صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 16
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي في ذكرى الرحيل الثالثة

    الحضور الفكري للمرجع فضل الله في المغرب

    التاريخ: 26 شعبان 1434 هـ الموافق: 06/07/2013 م
    عصام احميدان الحسني
    لا يختلف اثنان من جيل مؤسّسي العمل الإسلامي في المغرب على أهميَّة الموقع الَّذي احتله سماحة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض)، فقد كانت كتاباته حول المرأة والحركة الإسلاميَّة والتَّغيير خلال فترة الثمانينيات زاداً لكل الإسلاميين، بل إنَّ كثيراً من الشِّعارات الَّتي رفعتها الحركات الإسلاميَّة المغربيَّة كانت مقتبسة من خطاب السيد(رض)، من قبيل "دولة الإنسان طريقنا إلى دولة الإسلام"، ومقولات أخرى مثل "من أجل حياة سياسية سليمة"، وشعار "نتعايش مع الباطل ولا نعترف بشرعيته".. وقد اعترفت بذلك قيادات العمل الإسلامي في المغرب في أكثر من مناسبة . كثير من شعارات الحركات المغربيَّة مقتبسة من خطاب السيد(رض)، وقد اعترفت بذلك قيادات العمل الإسلامي في أكثر من مناسبة

    مواقف ثابتة:
    عندما ضرب الإرهاب المغرب في 16 أيار/مايو 2003، كان سماحة السيِّد(رض) أول من أصدر بياناً يدين فيه العمل الإجرامي، ويدعو إلى ضرورة مواجهة التطرف والفهم غير الصحيح والمشوه للدين الإسلامي، كما أنَّه في العام 2004، عندما تورَّط بعض المغاربة في حادث إرهابي في مدريد، أدان العمل، واعتبره مسيئاً للإسلام والمسلمين. وفي العام 2005، عندما تم اختطاف مغربيين عاملين في السفارة المغربية في بغداد، على يد جماعة إرهابية تدعى "التوحيد والجهاد"، أصدر سماحته بياناً يدين فيه الاعتداء على الأخوين المغربيين، معتبراً أنَّ اختطافهما عمل جبان ولا يمت إلى مفاهيم الإسلام وشريعته الوسطية السمحة بصلة، كما شدَّد خلال البيان على ضرورة تحمّل العلماء مسؤوليتهم في مواجهة الفكر المتطرف، وتعريف الناس بوسطية الإسلام واعتداله وبعده عن كل أشكال التطرف والإرهاب .
    التخطيط لتغيير الواقع:
    وفي هذا السياق، طلبت من سماحته(رض) في العام 2004، أن يتوجَّه بكلمة ووصية لمقلديه ومحبيه في المغرب، فقال ما يلي: "إننا نبعث في البداية من موقع المسؤولية الشرعية كل المحبة؛ محبة العقل ومحبة القلب ومحبة الحركة، لكل أبنائنا وإخواننا في المغرب العزيز الطيب، الَّذي عاش الإسلام بمختلف أساليبه ووسائله، والذي كان الملجأ لكلّ الذين اضطهدوا من المسلمين الشيعة وأحفاد أهل البيت(ع)، ونحب لكم الثبات على خط الإسلام الأصيل، وعلى الوعي بمنهج أهل البيت(ع)، وإبعاده عن كل ما يتحرك به البعض من الخرافة والتخلف والبعد عن الأصالة الَّتي تقدّم هذا المنهج وأئمته وقادته بطريقة حضارية" .
    وأضاف: "كونوا في موقع الأصالة الثقافية والعملية، حاولوا أن تكونوا واقعيين في عملكم الإسلامي، ولا أقصد بالواقعيَّة الاستسلام للأمر الواقع، ولكن تغيير الواقع بأدوات الواقع، لا تفكروا تجريدياً، ولا تتحركوا عشوائياً، لكن خطِّطوا.
    كونوا مواطنين صالحين، ولا تأخذوا بأسباب الإرهاب أياً كانت، إننا استنكرنا وحرَّمنا ورفضنا وشجبنا ما حدث في الدار البيضاء، لأنَّه يمثل الجريمة بكل معناها، ولا يمثل أيّ عنوان إسلامي، بل إنه كغيره من التفجيرات، أساء إلى الإسلام والمسلمين، وجعل العالم يحاصرهم من كلّ جانب ظلماً وعدواناً...".
    دعوة للاعتدال والوسطية:
    وتابع سماحته: "خذوا بخط الاعتدال، ولا أعني بالاعتدال أن ينطلق الإنسان في خطط الآخرين، ولكن الاعتدال هو الوسطية، فافهموا الإسلام فهماً واقعياً وأصيلاً ومنفتحاً على الآخر، لأنَّ الله يريدنا أن ندعو إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن ندخل في حوار مع الآخرين بالتي هي أحسن، وأن نعمل على أساس اكتشاف مواضع اللقاء بيننا وبين الآخرين، وأن نقول الكلمة بالتي هي أحسن، وأن ندفع المشكلة بالَّتي هي أحسن، وأن نعمل على الأخذ بالأساليب الّتي تحوِّل أعداءنا إلى أصدقاء، لنكون أصدقاء العالم، وليعرف العالم أنَّ الإسلام صديق الشعوب وليس عدوها، إنَّه ينفتح عليهم ليربطهم بالله في كل تطلعاتهم وروحياتهم، وليربطهم بالإنسان كلّه في تكامل الإنسان مع الإنسان، وليعترف بتنوّع الشعوب وتنوّع القبائل، وأنَّ هذا التنوع لا يؤدي إلى حقد وتقاتل، بل يؤدي إلى التعارف .
    علينا أن نرتفع إلى المستوى الحضاري الإسلامي في الفكر والعاطفة والحياة، حتى يعرف الناس الإسلام من خلال دعوتنا بالكلمة، ومن خلال سلوكنا على أساس القدوة، كما قال الإمام جعفر الصادق(ع): "كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الصّدق والخير، فإنَّ ذلك داعية، كونوا زيناً لنا، ولا تكونوا شيناً علينا".
    من شأن مواقف السيد(رض) في كثير من القضايا حفظ وحدة الدين والأوطان من مخاطر التفتت والمؤامرات

    وصية تاريخيَّة:
    إنَّ هذه الوصيَّة التاريخيَّة لسماحة السيد(رض) للمغاربة، تبرز بشكل واضح مكانة المغرب والمغاربة في فكره، وتزداد أهميَّة الحضور الفكري لسماحة السيد(رض) اليوم بفعل تسارع الأحداث، ودخول الإسلاميين إلى المعترك السياسي والمشاركة في الحكم، وأيضاً في ظلِّ تنامي الحس الطائفي وتزايد الحديث عن العلاقات السنيَّة ـ الشيعيّة في العالم الإسلامي، وهي قضايا اتخذ فيها سماحة السيد(رض) مواقف حاسمة ومتوازنة، من شأن اعتمادها وتبنيها، حفظ وحدة الدين والأوطان من مخاطر التفتت الداخلي والمؤامرات الخارجية .
    تزداد أهميَّة الحضور الفكري للسيِّد فضل الله(رض) اليوم بفعل وصول الإسلاميين إلى السياسية وتنامي الحس الطائفي
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    مراكز إسلاميّة ونشاطات إعلاميّة وثقافيّة وتربويّة في لبنان والعالم
    مؤسَّسة المرجع فضل الله: المسيرة الرساليّة مستمرة


    التاريخ: 26 شعبان 1434 هـ الموافق: 05/07/2013 م
    بعد ثلاث سنوات على رحيل العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض)، لا تزال مؤسَّسته تواصل مسيرتها الرساليّة والفكريّة والحركيّة، سواء في لبنان أو في الدول العربية والإسلامية، وصولاً إلى بلدان الاغتراب، معتمدةً بعد الله تعالى، على ثقة المؤمنين بها ودعمهم لها، ومرتكزةً على الأسس التي أرسى عمادها سماحة السيد(رض)، من خلال إيمانه بالمنهج المؤسساتي الذي يؤمّن الاستمرارية بعد رحيل المرجع، والذي عبّر عنه بنظرية "المرجعية المؤسسة". لا تزال مؤسسة المرجع فضل الله(رض) تواصل مسيرتها الرسالية في لبنان والعالم، معتمدةً على ثقة المؤمنين ودعمهم

    مرتكزات المشروع:
    مشروع "المرجعيّة المؤسّسة"، الذي طرحه سماحة السيّد(رض) في كتاب "المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية"، يستند إلى ثلاثة مرتكزات أساسيّة:
    المرجع: يرى المرجع فضل الله أنَّه ـ مضافاً إلى شرط الأعلميَّة لمن يقول بها ـ والصّفات الأخرى للمرجع، لا بدَّ من توافر صفاتٍ أخرى لكي يكون المقلَّد في الفتيا مرجعاً للشّيعة، لأنّ المرجع أصبح في الواجهة السّياسيّة في العالم، بعدما أصبحت مسألة الطّوائف أو الأديان تمثّل وجهاً من وجوه الحركة العالميّة… وقد أصبح النّاس يرجعون إلى المرجع في القضايا السياسيَّة والاجتماعيَّة، وما إلى ذلك من الأمور الّتي تقتحم على العالم الإسلاميّ كلّ مواقعه وقضاياه. وكذلك، فإنّ الفقيه لا يستطيع ـ في المرحلة الحاضرة ـ أن يعيش خارج نطاق قضايا عصره، باعتبار أنّ قضايا العصر، حتّى في الأمور الفقهيّة، تمثّل موضوعات الأحكام الّتي يحتاج المجتهد إلى أن يستنبطها ويحدّدها كمنهجٍ إسلاميّ في الحياة.
    المؤسّسة المرجعيّة:يحدّد سماحة السيّد فضل الله منهجيّة العمل للمؤسّسة المرجعيّة على أساس دائرتين رئيستين:
    أولاً: إبعاد المرجعيّة عن الصّفة الشخصيّة، وجعلها مؤسّسةً متكاملةً موحَّدةً لا تعيش الفواصل في شخصيّات المراجع، ولا يتحدّد امتدادها الزمنيّ بحياة المرجع، بل تضمّ مختلف الطّاقات الّتي يحتاجها المرجع في إطلالة المرجعيّة على العالم، فيستفيد من تجارب السّابقين ضمن التّراث المتوفّر لدى المؤسّسة لتستمرّ من بعده.
    عمل السيد(رض) على إبعاد المرجعيّة عن الصّفة الشخصيّة، وجعلها مؤسّسةً متكاملةً لا يتحدّد امتدادها الزمنيّ بحياة المرجع

    ثانياً: أن تتخلّى المرجعيّة عن حالتها التّقليديّة المتمثّلة بانكفاء الوسط الحوزويّ، بعيداً عن الاهتمامات العامّة في حياة المسلمين، فلا بدّ للمرجعيّة من أن تطلّ على قضايا العالم السياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة.
    وتجدر الإشارة إلى أنَّ مشروع المرجعيَّة المؤسَّسة في امتداده الواقعيّ، بحاجةٍ إلى رأيٍ عام على مستوى الانتشار الإسلامي الاجتهادي الشيعي، يؤمن به ويدعمه ويتفاعل معه، ولا سيّما من خلال توفير الإمكانات التي تساعد حركة المؤسّسة المرجعيّة، وتطوّرها في بنيتها التنظيمية، وتهيّئ لقيادتها فرصة التأييد الانتخابي، وغير ذلك مما لا يتناسب مع أية مرجعية فردية محدودة الإمكانات، ولا سيما مع الحرب المجنونة الظالمة التي تستهدف المرجعيات الواعية والطليعية من قبل أكثر من فريق من الناس.
    وعلى هذا الأساس، يقول سماحته:
    "المرجعيّة المؤسّسة هي هيكل متكامل ينطلق من واقع إسلامي شيعي، يتحرّك مع الحوزات في التخطيط في خطّ فقهيّ يذهب إلى الفتوى بعدم ضرورة الأعلميّة في المرجع، مع توافق المجتهدين على مرجع واحد؛ وهذا أمر يحتاج إلى جهد فقهي، وإلى تعبئة فكريّة على مستوى الحوزات أوّلاً، وعلى مستوى الواقع الشيعي في العالم ثانياً؛ لأنّ الواقع الشيعي ـ كما الحوزات ـ لا يزال ينفتح على المرجعيّة الشخصانيّة، مرجعيّة الشخص لا مرجعيّة المؤسّسة".
    سياسة الصرف المالي:
    في الجزء الأول من رسالته "فقه الشريعة"، بيّن السيّد(رض) تشخيصه لأولويّات صرف الحقوق الشرعية، بما نصّه:
    "إنّ هذه الأولويّات تندرج في دائرتين مترتّبتين في الأهميّة:
    الأولى: بذل سهم الإمام في كلّ ما فيه نشر لتعاليم الإسلام وترسيخها، بما في ذلك حماية الإسلام وأوطانه من الاعتداء، فيدخل فيها تمويل مراكز الدعوة والتبليغ، وإعداد العلماء والمبلّغين، وإنشاء الجامعات والمعاهد الدينية، وطباعة الكتب".
    الثانية: "بذل سهم الإمام في إقامة المشاريع الحيويَّة للمسلمين، من مدارس ومستشفيات ومعاهد علميَّة ومشاريع اقتصاديّة ضروريّة، مثل مشاريع الريّ واستصلاح الأراضي ونحوها، ممّا يعجز عنه الأفراد ويحتاجه الناس، وكذا مساعدة الضّعفاء والفقراء بالمال والمؤسّسات التي ترعى شؤونهم وتيسِّر أمورهم، وغير ذلك من الأمور الكثيرة التي تدخل في هذا المجال".
    كذلك، فإنّه(رض) عمل بنظريّته التي أطلقها: "المؤسّسات تبقى والأشخاص يزولون"، ولذلك، كان سماحته لا يتوانى عن الإجازة بصرف الحقوق الشرعية لمشاريع يعلم أنّها تخدم الناس في منطقتهم، ولا سيّما في بلدان الاغتراب والهجرة، حتّى لو كان لديه ملاحظات على القائمين عليها في حسابات العلاقات السائدة في الأوساط المرجعيّة؛ ويُمكن القول إنّ كثيراً من المشاريع التي كانت تقوم بها جهات إسلاميّة، قامت من خلال إجازة السيّد(رض)، مع أنّها ليست محسوبةً عليه في عمله المؤسّسي.
    ومن نظريّة السيّد(رض)، أنّه كان لا يربط الصرف بالأشخاص، بل كان يوجّه إلى البدء بإنشاء المؤسّسات، ليرى الناس بدء المشاريع الحيويّة على الأرض، فيدفعهم ذلك إلى دعم هذه المشاريع، وإن بشكلٍ غير مباشر..
    كما أنّ المؤسّسات التي أسّسها السيّد(رض) هي مؤسّسات ذات منافع عامّة، ويشرف عليها اليوم ثلّة من العلماء الواعين، من تلاميذ السيّد وحملة نهجه، وهي تنطلق بشفافيّة في موارد الصّرف الّتي يفتي كلّ الفقهاء باعتبارها من الأولويّات؛ بل هي التي ذكرها القرآن في كتابه العزيز، وهي الأيتام والفقراء والمساكين والدّعوة إلى الله ونشر العلم، وهذا الأمر لا يُتصوّر من فقيه عدم صدور الإذن في الصّرف فيه؛ بل يُحرز الإنسان رضا الله عزّ وجلّ فيه؛ فإنّه وفي فترة ما بعد رحيل المرجع العلامة فضل الله(رض)، عملت المؤسّسات التابعة على رفد مسيرة تطويرها واستمرارها المالي عبر حصول المؤسّسات على إجازات من مراجع التقليد لصرف حقوق في مواردها.
    وفي كلّ الأحوال، فالمؤسّسات الَّتي تركها السيّد(رض) واضحة في سياساتها وفي نتاجها، وهي مؤسّسات رائدة، وتمثّل نماذج تُحتذى في هذا الصّعيد، وتسعى إلى بناء الإنسان الرّساليّ المؤمن والملتزم والمنفتح على الواقع وقضاياه المحقّة، وهي من النّاس وإليهم ـ كما كان يؤكّد السيّد(رض) ـ وليست تابعة لأيّ جهة سياسيّة أو غيرها، والناس ـ في الدّرجة الأولى ـ هم الذين يتحمّلون مسؤوليّتهم تجاهها، لتتحمّل هي مسؤوليّتها تجاههم، من دون ارتهانٍ لأحد.
    استمراريّة المرجعية:
    لم تقتصر فكرة المرجعيَّة المؤسَّسة على النظريَّة، بل جرى تطبيقها في أرض الواقع؛ فاليوم، بعد ثلاث سنوات على رحيل سماحة المرجع السيد فضل الله(رض)، لا تزال مرجعيته حاضرةً في العالم على مختلف المستويات، سواء في الجانب الشرعي الفقهي أو في الجوانب الأخرى، حيث إن معظم مقلدي سماحته(رض) مستمرون على تقليده ضمن الإطار الشرعي للتقليد، كما يلجأ كثيرون إلى تقليد سماحة السيد ابتداءً، ويقوم البعض الآخر بالعدول إلى سماحته من مراجع أحياء، لما لمرجعيته من أثر كبير في عقول الناس وقلوبهم، وخصوصاً الشباب.
    معظم مقلدي سماحته(رض) مستمرون على تقليده ضمن الإطار الشرعي للتقليد، ويلجأ الكثيرون إلى تقليده ابتداءً

    ويُتابع العلماء في المكتب الشرعي لمؤسسة المرجع فضل الله(رض) عملهم في الإجابة عن أسئلة النّاس، استناداً إلى خبرتهم الطويلة التي اكتسبوها من خلال العمل تحت إشراف سماحة السيد(رض) في فترة حياته الشريفة، مزوّدين بالأرشيف الضّخم للاستفتاءات والإجابات التي تشكّل مرجعيّةً لهم في المراجعة والتّدقيق.
    ويقوم السادة العلماء في المكتب الشرعي بالإجابة عن الاستفتاءات الشّرعيَّة الواردة، بحسب الرأي الفقهي لسماحة المرجع فضل الله(رض)، سواء عبر البريد الإلكتروني، أو عبر الهاتف، أو من خلال التواصل المباشر مع المراجعين.
    ويشمل عمل المكتب، إصدار الكتب الفقهيّة الخاصة بسماحته وإعادة طباعتها بعد مراجعتها ومراجعة الإصدارات الفقهية طبق آراء سماحته، كما يشمل الإطلالة الإعلامية عبر الإذاعة والتلفزيون في برامج شرعية في الفقه والعقائد.
    ويتولّى المكتب مهمّة تحديد بدايات الأشهر القمريّة وفق المبنى الفقهي لسماحة السيّد(رض)، والإشراف على التقويم الصادر عن المؤسسة. ويلاحظ في هذا المجال مدى التزام المقلدين بما يصدر عن المكتب.
    وقدّ تم إنشاء "الهيئة الشرعية" الَّتي تهتم بمتابعة الشّؤون الشرعيّة ومناقشتها وإصدار البيانات، وهي تضمّ أصحاب الكفاءة والخبرة من تلامذة سماحة السيّد(رض) الَّذين عملوا سنوات طوال بتوجيهاته.
    أما مكتب القضاء الشرعي في المؤسسة، الذي انتدب له سماحة المرجع السيّد(رض) علماء دين من ذوي الكفاءة والخبرة العلميّة في إدارة الخلافات وتطبيق الحكم الشرعي، من أجل العمل على حلّ المشاكل ضمن الموازين الشرعيّة للقضاء، فما زال يقوم بنشاطاته، بما يسهم في حل المشاكل الاجتماعية وإصلاح ذات البين، حيث يتابع عشرات الحالات التي تفد إليه أسبوعياً.
    ويواصل المعهد الشَّرعي الإسلامي عمله تحت إشراف دائرة شؤون الحوزات في المؤسَّسة، والَّتي تضم عدداً من العلماء الذين تتلمذوا على سماحة السيد(رض). وينتسب إلى المعهد سنوياً عدد كبير من الطلاب من لبنان، كما يستقبل في قسمه الداخلي، طلاباً من دول أفريقية وإسلامية عدّة.
    أما دائرة التبليغ الديني، فتتابع نشاط المبلغين الَّذين ترسلهم المؤسسة إلى بلاد الاغتراب والهجرة في قارات العالم الخمس، بما يلبّي متطلبات العمل التبليغي والدعوي، كما تقوم بدورها التبليغي في المساجد والمراكز الإسلامية في أنحاء مختلفة من لبنان، حيث يمتد نشاطها إلى أكثر من حوالى خمسين مسجداً ومركزاً إسلامياً، إضافةً إلى عدد كبير من المساجد في القرى والبلدات المختلفة في مناطق الجنوب والبقاع، حيث تنظّم الدائرة عمل المبلّغين، وترفدهم بكلّ جديد على صعيد الفكر الإسلامي الأصيل الذي مثّله السيّد فضل الله(رض).
    تولي المؤسّسة كلّ الاهتمام للمسلمين في بلاد الاغتراب، وقد عملت على إنشاء المراكز الإسلاميّة على امتداد قارات العالم الخمس

    من جهةٍ ثانية، تواصل المؤسّسة نشاطاتها الثقافيّة والإعلاميّة باستمرار. فعلى المستوى الإعلامي، تستمر في نشر رسالتها الإسلامية من خلال عدد من الوسائل الإعلامية التي تقدّم الإسلام الوحدوي الأصيل وتنشر فكر أهل البيت(ع) إلى العالم بطريقة حضارية، ومن أبرزها: قناة الإيمان الفضائيّة التي تبثّ عبر القمر الصناعي "النايل سات" والتي انطلقت في العام 2010 بعد رحيل السيد(رض)، وإذاعة البشائر، وموقع بينات الإلكتروني، ومجلة بينات، إضافةً إلى شبكة من المواقع ووسائل التّواصل الاجتماعي.
    وتعمل المؤسَّسة على حفظ تراث السيد المرجع فضل الله(رض) ونشره، سواء الورقي أو السمعي ـ البصري، وقد أصدرت مؤخراً "موسوعة الفكر الإسلامي" في تسعة مجلدات، تتناول بشكل أكاديمي الموضوعات والحقول التي تناولها السيد(رض) كافة، وشارك في إعدادها 24 كاتباً وباحثاً من ثماني دول عربية وإسلامية.
    كذلك، تواصل دار الملاك، نشر كتب سماحة السيد(رض) ومؤلفاته، باللغة العربيّة ولغات أخرى، أبرزها اللغتان الإنكليزيّة والفرنسيّة، كما يجري العمل على نشرها بعدد من اللغات العالميّة.
    وتولي المؤسَّسة كلّ الاهتمام للمسلمين في بلاد الاغتراب، حيث تعمل على إنشاء المساجد والمراكز الإسلامية الثقافية والاجتماعية، إضافةً إلى المدارس الإسلاميّة، وتنتشر فروع المؤسّسة في عدد من الدول، وأبرز هذه الفروع:
    مسجد الرحمن في سيدني ـ أستراليا، جمعية الحسنين(ع) في برلين ـ ألمانيا، مدرسة الحكمة في بوركينا فاسو، المركز الإسلامي في أبيدجان، مركز الإمام الصادق الثقافي في النجف ـ العراق، المركز الإسلامي في قم ـ إيران، إضافةً إلى نشاطات تمتد إلى سوريا والبحرين وكندا والبرازيل والباراغواي وغيرها من البلدان...
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    بينات العدد 410: رائد الوحدة والحوار
    التاريخ: 27 شعبان 1434 هـ الموافق: 06/07/2013 م

    صدر عن دائرة الإعلام في مؤسَّسة العلامة المرجع السيِّد محمَّد حسين فضل الله(رض)، العدد 410 من مجلّة "بيّنات"، لشهر شعبان 1434هـ، الموافق لشهر تموز/يوليو 2013م. ويتضمَّن ملفاً خاصّاً بالذكرى السنويّة الثالثة لرحيل العلامة المرجع فضل الله، بعنوان "رائد الوحدة والحوار"، يضمّ مقابلات ومقالات لشخصيّات دينيّة وسياسيّة واجتماعيّة، تناولت فكر سماحته وآراءه ومنهجه العلمي، وتطرقت إلى جوانب من شخصيته وعمله على صعيد الوحدة الإسلامية، والحوار الإسلامي ـ المسيحي، وتصديه لشؤون المسلمين في لبنان والعالم.
    وقد تضمن العدد مقابلة هامة، سبق أن أُجريت مع سماحة المرجع فضل الله(رض)، استشرف فيها مستقبل العالم الإسلامي والعربي، الذي يواجه خطةً مدروسة لتدمير الإسلام في نفوس المسلمين ومنعه من الامتداد في الواقع العالمي، حيث يحذّر السيد(رض) من الفتنة التي انطلقت من بعض العناوين السياسية والتكفيرية في المجتمع.
    "في طريق العودة إليك"، عنوان مقال للحاج هاني عبدالله، اعتبر فيه أنَّ المأساة تغدو أكثر إيلاماً عندما يكون الرحيل في "الزمن الصَّعب" وفي المرحلة الأشد خطورةً وتعقيداً.
    وعن مرجعيّة السيّد فضل الله الحركيّة، كتب سماحة الشّيخ علي مرعي مقالاً رأى فيه أنَّ سماحة السيّد(رض) كان يتميّز بأخلاقية إسلامية قرآنية قلّ نظيرها، برزت في المرحلة التي بدأت فيها الحرب عليه من بعض المُعمَّمين.
    كما يتناول سماحة الشيخ حسين الراضي الدور الرائد لسماحة السيّد(رض) في حمل قضية الوحدة الإسلامية، حيث يؤكد أن سماحته هو المصداق الأجلى للوحدة الإسلاميّة والإنسانيّة قولاً وعملاً.
    وفي العدد، مقال بعنوان "عالمية الفكر وشموليته عند المرجع فضل الله" للكاتب البحراني عبد الوهاب حسين، ومقال بعنوان "الخطاب الإسلامي في مواجهة العصبية" للأستاذ في الجامعة اللبنانية عبد الغني عماد، إضافةً إلى مقال "الحضور الفكري للمرجع فضل الله في المغرب"، للسيد عصام احميدان الحسني. وقد تميزت هذه المقالات بإضاءتها على أبرز معالم مرجعية السيد ونهجه الإسلامي.
    وفي مقابلةٍ معه، تحدَّث المفكّر والباحث العربي الأستاذ منير شفيق، عن شخصيّة سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله الاستثنائية، وما تركه من أثر في واقع الأمة، فيما استعرض رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين، طبيعة العلاقة التي كانت تربطه بسماحته وأبرز معالم شخصيته وفكره ومنهجه كمصلح إسلامي كبير.
    وتضمّن العدد تحقيقاً عن مؤسسة سماحة العلامة المرجع فضل الله(رض)، بعد ثلاث سنوات على الرحيل، حيث تواصل مسيرتها الرساليّة والفكريّة والحركيّة، سواء في لبنان أو في الدول العربية والإسلامية، وصولاً إلى بلدان الاغتراب.
    وأطل تحقيق آخر على واقع جمعية المبرات الخيرية في الذكرى السنوية الثالثة لرحيل سماحته، والتي أينعت اليوم مدارس ومبرات ومراكز ثقافيّة وصحيّة في أرجاء لبنان، مستعرضاً حال الأيتام المقيمين فيها.
    إلى ذلك، ضمَّ العدد ملفاً خاصّاً بشهر رمضان المبارك، تضمن مجموعة من الموضوعات سلطت الضوء على معاني فريضة الصيام، وأبرز المناسبات الدينية في الشهر الفضيل، حيث تناول موضوع "الصوم الإجتماعيّ: الشعور بالمسؤوليّة تجاه الفرد والمجتمع"، دور الصوم في مفهومه الإسلامي الأوسع.
    وتحت عنوان "الإمام علي في وصايا شهادته"، تناول موضوع آخر، أبرز وصايا أمير المؤمنين(ع) قبل استشهاده، والتي تتضمن فوائد كبيرة إيمانية وأخلاقية وروحية، يستفيد منها المسلمون في كل زمان..
    وفي العدد، تحقيق عن نشاطات مكتب الخدمات الاجتماعية في شهر رمضان، تحت عنوان "ضيافة الرحمن" عنوان لخدمة الناس"، يبيّن الخدمات الاجتماعية والمساعدات التي يقدمها المكتب للأيتام.
    كما تضمن العدد باقة من المقالات والتحقيقات والمقابلات الفكرية والاجتماعية المتنوعة، إضافةً إلى الأبواب الثابتة: فقه الحياة، رسائل الأحبة، واحة الأدب.
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    ثلاث سنوات على الغياب.. ويبقى الشّعار "خدمة الناس قمّة العبادة"

    التاريخ: 24 شعبان 1434 هـ الموافق: 03/07/2013 م
    تدخل إلى المركز الرئيسي لمكتب الخدمات الاجتماعية، التابع لمؤسَّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض)، الكائن في منطقة حارة حريك في الضّاحية الجنوبيَّة لبيروت، فتستقبلك صورة المرجع فضل الله متبسماً، وكأنه يرحب بالقادمين لزيارته.
    يبادر من يستقبلك من الموظّفين العاملين في المكتب للسؤال عن طبيعة المساعدة التي ترغب في الحصول عليها، فمساعدات المكتب متعدّدة ما بين مساعدات صحيّة واجتماعيّة وثقافيّة، تقدمها وفق شروط أبرزها الحاجة الحقيقة لطالب المساعدة، من دون أدنى سؤال عن الانتماء الطائفي والمذهبي، وحتى المناطقي، فتوجيهات السيد(رض) واضحة في هذا المجال: "عليكم خدمة الإنسان كل إنسان محتاج، دون تمييز أو تفريق".
    "سنكمل بعزيمة أكبر":
    يتحدَّث المدير العام لمكتب الخدمات الاجتماعيَّة، فؤاد سمادي، عن المرجع الراحل في الذكرى الثالثة لرحيله، وتستحضره ذكريات سنوات أمضاها في العمل مع سماحة المرجع فضل الله(رض)، منذ بداية انطلاقة عمل مكتب الخدمات الاجتماعية العام 1983، في مقر جمعية أسرة التأخي الَّتي كانت تقع خلف مسجد بئر العبد. فيقول سمادي: "كان سماحته شديد الحرص على متابعة أخبار المكتب، وكان يؤكّد ضرورة عدم المحاباة في العمل، فتقديم المساعدة يجب أن لا يخضع لأية محسوبيات، بل وفق الضوابط الشرعية التي تجيز صرف المساعدة، وهذا ما كان يشدد عليه أثناء اللقاءات مع العاملين والمتطوّعين بأن يتمّ "صرف المساعدات في مكانها ولمستحقيها فقط"".
    ويتابع: "نستذكره في المناسبات والمحطّات كافّة التي واكبنا فيها، ولا سيما في الحروب "الإسرائيلية" على لبنان، كالحرب التي حصلت في العام 1996 و1993، وحرب تموز 2006 بشكل خاص، حيث كان شديد الحرص على الوقوف إلى جانب الناس، وتقديم المساعدة لهم والتخفيف من معاناتهم".
    ويلفت سمادي إلى أن سماحة السيد(رض) كان يشدد على ضرورة رعاية الأيتام في أسرهم، إلى جانب رعاية الأيتام في المؤسسات، وكان يسأل بدقة عن كل التفاصيل المتعلقة بالتقديمات المخصصة للأيتام، ولا سيما في شهر رمضان المبارك، حيث كان يسأل عن كسوة العيد ووجبات الإفطار وغير ذلك.
    ويتذكر سمادي حديثاً خاصاً مع سماحة السيد، الذي قال له يوماً: "إذا سألني الله عز وجل كيف صرفت الأموال التي أمنتك عليها، سأقول له أني وثقت بكم"، مشيراً إلى أنَّ هذا الكلام وضعنا، كقيمين على العمل، أمام مسؤولية كبيرة في حفظ المال وإنفاقه وتقديم المساعدة لمن يستحقه فقط.
    ويتابع سمادي: "نحن باقون على العهد والوعد، ونتصرف كما لو كان سماحة السيد موجوداً بيننا، فكلامه واضح بالنسبة إلينا: "عليكم أن تكونوا حاضرين لتستقبلوا الناس، وعليكم أن تسعوا إلى خدمتهم ولا تنتظروا الفقراء والأيتام والمساكين ليأتوا إليكم ويطلبوا المساعدة".
    "نحن باقون على العهد والوعد ونتصرف كما لو كان سماحة السيد موجوداً بيننا"

    ويتوجه مدير عام مكتب الخدمات الاجتماعية إلى المرجع فضل الله بالقول: "رسالتك وأمانتك، إن شاء الله، هي مسؤوليتنا، وسنكون الأمناء عليها، لنواجه الله سبحانه وتعالى يوم القيامة ونحن مرتاحي البال، وسنستمر بهذا العمل الخدماتي للناس على الرغم من كل الظروف الاجتماعية والاقصادية الصَّعبة الَّتي نعيشها، وسنكمل هذا المشوار بعزيمة أكبر وإصرار لخدمة الإنسان، كما أوصيتنا ويوصينا الله سبحانه وتعالى ونبينا الأكرم(ص) والأئمة(ع)".
    السيد "تاج راسنا":
    ربما يعتبر البعض أنَّ الحديث عن أثر غياب السيّد في قلوب الناس يبدو مبالغاً فيه، أو يقع في الإطار النظري في بعض الأحيان، إلا أن جولة ميدانية في مكتب الخدمات الاجتماعية، حيث العوائل التي أحبّ سماحة السيد وسعى إلى مساعدتها، تظهر مدى الارتباط بين الناس وسماحة المرجع فضل الله الذي يسكن في القلب والوجدان.
    تتحدث الحاجة أم محمد بشوق عن السيّد، فهو "الذي علمنا الإسلام، وجعلنا أقرب إلى الله سبحانه وتعالى"، وتضيف: "رحم الله روحه الطّاهرة. إنَّ السيد "تاج راسنا"، فهو الذي هدانا إلى الصراط المستقيم، وخفف من معاناتنا في هذه الحياة من خلال "مكتب السيّد" الذي يقدم لنا المساعدات الصحية والاجتماعية".
    وتروي أم محمد تجربتها مع مكتب الخدمات الاجتماعيّة، مشيرة إلى أنه يقدم لابنتها المساعدة الصحية ويؤمّن لها مصاريف العلاج والطبابة والاستشفاء، كما ساهم في تأمين تكاليف عمليتين جراحيتين خضعت لهما لوضع ورك اصطناعي.
    "كان السيد فضل الله الوحيد الذي جعلنا نشعر بقيمتنا في هذه الحياة"

    حبيب الفقراء والمساكين:
    بدورها، تتحدث الحاجة سعدى، وهي من المسنين الذين يتولى مكتب الخدمات رعايتهم، عن سماحة السيد الذي أحب الناس وعطف عليهم، وتقول هذه الكلمات الصادقة والمعبرة: "يشهد الله عليّ أنني في كلّ صلاة أدعو له وأقراً الفاتحة عن روحه، وهو الذي كان يتذكّرنا ويرسل إلينا المساعدات ونحن في بيوتنا. من كان يعطف على الأيتام والمساكين كما كان يفعل السيد؟".
    وتختم بالقول: "لم أكن أعرف السيّد بشكلٍ شخصيٍّ، ولكن مكتب "السيد"، (مكتب الخدمات الاجتماعية)، كان يحرص على مساعدتنا، رحم الله روحك الطاهرة يا سيدنا".
    وتقول الحاجة نورا محمد سعيد، التي يرعى مكتب الخدمات أولادها الأيتام: "السيد محمد حسين فضل الله يعني لنا الكثير، فهو أكثر من أب وأخ، هو حاضن الأيتام والفقراء والمستضعفين، ومؤسَّسات السيّد ترعى أولادي منذ أكثر من 13 عاماً، ولولا السيد لما استطاعوا إكمال دراستهم، وما استطعت أن أقدم لهم كل ما يطلبونه في هذه الحياة". وتتابع: "أذكر ذلك اليوم التي بلغت به ابنتي سن التكليف وكان الحفل بحضور سماحته، كان السيد وقتها يحنو على الأيتام ويعطيهم كل الدعم والتقدير".
    وتختم: "كان السيّد فضل الله الوحيد الذي جعلنا نشعر بقيمتنا في هذه الحياة رغم كل الجراحات التي كنا نعاني منها".
    السيد القدوة:
    يتحدث علي جمول، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، والذي ساعده مكتب الخدمات الاجتماعية، فيقول: "كان السيد فضل الله قدوة لنا في هذه الحياة، فقد كان مرجعاً فقيهاً، وداعياً إلى التلاقي بين الناس. تميَّز بنظرته الإنسانية إلى الناس بمعزل عن انتمائهم الطائفي والمذهبي. ومن يدخل إلى مكتب الخدمات ومؤسسات السيد، يرى أن ما كان يقوله السيد في حياته لا زال يُعمل به بعد مماته".
    "من يدخل مؤسسات السيد يرى أن ما كان يقوله سماحته في حياته لا زال يعمل به بعد مماته"

    أعزائي القرّاء، أختم هذا التحقيق بهذه الكلمات المتواضعة، أخاطب فيها روح العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض):
    هو طيفك أيها الحبيب ينادينا مع كلّ صبح وأذان يحاكينا
    غبت عنا يا أمل المستضعفين كلماتك تتردد على ألسن المحبين
    فمن علّم الناس كيف تحب باريها سيتربع حبّه في قلوب المؤمنين
    لن ننساك يا من بلسمت آهات الأيتام وأنرت بفكرك النيّر دروب التائهين
    نم قرير العين أيها المرجع العلَم فطيفك مذ رحلت عنا ساكن فينا
    لك عهد أن تبقى ذكراك نبراساً على مر السنين أيها الحبيب تواسينا
    فاطمة خشاب درويش
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    فـي ذكرى رحيل المرجع المصلح فضل الله

    محمَّد محفوظ
    ثمة فاصلة، حقيقيَّة ونوعيَّة، بين مرجعية دينية تعطي أولويَّة لمشروعها الخاص، وتعمل على أن توفر له كل عناصر البناء، حتى لو كان هذا العمل على حساب التصدي لشؤون الأمة المختلفة، ومرجعية أخرى تعمل للأمة، وتعطي أولوية لشؤونها المختلفة، وتعمل، ليل نهار، للتصدي لها.
    المرجعية الأولى صالحة، ولكنَّها ليست مصلِحة، بمعنى أنَّها مرجعية دينيَّة تمتلك كلّ العناصر الأخلاقيّة والعلميّة الّتي تؤهلّها لتبوّؤ موقع المرجعية، ولكنها، لأسباب وعوامل عدة، لسنا في صدد بيانها، لا تمتلك مشروعاً إصلاحياً في الأمة. ولذلك، هي تدير السّائد، من دون أن تزحزح السيئ منه، وتعمل على إدامة القائم، حتى لو امتلكت رؤية أو موقفاً علمياً ـ نقدياً منه.
    أما المرجعيّة الإصلاحيّة، فهي الَّتي تعمل على تحويل موقع المرجعيّة إلى مصدر إشعاع فكري وديني واجتماعي للأمة، وتسعى إلى بناء المؤسَّسات التي ترعى شؤون الأمة، وتكافح لإقامة الحقّ في الحياة العامّة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. ولإصلاح الأمة في مستويات الحياة المختلفة، تتحمّل هذه المرجعيةُ الأعباء وتصبر على الأذى المادي والمعنوي من أجل خير الأمّة وصلاحها، فهي في حركة دؤوبة في أكثر من اتجاه، لتجسيد مفهوم التصدي والقيادة.
    الفرق بين المرجعية الصالحة والمرجعية المصلِحة، هو كالفرق بين مَن يفكر في إدارة بيته، ومَن يفكر في إدارة بيته والجيران وأهل محلته. الأول يعطي أولويَّة لسياسة إبقاء ما كان على ما كان، بينما يعمل الآخرُ على اجتراح وسائل وإبداع آليات، لبناء مؤسسة مرجعيَّة قادرة على ملء الفراغ وتجسيد مفهوم التصدي، بكل مضمونه وآفاقه.
    وفي الذكرى الثالثة لرحيل العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، رحمه الله، التي تصادف هذا اليوم، نحن أحوج ما نكون إلى إثارة الاهتمام بقضايا الناس والمجتمع المختلفة، فأمثال الراحل، من علماء الدين، كثر، ولكن القليل منهم من بنى منظومة فكرية معرفية وحركية، يستهدي الشباب بها...
    كل علماء الدين تصل إليهم الحقوق الشرعية والتبرعات، ولكن القليل منهم مَن يتبنى بهذه الحقوق والتبرعات المؤسسات والمشاريع التعليمية والخدماتية والاجتماعية، لإفادة الناس على نحو مؤسسي.
    في ذكرى رحيل السيد فضل الله، نستذكر همته العالية، وعطاءه المتواصل، وسعيه الدؤوب، من أجل عزة الإسلام ورفعة المؤمنين. نستذكر صبره، وتحمله الأذى، المادي والمعنوي، دون أن يتوقف عن العمل والعطاء. في ذكرى رحيله، نفتقد العالم، الذي لم ينقطع عن التواصل مع الناس، كل الناس، دون أن يتعالى على همومهم وآمالهم.
    ومن وحي تجربة الراحل الكبير، المليئة بالدروس والعبر، نشدد على النقاط الآتية:
    1 ـ جميعنا يحلم ويأمل بإصلاح أوضاع الأمة، وبأن تقبض هذه الأمة على أسباب تقدّمها، ولكن القليل منا من يردم الفجوة بين الحلم والجهد، بين الأمل والعمل. وحده الإنسان الذي يكون جهده وعمله بمستوى طموحه هو مَن يترك بصمات حقيقية في واقعه وراهنه، فتعالوا، جميعاً، من مختلف مواقعنا، نطور أداءنا ونكثف جهدنا الخاص والعام، لتحقيق آمالنا وطموحاتنا، فلا سبيل إلى تحقيق ما نصبو إليه إلا من خلال الجهد المضاعف والعمل المتواصل، فإصلاح أوضاع الأمة ليس عملاً هيناً، وإنما هو من الأعمال الكبيرة التي تتطلب عقلاً كبيراً، وجهداً كبيراً، وكفاحاً على مختلف صعد الحياة.
    2 ـ إنَّ قوة المجتمع، أي مجتمع، في قوة أفراده، فإذا كان أبناء المجتمع أقوياء بطاقاتهم وكفاءاتهم، فإن المجتمع يصبح قوياً، لأنه حصيلة جهد وكفاءة أفراده. أما إذا كان أبناء المجتمع بلا كفاءات نوعية، ولا تنمية لطاقاتهم، فإن المجتمع يصبح ضعيفا وهامشياً، ولا يستطيع أن يسيّر شؤونه بنفسه.
    لهذا، ندعو إلى الاهتمام ببناء الكفاءات والطاقات، والانخراط في مشروعات التنمية البشرية لكل فئات مجتمعنا وشرائحه، فالأهداف التي نحملها تتطلَّب كفاءات نوعيّة لتحقيقها وإنجازها، والتحديات التي تواجهنا معقدة ومركبة وخطيرة، ولا سبيل إلى مواجهتها إلا بتنمية دائمة لكفاءات أبناء المجتمع وقدراتهم. ومشروع الإصلاح والتغيير في الأمة يتطلب آلاف الكفاءات والطاقات العلمية والعملية، القادرة على تحويل الوعد إلى إنجاز، والطموح إلى حقيقة شاخصة. لهذا، نرفض أن نصبح متفرجين على شؤون الأمة وقضاياها المختلفة. نحن بحاجة أن نصقل مواهبنا وقدراتنا لخدمة الأمة من موقع العلم والقوة النوعية.
    3 ـ من الضَّروري القول إنَّ التفوق العلمي والثقافي ينبغي أن يقود إلى تفوق أخلاقي، بمعنى أن تكون قاماتنا العلميّة والثقافيّة ذات قامات أخلاقيّة. أيضاً لأنَّ وجود الهوة بين العلم والأخلاق هو الذي يفضي، حين النزاع الحقيقي أو الوهمي، إلى القيام بممارسات لا تنسجم وفضائل الأخلاق.
    أما إذا كان العلم مسنوداً بمناقبية أخلاقية، فإنَّ هذا التناغم يعصم الإنسان من الانزلاق إلى المواقف المشينة والتصرفات الشائنة، فمهما تباينت المواقف والقناعات، يحول التناغم بين العلم والأخلاق دون انزلاق هذا الطرف أو ذاك إلى القيام بفعل أو التفوه بكلمة خارج سياق فضائل ومحاسن الأخلاق.
    ومن جهة ثانية، يوفّر هذا التناغم للإنسان قدرة نفسية وأخلاقية، لتحمّل الصعاب والأذى، فلا يقوده أذى الخصوم أو المنافسين إلى القيام بتصرفات لا تنسجم مع علمه ولا تتناغم مع أخلاقه، فيحسب كل ما يتعرض له من أذى وشائعات ومكايدات، عند الله سبحانه وتعالى، فيشتكي إليه، ويبث همومه إليه، دون أن يغضب الباري عز وجل بقول أو فعل.
    أسوق هذا الكلام للقول إنَّ ما تعرَّض له الراحل السيد محمد حسين فضل الله من أذى ومكايدات، ليس قليلاً أو هيناً، ولكن جميع هذا الأذى لم ينل من علمه وأخلاقه، فقد صبر على الأذى، وتحمّل الشدائد، وواصل الطريق دون كلل أو ملل.
    رحمك الله يا صاحب القلب الكبير، وحشرك الباري عز وجل مع خاتم الأنبياء والمرسلين، وأئمة أهل البيت(ع)، وإنّا لله وإنا إليه راجعون.
    *كاتب وباحث سعودي/ المصدر: جريدة العالم العراقية
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    عودة الذِّكرى: فضل الله المعرفة والعقل

    التاريخ: 26 شعبان 1434 هـ الموافق: 05/07/2013 م
    في مثل هذا اليوم (4-7-2010)، انتقلت إلى العالم الآخر قامة من قامات الفقه وأصوله، وعبقريَّة من عبقريَّات الخطّ الإماميّ، توفّرت على فهم فائق ومتميّز للعقيدة الإسلاميَّة، إلا أنَّ شاغلهُ وهاجسه لم يكن كما هو معهود ومألوف عند رجال الدّين وعلمائه، من جمع الآيات والأحاديث الّتي تتناول مفردات العقيدة وأجزاءها، وتأخذ في التَّعليق عليها، وتغرق في الجزئيَّات والتَّفاصيل الّتي قد تكون لا لزوم لها إن لم تكن منافيةً لروحها، صارفةً لمقاصدها ومراميها إلى ما لا علاقة لها به، فهو فهم الرّجال في محيطهم وظروفهم ووضعيَّة العقلانيَّة في هذه الملابسات، ولم يلجأ ـ رضي الله عنه ـ إلى المنهجيَّة والمفاهيم الكلاميَّة الّتي تلبس لبوس الفلسفة، وتغرف منها لغتها ومصطلحاتها، أسئلتها واستفهاماتها، وهي إلى الآن أو إلى هذه اللّحظة، لم تتجاوز الإشكاليَّات الّتي كانت تؤطّرها، والتحدّيات المنوط بها رفعها، لأنَّه أدرك ـ رضي الله عنه ـ بحسّه الرَّفيع، وفهمه الثَّاقب، أنَّه لا جدوى منها، ولا مردود لها، ولا حرج في أن تقرأ في إطار تاريخ الأفكار حتَّى تفحص جيّداً، وتسلّط عليها مطرقة النّقد الحصيف الملتزم، وتوجّه بالمبادئ الكبرى المبسوطة في القرآن الكريم، والمبثوثة في السنّة المطهّرة. ولا بأس أحياناً، ومن الضروريّ أحياناً أخرى، أن يستأنس أو يضطرّ إلى اللّجوء إلى فهم الرّجال، وبخاصّة الرّجال الرّموز.
    إنَّ روح العقيدة الإسلاميَّة تحكم نسيج نصّه، وهي لحمته وسداه، ولا سيَّما تفسيره "من وحي القرآن"، فلم يهمِّش أو يقفز على لازمة من اللّوازم الّتي تشكِّل المسطرة الّتي تقاس بها النّسبة بين العقيدة كما هي، ومدى ملاءمتها وتجاوبها مع الحياة المعاصرة، وتحقّق فاعليّتها واللّوازم على كثرتها وتنوّعها وتوزّعها على مناحي الحياة الاجتماعيّة والإنسانيّة، وإسنادها ودعائمها، ومواردها وروافدها، كالسياسي والاجتماعي والنفسي والثقافي والاقتصادي والإيديولوجي، والعلائقي على اتّساعه ورحابته واشتماله على دوائر متعدِّدة، كالدّائرة الوطنيّة، والدائرة القوميّة، والدائرة العقديّة، والدائرة الإنسانيّة، واتّصاله وتشابكه مع خيوط السياسة والاقتصاد والاجتماع وغيرها، يبقى غير كاف في تغذيته وتقويمه وتسويته وتشذيبه وتهذيبه، ما لم ترفده روح الدّين ومؤيّدات الغيب والأسوة الحسنة: {ولكم في رسول الله أسوة حسنة}. هذا ما جعل حضن السيّد الفكريّ يسع المذاهب ويتجاوزها، يسع الوطن بأديانه وطوائفه ومذاهبه وتيّاراته الإيديولوجيّة والسياسيّة ويتجاوزه، وهذا سرّ تسامحه وتجاوزه، بل تعاليه وسموقه.
    لم يكن يلقى بالاً لما يقال عنه أو يرمى به أو يلصق به.. بالنّسبة إليه كأنّ شيئاً لم يكن، من يرم القلعة الحصينة بالحصى ترتدّ عليه، لقد فتح ورشاً عديدة، وهي الآن أمانة في أعناق علماء الدّين ورجال الفكر، عليهم أن يشتغلوا عليها، فهي إمكان لمشاريع ورؤى.. المجتمعات العربيَّة الإسلاميَّة بأمسِّ الحاجة إليها، لأنَّ ما نعانيه اليوم، وفي هذا الظّرف العصيب والحسَّاس، من فتنة مذهبية فتّاكة، إذا تركت وشأنها أو للأجنبي ليشتغل عليها، أو للرّجعي المتسلّط ليشغل بها النّاس عنه، سوف ترتدّ علينا.
    إنّ السيّد محمد حسين فضل الله ـ رضي الله عنه ـ اعتنى بهذه المسألة غاية العناية، ونبّه إليها، وكان يذكّر بها دائماً، ويلحّ في التّذكير بها، كما كان حرباً على التزمّت والدّجل، وعلى الغباء والبلاهة والتسيّب واللامبالاة، وسيفاً على التّراجع والتّقهقر والجبن، كما كان معلماً للطّموح، وشمعة للأمل. فقد كان السيد فضل الله يرى أنّ المسلمين يفعلون إذا أرادوا.
    بقلم: محمد الفاضل حمادوش ـ الجزائر ، بتصرف
    المصدر: مدوّنة الكاتب على الإنترنت
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    ما هو واقع المبرات بعد ثلاث سنوات على رحيل المؤسِّس؟

    التاريخ: 22 شعبان 1434 هـ الموافق: 01/07/2013 م
    كانت حلم المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض) منذ أكثر من ثلاثين عاماً. بدأت جمعية المبرات الخيرية سنبلة طيّبة، زرعها سماحته في زمن الحرب الأهلية اللبنانية لاحتضان الأيتام، وهي أينعت اليوم مدارس ومبرات ومراكز متخصّصة لذوي الاحتياجات الخاصّة والمسنين، فضلاً عن مراكز ثقافيّة وصحيّة في أرجاء الوطن. فما هو سرّ هذه المبرات الَّتي تزهو وتكبر مع الأيام؟
    رحل سماحة السيّد وما زال قلب المبرات ينبض عطاءً وحباً، فالحلم لم يمت قط، لأن السيد أبعد من حدود الزمن والجغرافيا، فهو الذي رصد حاجات المجتمع، ووضع الخطط والرؤى، وآمن بأنَّ العمل المؤسساتي هو السبيل للاستمرار، فعمل على تكريسه في مؤسَّساته، وفي مقدّمها جمعيّة المبرات، فكان بحق رجل المؤسَّسات الأول الَّذي كان يؤكّد أن أهمية العمل المؤسَّساتي تكمن في أنه لا يتوقّف برحيل الأشخاص، فالعطاء مسؤوليَّة يجب أن يستمرّ دون توقف مهما كانت الأسباب.
    تدخل إلى مؤسَّسات جمعيّة المبرات. ومع خطواتك الأولى في أرجائها، ترى أنّ كلّ شيء فيها يضجّ بالحياة والأمل، فهذه المؤسَّسات تتميَّز بتصاميمها الحديثة والراقية، وتكاد لا تخلو مبرة أو مدرسة من الزخارف المميزة واللوحات التشكيليَّة التي تحاكي تطلّعات من يقطن فيها وأحلامهم.
    هكذا تبدو المبرات من الخارج متميّزة ومتألّقة، ولكن ما هو حال الأيتام المقيمين فيها؟ وماذا تغيَّر بعد غياب السيّد؟ وماذا يقول أيتام المبرات؟
    فيما يلي، نعرض لآراء عدد من الأيتام الذين التقيناهم خلال زيارة إلى مبرة السيدة خديجة الكبرى في مقرّها في طريق المطار:
    محمد فقيه: "سماحة السيّد هو قدوتنا في هذه الحياة، احتضننا في مبراته وأتاح لنا فرصة التعلّم والتفوق والإبداع، ونحن نقول: شكراً لسماحة السيد الذي علمنا كيف نواجه الحياة".
    طيبة زعيتر: "نعيش في المبرة كأسرة واحدة، ونتعامل مع بعضنا البعض بحبٍّ واحترام، وهي تقدّم لنا بدورها كل ما نحتاج إليه في هذه الحياة. ونحن نقول لسماحة السيد: نحبك كثيراً، كنت لنا الأب والموجّه، احتضنتنا يوم قست علينا الأيام، وجعلتنا نفكّر بالحياة بطريقة أفضل. ستبقى تعيش معنا لأنَّ العظماء لا يموتون".
    رؤى طراد: "أشكر السيّد لأنّه علَّمنا كيف نكون مؤمنين، فهو الَّذي جعلنا نتفوَّق ونسعى إلى الإبداع والتميّز. كان لنا كل شيء في الحياة، وسيبقى يعيش معنا في كلّ لحظات فرحنا وعطائنا ونجاحنا".
    فرح أيوب:"المبرة هي بيتي، وهي المكان الذي أحبه وأقدره، فهي تمنحنا العطف والحنان وتقدّم لنا أكثر مما نطلب. أما السيّد فهو الحياة، كل حياتي".
    "المبرة هي بيتي، هي المكان الذي أحبه وأقدره"

    فيروز فاضل: "أقيم في المبرات منذ 11 سنة. كنت صغيرة عندما دخلت إليها. واليوم، أشعر بأن هذا المكان يمثل لي الكثير، فهو بيتي الذي أعيش فيه وأتعلم وألعب وأدرس. أما السيد فهو الأب الذي كان يناديني "يا ابنتي" عندما كنا نزوره ونلتقيه، وسيبقى الأب الذي نذكره في كل محطات حياتنا".
    هنود ناصيف: "سنوات طويلة أمضيتها في المبرة، تعلَّمت وكبرت فيها، وها أنا اليوم أنهيت دراستي الأكاديمية وسأبدأ مشوار التعليم الجامعي، وكما كانت المبرة معي في صغري، هي اليوم تساندني في الجامعة. أنا أشعر بالانتماء إلى المبرة التي ربتني، وأزورها دائماً لأنها تعطيني كل دعم في هذه الحياة.
    وفي ذكرى رحيل السيد، يتجدد الحزن لفقد الوالد الحنون الّذي ربانا واحتضننا وخفف عنّا عندما فقدنا أهلنا في هذه الحياة، رحمك الله يا أبا الأيتام".
    "كما كانت المبرة معي في صغري هي اليوم تساندني في الجامعة"

    حنين الطفيري: "أحبّ أن أقول للسيد: سنبقى على خطاك ونرفع رأسك عالياً حتى نهزم العدو، فنحن المؤمنين نمشي على خطى سماحة السيد محمد حسين فضل الله الذي ربانا على الدين الحنيف. رحمك الله يا سيد".
    ماذا يقول مدير عام جمعية المبرات عن واقعها بعد ثلاث سنوات على غياب مؤسسها؟
    يؤكّد المدير العام لجمعية المبرات الخيرية، الدكتور محمد باقر فضل، لـ "موقع بينات"، أن جمعية المبرات "ما زالت في نموها وتألّقها، لأنَّها بقيت على نهج السيّد، تنهل من تعاليمه، وتطلّع إليه، فهو القدوة لنا، وشعار السيّد "الراحة حرام"، هو منهاجنا".
    وأضاف: "غياب السيّد لم يؤثر في عمل جمعية المبرات الخيريَّة، ودورها ووضعها المالي. طبعاً، نحن تأثَّرنا عاطفيّاً بهذا الغياب. وبحمد الله، فإنَّ عود المبرات الَّتي أحبها السيّد، يشتدّ ويقوى مع مرور الزمن، ومهما طالت فترة الغياب".
    عود المبرات يشتد ويقوى مع مرور الزمن ومهما طالت فترة الغياب

    وفي محضر ذكرى الرحيل، يقول الدكتور فضل الله: "ثلاث سنوات مرت على الغياب، ولكنني لن أنسى ربع قرن من الزمان عشتها مع سماحة السيّد في تأسيس المبرات ومواكبة عملها الخيري الرعائي والإنساني. فقد عشت معه كأخ، وتربيت وتتلمذت على يديه، وكنت في الغربة، أنهل من نصائحه وتوجيهاته. وبعد عودتي إلى لبنان، واكبت انطلاقة المبرات في كلّ تفاصيلها، تأسيساً وإدارةً وتنفيذاً وتميزاً ورعاية للأيتام وتأسيساً للمدارس التي كانت حلماً لسماحته، وقد أرادها أن تضاهي غيرها من المدارس المؤسّسات الإنسانيَّة". شعار السيد "الراحة حرام " هي قدوة ومنهاج للعاملين في المبرات

    ويشير الدكتور فضل الله إلى أنَّ هموم المرجع فضل الله كانت هموم المجتمع، وهموم الفكر والوعي، فهو الَّذي عمل خلال سنين عمره الشَّريف من أجل الإنسان ككلّ ومن أجل الوحدة الإسلاميّة. هموم السيد كانت هموم المسلمين، وهو الَّذي عمل من أجل الإنسان ككلّ، ومن أجل الوحدة الإسلاميّة

    ويختم قائلاً: "نفتقد السيد، ولكنَّ روحه ما زالت موجودة بيننا؛ هذه الروح التي تحثّنا على العمل، وتطلب منا أن نتميَّز وأن نعمل لنبدع ونتفوَّق، ستبقى في كلٍّ منّا، وسوف تبقى في كلّ الأجيال الَّتي نربيها على فكر السيّد، وعلى حفظ أمانته". "ستبقى روح السيد في كل الأجيال التي تربيها المبرات"

    وفي الختام، ها هي جمعية المبرات، كما كل مؤسّسات المرجع السيد فضل الله، مستمرة وتطمح إلى تحقيق المزيد، خدمةً للإنسان والمجتمع، كما كانت وصية المؤسِّس، وتمضي في تحقيق الإنجازات متوكّلةً على الله سبحانه وتعالى، ومستلهمة من روح العلامة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله الّتي تسكن في عليائها راضية مرضية بإذن الله.
    فاطمة خشاب درويش
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    في ذكرى السيد المرجع: ويبقى الأمل

    التاريخ: 27 شعبان 1434 هـ الموافق: 06/07/2013 م
    سامي الجواد
    بينما كنت أستمع صدفةً إلى محاضرةٍ له على "الراديو"، لفت انتباهي عرض المرجع الإسلامي الراحل السيد محمد حسين فضل الله، لوقائع الآية الكريمة التي طلب فيها سيدنا إبراهيم(ع) أن يريه الله كيف يحيي الموتى، فقال(رض) إنَّ ذلك الطلب لم يكن ناتجاً من كفر النّبي المعصوم أو تشكيكه في القدرة الإلهيَّة، بل كان لاطمئنان قلبه {أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[البقرة: 260].
    رأى المرجع الراحل ذلك حواراً مشروعاً بين الله تعالى ورسوله، وانطلق من هذه المسلّمة الثابتة بالنّص، ليدعو الإنسان إلى الحوار مع الآخر، بدءاً من الرسول، مروراً بالقائد السّياسيّ والاجتماعيّ فرجل الدّين، ووصولاً إلى القرين النّد.
    كان ذلك الحديث دافعاً لي لأطلب موعداً للقاء السيد المرجع، وكان لي ذلك. أخبرته أنَّ ما سمعته في تلك المحاضرة هو بمثابة ثورة صريحة على حالة الركود والتحجّر والصنميّة والشخصانيّة التي تعتري الحالات والحركات، وحتى معظم المذاهب الإسلاميَّة، فأكَّد لي رضوان الله عليه، حركية الإسلام وتجدّده إزاء القضايا المختلفة، وفي مختلف العصور، وأن لا حقيقة مطلقة محرمة عن النقاش العقلي، فالحقيقة بنت الحوار. لم يقفل أمامي أيّ باب، ولم يحرّم عليَّ أيّ سؤال. استمع إلى أسئلتي بابتسامة أبويّة سموحة، وأجاب عنها بعمقٍ ودقةٍ وحزمٍ تفرضه هيبة السيّد المرجع.
    أدركت في تلك الزيارة أكثر من سابقاتها حقيقة ما يندمج في هذا العالم الرباني الكبير من مكنون العلم وسعة الأفق وحسّ المسؤولية المرهف في مقاربة القضايا والإشكاليات المختلفة.
    اليوم، وفي الذكرى الثالثة لرحيله، نستشعر حجم الخسارة التي شكَّلها غيابه عن الساحة الإسلامية عموماً، وعن الساحة اللبنانية خصوصاً، فقد أكد(رض) في حركة الوعي المتقدم والفهم العميق للظواهر والأحداث، أنه استطاع أن يوائم بين أصوليته الدينيَّة كمجتهد ومرجع، وانفتاحه على مجمل القضايا المعاصرة، ولا سيَّما تلك المتّصلة بالإشكاليّات العلميّة المستجدّة وقضايا الشَّباب، وكذلك انفتاحه على الآخر المختلف، واستعداده المسؤول للحوار والبحث من أجل الوصول إلى الحقائق الدينيَّة والعلميَّة الَّتي تصبّ في مصلحة الإنسان بوجهٍ عام.
    بين واقع اليوم وذكرى الأمس، يبقى الأمل موجوداً بأن تخرج كلّ الحالات الدينيَّة، وكذلك المرجعيات، لأيّ دين أو مذهب انتمت، من الزوايا المحدودة ومن ركام التاريخ المتراكم، غثّه وسمينه، لتنفتح على فضاء الإنسانيَّة الأرحب، حيث لا تزال الفرصة سانحة أمام مستقبل هادئ نعيش فيه مختلفين وموحَّدين في البحث الموضوعي عن الحقيقة، كلٌّ كما يرى، من دون أن يؤدي ذلك إلى الحقد والتكفير والقتل.
    منذ ثلاثة أعوام، غاب سماحة العلامة المرجع، وبقي علمه ومرجعيّته الدينيّة والأخلاقيّة والوطنيّة حاضرين في وجدان كلّ المؤمنين، بل حتى في قلوب الملحدين الَّذين رأوا الصّورة المشرقة التي جهد السيد الراحل في تقديمها عن الإسلام. بقي حاضراً في عقول كلّ الباحثين عن الحقيقة، في بسمة كلّ يتيم وكلّ محتاج وكلّ معوق وكلّ مسنّ. لم يوفّر السيّد الراحل جهداً من أجل مساعدتهم وحمايتهم، انطلاقاً من أنَّ حفظ كرامة الإنسان واجب لا يعلى عليه.
    المصدر: جريدة البلد اللبنانية، الجمعة 5 تموز/يوليو 2013
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    مراكز إسلاميّة ونشاطات إعلاميّة وثقافيّة وتربويّة في لبنان والعالم
    مؤسَّسة المرجع فضل الله: المسيرة الرساليّة مستمرة

    التاريخ: 26 شعبان 1434 هـ الموافق: 05/07/2013 م
    بعد ثلاث سنوات على رحيل العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض)، لا تزال مؤسَّسته تواصل مسيرتها الرساليّة والفكريّة والحركيّة، سواء في لبنان أو في الدول العربية والإسلامية، وصولاً إلى بلدان الاغتراب، معتمدةً بعد الله تعالى، على ثقة المؤمنين بها ودعمهم لها، ومرتكزةً على الأسس التي أرسى عمادها سماحة السيد(رض)، من خلال إيمانه بالمنهج المؤسساتي الذي يؤمّن الاستمرارية بعد رحيل المرجع، والذي عبّر عنه بنظرية "المرجعية المؤسسة". لا تزال مؤسسة المرجع فضل الله(رض) تواصل مسيرتها الرسالية في لبنان والعالم، معتمدةً على ثقة المؤمنين ودعمهم

    مرتكزات المشروع:
    مشروع "المرجعيّة المؤسّسة"، الذي طرحه سماحة السيّد(رض) في كتاب "المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية"، يستند إلى ثلاثة مرتكزات أساسيّة:
    المرجع: يرى المرجع فضل الله أنَّه ـ مضافاً إلى شرط الأعلميَّة لمن يقول بها ـ والصّفات الأخرى للمرجع، لا بدَّ من توافر صفاتٍ أخرى لكي يكون المقلَّد في الفتيا مرجعاً للشّيعة، لأنّ المرجع أصبح في الواجهة السّياسيّة في العالم، بعدما أصبحت مسألة الطّوائف أو الأديان تمثّل وجهاً من وجوه الحركة العالميّة… وقد أصبح النّاس يرجعون إلى المرجع في القضايا السياسيَّة والاجتماعيَّة، وما إلى ذلك من الأمور الّتي تقتحم على العالم الإسلاميّ كلّ مواقعه وقضاياه. وكذلك، فإنّ الفقيه لا يستطيع ـ في المرحلة الحاضرة ـ أن يعيش خارج نطاق قضايا عصره، باعتبار أنّ قضايا العصر، حتّى في الأمور الفقهيّة، تمثّل موضوعات الأحكام الّتي يحتاج المجتهد إلى أن يستنبطها ويحدّدها كمنهجٍ إسلاميّ في الحياة.
    المؤسّسة المرجعيّة:يحدّد سماحة السيّد فضل الله منهجيّة العمل للمؤسّسة المرجعيّة على أساس دائرتين رئيستين:
    أولاً: إبعاد المرجعيّة عن الصّفة الشخصيّة، وجعلها مؤسّسةً متكاملةً موحَّدةً لا تعيش الفواصل في شخصيّات المراجع، ولا يتحدّد امتدادها الزمنيّ بحياة المرجع، بل تضمّ مختلف الطّاقات الّتي يحتاجها المرجع في إطلالة المرجعيّة على العالم، فيستفيد من تجارب السّابقين ضمن التّراث المتوفّر لدى المؤسّسة لتستمرّ من بعده.
    عمل السيد(رض) على إبعاد المرجعيّة عن الصّفة الشخصيّة، وجعلها مؤسّسةً متكاملةً لا يتحدّد امتدادها الزمنيّ بحياة المرجع

    ثانياً: أن تتخلّى المرجعيّة عن حالتها التّقليديّة المتمثّلة بانكفاء الوسط الحوزويّ، بعيداً عن الاهتمامات العامّة في حياة المسلمين، فلا بدّ للمرجعيّة من أن تطلّ على قضايا العالم السياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة.
    وتجدر الإشارة إلى أنَّ مشروع المرجعيَّة المؤسَّسة في امتداده الواقعيّ، بحاجةٍ إلى رأيٍ عام على مستوى الانتشار الإسلامي الاجتهادي الشيعي، يؤمن به ويدعمه ويتفاعل معه، ولا سيّما من خلال توفير الإمكانات التي تساعد حركة المؤسّسة المرجعيّة، وتطوّرها في بنيتها التنظيمية، وتهيّئ لقيادتها فرصة التأييد الانتخابي، وغير ذلك مما لا يتناسب مع أية مرجعية فردية محدودة الإمكانات، ولا سيما مع الحرب المجنونة الظالمة التي تستهدف المرجعيات الواعية والطليعية من قبل أكثر من فريق من الناس.
    وعلى هذا الأساس، يقول سماحته:
    "المرجعيّة المؤسّسة هي هيكل متكامل ينطلق من واقع إسلامي شيعي، يتحرّك مع الحوزات في التخطيط في خطّ فقهيّ يذهب إلى الفتوى بعدم ضرورة الأعلميّة في المرجع، مع توافق المجتهدين على مرجع واحد؛ وهذا أمر يحتاج إلى جهد فقهي، وإلى تعبئة فكريّة على مستوى الحوزات أوّلاً، وعلى مستوى الواقع الشيعي في العالم ثانياً؛ لأنّ الواقع الشيعي ـ كما الحوزات ـ لا يزال ينفتح على المرجعيّة الشخصانيّة، مرجعيّة الشخص لا مرجعيّة المؤسّسة".
    سياسة الصرف المالي:
    في الجزء الأول من رسالته "فقه الشريعة"، بيّن السيّد(رض) تشخيصه لأولويّات صرف الحقوق الشرعية، بما نصّه:
    "إنّ هذه الأولويّات تندرج في دائرتين مترتّبتين في الأهميّة:
    الأولى: بذل سهم الإمام في كلّ ما فيه نشر لتعاليم الإسلام وترسيخها، بما في ذلك حماية الإسلام وأوطانه من الاعتداء، فيدخل فيها تمويل مراكز الدعوة والتبليغ، وإعداد العلماء والمبلّغين، وإنشاء الجامعات والمعاهد الدينية، وطباعة الكتب".
    الثانية: "بذل سهم الإمام في إقامة المشاريع الحيويَّة للمسلمين، من مدارس ومستشفيات ومعاهد علميَّة ومشاريع اقتصاديّة ضروريّة، مثل مشاريع الريّ واستصلاح الأراضي ونحوها، ممّا يعجز عنه الأفراد ويحتاجه الناس، وكذا مساعدة الضّعفاء والفقراء بالمال والمؤسّسات التي ترعى شؤونهم وتيسِّر أمورهم، وغير ذلك من الأمور الكثيرة التي تدخل في هذا المجال".
    كذلك، فإنّه(رض) عمل بنظريّته التي أطلقها: "المؤسّسات تبقى والأشخاص يزولون"، ولذلك، كان سماحته لا يتوانى عن الإجازة بصرف الحقوق الشرعية لمشاريع يعلم أنّها تخدم الناس في منطقتهم، ولا سيّما في بلدان الاغتراب والهجرة، حتّى لو كان لديه ملاحظات على القائمين عليها في حسابات العلاقات السائدة في الأوساط المرجعيّة؛ ويُمكن القول إنّ كثيراً من المشاريع التي كانت تقوم بها جهات إسلاميّة، قامت من خلال إجازة السيّد(رض)، مع أنّها ليست محسوبةً عليه في عمله المؤسّسي.
    ومن نظريّة السيّد(رض)، أنّه كان لا يربط الصرف بالأشخاص، بل كان يوجّه إلى البدء بإنشاء المؤسّسات، ليرى الناس بدء المشاريع الحيويّة على الأرض، فيدفعهم ذلك إلى دعم هذه المشاريع، وإن بشكلٍ غير مباشر..
    كما أنّ المؤسّسات التي أسّسها السيّد(رض) هي مؤسّسات ذات منافع عامّة، ويشرف عليها اليوم ثلّة من العلماء الواعين، من تلاميذ السيّد وحملة نهجه، وهي تنطلق بشفافيّة في موارد الصّرف الّتي يفتي كلّ الفقهاء باعتبارها من الأولويّات؛ بل هي التي ذكرها القرآن في كتابه العزيز، وهي الأيتام والفقراء والمساكين والدّعوة إلى الله ونشر العلم، وهذا الأمر لا يُتصوّر من فقيه عدم صدور الإذن في الصّرف فيه؛ بل يُحرز الإنسان رضا الله عزّ وجلّ فيه؛ فإنّه وفي فترة ما بعد رحيل المرجع العلامة فضل الله(رض)، عملت المؤسّسات التابعة على رفد مسيرة تطويرها واستمرارها المالي عبر حصول المؤسّسات على إجازات من مراجع التقليد لصرف حقوق في مواردها.
    وفي كلّ الأحوال، فالمؤسّسات الَّتي تركها السيّد(رض) واضحة في سياساتها وفي نتاجها، وهي مؤسّسات رائدة، وتمثّل نماذج تُحتذى في هذا الصّعيد، وتسعى إلى بناء الإنسان الرّساليّ المؤمن والملتزم والمنفتح على الواقع وقضاياه المحقّة، وهي من النّاس وإليهم ـ كما كان يؤكّد السيّد(رض) ـ وليست تابعة لأيّ جهة سياسيّة أو غيرها، والناس ـ في الدّرجة الأولى ـ هم الذين يتحمّلون مسؤوليّتهم تجاهها، لتتحمّل هي مسؤوليّتها تجاههم، من دون ارتهانٍ لأحد.
    استمراريّة المرجعية:
    لم تقتصر فكرة المرجعيَّة المؤسَّسة على النظريَّة، بل جرى تطبيقها في أرض الواقع؛ فاليوم، بعد ثلاث سنوات على رحيل سماحة المرجع السيد فضل الله(رض)، لا تزال مرجعيته حاضرةً في العالم على مختلف المستويات، سواء في الجانب الشرعي الفقهي أو في الجوانب الأخرى، حيث إن معظم مقلدي سماحته(رض) مستمرون على تقليده ضمن الإطار الشرعي للتقليد، كما يلجأ كثيرون إلى تقليد سماحة السيد ابتداءً، ويقوم البعض الآخر بالعدول إلى سماحته من مراجع أحياء، لما لمرجعيته من أثر كبير في عقول الناس وقلوبهم، وخصوصاً الشباب.
    معظم مقلدي سماحته(رض) مستمرون على تقليده ضمن الإطار الشرعي للتقليد، ويلجأ الكثيرون إلى تقليده ابتداءً

    ويُتابع العلماء في المكتب الشرعي لمؤسسة المرجع فضل الله(رض) عملهم في الإجابة عن أسئلة النّاس، استناداً إلى خبرتهم الطويلة التي اكتسبوها من خلال العمل تحت إشراف سماحة السيد(رض) في فترة حياته الشريفة، مزوّدين بالأرشيف الضّخم للاستفتاءات والإجابات التي تشكّل مرجعيّةً لهم في المراجعة والتّدقيق.
    ويقوم السادة العلماء في المكتب الشرعي بالإجابة عن الاستفتاءات الشّرعيَّة الواردة، بحسب الرأي الفقهي لسماحة المرجع فضل الله(رض)، سواء عبر البريد الإلكتروني، أو عبر الهاتف، أو من خلال التواصل المباشر مع المراجعين.
    ويشمل عمل المكتب، إصدار الكتب الفقهيّة الخاصة بسماحته وإعادة طباعتها بعد مراجعتها ومراجعة الإصدارات الفقهية طبق آراء سماحته، كما يشمل الإطلالة الإعلامية عبر الإذاعة والتلفزيون في برامج شرعية في الفقه والعقائد.
    ويتولّى المكتب مهمّة تحديد بدايات الأشهر القمريّة وفق المبنى الفقهي لسماحة السيّد(رض)، والإشراف على التقويم الصادر عن المؤسسة. ويلاحظ في هذا المجال مدى التزام المقلدين بما يصدر عن المكتب.
    وقدّ تم إنشاء "الهيئة الشرعية" الَّتي تهتم بمتابعة الشّؤون الشرعيّة ومناقشتها وإصدار البيانات، وهي تضمّ أصحاب الكفاءة والخبرة من تلامذة سماحة السيّد(رض) الَّذين عملوا سنوات طوال بتوجيهاته.
    أما مكتب القضاء الشرعي في المؤسسة، الذي انتدب له سماحة المرجع السيّد(رض) علماء دين من ذوي الكفاءة والخبرة العلميّة في إدارة الخلافات وتطبيق الحكم الشرعي، من أجل العمل على حلّ المشاكل ضمن الموازين الشرعيّة للقضاء، فما زال يقوم بنشاطاته، بما يسهم في حل المشاكل الاجتماعية وإصلاح ذات البين، حيث يتابع عشرات الحالات التي تفد إليه أسبوعياً.
    ويواصل المعهد الشَّرعي الإسلامي عمله تحت إشراف دائرة شؤون الحوزات في المؤسَّسة، والَّتي تضم عدداً من العلماء الذين تتلمذوا على سماحة السيد(رض). وينتسب إلى المعهد سنوياً عدد كبير من الطلاب من لبنان، كما يستقبل في قسمه الداخلي، طلاباً من دول أفريقية وإسلامية عدّة.
    أما دائرة التبليغ الديني، فتتابع نشاط المبلغين الَّذين ترسلهم المؤسسة إلى بلاد الاغتراب والهجرة في قارات العالم الخمس، بما يلبّي متطلبات العمل التبليغي والدعوي، كما تقوم بدورها التبليغي في المساجد والمراكز الإسلامية في أنحاء مختلفة من لبنان، حيث يمتد نشاطها إلى أكثر من حوالى خمسين مسجداً ومركزاً إسلامياً، إضافةً إلى عدد كبير من المساجد في القرى والبلدات المختلفة في مناطق الجنوب والبقاع، حيث تنظّم الدائرة عمل المبلّغين، وترفدهم بكلّ جديد على صعيد الفكر الإسلامي الأصيل الذي مثّله السيّد فضل الله(رض).
    تولي المؤسّسة كلّ الاهتمام للمسلمين في بلاد الاغتراب، وقد عملت على إنشاء المراكز الإسلاميّة على امتداد قارات العالم الخمس

    من جهةٍ ثانية، تواصل المؤسّسة نشاطاتها الثقافيّة والإعلاميّة باستمرار. فعلى المستوى الإعلامي، تستمر في نشر رسالتها الإسلامية من خلال عدد من الوسائل الإعلامية التي تقدّم الإسلام الوحدوي الأصيل وتنشر فكر أهل البيت(ع) إلى العالم بطريقة حضارية، ومن أبرزها: قناة الإيمان الفضائيّة التي تبثّ عبر القمر الصناعي "النايل سات" والتي انطلقت في العام 2010 بعد رحيل السيد(رض)، وإذاعة البشائر، وموقع بينات الإلكتروني، ومجلة بينات، إضافةً إلى شبكة من المواقع ووسائل التّواصل الاجتماعي.
    وتعمل المؤسَّسة على حفظ تراث السيد المرجع فضل الله(رض) ونشره، سواء الورقي أو السمعي ـ البصري، وقد أصدرت مؤخراً "موسوعة الفكر الإسلامي" في تسعة مجلدات، تتناول بشكل أكاديمي الموضوعات والحقول التي تناولها السيد(رض) كافة، وشارك في إعدادها 24 كاتباً وباحثاً من ثماني دول عربية وإسلامية.
    كذلك، تواصل دار الملاك، نشر كتب سماحة السيد(رض) ومؤلفاته، باللغة العربيّة ولغات أخرى، أبرزها اللغتان الإنكليزيّة والفرنسيّة، كما يجري العمل على نشرها بعدد من اللغات العالميّة.
    وتولي المؤسَّسة كلّ الاهتمام للمسلمين في بلاد الاغتراب، حيث تعمل على إنشاء المساجد والمراكز الإسلامية الثقافية والاجتماعية، إضافةً إلى المدارس الإسلاميّة، وتنتشر فروع المؤسّسة في عدد من الدول، وأبرز هذه الفروع:
    مسجد الرحمن في سيدني ـ أستراليا، جمعية الحسنين(ع) في برلين ـ ألمانيا، مدرسة الحكمة في بوركينا فاسو، المركز الإسلامي في أبيدجان، مركز الإمام الصادق الثقافي في النجف ـ العراق، المركز الإسلامي في قم ـ إيران، إضافةً إلى نشاطات تمتد إلى سوريا والبحرين وكندا والبرازيل والباراغواي وغيرها من البلدان...
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    هكذا كان السيد فضل الله
    عقيل زيد الشّامي
    إنَّ من أهم ما تحتاج إليه السّاحة الإسلاميَّة في هذه الأيام، هو العالم المفكِّر المجدِّد الذي يعيش بين الناس ويشاركهم همومهم وأحلامهم وتطلعاتهم. تحتاج إلى الفقيه الّذي يفهم الإسلام، ويدرك أنَّه منهج حياة، لا مجرّد نظريات ومفاهيم مجردة لا علاقة لها بالواقع المعاش.
    هكذا كان العالم المفكِّر المجاهد، والفقيه المجدِّد، والمرجع الديني الكبير، سماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله(رض)، والذي فُجِع برحيله قبل ثلاثة أعوام، كلُّ مسلم أدرك القيم السامية التي جاء بها الإسلام، وكان واعياً لمقاصده وأهدافه في هذه الحياة.
    ولمناسبة الذكرى الثالثة لوفاته، والَّتي تصادف اليوم الموافق 4/7/2013، أحببتُ أن أستعرض ـ وإن بإيجازٍ ـ بعضاً من صفات ذلك العالم القدير، ولا سيما وقد منَّ الله عليَّ بالعيش قريباً منه خلال السنوات الثماني الأخيرة من عمره الشَّريف، الأمر الَّذي أعتقد أنه يعطيني الحقَّ في أنَّ أتحدث عنه دون الوقوع فيما نهى الله تعالى عنه بقوله: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء: 36].
    وكان لا بدَّ من وقفةٍ عند هذه الذكرى، لما كان يمثِّله ذلك الفقيد الكبير في نفوس كثير من المسلمين وغيرهم، على اختلاف مذاهبهم وأديانهم، وبخاصة أولئك الذين كانوا قريبين منه، وشاءت لهم الأقدار أن يعرفوه معرفة مباشرة.. فقد كان لفقده عظيم الأثر في النفوس والعقول والقلوب، الأمر الذي كان واضحاً جليّاً لكل من تابع وسائل الإعلام، باختلافها وتنوِّعها، منذ لحظة إعلان الوفاة في 4/7/2010، وحتى انتهاء مراسم التشييع والدفن.
    لقد نذر ذلك العالم الجليل كلّ حياته خدمةً لرسالة الإسلام، وفي سبيل تحقيق أهدافها، ولم يكن اسمه وموقعه يمثلان عنده شيئاً، فلم يُعِر ـ في يوم من الأيام ـ أيَّ اهتمام لذاته ولمصالحه الشخصيّة. ولأنه لم يفعل، فقد عاش صراعات مريرة، وخاض ـ مع الغلاة والمتخلِّفين خاصة ـ معاركَ لم يكن من الصعب عليه أن يتفاداها لو أراد ذلك، لكن حساباته كانت مع الله، لا مع خلقه، وقد كان يشعر أنه مسؤول أمام الله عن التصريح بكلّ الحقائق التي يعتقد بها، لأنها أمانة الله عنده، ولذا فقد أعلنها صراحةً أنه لن يجامل الخرافيين، ولن يجامل المتخلِّفين، لأنه يريد أن يقدِّم خط أهل البيت(ع) للعالم بطريقة حضاريَّة، لا بطريقة خرافيَّة، ولا بطريقة المتخلّفين.. يريد أن يقدم تراث أهل البيت(ع) ـ وهو تراث الإسلام الأصيل ـ للغرب والشرق، ليعرفوا أن النبي(ص) والأئمة من أهل بيته(ع)، هم الذين يصنعون الحضارة، بعيداً عن كل الذين يركِّزون على الخرافة والتخلِّف والعصبيّة والحقد والبغضاء.
    ورغم كلّ ما كان يواجهه من حقد الجهلة وعداوة المتخلِّفين، فقد كان يحبّ جميع الناس، ولم تعرف العداوةُ طريقاً إلى صدره، ولم يدخل في قلبه حقدٌ على إنسان، حتى لو كان ذلك الشخص من الذين سبُّوه وشتموه وكذّبوا عليه وشهَّروا به، ممَّن كانوا ينتحلون مذهب أهل البيت(ع)، ويدَّعون الانتساب إليه.
    كان يؤمن بحقيقة أنَّ على الإنسان أن يحبَّ الَّذين يتفق معهم ليتعاون معهم على البر والتقوى وتأكيد الرسالة، وأن يحبَّ الذين يختلف معهم ـ وإن خاصموه وعادوه ـ لكي يحاول أن يفتح قلوبهم على الحوار من أجل فهم الحقيقة. وقد كان يردِّد دائماً أن الحياة لا تتحمَّل الحقد، لأن الحقد موتٌ، والمحبَّة حياة.وكان من نتائج ذاك الحب الذي كان يملأ قلبَه، أنه عاش حياته رائداً للوحدة الإسلاميَّة بالقول والعمل، ولم يحدث أن صدر عنه في يوم من الأيام ما يخدش مصداقيةَ سعيه في سبيل تحقيق ذلك الهدف النبيل.
    ولسنا نعني هنا بالوحدة بين المسلمين، أن يعتنق جميعُهم مذهباً واحداً، بل نقصد أن يدركوا حقيقةَ أنهم جميعاً تحت ظلال رايةٍ واحدة، هي راية الإسلام، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل التي قد يعتقد البعضُ أهميتَها، إلا أنها مع ذلك لا تُعَدُّ من أصول الدين التي يُعتبر منكرُ أحدِها خارجاً عن الإسلام، وهي (التوحيد، والنبوة، والمعاد). ولذا، فإن عليهم أن يتوقفوا عن تكفير بعضهم البعض، وأن يُدينوا كل ما قد ينطلق في هذا الاتجاه من هنا أو هناك، كما عليهم أن يحبُّوا بعضهم البعض، وينزعوا ما في صدورهم من الأحقاد والضغائن، وعليهم أن يحترموا آراء بعضهم البعض، وإن اختلفت تلك الآراء وتنوَّعت، فالاختلاف، كما يُقال، لا يفسد للودِّ قضية، وعليهم بالحوار الجاد المنفتح في كل ما تنازعوا فيه واختلفوا، وأن يردُّوه الاختلافات إلى الله ورسوله استجابةً لأمره، سبحانه وتعالى، إن كانوا يؤمنون حقاً بالله ورسوله واليوم الآخر، ويجب أن يكون ذلك بكل تجرُّد وحياد وموضوعية، بعيداً عن الآراء المسبقة والمتبنَّيات القبلية، وأن تكون النية خالصة لطلب الحقيقة أينما كانت، دونما تشدُّد وتعصُّب لما كان عليه الآباء والأجداد، وإلا فإن الحوار لن يؤتيَ أُكُله، ولن تُخرِج الشجرةُ ثمارَها.
    وهنا، لا بدَّ من التنبيه إلى أمر مهم، وهو أن الحوار في بعض الأحيان قد يستوفي جميع شروطه، ومع ذلك، فإن المتحاورين لا يصلون إلى نتائج إيجابية، بل يبقى كل طرف منهم متمسكاً برأيه، ويكون السبب في ذلك، إما قصوراً في الفهم، أو أسلوباً معيناً في التفكير، أو أيّ أمر آخر من الأمور التي تكون ناتجةً من طريقة التربية، أو خصوصيات البيئة، وما إلى ذلك ممَّا لا يكون للإنسان دورٌ مقصودٌ في وجوده.
    وفي مثل هذه الحالات، ينبغي ألا تتخذَ الأطراف المتحاورة مواقفَ سلبيةً من بعضها البعض، فيبدأ هذا الطرف أو ذاك باتهام الطرف الآخر بجحود الحق، والتنكُّر للأدلة الواضحة البيِّنة بعد إقامة الحُجج والبراهين الدامغة، بل لا بد من أن يحمل كلُّ طرف الآخرَ على المحمل الحسن، وأن يحاول أن يتفهَّمَه، ويتلمَّس الأعذار له، وأن يحترم رأيه وما بقيَت عليه قناعاته، وبالتالي تبقى المحبَّة والمودَّة والتواصل بين جميع المسلمين.
    وبعد أن أخذَنا الحديث عن الوحدة الإسلامية قليلاً، نعود إلى مَن أخذَ علينا قلوبَنا وأقلامَنا، لنقول إنه لم يكن رائداً للوحدة الإسلامية فحسب، بل كان من الدعاة إلى الوحدة بين أتباع الديانات المختلفة، أو لنقُل إنه كان من الدعاة إلى الوحدة الإنسانية بين جميع البشر، حيث كان يؤكِّدُ أن الصراعات الموجودة في العالم اليوم ليست بين الأديان، أو بين الدين والإلحاد، وإنما هي صراعات بين المستضعفين والمستكبرين، وكما أن في المسلمين مستضعفين، فإن فيهم مستكبرين أيضاً، وكذلك في المسيحيين وفي اليهود، وحتى في الملحدين.
    وهكذا كان (طيَّب الله ثراه) إنسانياً في تفكيره، يلتقي مع الإنسان في كلّ مكان. وكان يرى أنَّ الإنسانيّة هي ذات الشيء الذي يُعبَّر عنه بكلمة "الفطرة"، ولذا، فإنه كان يعتقد أنَّ الإنسان إذا فكَّر بإنسانيته، أي بفطرته، فإنه سيلتقي بالإنسان الآخر، وسيكون قادراً على محاورته والتعاون معه، وهكذا يلتقي بالحقيقة.
    ومن هنا، يمكن لنا أن ندرك أن المشكلة في كثير من الناس، هي أنهم يعيشون ركاماً من الأطماع والأحقاد متجمِّعاً فوق إنسانيتهم، يُطبق على الفطرة فيحجبها عن الانفتاح على الله، وعلى الحقيقة.لذلك، فإنه (رضوان الله عليه)، كان يدعو الإنسان إلى أن يعيش إنسانيته ليكون الينبوع المتدفق الذي يتفجر ولا يسألُ عن طبيعة الأرض التي ينساب فيها.. كان يدعوه إلى أن يتخلَّص من كلّ ذلك الركام الذي يُطبق على عقله ليجعله ضيِّقاً متخلِّفاً، ويُطبق على قلبه ليجعله حاقداً، ويُطبق على روحه ليبتعدَ بها عن عالم السماوات، ويُطبق على إرادته ليُضعفها، وعلى حركته ليُؤطِّرها في إطار لا يتسع للإنسان والحياة.
    ولأنَّه كان صريحاً وجريئاً، إضافةً إلى اتصافه بالصّدق والإخلاص، فإنه لم يسلم من محاولات الاغتيال الجسدي، ولكن الذي كان يحُزُّ في نفسه حقاً هو محاولات الاغتيال المعنوي التي كانت تطعنه في الظهر، والتي شاركت فيها أطرافٌ عديدةٌ ذات أسباب ودواعٍ متباينة، كان بعضُها لا يتجاوز إطار الجهل والمرض والتخلّف والغلو. ورغم تعدُّد الأسباب واختلافها، إلا أنَّ هدف جميع تلك الأطراف كان واحداً، وهو إسقاط ذلك الجبل الشامخ الذي بقي راسخاً في مكانه، واثقاً بربِّه، فهو وحده الذي يدافع عن الذين آمنوا، وما كان يطلبُه منه هو أن يرزقَه الإخلاصَ في عمله.
    أما ما كان يواجهه من عنت وتعسُّف وظلم، فقد هوَّنه على قلبه أنه كان بعين الله، وما دام ربُّه يحبُّه، وهو يحبُّ ربَّه، فلم تكن لديه أية مشكلة أمام كل الحاقدين المغرضين في كل ما كانوا يقومون به، بل كان يحاول أن يدرس نقاط الضعف فيهم، والتي ألجأتهم إلى ما كانوا عليه، وكان يحاول أن يدرس الجهلَ والتخلَّفَ الذي كانوا يعيشون فيه، والذاتيَّات التي كانوا يدورون في فلكها. ولذلك، فإنه كان يشفق عليهم من أنفسهم أكثر مما كان يشفق على نفسه منهم، وكان يتمثّل ـ في صراعه معهم ـ قول النبي(ص): "الَّلهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُوْنَ".
    لقد كان ذلك العالم المحمدي الجليل - بحق - أحد أعلام هذا العصر، ولذا فقد كانت خسارة الإسلام والأمة الإسلامية بفقده خسارةً كبيرةً ليس من السهل تعويضها.
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    مؤسسة العلامة المرجع فضل الله(رض).. قلبٌ ينبضُ بفكر السيّد ونهجه

    في أجواء الذكرى السنوية الثالثة لغياب سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض)، كان لنا هذا التَّحقيق في مؤسّسة سماحته؛ هذه المؤسَّسة الَّتي تمثّل القلب النابض لفكر سماحته ومنهجه، وتحتضن في داخلها دوائر وأقساماً تشبه خلية النحل، بغية المحافظة على الإرث الكبير الذي تركه سماحة السيّد فضل الله(رض). فماذا يقول العاملون في هذه المؤسّسة؟ وماذا يتذكّرون من مواقف وذكريات مع سماحة السيّد؟
    عباءة الإنسانيَّة جمعاء
    الحاج حسين حسن رمال، أحد الأشخاص الذين عايشوا سماحة السيّد منذ اللحظة الأولى الّتي وطأت أقدامه لبنان، حيث استقر في منطقة النبعة ـ برج حمود، وأسس جمعية أسرة التآخي الخيرية. يقول رمال: "أكرمنا الله بأن الوالد، رحمه الله، كان أحد العاملين مع سماحة السيّد، فتربينا منذ نعومة أظافرنا على يدي سماحته وفكره وتوجيهاته، وقد كان خير موجه وخير أب. كبرنا وعدنا إلى العمل في مؤسَّساته منذ أكثر من عشرين عاماً، وعندما كانت تواجهنا أية مشكلة ونشعر بثقل هذه الحياة، ننظر إلى وجهه المنير المشرق فنشعر بالراحة. كنا نرى فيه الشَّجاعة والصّدق والإيمان والتوكّل الدائم على الله، فقد كان يرى بعين الله ويأمر بما يحب الله ويرضى، ويفعل كل ما يقوله".
    عندما كانت تواجهنا أية مشكلة كنا ننظر إلى وجهه المنير المشرق فنشعر بالراحة

    ويستحضر رمال موقفاً لسماحته: "في أحد الأيام، كان في منزله متوجهاً إلى إحدى القاعات لاستقبال الناس، فنظر إلى حجم الإضاءة الموجودة حوله وشدد على ضرورة توفير الطّاقة وصرفها بقدر الحاجة".
    أما عن التجربة الشخصية، فيقول: "كان سماحة السيد يخبرنا أن كل واحد منا هو مشروع قائد، في منزله وعمله ومجتمعه، فالإسلام هو دين حركي، ولذلك عودنا على المبادرة والعطاء، وعلّمنا أن نفكّر ونحلّل وننفتح على الآخر ونستمع إليه ونتلاقى معه على الرغم من الاختلاف".
    كان يخاطبنا سماحة السيد فيقول لنا كل واحد منكم مشروع قائد في منزله وعمله ومجتمعه

    ويختم حسين رمال بهذه الكلمات: "كان نعم الأب والأخ والصديق، ونحن الآن في أمس الحاجة إليه، ولا سيما في ظل ما يحدث حولنا من فتن تطاول على الإسلام. عباءة السيد احتضنت الجميع من دون تفرقة، وكانت عباءة الإنسانية جمعاء، لا عباءة الطائفة والمذهب، وهو الذي لطالما ردّد أنَّ "المحبَّة حياة والحقد موت".
    "فشل المشروع لا يعني فشل التجربة"
    بدورها، تتحدث مديرة الأرشيف المركزي، رنا مخ، عن تجربتها في مؤسسة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض)، وتقول في محضر ذكرى الرحيل: "صحيح أنَّ سماحة السيّد رحل عنّا، إلا أننا نعيش معه يومياً من خلال الخطب التي نسمعها والصور التي نعمل على أرشفتها. كان سماحته متابعاً لكلّ الأخبار والمواضيع، ولم يغفل عن تفصيل وحدث إلا وواكبه".
    وتضيف: "على الصعيد الشخصي، نحن نعتبر أن سماحة السيد هو المثل الأعلى لنا، فقد علّمنا كيف نتعاطى مع الآخرين وننفتح عليهم، وكيف نبني علاقة مميزة مع الله سبحانه وتعالى، فزرع فينا روحانية عالية وإيماناً قوياً نواجه به هذه الحياة".
    وتتوقف رنا عند مقولة كان يردّدها سماحة السيد، وتعتبرها درساً مهماً لها في هذه الحياة: "إذا فشلت في مشروعك لا يعني ذلك فشل التجربة، علينا أن ندرس الثغرات التي قادتنا إلى الفشل ونعالجها، حتى ننطلق في تجربة النجاح مجدداً".
    وتختم مديرة دائرة الأرشيف المركزي: "عندما فقدنا سماحة السيد، شعرنا بالخسارة الكبيرة، فبكت أعيننا وقلوبنا. واليوم نؤكد لسماحته، ونحن على أبواب الذكرى الثالثة لعروج روحه الطاهرة، أن الأرشيف والإرث الفكري الكبير الذي تركه لنا، هو أمانة كبيرة سنحافظ عليها ونعمل على نشرها وإيصالها لكل الأجيال".
    "قلبنا مفتوح للجميع"
    من جانبه، يشرح الشيخ سيزار الصيلمي: "عايشنا سماحة السيد كطلاب في الحوزة في المعهد الشرعي الإسلامي، ودرسنا تحت منبره، وعملنا في مؤسسته في دائرة التبليغ الديني، واليوم نساعد قسم الاستفتاءات في موضوع الأرشفة، وأحياناً نستقبل بعض الأشخاص ممن لديهم بعض المشكلات الاجتماعية، ونسعى إلى تقريب وجهات النظر بينهم، كذلك أعمل مرشداً دينياً في مبرة الإمام الخوئي".
    عايشنا سماحة السيد كطلاب في الحوزة في المعهد الشرعي الإسلامي ودرسّنا تحت منبره

    ويضيف الشيخ الصيلمي: "نتذكر سماحة السيد بعد ثلاث سنوات من الغياب في كلّ تفصيل في عملنا، وعند استقبالنا للناس وأثناء تعاطينا معهم، ونحرص على اتباع الأسلوب نفسه الذي كان يتبعه: "البيت مفتوح، والقلب مفتوح"، ونحن نستقبل كل الناس ولا نغلق أبواب المؤسَّسة في وجه أحد".
    ويتابع: "نسعى إلى أن نعكس الصورة التي يحبّها السيّد دوماً في كل مجالات حياتنا. أما على المستوى الشخصي، فأسعى إلى الاستزادة الدائمة في المجال العلمي، كما كان يدعو سماحته".
    ويختم الصيلمي بهذه الكلمات: "نتمنّى أن نكون مع السيد في الآخرة، حيث رسول الله(ص) والأئمة(ع)".
    القلب النابض بالحياة
    "السيد فضل الله هو العالم المتواضع الّذي يحب الناس ويسعى إلى مساعدتهم، كان بيته مفتوحاً وقلبه مفتوحاً للجميع"، هكذا يصف الحاج علي زعرور المرجع فضل الله بعد سنوات طويلة أمضاها في العمل معه، وتحديداً من العام 1986. تربى الحاج علي على نهج السيد وفكره، ورافقه من مسجد بئر العبد إلى مسجد الإمامين الحسنين(ع). ويستذكر مواقف وذكريات مع السيد يصفها بالـ"غالية": "كان يناديني طالباً مني ترتيب المكتبة، فكنت أقوم دائماً بترتيبها ونفض الغبار عنها ورشها بالعطر، ومن ثم أرتب الفرشة الصغير التي كان يجلس عليها للمطالعة والقراءة. كنت أشعر بالفرح الكبير وأنا أهتم بأغراض سماحته الشخصية".
    وينقل الحاج علي موقفاً للسيد "لا ينساه"، فيشرح أن سماحته كان شديد الانتباه إلى التفاصيل: "كنت أدخن، وإذ بسماحة السيد متجهاً لتأدية صلاة الظهر في مقام السيدة زينب(ع)، فتوقف وقال لي: "علي، أنت تدخن"، عندها شعرت بالرهبة والحياء، فرميتها من يدي وتبعته".
    ويختم الحاج علي زعرور: "السيد فضل الله هو القصة الكاملة التي امتدت فصولها على مدى سنوات وسنوات، وكان عنوانها خدمة الإسلام والإنسان".
    السيد فضل الله هو القصة الكاملة التي كان عنوانها خدمة الإسلام والإنسان

    وفي الختام أعزائي القرّاء، اللافت أن العاملين في مؤسسة السيد يتحدثون عن سماحته ليس في محضر الغياب، بل في حضرة الوجود، فروح سماحته حاضرة في هذه المؤسسة التي آمن بها وأسسها لتبقى نهجاً ونموذجاً للعمل المؤسساتي المعطاء...
    فاطمة خشاب درويش
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    السيّد الإحيائيّ
    التاريخ: 4 شعبان 1434 هـ الموافق: 04/07/2013 م
    الشّيخ حسين الخشن
    في ذكراه الثّالثة، قد يكون من الضروريّ، بل آن الأوان أن نقرأ السيد بوعي وموضوعيّة، بعيداً عن غلواء الحب والكراهية معاً، لأنّ العاطفة المفرطة ـ حباً أو بغضاً ـ تحجب الرؤية الصحيحة، أن نقرأه في تجربته الحركية ونتاجه الفكري والفقهي والعقدي والتفسيري، والقراءة الموضوعيّة هي أسمى تكريم للعظماء، وهي الاحتفاء والاحتفال الحقيقي بهم، لأنّه احتفال منتج وفاعل، وليس احتفالاً غرضه التمجيد والمديح وحسب، والسيد بالتأكيد يستحقّ كل مديح وثناء، ولكنه كان يرفض ذلك، ويرى أن إحدى مشكلاتنا، أننا أمّة نتقن المديح أكثر مما نتقن العمل المفيد، ولذا امتلأت قواميسنا بكل ألفاظ الجلالة والفخامة والسماحة.. وتجدر الإشارة إلى أنّ المديح ليس بالضرورة أن يعبّر عن محبة صادقة، ولذا فإنّ المتزلّفين يتقنون جيداً لغة المديح .
    إنّ القراءة الموضوعية والناقدة لنتاج المفكرين وتجاربهم، ستسمح ليس فقط بالإفادة من تجاربهم وتراثهم، بل بالبناء عليها ومواكبتها وتطويرها نحو الأفضل.
    مزاياه وملكاته
    ومن بين كلّ المزايا والملكات والصفات الّتي قد كانت في السيّد (المفكر، الأديب، الشاعر، المفسر، الفقيه، المصلح، المجاهد، الحركي، والداعية الرّسالي)، يهمّني أن أضع يدي على أهمّ ما في السيّد بحسب اعتقادي، وهو السيّد "الإحيائي"، وسوف أفضّل هذا المصطلح وأقدّمه على سواه، لعدة اعتبارات، أهمها:
    أنّه مصطلح قرآني بامتياز، فقد حدّثنا القرآن الكريم عن أنّ دعوة الأنبياء، وعلى رأسهم نبيّنا وسيّدنا محمد(ص)، هي دعوة إحيائيّة، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}، فالدّين رسالة حياة وإحياء، والرّسل هم القادة الإحيائيون، ومهمة خلفاء الرسل وورثتهم الروحيّين، أن يواصلوا رسالة الإحياء.
    الحاجة إلى عمليّة الإحياء
    والإنسان، بحسب طبيعته الّتي تتجاذبها النّفس اللّوّامة والنّفس الأمّارة بالسّوء، تراه في الأعم الأغلب يسقط في شباك النفس الأمارة بالسّوء، ويخلد إلى الأرض وينشدّ إلى الطين، ليصل الأمر به إلى مستوى يلامس حدّ الوحشية، بل يزيد عليها، فتراه يظلم ويبطش ويقتل ويذبح، وأخطر ما في الأمر، أنّه قد يمارس الذبح "المقدّس" ليذبح باسم الله! الأمر الذي يجعله بحاجة مستمرة إلى من يوقظ فيه حسن الإنسانية، ومن يوقظه من "سبات العقل"، ويعيده إلى صفاء الفطرة ونقاوة الروح. إنّ الإنسان - باختصار - بحاجة مستمرّة إلى عمليّة إحياء متجدّدة، ووظيفة الرسل والأنبياء، وكذا ورثة الأنبياء، أن يحيوا الموتى، لا أقصد موتى الأجساد، بل موت القلوب والأرواح والعقول، ووظيفة الرّسول(ع) في هذا المجال تشبه وظيفة الطّبيب، إلاّ أنّ الثّاني هو طبيب الأجساد، بينما الرّسول هو طبيب القلوب، يقول الإمام عليّ(ع) في وصف رسول الله (ص): "طبيب دوار بطبّه، قد أحكم مراهمه، وأحمى مواسمه، يضع ذلك حيث الحاجة إليه، من قلوب عمي وآذان صم، متتبّع بدوائه مواضع الغفلة ومواطن الحيرة".
    من هو الإحيائي؟
    وفي ضوء ما تقدّم، يبدو واضحاً أنّ الإحيائي شخصيّة استثنائيّة، وليس من السهولة أن تنجب الأمّة شخصيّة إحيائيّة، إذ حتّى يكون الشّخص إحيائياً، لا بدّ من أن تتوفر فيه عدة مواصفات تضاف إلى فقاهته وبصيرته:
    1- أن يكون رساليّاً شجاعاً لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا تأخذه في قول كلمة الحقّ لومة لائم أو تجريح منتقد، إنّ الإحيائيّ لا بدّ من أن يملك عقلاً نقديّاً كما يملك بصيرة نافذة.
    2- أن يكون حاضراً في الميدان، فالإحيائيّ لا يعتكف ولا ينعزل في صومعة الرّهبان، الإحيائي لا بدّ من أن يقرأ كتاب الحياة أكثر مما يقرأ في الكتب المسطورة.
    3- أن يكون محبّاً للنّاس، لأنّك لن تتربّع على عرش القلوب بمرسوم سلطاني أو بمال أو قوّة قاهرة، ولا بنظريّاتك الجافّة وأفكارك التجريديّة، بل بقلبك النّابض بالحبّ، وفكرك النّابض بالرّوح.
    ورحم الله السيّد، فقد كان كذلك، كان الفدائيّ الّذي لا تأخذه لومة لائم، وكان الحاضر في وسط السّاحة وفي معترك الحياة، وكان صاحب القلب الكبير، والصّدر الّذي يفتح قلبه وبيته لكلّ النّاس، كان شعاره حتّى الرَّمق الأخير: "لأنّي أحبّكم جميعاً"، وهذه الجملة قد تبدو سهلة في اللّسان، ولكنّها ثقيلة في الميزان، لأنّه ليس من السّهل أن تعيش، وأنت الكبير في عقلك وطموحك وكثرة همومك، مع الصّغير والكبير، مع الشابّ والشّيخ، وفي النّاس - كما نعلم - الشّخص المتعجرف والثّقيل.. فأن تحتضن كلّ هؤلاء وتحبّهم جميعاً، فذاك ما يحتاج إلى همة عالية وصدر رحب، ولطالما كان السيد يردّد أنّ قوله تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه...} لا يختصّ برسول الله(ص)، بل هي خطاب لكلّ الرّساليّين.
    لقد كان السيد ـ رحمه اللهـ يتقن فنّ الحبّ ولغته، فالحبّ في مدرسة السيّد رسالة ودعوة، فهو يدعوك إلى أن تعيش الحبّ مع الله: "يا حبيب من تحبّب إليك، ويا قرّة عين من لاذ بك وانقطع إليك"، وهو يدعوك إلى أن تخلص في الحبّ ولا تشرك مع الله أحداً في حبّك، لتحبّ الله ومن يحبّه الله: "اللّهمّ ارزقني حبّك وحبّ من يحبّك وحبّ كلّ عمل يقرّبني إلى حبّك".
    والحبّ في مدرسة السيّد هو الشّرط الأوّل لنجاح الدّعوة الإحيائيّة، "فالحبّ حياة، والحقد موت"، والحبّ لا يقبل التَّجزئة، فعليك أن تحبّ كلّ النّاس، "أن نحبّ الّذين يتّفقون معنا لنتعاون معهم، وأن نحبّ الّذين يختلفون معنا لنتحاور معهم". ومن هنا، فإنَّ عليك أن لا تبغض أحداً، حتَّى الكافر، فإنَّنا نبغض فيه كفره وعصيانه، ولا نبغض فيه شخصه.
    ساحة عمل الإحيائي
    إنّ الإحيائي لا بدّ من أن يتحرّك على خطين متلازمين:
    الخطّ الأوّل: هو إحياء النفوس.
    والثّاني، هو إحياء النصوص، وإحياء النّفوس إنّما يكون على هدي النّصوص.
    وإحياء النّفوس معناه أن تربطها بالله، لأنَّه هو حياة القلوب {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، وإحياء النّفوس معناه أن تبقى جذوة الأمل فيها متّقدة، فلا تشعر النّاس باليأس والقنوط، "الفقيه، كلّ الفقيه، من لم يقنط من روح الله."
    وإحياء النّفوس لا يقتصر على إحياء الأفراد، بل يمتدّ إلى إحياء الأمّة ككيان اجتماعيّ، وشتّان بين حياة الفرد وحياة الأمّة، فالأمّة لها شخصيّتها وكيانها المستقلّ عن شخصيّة الفرد وكيانه، إنّ للأمّة حياتها كما للفرد حياته، إنّ للأمّة طفولتها وشبابها وشيخوختها، كما أنّ للفرد طفولته وشبابه وشيخوخته، وإنّ للأمّة موتها كما للفرد موته، ولا ملازمة بين الأمرين، فقد يكون الفرد شابّاً والأمّة هرمة، وقد يكون الفرد حيّاً والأمّة ميتة. ألا ترون الآن إلى حالنا، فنحن كأفراد نعيش برخاء، وفينا الشّباب المبدعون، ولكنّنا كأمّة نعيش في الحضيض، إنّ أمّتنا تعيش شيخوخة حضارية، هذا إذا لم أقل موتاً حضاريّاً.
    ومهمّة الإحيائيّ أن يعمل على إحياء الأفراد بنور الهدى، وهذه مهمّة جليلة وعظيمة، قال تعالى: {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً}، وفي الحديث عن بعض أئمّة أهل البيت(ع) في تفسير الآية المذكورة: "أخرجها من ضلال إلى هدى.."، ولكنّ المهمة الأصعب بالنّسبة إلى الإحيائيّ، هي أن يعمل على إحياء الأمّة.
    شروط عمليّة الإحياء
    ولكن كيف نحيي الأمّة؟
    إنّه السّؤال الذي شغل ولا يزال يشغل المفكرين والمصلحين والإحيائيين... ويمكننني باختصار أن أشير إلى بعض شروط عملية الإحياء:
    1- أن تحيي الأمّة، معناه أن تملك الثقة بأمّتك وتراثها، وتثق بذاتك وطاقاتها، ذاتك الحضارية، أن لا تعيش عقدة النّقص إزاء الآخر، فعقول الآخرين ليست أفضل من عقولنا، إنّ فينا قوّة ثقافيّة وروحيّة، لو استطعنا الإفادة منها وتوظيفها، لكنّا في موضع القدوة للعالم كلّه.
    2- أن تحيي الأمّة، أن تفكّر في كلّ أسباب تخلّفها وتمزّقها وتناحرها، وتعمل على دراسة هذه الأسباب وتفكيكها وتذليلها.
    3- وأن تحيي الأمّة، أن تعيد الحيويّة إلى القوة المحركة لإسلامها، والقوة المحركة للإسلام هي الاجتهاد، فالعقل الاجتهاديّ لا بدّ من أن يتحرّر من كلّ الآصار التي أثقلته وعطّلته عن الإبداع، وجعلته عقيماً عن الإنتاج، لتغدو أمام مكرّرات من الآراء والمتون الفقهيّة والرّسائل العمليّة.
    والاجتهاد الّذي نريده ليس اجتهاداً في مقابل النّصّ، بل في فهم النّصّ.
    والاجتهاد الّذي نتطلّع إليه ليس اجتهاداً متحرّراً من النصّ، بل اجتهاداً لا تأسره حروف النّصّ، نريده اجتهاداً يقرأ ما وراء النصّ وما بين سطوره اجتهاداً رؤيويّاً مقاصديّاً، وليس اجتهاداً تجزيئياً تفكيكياً.
    والاجتهاد الذي نريده، هو الاجتهاد الذي يقرأ النصّ في ضوء الواقع وتحدّياته، وليس اجتهاداً يقرأ النص في الزنازين المظلمة البعيدة عن نبض الحياة.
    نريده اجتهاداً يبني لنا الحياة ويقدّم الحلول، اجتهاداً يسهم في تحقيق الأمن الأخلاقي والرّوحي والاجتماعي.
    نريده اجتهاداً يعمر ولا يدمّر ولا يخرّب، اجتهاداً يركّز على الجوامع لا يوسّع الفوارق، اجتهاداً إسلامياً وليس مذهبياً، اجتهاداً قرآنياً وليس أخبارياً.
    هكذا كانت رؤية السيّد الإحيائية، والإحيائيّون لا يموتون وإن غادرتنا أجسادهم، "فالذكر الجميل إحدى الحياتين"، و"العلماء باقون ما بقي الدّهر؛ أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة".
    * في الذكرى الثّالثة لرحيل سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني