في ذكرى السيد المرجع: ويبقى الأمل

التاريخ: 27 شعبان 1434 هـ الموافق: 06/07/2013 م
سامي الجواد
بينما كنت أستمع صدفةً إلى محاضرةٍ له على "الراديو"، لفت انتباهي عرض المرجع الإسلامي الراحل السيد محمد حسين فضل الله، لوقائع الآية الكريمة التي طلب فيها سيدنا إبراهيم(ع) أن يريه الله كيف يحيي الموتى، فقال(رض) إنَّ ذلك الطلب لم يكن ناتجاً من كفر النّبي المعصوم أو تشكيكه في القدرة الإلهيَّة، بل كان لاطمئنان قلبه {أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[البقرة: 260].
رأى المرجع الراحل ذلك حواراً مشروعاً بين الله تعالى ورسوله، وانطلق من هذه المسلّمة الثابتة بالنّص، ليدعو الإنسان إلى الحوار مع الآخر، بدءاً من الرسول، مروراً بالقائد السّياسيّ والاجتماعيّ فرجل الدّين، ووصولاً إلى القرين النّد.
كان ذلك الحديث دافعاً لي لأطلب موعداً للقاء السيد المرجع، وكان لي ذلك. أخبرته أنَّ ما سمعته في تلك المحاضرة هو بمثابة ثورة صريحة على حالة الركود والتحجّر والصنميّة والشخصانيّة التي تعتري الحالات والحركات، وحتى معظم المذاهب الإسلاميَّة، فأكَّد لي رضوان الله عليه، حركية الإسلام وتجدّده إزاء القضايا المختلفة، وفي مختلف العصور، وأن لا حقيقة مطلقة محرمة عن النقاش العقلي، فالحقيقة بنت الحوار. لم يقفل أمامي أيّ باب، ولم يحرّم عليَّ أيّ سؤال. استمع إلى أسئلتي بابتسامة أبويّة سموحة، وأجاب عنها بعمقٍ ودقةٍ وحزمٍ تفرضه هيبة السيّد المرجع.
أدركت في تلك الزيارة أكثر من سابقاتها حقيقة ما يندمج في هذا العالم الرباني الكبير من مكنون العلم وسعة الأفق وحسّ المسؤولية المرهف في مقاربة القضايا والإشكاليات المختلفة.
اليوم، وفي الذكرى الثالثة لرحيله، نستشعر حجم الخسارة التي شكَّلها غيابه عن الساحة الإسلامية عموماً، وعن الساحة اللبنانية خصوصاً، فقد أكد(رض) في حركة الوعي المتقدم والفهم العميق للظواهر والأحداث، أنه استطاع أن يوائم بين أصوليته الدينيَّة كمجتهد ومرجع، وانفتاحه على مجمل القضايا المعاصرة، ولا سيَّما تلك المتّصلة بالإشكاليّات العلميّة المستجدّة وقضايا الشَّباب، وكذلك انفتاحه على الآخر المختلف، واستعداده المسؤول للحوار والبحث من أجل الوصول إلى الحقائق الدينيَّة والعلميَّة الَّتي تصبّ في مصلحة الإنسان بوجهٍ عام.
بين واقع اليوم وذكرى الأمس، يبقى الأمل موجوداً بأن تخرج كلّ الحالات الدينيَّة، وكذلك المرجعيات، لأيّ دين أو مذهب انتمت، من الزوايا المحدودة ومن ركام التاريخ المتراكم، غثّه وسمينه، لتنفتح على فضاء الإنسانيَّة الأرحب، حيث لا تزال الفرصة سانحة أمام مستقبل هادئ نعيش فيه مختلفين وموحَّدين في البحث الموضوعي عن الحقيقة، كلٌّ كما يرى، من دون أن يؤدي ذلك إلى الحقد والتكفير والقتل.
منذ ثلاثة أعوام، غاب سماحة العلامة المرجع، وبقي علمه ومرجعيّته الدينيّة والأخلاقيّة والوطنيّة حاضرين في وجدان كلّ المؤمنين، بل حتى في قلوب الملحدين الَّذين رأوا الصّورة المشرقة التي جهد السيد الراحل في تقديمها عن الإسلام. بقي حاضراً في عقول كلّ الباحثين عن الحقيقة، في بسمة كلّ يتيم وكلّ محتاج وكلّ معوق وكلّ مسنّ. لم يوفّر السيّد الراحل جهداً من أجل مساعدتهم وحمايتهم، انطلاقاً من أنَّ حفظ كرامة الإنسان واجب لا يعلى عليه.
المصدر: جريدة البلد اللبنانية، الجمعة 5 تموز/يوليو 2013