الجزء الاخير من هذا العرض مخصص لطرح الملاحظات و الاسئلة حول المنهج الذي اتبعه السيد الحيدري لنقد نظرية محورية الحديث بالاضافة الى احد نماذج الرد على السيد الحيدري. لكن قبل ان اورد الملاحظات فاني اود القول ان تقديم السيد الحيدري لنظريته ومنهجه في برنامج تلفزيوني امر يحسب له، ويساعد المتابعين على فهم نتائج بحثه وفقا لمنهجه الجديد. وهذا امر مستحسن لكل باحث ذي منهج جديد, وكم كنت اتمنى لو ان علماء آخرين قاموا بالامر بنفسه واخص بالذكر هنا السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله والشيخ اليوسفي الغروي حفظه الله صاحب موسوعة التاريخ. كما احب ان اذكر ان ماطرحه السيد الحيدري - على الرغم من حدة مزاجه - كان عميق ولنا ان نفتخر ان من بيننا من لايزال يطرح النظريات سواء اتفقنا معهم ام لم نتفق.


الملاحظات والاسئله

بنى السيد الحيدري نقده لنظرية الحديث على نقطة جوهرية وهي التحريف الممنهج للسنة النبوية على يد معاوية ابن ابي سفيان وحزبه مستشهدا بحديث رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام ( اول من يبدل سنتي رجل من بني امية). هنا ليسمح لنا السيد الحيدري ان نقول ان هذا المبنى في الرد كان "اخباريا" بأمتياز. فقد اعتمد السيد الحيدري على الاحاديث فقط واهمل المدخل القرأني. فقيام معاوية وحزبه بمثل هذا الدور الخطير الذي اثر على الاسلام والمسلمين الى يومنا هذا ودخل في كل تفاصيل العلوم الاسلامية من عقائد وفقه وعبادات وتاريخ واخلاق وسيرة لايمكن ان يهُمل قرآنيا ولا تتم الاشارة اليه ولو على نحو المثال بينما يحذرنا الله من امورا اصغرا مثل ولا تقربوا مال اليتيم, او لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى. وفي ظني ان الغرق في الاخبار والاحاديث، ومكر معاوية وحزبه له الاثر علينا حتى حين نريد ان نكتب عنه. فأثر حتى على تدبرنا للقران الكريم وايجاد الايات الكريمة التي تحذرنا من معاويه وامثاله!.

يعتقد السيد الحيدري ان فهم القرآن ينمي عند البحاث ذوقا في الاحاديث وينمي قدرته بقبول او رفض الاحاديث تبعا لتعارضها مع القران الكريم. يبقى السؤال: كيف يمكن تشخيص الاحاديث الموضوعة التي لا تتعارض مع القرآن الكريم؟ هل نعود مرة اخرى للسند والرجال ؟ ووفق اي منهج نحكم على الرجال ؟ وفق مناهج الجرح والتعديل الاخبارية او الاصولية؟ او وفق منهج جديد للجرح والتعديل مبني على فهم القرآن, واقصد هنا ان تكون شروط الرجال مأخوذه من القرآن الكريم ( من سورة المؤمنون والمنافقون والتوبة) وغيرها من السور التي ترسم ملامح الانسان المؤمن او المنافق وهي بالتأكيد تختلف عن صفاة رجال الجرح والتعديل التي اسس لها الدارقطني او الكشي.

ان وجود خلل في بعض الاخبار والروايات ليس بالامر الجديد, وقد تنبه له الكثير سابقا والا لما تأسست المدرسة الاصولية الحديثة ولا قضى السيد الخوئي رحمه الله اغلب سنين عمره في كتابه موسوعة الرجال. هنا السؤال للسيد الحيدري هل هذه الاصلاحات الداخلية التي قام بها علماء كالسيد الخوئي او السيد هاشم معروف رحمهما الله ومن سبقهم لم تكن كافية لمعالجة الخروقات ام ان عدم الاتزام بها من قبل الاخرين هو السبب؟ ام ان هنالك اسباب اخرى؟

ذكر السيد الحيدري ان نظريته بالرجوع الى القران الكريم وفهم الاحاديث والرويات من خلال القرآن الكريم يمكن تطبيقها على مختلف العلوم الاسلامية وقد استشهد بامثلة على احاديث وروايات تستخدم في الاصول والتفسير كان يمكن ان ترفض لو فهم القران جيدا. لكن ماذا عن العلوم الاسلامية التي يدرسها غير المسلمين ايضا، كالنحو على سبيل المثال. فهل يمكن لنحوي له معرفة جيدة بلغة القرأن واسلوبه النحوية ان يكتشف الاحاديث الضعيفة بمجرد الاطلاع على بناءها النحوي او اللغوي؟

يُلاحظ ان رد السيد الحيدري على نظرية الاتجاه القراني كان مقتضبا، وقد اصاب في ذلك. فأثر القرانيون منعدم في دوائر المعارف الاسلامية ولا يشكل عقلية المسلم الحاليه، فهم ليسُ جزء من الازمة لذا فالحيدري اختصر رده عليهم. واسلوب اختصار الردود على النظريات - الغير فاعله -تجده كثيرا في كتابات المرحوم الشهيد محمد باقر الصدر ولا استبعد ان السيد الحيدري استعار هذا الاسلوب منه.

قضى السيد الحيدري اكثر من ٤٥ عام طالبا وباحثا ومحققا ثم مرجعا في الحوزات العلمية المختلفة, وله الكثير من البحوث والكتب العلمية. السؤال هنا: هل كتب السيد جميع مؤلفاته وفقا لنظريته الجديدة ام وفقا للنظرية الاصولية السائدة آنذاك؟ واذا كان الحال هذا فهل يسعى السيد الحيدري لتطبيق نظرية محورية القرآن على ابحاثه القديمة اولا بدلا من ان تتقاطع مع نتائج جديدة وصل اليها عند تطبيقه النظرية الجديدة فيقوم خصومه باظهارها على انها " تناقضات الحيدري" ؟!.

اخيرا كنت اتمنى لو ان السيد الحيدري قد اعطى نبذه تاريخية ولو مختصره عن تطور نظريته. فهل طرحها احد من قبل ام لا؟ وهل هنالك من طرح اخر مشابه واين ذلك الشبه وما هو الاختلاف, وما هو توقع السيد الحيدري عن مدى قبول او رفض علماء الدين الشيعة لنظريته"الجديدة".



نموذج رد على الحيدري

من وجهة نظري ان اي انسان يريد الرد على ماطرحه السيد الحيدري فعليه ان يركز على نقطتين ظروريتين الاولى هي الاجابه على الاشكالات التي طرحها السيد الحيدري حول نظرية محورية الحديث واتهامها بالتسبب باختراق الموروث الشيعي. اما النقطه الاخرى فهي بالرد على نظرية السيد الحيدري الجديدة وذلك بوضع هذه النظرية ومؤلفاته التي كتبها وفق هذه النظريه تحت المجهر ثم نثبت ان نظريته ونتاجاته هي الاخرى لم تسلم من الموضوعات والاسرائيليات!

لكن الردود المحدودة التي - اطلعت عليها - لم تاخذ هذا الاتجاه وهذا امر مؤسف ومن بينها رد عضو البرلمان العراقي السابق الشيخ جلال الدين الصغير والمنشور في موقعه تحت عنوان ( المرجعية المهدوية بين اسلام الكتاب واسلام الحديث) وكان على ثلاث حلقات الى الآن. وحقيقة لو لم اكن مطلع على محاضرات الحيدري الاثني عشر لشككت ان الشيخ الصغير يقصد الحيدري في رده، فالشهادة لله ان الشيخ الصغير قد اجاد في بتر الكلام وتحريف النصوص وتضخيمها وتحميلها مالايحتمل مع ما المح اليه من اتهامات في نوايا الحيدري وان الغرض من طرحه سياسي!. وهذا امر غير مستغرب من الشيخ الصغير ومن مثله. فنحن لم نتعلم الى الان كيف نسمع كلام الاخرين وكيف نحكم على اقوالهم ونياتهم. وعلى هذا فان المستمع لكلام الشيخ الصغير وغيره لايستغرب ان يجد هذه الكمية من الشتائم والتهم والحكم على النوايا فهذا هو الاصل في طريقة تفكيره وهذه هي طريقته في مناقشة المختلفين معه في الرأي (رغم تصريحه المستمر انه ليس من ذوي الاختصاص!). مع هذا فأن طريقة الشيخ الصغير للرد كانت - ممتازه جدا- لكن لمن اراد اخفاء العجز والابتعاد عن مناقشة الموضوع الاصلي. ولو ان الشيخ الصغير سكت و لم يرد لجنب نفسه المتاعب، الا انه كما يبدوا -قد استفزه الحيدري - بتضعيف منهج نشأ عليه الشيخ الصغير كما ان الحيدري ضعف وكذب احاديث وروايات بنى عليها الشيخ الصغير جل محاظراته وخطبه وردوده على خصومه. لذا فالشيخ الصغير في موقف "محرج " فأما يحيا بتوثيق كتاب مثل الكتاب المنسوب لسليم ابن قيس وابان ابن عياش او يموت بتضعيفهم. وهذا انتحار فكري للشيخ ومن سوء تدبيره وقصوره في استشرافه للمستقبل انه بنى كتاباته على كتب وروايات محل خلاف شيعي- شيعي!.

المشكلة الاخرى ان الشيخ الصغير (وكثير غيره) لازال مستمرا بأستخدام مثل هذه الاحاديث والروايات الضعيفة في محاضراته!. لهذا فقد قرر الشيخ تصديه للرد على موضوع ليست من اختصاصه، لا لشيء الا كي يثبت ان الاحاديث والروايات التي يعشقها صحيحة وغير قابلة للمساس او للطعن ويستفز بشده عند نقاشها ووصل الى نقطة لا تراجع عنها! ولو اراد التراجع عن هذه الاحاديث والروايات الضعيفة فالامر صار صعبا عليه. فمجتمعنا لا يرحم المتراجع، اجوائه خانقه تسحق كل من يريد التراجع. فالتراجع عن الخطأ عندنا من الفضائل "لكن على الورق فقط "، اما واقع الحال فالامر مختلف تماما. لكن في نفس الوقت فان استمرار الشيخ على عناده والتصدي والرد لكل شخص يقول عكس ما يشتهي الشيخ سيتعبه كثيرا وسيضعفه ولن يجد له سندا كما في عام 1995 فالناس اليوم تستمع الى كلام الحيدري والصغير وتقارن بينهما !.

على اية حال، التهم والردود التي ساقها الشيخ الصغير لاتهم الباحثين فهي ليست في صلب الموضوع وكنت اتمنى ان ارى الشيخ الصغير يرد بالبراهين والحجج على الخروقات التي اوردها السيد الحيدري لكن الشيخ الصغير فشل في ذلك واصر على تكرار نفس الاسلوب بالرد على " صاحب المعلومة " وليس على المعلومة ذاتها, وهذا ما نفتقده كثيرا في ثقافتنا في الرد !.


والحمد لله

فراس عبدالله


الجزء الأول
الجزء الثاني