في الدراسات الاسلامية يصار الى استخدام منهجية للوصول الى النتائج. هذه المنهجية هي ليست علم بحد ذاته وانما اداة ووسيلة تساعد الباحث على ايجاد ربط منطقي بين الحقائق والمعطيات العلمية المتوفره لديه والنتيجة التي يريد هذا الباحث الوصول اليها. لكن لكل منهج عيوب تُكتشف بمرور الزمن فيأتي باحث يسعى لتغييره او تعديله لأسباب تبدو منطقيه - له على الاقل - فيأتي بمنهج آخر جديد. هذا ما فعله السيد كمال الحيدري حين طرح منهجا جديدا قائم على نظرية محورية القران ومدارية الحديث في برنامج مطارحات في العقيدة اللذي عُرض على قناة الكوثر في شهر رمضان الماضي (1434 هـ).
هذا البحث هو محاولة مني لتقديم - فهمي الخاص - لنظرية السيد الحيدري (محورية القران ومدارية الحديث) والمنهج الجديد الناتج عن هذه النظريه واللذي يسعى من خلاله السيد الحيدري لمعالجة الاخطاء التي وقعت بها المناهج الحاليه المبنيه على القران او الحديث.
في الجزء الاول من هذا البحث ساقدم المصطلحات المستخدمة ونبذة عن النظريات التي تتناول العلاقة بين مصادر المعارف الاسلامية ومن ضمنها نظرية السيد الحيدري. اما الجزء الثاني فساعرض آلية البحث العلمي والخطوات التي اتبعها السيد لنقض نظرية الحديث. الجزء الاخير يحوي مجموعة من الملاحظات والاسئلة على هيكيلية البحث [فقط] لعلها تكون نافعة للسيد الحيدري او لغيره ممن يريد التوسع او الخوض في هذه النظرية الجديدة التي تبناها السيد الحيدري.
وفي الختام، اود ان أذكر ان الغرض من تقديمي لمحورية القران ومدارية الحديث ليس للدفاع او لنقد النظرية وانما هي عملية توثيق علمي [فقط] ومحاولة لتسهيل قراءة النظرية بشكل مختصر دون الحاجة للاستماع لكافة الحلقات والله الموفق.

المصطلحات المستخدمة


ابتدأ السيد الحيدري اولا بتوضيح المصطلحات الواردة في عنوان بحثه ( من اسلام الحديث الى اسلام القرأن ). حيث عرّف الاسلام والقرآن والحديث كالتالي:
[الاسلام] هو الرسالة السماوية التي نَزلت على رسولنا محمد( صلى الله عليه واله) وما انبثق عنها من منظومة المعارف كالعقائد، النحو، الاخلاق، الفقه، الاصول، التفسير والتاريخ وغيرها من العلوم الاخرى.
[ القرآن الكريم ] هو مجموعة الايات التي تبدا بسورة الفاتحه وتنتهي بسورة الناس في كتاب الله الموجود بين ايدينا مع رفض كافة الادعاءات بوجود زيادة اونقص او تحريف لهذا القرآن.
[ الحديث ] هو كل ما نقل عن الرسول الكريم صلى الله عليه واله وسلم من اقواله وافعاله وتقاريره وحركاته واخلاقه وملبسه وماكله ومشربه وغيرها في كتب الحديث والسير. طبعا تتوسع دائرة [الحديث] لدى الشيعه لتشتمل ايضا الى جانب اقوال الرسول عليه الصلاة والسلام، أقوال وافعال وتقارير وحركات وصفات الائمة الاثني عشر عليهم السلام.


سؤال البحث
ينطلق السيد الحيدري من البديهية القائلة: ان [القران الكريم] يشتمل على منظومة كاملة من المعارف الاسلامية كالأصول والعقائد والاخلاق والفقه والسيرة والتاريخ وغيرها من العلوم. وكذلك الحال بالنسبة [ للحديث] حيث تشتمل كتبه على منظومة كاملة من المعارف الاسلامية كالاصول والعقائد والتاريخ والاخلاق والفقه وغيرها, ومن ثم يطرح السيد الحيدري السؤال التالي:
ما هو شكل العلاقه بين منظومة المعارف الموجوده في [القران الكريم] ونظيرتها الموجوده في [الحديث] ؟ وهل ان كل منظومة مستقلة عن الاخرى, ام ان هنالك ترابط ما بينهما؟ واذا كان هنالك ترابط موجود فما هو نوعه؟
للاجابة على هذا السؤال يستعرض السيد الحيدري ثلاثة نظريات تفسر هذه العلاقة:-
1. نظرية محورية القران : يعطي اصحاب هذا الاتجاه [القرآن] الدور المحوري والوحيد كمصدر للمعارف الاسلامية و يرفضون اي دور للحديث. لا لأنهم يرفضون سنة رسول الله، بل لكون هذا الحديث منقول عن الرسول (وآل بيته ) عليهم السلام ,وغير مؤكد الصدور عنهم نتيجة ما اصاب الحديث من وضع وتحريف. ويطلق على اصحاب هذه الفئة القرآنيون, ومن الشخصيات القرانية المعاصرة الدكتور احمد صبحي منصور والذي استشهد السيد الحيدري بأحد كتبه.
2. نظرية محورية الحديث: يعطي اصحاب هذا الاتجاه دورا محوريا للحديث مقابل القران الكريم وهو موجود عند السنة والشيعة لكن السيد الحيدري ركز على الاتجاه الشيعي والذي هو بدوره يقسم الى فريقين:-
· الاخباريون : يعتقد اصحاب هذا الفريق ان القرآن هو خطاب موجه للرسول الاكرم (والائمة المعصومين) عليهم السلام وهم بدورهم مكلفين بتفسيره للمسلمين، وهذه احد الادلة التي يحتج بها الاخباريون على حاجة الامة لأمام معصوم في كل زمان. لذا وان كان الاخباريون لا يرفضون من حيث المبدا اهمية القران الا انهم عمليا يعطون الحديث والمرويات الموروثه عن الرسول الكريم وال بيته الدور المحوري للبحث في المعارف الاسلامية (باعتبارهم ورثة القرآن ومفسريه.. اي بعبارة اخرى انهم القرآن الناطق لتفسير القرآن الصامت). ومن الشخصيات الاخبارية المعروفة ( ثقة الاسلام) محمد بن يعقوب الكليني ومن العلماء المتأخرين المرحوم الشيخ جعفر التستري. اما على الجهة المقابلة فأن الامام احمد بن حنبل يعتبر امام المحدثين ( صاحب مسند احمد).
· الاصوليون: يعطي هذا الفريق دورا محوريا للحديث مع دورا ثانويا للقران (حسب تعبير السيد الحيدري), عندما يحدث تعارض بين الاحاديث نفسها, فيحصل الترجيح بينهما بواسطة القرأن لكن بفهم الحديث لا بفهم القران. ويعتبر المرحوم السيد الامام ابو القاسم الخوئي رحمه الله ( استاذ السيد كمال الحيدري) من اهم الشخصيات الاصولية المعاصرة.
3. نظرية محورية القران ومدارية الحديث : وهو اتجاه السيد كمال الحيدري، حيث القران يعتبر المحور والمصدر الاصلي والاطار لجميع المعارف الاسلامية بينما ياتي الحديث في ظل القرآن ويفهم بطريقة لا تتقاطع مع القران الكريم ويفهم بفهمه. بعبارة اخرى, فان السيد الحيدري يشترط ان يكون الفقيه ذو ذوق قرآني يمكنه من كشف الحديث بمجرد تعارضه مع القران الكريم. وللسيد الحيدري بحث عملي صدر العام 2012 تحت عنوان منطق فهم القران ، الاسس المنهجية للتفسير والتأويل في ضوء اية الكرسي وهو من كتابة الاستاذ الدكتور طلال الحسن بالاضافه الى تسعة مؤلفات اخرى كتبها بتطبيق هذه النظرية.
في الجزء القادم سنعرض الالية التي اتبعها السيد الحيدري للرد على النظريتين القرآنية والاخبارية.

فراس عبدالله