يصفالي الجو وأهلس ريشك


كان لي صديق يمتلك من الدعابة والمرح وسرعة البديهية ما يجعله محبوبا وأنيسا بين الأصدقاء وحاضرا بينهم دائما لما يتمتع به من خفة الظل وجمال الروح ..
والذي كان يدهشني هو أنني أجده دائما يزرع الابتسامة على شفاه أصدقائه ومحبيه بعيد كان أم قريب ويدخل البهجة والسرور إلى أفئدتهم ..
فيما هو يعاني من ظنك الحياة وقسوتها ؟، وحينما يختلي مع نفسه يجهش بالبكاء والنحيب لفراق زوجته وأطفاله فهو في مكان بعيد عنهم طلبا للعمل وكسب اللقمة الشريفة.. فصديقي هذا مزيج من الطرافة والمرح والحزن والأسى ..
وكان يتنقل من مكان لآخر عله يجد عملا يعينه على إسعاد أسرته فتارة تراه يعمل
( مكوجي ) وتارة ( عامل في مقهى ) وأخرى (عامل في فرن الصمون ) .. لن يحزنه هذا العمل أو ذاك بقدر ما يؤلمه ويقض مضجعه أولئك الذين انتفخت ( بطونهم ) حد التخمة وينعمون بكل شي وآخرون أمثال صاحبي يقاسون ويشقون ..

ما زالت أهزوجته ترن في أذني عندما يعتصره الألم ، فيقف منتصبا وسط السوق ويركل الأرض بقدميه بكل ما أوتي من قوه ويرفع يده عاليا غير آبه بما يحل به ويصدح صوته عاليا ( يدج ريشي وعلمنك ، صكٌر مصجر الطير الحر .. دكٌلي أمنين ألك منكٌار ياهو العلمك تنكٌر .. (( يصفالي الجو وهلس ريشك)) وكنت أقف بجانبه وأقول له بيتا من الشعر الجميل (( إن الزرازير لُما طار طائرها.. توهمت أنها صارت شواهينا ))
ما ذكرني بصاحبي الذي أتمنى أن أراه بعد فراق طويل وهو ينعم بالخير والرفاه وبأهزوجته الخالدة . ما نراه اليوم من تطاول وتجاوز على سيادة أراضينا ومياهنا ومحاولة سلب خيرات هذا الشعب الذي عاني ما عانى من الويلات والنكبات .. أقول لهؤلاء ومن تسول له نفسه المساس بخيرات هذا الشعب الكريم .. أقول لهم .. بأن أهزوجة صاحبي لازاالت قائمة وحيه في ضمائرنا .. وعلى هؤلاء أن يتمعنوا في قراءة بيت الشعر طويلا ، فهو الدرس والنصيحة .. والعاقل من يتعظ ولا يحاول أن يضع إصبعه في النار ليقيني كما هم على يقين بأن نار العراق لاترحم من لايحترم نفسه ويعرف قدرها ..ورحم الله من عرف قدر نفسه ..
إني بلغت .. اللهم فأشهد ..

كامل خزعل الساعدي