بلادي اليوم



في دراسة حديثة للدكتور دوب هنتلي، أستاذ علم النفس في جامعة أركوزي الأميركية، حول كيفية رد فعل الطفل أثر طلاق والديه، تبين أنه عادة ما يظهر على الطفل علامات سلوك تراجعية، مثل تبليل الفراش أثناء الليل، أو المعاناة من الكوابيس وقلق النوم والتشتت، أو سرعة الانفعال والغضب، وعندما يصل إلى سن 6-9 سنوات، يصبح قادراً على أن يدرك أن شيئا سيئا يحدث، ويستطيع أن يعبر عن أحاسيسه بصورة أوضح، ويظهر عليه التأثير السلبي في أداء دروسه المدرسية أو عدم التركيز. فأغلب الظن أن الأم تشعر بالمرارة والحقد على سلوك الأب الذي قاده إلى الطلاق أو الهجر. ولها العذر في أن تكون ثائرة مغتاظة من فشل الأب وعدم اقتناعه ببذل أي محاولة لاستمرار الاتصال بالطفل. أما الطفل فهو - لأنه إنسان - يشتاق إلى حب الأب وحب الأم بالتساوي.

إن الطفل ينتابه شعورا عميقا بالكره والسخط على هذا الأب، ولهذا تتكون في نفسه عقدة تقلل من ثقته بالناس بصورة عامة، ويصبح موقفه العام من الآخرين موقف التوجس وعدم الثقة، والأكثر خطورة من ذلك هو أنه يحتقر نفسه ويراها غير جديرة بالحنان. خبير الطب النفسي، الدكتور بنيامين سبوك، يقول: الطفل الذي يغيب عنه أبوه لسبب غير مقنع بالنسبة له، عادة ما يشعر بأن فيه نقصاً أو عيباً أساسياً. إنه لا يصغر في عين نفسه فقط، لكنه يحس بأن نقصاً أساسياً يكمن فيه هو، وأن هناك شيئاً ما موجود عند بقية الأطفال وغير موجود عنده. وكلما كبر فإنه يستمر في شكوكه الحساسة التي تجعله يرتاب فيما إذا كان الناس يحبونه حقاً أم لا ،مهما يبلغ عدد الذين يحبونه فعلاً في الواقع. وهذا الوسواس يقف كجدار لا يمكن اجتيازه في سبيل علاقاته بأصدقائه وزملائه في العمل ورفاقه في اللعب. أما بالنسبة إلى الأم التي تكون في مثل هذا الموقف، إنها لا تشعر إلا بالاحتقار لهذا لأب، ومع ذلك يجب عليها أن تقدم للطفل صورة عن أبيه من أحسن زاوية ممكنة، يجب أن يكون وصفها له وصفاً جيداً. ويجب عليها أن تضع حبها لطفلها فوق كرهها لأبيه وسخطها عليه. وهذا يتطلب مجهوداً جباراً، قد تكون فوق طاقة الاحتمال، فإذا لم تستطع أن تجد حسنة واحدة تذكرها، ففي استطاعتها إذا شاءت أن تبدأ ذكرياتها وتحكي عن الصفات التي جعلتها تقع في حب الأب وتغرم به في أول الأمر، ثم تذكر بكل أمانة مظاهر حبه لها، فالأم الحاقدة التي تدعي أن زوجها السابق إنما خدعها وغرر بها بحيث جعلها تعتقد أنه ذو صفات حميدة أو أنه يكن لها حباً، تبالغ حتماً في سلامة ونقاء سريرتها الساذجة لكي تحافظ على شعورها بأنها مظلومة أمام نفسها وأمام غيرها».

إن أهم ما يتوجب على الأم هو أن تتحاشى اتهام الأب بأنه في جوهره وأساسه أنه شخص خسيس وأناني لا ينبض قلبه بالحب، إن الكلمات التي يمكن أن تستعملها الأم ومدى المسيرة التي تبلغها في كل حديث تتوقفان إلى درجة كبيرة على عمر الطفل ونوع الأسئلة التي يسألها، فالأم التي تمتلئ بالغيظ والضيق والاحتقار لهذا الأب الذي لا يهتم بابنه ترى أن بعض هذه العبارات عن مدى حب الأب لأبنه، غاية في الكذب وتكاد تكره نفسها لأنها تنطقها. قد يكون ذلك أمراً كريهاً بالفعل، لكن من المؤكد أن هناك عدداً قليلاً جداً من الآباء الذين يفقدون مشاعر الحب والحنان نحو أبنائهم مهما أعلنوا ذلك في لحظات الغضب ومهما فشلوا في التعبير عنها».
http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=9896