في هذا الجزء سنعرض رد السيد الحيدري على نظريتي محورية القرأن والحديث التي تمت الاشارة لهما في الجزء الاول من هذا البحث.

رد السيد الحيدري على نظرية محورية القرآن كان مقتضب وذّكر بالآيات التي توجب الاخذ بالحديث، كما في صورة الحشر{وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} او سورة النحل {وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم} لذا فأن العمل [بالقران] من دون [الحديث] مرفوض "قرآنياً" من وجهة نظر السيد الحيدري. اما في الرد على نظرية محورية الحديث، فكان الحيدري اكثر عمقا ومالَ الى طريقة اشبه بالمحاكمة بنى فيها رده على مرحلتين. الاولى تناول فيها ظاهرة اختراق الموروث الروائي السني، اما الثانية فتناول فيها تاثير الموروث الروائي السني على نظيره الشيعي كما سنوضح ادناه.


المرحلة الاولى: اختراق الموروث الروائي السني

تمتد هذه المرحلة لاكثر من ١٣٠ عام، من لحظة وفاة النبي عليه السلام (١١ هـ) الى مرحلة التدوين الفعلية للحديث (١٤٣ هـ). في هذه الفترة حصلت احداث ضخمة كالسقيفة وتعيين الخليفة الثاني وشورى الستة ومعركة الجمل والخروج على الامام علي وقتل ابناء الرسول ونشاط حركة الفتوحات وغيرها. هذه الاحداث اراد مدبروها ان يضفوا عليها غطاء اسلاميا، لذا لجأوا (لتبرير مافعلوا) الى "وضع" الاحاديث على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. لكن ظاهرة وضع الاحاديث اخذت شكلها الممنهج في عهد خلافة معاوية ابن ابي سفيان الذي دعم الوضّاعين ماديا واعطاهم امتيازات ضخمة لوضع الاحاديث في مجالات مختلفة شملت التوحيد والنبوة وفضائل الصحابة والانتقاص من بعضهم وامتد "الوضع" في عهده ليصل الى بيت النبي عليه السلام وفراشه وزوجاته!. اما اكبر الوضاعين من "الصحابة" فهم ابو هريرة والمغيرة ابن شعبه وعمر ابن العاص بينما كان عروة ابن الزبير أكبرهم من التابعين. ويكفي ان نشير الى ان ابا هريرة الذي عاش مع النبي عليه السلام ثلاث اعوام فقط نقل ما يقرب 5374 حديث بينما نقل الزبير ابن العوام 8 احاديث فقط رغم مكوثه مع الرسول لأكثر من عشرين عام!.

بالتوازي مع "وضع" الحديث، برزت ايضا ظاهرة دخول اخبار من الديانات والثقافات الاخرى (اليهودية، النصرانية، والمجوسية) الى الاسلام وتم نسبها الى الرسول الاكرم عليه واله الصلاة والسلام، وهو ما اصطلح عليه" الاسرائيليات". فقد نجحت مجموعة من الكتابيين امثال كعب الاحبار وعبدالله ابن سّلام ووهب ابن منبه وتميم الداري من الوصول الى مراكز حساسة في دولة المسلمين وبدأو عملية هدم من داخل الاسلام عن طريق ادخال اخبار مثل تجسيم الله عز وجل والاساءه للانبياء وتفسيرالقرآن وفقا للاساطير القديمة.

ولعلل هذه المرحلة - الوضع من قبل بعض الصحابة او بعض اصحاب الديانات الاخرى- تعطينا فكرة عن بداية عصر التدوين لأحاديث الرسول الكريم والاختراقات التي تعرضت لها كتب التفسير والتراجم والحديث من كتب الطبقة الاولى للمسلمين!. ياترى هل اثر هذا الموروث المصاب على كتب الشيعة او اخترقه ؟ ام عاش كل طرف بمأمن عن الطرف الاخر؟ هذا ما سيجيب عليه السيد الحيدري في القسم القادم.

المرحلة الثانية: تاثير الموروث السني على الموروث الروائي الشيعي

في هذا الجزء يحاول السيد الحيدري ان يستعرض جملة من الامثلة التي تبين اختراق الموروث الروائي السني لنظيره الشيعي. لكن قبل هذا، لابأس ان نستعرض ولو اجمالا مراحل التدوين الروائي الشيعي والتي تقسم الى ثلاثة طبقات:

الطبقة الاولى : وتشمل الكتب التي تم تدوينها في القرون الثلاث الاولى وتحوي اخبار ومرويات نقلها اصحاب واتباع اهل البيت عن الائمة المعصومين عليهم السلام بصورة مباشرة او غير مباشرة. واهم كتب هذه الفترة ما يعرف بالاصول الاربعمائة، واحد الامثلة على هذه الاصول كتاب سليم ابن قيس الهلالي.

الطبقة الثانية :الكتب الروائية الشيعية التي تم تدوينها منذ عصر الغيبة الصغرى الى القرن الرابع الهجري واعتمدت بالاساس على كتب الاصول الاربعمائة وابرزها ما يعرف بالكتب الاربع

- كتاب الكافي للكليني ويحتوي 16000 حديث
- كتاب لمن لا يحضره الفقيه للشيخ ابن بابويه القمي المعروف بالصدوق ويحوي ما يقارب 6000 حديث
- كتاب الاستبصار للشيخ الطوسي ويشتمل على 13600 حديث
- كتاب تهذيب الاحكام وهو ايضا للطوسي ويحوي 5500 حديث.

الطبقة الثالثة: كتب الحديث المتأخرة واهمها كتاب بحار الانوار للعلامة المجلسي والمكون من 110 اجزاء والذي شمل اضافات اخرى كبيرة لم تكن موجودة في الكتب الاربعة.

يعتقد السيد الحيدري ان الموروث الروائي الشيعي قد اخترق في جميع طبقاته الثلاث وقد اورد جملة من الامثلة اخترت منها ثلاث:


عقيدتنا بسهو النبي !

المثال الاول عن اختراق الاحاديث لمبنى عقدي وهو وهو سهو النبي عليه الصلاة والسلام. فقد ذكر الصدوق رحمه الله في كتابه عيون اخبار الرضا عن الهروي قال: قلت للرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله إن في سواد الكوفة قوما يزعمون أن النبي صلى الله عليه وآله لم يقع عليه السهو في صلاته، فقال: كذبوا لعنهم الله إن الذي لا يسهو هو الله لا إله إلا هو!. وبالرغم من الرد القاسي من الشيخ المفيد على الشيخ الصدوق الا ان هذا الاعتقاد بسهو النبي عليه السلام مر الى تفسير مجمع البيان للطبرسي في تفسير سورة الانعام الاية ٦٨. واستمر الى كتاب الذكرى للشيخ شمس الدين العاملي المعروف بالشهيد الأول الذي لا يمانع بالقول بسهو النبي ثم ينقل المجلسي عنه هذا الرأي في بحار الانور واخيرا اوردها العلامة محمد علي التستري احد العلماء المعاصرين في قم.


عقيدتنا في العدل معتزلية!

المعتزلة هي فرقة اسلامية سنية نشأت في البصرة نهاية العهد الاموي. تعتمد هذه الفرقه في استدلالاتها المعرفية بصورة كاملة على العقل. فالمعتزلة تعتقد ان العقل والفطرة السليمة قادرة على تمييز الحسن من القبيح ومن الشخصيات المعروفة للمعتزلة واصل بن عطاء وابن ابي الحديد والجاحظ. وللمعتزلة عقائدهم الخاصة في التوحيد والعدل والمعاد والمنزلتين .لكن دعونا نركز على العدل المعتزلي وهو: ان العقل البشري من يعّين الافعال للانسان، هذا حسن الهي عليك فعله وهذا قبح الهي عليك تركه, اي ان العقل البشري هو الحاكم على افعال الله وليس الله عروجل من يعين. هذه العقيدة في العدل دخلت الى التفسير والاصول وعلم الكلام الشيعي عن طريق تبني مفهوم العدل الاعتزالي من قبل بعض علماء الشيعة واستشهد السيد الحيدري بترجمة الذهبي للشريف المرتضى و كتاب شرح المراد للعلامة الحلي وانتصاره الشديد في مواقع مختلفة من هذا الكتاب لعقائد الاعتزال مقابل الاشاعرة.

رواية اسرائيلية منسوبة للامام الباقر عليه السلام

وهذه من الامثلة اللطيفة التي نقلها السيد الحيدري ويمكن تلخيصها من ان (ابو جعفر) ابن جرير الطبري نقل رواية اسرائلية ضعيفة بدون سند في تفسير الاية 27 من سورة المائدة( واتل عليهم نبأ ابني آدم ...) في كتابه المعروف جامع البيان في تفسير اي القران. وهذه الرواية تشير الى ان آدم زوج بناته لابناءه. وقد اشار نفس المؤلف ( الطبري ) في كتاب اخر له ( تاريخ الطبري) ان هذه الرواية ضعيفة وبدون سند. وقد نقل المرحوم الطوسي هذه الرواية في تفسيره التبيان في تفسير القران وقال ( ونقل هذه الرواية " ابو جعفر " وجمله من المفسرين). بعدها نقل الطبرسي هذه الرواية في كتابه مجمع البيان في تفسير القرآن ولكنه نسبها الى "ابو جعفر" (الامام الباقر عليه السلام) بدلا من الطبري لتشابه الكنية بعدها نقلها الفيض الكاشاني ثم المجلسي في بحاره واخيرا نور الثقلين للمرحوم الحويزي. هذا احد نماذج دخول الاسرائيليات ونسبها الى احد أئمة اهل البيت عليه السلام.

هذه نبذة من بعض الامثلة التي اوردها السيد الحيدري على الخروقات التي وصلت الى مختلف طبقات الحديث الشيعي والتي فشلت نظرية الحديث على ردها وكان بالامكان تجاوزها لو كان الكاتب او ناقل الحديث متمكن بمفاهيم القران الكريم والكلام طبعا للسيد الحيدري. الى جانب هذه الامثلة عن الاختراق الذي حصل في الطبقة الثانية والثالثة من الموروث الروائي الشيعي فان السيد الحيدري اشار الى مثالين من الطبقة الاولى لم تستطع نظرية محورية الحديث ايجاد الحل لهما واليكم الامثلة.

الموضوعات في الموروث الشيعي

يعتبر هذا المثال اخطر ماذكره السيد الحيدري عن الاحاديث الموضوعة التي تنسب للائمة المعصومين عليهم السلام. فقد ذكر حديثا عن الامام الرضا عليه السلام يقول : يا ابن أبي محمود ان مخالفينا وضعوا اخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام أحدها الغلو وثانيها التقصير في أمرنا وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا ثم ذكر الامام عليه السلام قول الله عز وجل : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) هنا انتهى الحديث. ومن هنا يعتبر السيد الحيدري كما كانت السلطات تضع الاحاديث لتبرير اعمالهم فكانت تضع الاحاديث للتقليل من شان اهل البيت. وكمثال على احد طرق الوضع في زمن الائمة المعصومين ، نقل السيد الحيدري رواية عن الامام الصادق عليه السلام يشير بها كيف كانت توضع الاحاديث

"فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي".

اذ كان المغيرة ابن سعيد يستعير الكتب من اصحاب الامام الباقر وينسخها ويضيف لها احاديث زندقه وروايات كاذبة وينشر هذه النسخ بين الناس. والسؤال المطروح الان: على اي الاصول اعتمد اصحاب الكتب الاربعة ( الكليني، الصدوق والطوسي) ؟ هل على الاصول الاصلية ام الاصول الموضوع من قبل المغيره ابن سعيد وامثاله؟ وهل بذلت مدرسة الاخبارين والاصولين الجهد للتخلص من مثل هذه الاحاديث.

كتاب سليم ينتظر الحل

مثال اخر ضربه السيد الحيدري على احدى المصادر الاربعمائة (كتاب سليم) والتي لم تستطع نظرية محورية الحديث ان تجد له حل رغم عمره الطويل. يعتبر سليم ابن قيس الهلالي احد اصحاب الامام علي عليه السلام. جاء الى المدينة المنورة في عهد عمر ولم يلتقي بالنبي عليه السلام على حياته. وبعد وفاته عام ٧٦ هـ، نقل عنه كتاب ينسب اليه نقله عنه ابان ابن عياش، هذا الكتاب موجود على الانترنت ويمكن الاطلاع عليه. يحتوي هذا الكتاب تفاصيل لم تنقل الا عن طريق هذا الكتاب مثل بعض الحوارات اثناء بيعة ابي بكر او تفاصيل الهجوم على دار سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام. الا ان موقف العلماء كان متباينا من هذا الكتاب فابن الغضائري مثلا يرفض هذا الكتاب جملة وتفصيلا ويعتبره موضوع بينما النعماني يعتبر كل ما في هذا الكتاب صحيح وكذلك المحقق المامقاني بينما للسيد الخوئي رحمه الله رأي اخر يتلخص بالقبول بكتاب سليم ابن قيس لكنه يعتبر ( ابان ابن عياش) ضعيف. اي وبعبارة اخرى فان كافة الاخبار التي انفرد بها هذا الكتاب تعتبر ضعيفه.

هذه جمله من الامثله التي جاء بها السيد الحيدري للاستدلال على الخروقات التي اصابة الموروث الروائي الشيعي والتي لم تنجح نظرية محورية الحديث في التصدي لها وكان بالامكان تلافيها لو تم تدقيق هذه الاحاديث من منطلق القرآن الكريم.

في الجزء الثالث والاخير سنطرح عدد من الملاحظات حول المنهج اللذي اتبعه السيد الحيدري لتفنيد نظرية محورية الحديث تتبعها عدد من الاسئله حول نظريته الجديده محورية القرأن ومدارية الحديث.

والله الموفق

نحو فهم نظرية محورية القرآن ومدارية الحديث للسيد الحيدري - الجزء الاول
http://www.alrisala95.com/forum/viewtop … 082#p12082