسي، الذي سرعان ما توفر له مهاراته الخاصة سلسلة تسويغاته، التي يقدمها لمن حوله، كي تتعكز على جانب،

أو أكثر، من حرارة المشهد، وتسخره، لاسيما في ما إذا كان ينطلق على مرجعيات كبرى: وطنية، وإنسانية، وروحية، لينطلق منها، في مواجهة الرأي الآخر المختلف، مادام أنه وبحكم مراسه، يتمكن من إنتاج الرأي ونقيضه في حال لزومهما ليسلّح بهما موقفه، وينتقل بين المتضادات، عند الضرورة، حسب مقتضيات حاجات البرهة المعيشة، وهو ما يختلف عن عالم الباحث/المثقف الذي يستند إلى مقياس ثابت، ليستطيع إنتاج خطاب متزن، يلحق بالمجرى اليومي، يسبره، ويتوغل إلى لبه، كي يحتكم إليه السياسي نفسه، كما يحتكم إليه المتابع، ليكون بهذا صمام الأمان الذي يؤدي دوره في أشد المراحل حساسية في حياة وطنه ومواطنه .
http://www.beladitoday.com/?iraq=است...news&id22=9869