أكاديميا فالموضوع يتحدث عن الصوره الفنيه في القران الكريم , لكني سأحاول الابتعاد عن الشرح الاكاديمي وادخل لهذا الموضوع من خلال تحريك الصوره الفنيه القرانيه باستخدام ادوات سينمائيه لنرى كيف ان الخالق تعالى اخرج من خلال حركه المشاهد للايات القرانيه واحده من اروع الصور الفنيه والابداع الذي سبق عصر السينما بمئات السنين . ولكن قبل ذلك لنرى بشكل مبسط ما المقصود بالصوره الفنيه ..فالصوره الفنيه هي بتعريف (غير اكاديمي) تحريك الصوره الذهنيه داخل ذهن الانسان ..مره اخرى.. لكن !! ما هي الصوره الذهنيه .. الصوره الذهنيه (أكاديميا) هي انطباع صوره الشئ في الذهن ..ومن خلال هذا الانطباع القابل للتعدد بتعدد معارف الانسان تتكون في ذهن الانسان خريطه التصور والتخيل الذي ربما يـُستغل في الابداع لتوفر الخزين الملائم للبدأ في مشروع الابداع ..مثال .. حين يسمع الشخص لفظ (كرسي) فان صوره الكرسي تنطبع في ذهنه .. وكذلك حين يسمع لفظ (نهر) و(غيم ) و(جبل ) ... كل هذه الصور تشكل خزين ارشيفي في ذهن الانسان وعن طريقها وباستخدام ما تسعفه اللغه من الفاظ معبره يستطيع الانسان تشكيل صور فنيه محركه لما موجود في ذهنه ...القران الكريم وبالاستخدام المعجز للـّغه العربيه تنوع في تصوير المشاهد الفنيه كلّ حسب ما يقتضيه السياق والهدف الذي يسعى له ..ورغم كل ذاك التنوع الصوري الا ان الحس المتابع والمتذوق لهذا التنوع لا بد ان تبهره وحده الاسلوب اللغوي ..فالكلمه في القران غدت هي الكامره المتحركه للتصوير ..وبالتالي فهي كامره واحده لاغير ..وضعها مؤلف واحد ..وأخرج مشاهدها مخرج واحد لاغير ..رغم ان المشاهد المصوره كانت متنوعه ومختلفه لدرجه استحاله امكانية ان لا يحدث فيها تفاوت في العرض او التشويق ..والاخراج السينمائي الان يكاد يفرض الاسلوب التخصصي في التعامل مع النص ..كأن يكون النص عباره عن دراما اجتماعيه فيتخصص به مخرج او عده مخرجين ..او يكون تاريخي او وثائقي ..وهكذا ...القران تناول معظم تلك التصنيفات بتلك الانفراديه المعجزه ..وبنفس القدره على العرض والتشويق ..بل واكثر من ذلك فالقران يعرض المشهد من زوايا وأحوال بعيده جدا (احيانا) عن اجواء المشهد ..فنرى المشهد المصوّر ينسلت من ثنايا موعظه او ارشاد او حتى من خلال عرض لمشهد ثاني ..تماما كالفاصل الاعلاني الذي يقطع برنامج معين او نشره اخبار فاذا بالمشاهد وجها لوجه مع مشهد مصور يطرح عنوان ثاني ..ثم تعود الصوره لوضعها السابق..لا حظ هذه الايات وكيف ان مشاهد الليل والنهار والارض والسماء وصور الخلائق ..ومشاهد تكوين الانسان ونموه ثم طفولته وشبابه وصولا الى شخوخته ..كيف اخترقت الايات الاخرى كالفواصل الاعلانيه من اجل توضيح الغايه التي تهدف لها تلك الايات ..ويمكن لهذه المشاهد ان تصنف تحت عنوان(الافلام التسجيليه) او ( مشاهد وثائقيه) لانها تتخصص في توثيق الحقائق التي لا يستطيع الانسان تجاهلها لانه يحيا فيها :
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ

ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لّا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ

كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ

هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون
وما دمنا قد عرضنا هذه المشاهد فلنتجول مع الكامره القرانيه وهي تتحرك مع السيناريو القرءاني الذي أعده الخالق لينقل لنا هذه المشاهد الممتعه والمتقنه بأروع ما يكون الاتقان ...فهذا المشهد (الحواري) يصور النبي ابراهيم (ع) وهو يتحدث مع ابيه املا في ان يستجيب له في دعوته الى الله ..ولأن ابراهيم (ع) وما يحويه كلامه من حقائق ايمانيه ونصائح هو الغايه من ايراد هذا المشهد او نقطه التركيز فيه لذلك نرى القران الكريم يوجه الكامره تماما على ابراهيم (ع) حتى كأننا نرى صوره وجه ابراهيم (ع) وهو يتكلم :
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا

يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا

يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا

يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا
وركز على تكرار القران على لفظ (يا ابتِ) وما بها من محاوله ابراهيميه لاستعطاف قلب ابيه او التوسل الذي يكاد يقترب من البكاء اشفاقا على ابيه
وبعد هذا التركيز المصر على نقل حديث ابراهيم (ع) بالتفصيل تتجه الكامره الى نقل كلام ابيه الجاف والمتعجرف فلا تقف عنده طويلا وانما بقدر ما يدلي به فتنقله ثم تغيب صورته لتعود لأبراهيم (ع) فتنقل اخر ما قاله لأبيه قبل ان ينتهي المشهد:
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا
قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا
وهذا مشهد حواري اخر بين موسى وفرعون لكن قبله نلقي الضؤ على حركه انتقال الكامره من مشهد لاخر ..فالمشهد الاول يصور موسى (ع) وهو يتكلم مع الخالق عزّ وجل تحت الشجره ويطلب منه ارسال اخيه هارون معه فيستجيب له الخالق ثم ينتهي الحوار بما يلي :
قَالَ كَلاَّ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ

فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ

أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ
وبحركه قطع وانتقال سريعه نرى المشهد الثاني يصور فرعون وهو يتحدث مع موسى (ع)مع تجاوز كامل لكل التفاصيل الجانبيه التي تشرح ذهاب موسى الى مصر ولقاءه بفرعون ودعوته له للأيمان حيث ينقل المشهد معاتبه فرعون لموسى (ع) وهذا الانتقال يتكرر كثير في المشاهد القرانيه مع ضبط كامل للايقاع اللغوي (الكامره) وفي سوره يوسف نرى القران وهو يصور البعض وهم يشرون (يبيعون) يوسف بثمن بخس ثم تقترب الكامره بحركه (زوم) لتصور الدراهم وانها (معدودات) ثم ..قطع ...ويظهر المشهد التالي وهو يصور رجل من مصر يتحدث لزوجته ويوصيها بيوسف .. .. ونعود لحوار موسى وفرعون فتظهر صوره فرعون وهو يقول لموسى :
قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ

وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ
وتتجه الكامره الى موسى فنراه يقول:
 
قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ

فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ

وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ
ويستمر الحوار مع تنقل رائع للكامره بين موسى وفرعون خصوصا عندما يتم التركيز فيها بين حين واخر على فرعون وهو يتلفت الى من حوله من حاشيته على سبيل الاستهزاء بموسى (ع)
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ

قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ

قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ

قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ

قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ

قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ

قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِين
ثم ينتقل المشهد لتصوير الحوار بين فرعون وحاشيته ويختفي منه موسى(ع) بعد ان اراهم المعجزه التي اتى بها وهي عصاه ويده ..وهنا لفته بلاغيه نستريح عندها قبل ان نستطرد في عرض المشاهد ..فمن المعروف ان لفظ (الحيه) يطلق على صغار الافاعي اما لفظ (الثعبان) فيطلق على الكبير جدا منها المرعب ..لذا نشاهد القران حين يصور لنا المعجزه التي اراها الله تعالى له لاثبات نبوته كانت (حيه) كما يقول تعالى :(قال القها ياموسى .فالقاها فاذا هي حيّه تسعى) فلم يكن المطلوب اخافه موسى او فزعه بل اثبات نبوته اما حين القى موسى عصاه امام فرعون ولان المطلوب افزاعهم وارعابهم كي يؤمنوا بقدره الخالق فقد صور القران العصا وهي تنقلب الى (ثعبان مبين)كما في قوله تعالى :(فالقى عصاه فاذا هي ثـُعبان مبين) فلاحظ بلاغه القران وروعه التصوير ..وما زلنا في مشاهد (الحوار) بين موسى (ع) وفرعون ففي سوره اخرى (غافر) يصور لنا القران حوار غاضب يكاد صخبه يـُسمع من خلال سرعه التصوير فالمشهد هنا هو مشهد خاطف تماشيا مع الاحداث وهو يبتدئ من صيح فرعونيه طاغوتيه للتنكيل بموسى (ع) والذين معه والقران يصور هذه الصيحه من خلال اصوات جمهره حاشيه فرعون وهي تؤلبه للانتقام :


فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَاد
وبحركه سريعه تنتقل الكامره لتصور موسى
َ(ع) وهو يصيح بهم مدافعا عن نفسه واصحابه:
وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ
ثم فجأه تنتقل الكامره لتصور رجلا اخر من آل فرعون وهو يتكلم معهم :
وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّاب
ولأهميه ما يقوله هذا الرجل خاصه وانه من آل فرعون يعني انه من المحسوبين عليه نرى الكامره تركز عليه فيختفي عن المشهد كل من موسى (ع) وفرعون ويتم تثبيت الكامره عليه وعليع فقط لفتره طويله نوعيا لاجل استيعاب حديثه وتقريعه لهم بالحجج الدامغه ..ويستمر المشهد للأخير في نقل ما دار بينه وبينهم ..وهذا الانتقال من الشخوص الرئيسيه للمشهد الى شخوص ثانويه غالبا ما يجعل منها القران الكريم مجهوله لغرض التركيز على ما يهدف اليه حديثها اكثر من التركيز عليها والتوقف على معرفتها يتكرر في القران ..ومن امثلته الرجل الذي جاء من اقصى المدينه يسعى في سوره (ياسين)..والرجلان الذي انعم الله عليهما والذين قالوا الجمله المشهوره (كم من فئه قليله غلبت فئه كثيره بأذن الله) ..ومن غير (المشاهد الحواريه) نرى هناك (مشاهد احداث) او (اكشن) ..والخاصيه القرانيه في تصوير هذه المشاهد والتي سبقت فن السينما وتفوقت عليه انها تعالج عنصر الزمن بموضوعيه بعيدا عن الاثاره التي كثيرا ما تفتقد لهذه المعالجه بل حتى في الاساطير والقصص التاريخيه القديمه نجد ان الاهتمام بعنصر الزمن في تصوير الاحداث غالبا ما يكون منعدما تماما مما يشكل ثغره دراميه في تسلسل الاحداث وكم شاهدنا من مقاطع لافلام سينمائيه وهي تصور حدثا محسوبا بثواني ثم يستغرق المشهد دقائق عديده دون ان ينتبه المخرج الى المفارقه بين الواقع والتصوير..كالفتاة المقيده على سكه حديد وشخص يحاول فك قيدها قبل وصول القطار المندفع تجاههم بسرعه هائله ..فيظل المخرج يتعامل بمتطلبات الأثاره دون وعي بعامل الزمن وسرعه القطار الذي لو تم فحصه واقعيا لكانت الفتاة وصاحبها اشلاء مبعثره والقطار سار بعيدا عنهم بمسافات طويله ..فهذه الأثاره هي اثاره خرافيه لا تمس الواقع بشئ وبالتالي هي تصنف تحت مسمى الأثاره السينمائيه التي لا مصداقيه واقعيه لها ..السينما القرانيه تتعامل مع الحدث بكل ما يحمله من أثاره وتصوير فني بواقعيه لا تغفل ابسط الوحدات الدراميه لنرى الان احد مشاهد الاثاره وكيف تعامل القران مع وحداتها الدراميه بمنتهى المهنيه ودون اخراجها عن حيز الواقع ..الايات التاليه تلخص قصه الطوفان وما جرى على نوح (ع) وابنه المتمرد :
وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِين
لاحظ سرعه الحوار الذي يبدوا وكأنه لم يستغرق إلا ثوان معدوده تماشيا مع سرعه الاحداث والامواج العاصفه التي لطمت الصوره فغيبت ابطالها ليهلك الابن الضال وينجو النبي الشفوق...ومن روائع الفن السينمائي القرءاني هو محاكاة المشهد مع السرد القصصي كما نشاهد في الكثير من الافلام السينمائيه التي يتم فيها الانتقال من الحديث الى المشاهد المصوره ومثاله ان يتحدث الشخص عن واقعه حدثت له وسرعان ما يتحول حديثه الى مشهد يصور الحادثه..لنرى هذا المشهد القراني المطابق مع هذا النوع من التصوير:
هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك
وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين
فالقران
الكريم يوجه خطابه لنا مباشرة ..ثم وبقطع سريع ينقل لنا مشهد حي لأُناس اخرين جرت عليهم اهوال ربما سنتعرض لها نحن ايضا..لذا فذكر الله ودعاءه يفترض ان يكون ملازما لنا كل حين ما دمنا لا نسطيع استشعار الخطر الذي ربما كان قريبا منا ولاندري !!
ولنسرح مع هاتين الايتين المباركتين وهما يتنوعان في ابراز مشاهد غايه في الروعه والتصوير مع انتقائيه مذهله للحدث والزوايا التصويريه فالأيه الاولى هي ما يمكن ان يدخل تحت عنوان المشاهد (المرعبه) لما فيها من حشد لاحداث بالغه الخطر والقتومه المفزعه :
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّور
ومع بقايا ما يعلق بالذهن من هذه الصور المفزعه للظلمات والامواج الهادره والسحب المتراكمه كالكابوس ..ينقل القران مشاهد اخرى تقرر حقيقه لا مفر منها ان المنقذ الوحيد والمنجي الذي لامنجي غيره ولا امل بسواه هو الله ..فتنتقل الصوره من هذا السواد الحالك الى الفضاءات السماويه المشرقه ..وطبعا لا يبخل علينا القران بمناظر الطيور وهي تحلق في تلك الفضاءات لتعطي المشهد مزيدا من الجاذبيه والايحاء بأن الخطر قد زال وعاد الاستقرار للنفس ..وهذا المنظر السينمائي للسماء والطيور غالبا ما يتكرر في السينما عند نهايه افلام الكوارث الطبيعيه وبعد اجواء شاحنه من الانفعالات والترقب :
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ
بل السينما القرءانيه لا تبخل علينا حتى بالمشاهد المستقبليه او ما يسمى في المصطلح السينمائيه (افلام الخيال العلمي ) التي تصور لنا احداث من خيال المؤلفين عما سيحد على الارض او في السماء مستقبلا مع فارق واحد ان السينما القرءانيه ليس فيها خيال بل تقرير لواقع حي سيحدث عاجلا او اجلا ..والتصوير القرءاني يشمل تماما كالسينما ما يجري على الارض او في السماء او حتى ما يصل للأرض من السماء ..وهذه بعض المشاهد التي تجمع بين هذه الاحداث :
حتى اذا فتحت ياجوج وماجوج وهم من كل حدب ينسلون
فهذه صوره لاقوام الله تعالى اعلم بهم وهم يغزون الارض من اصقاع مختلفه
وايضا:
واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابه من الارض تكلمهم
وايضا
يوم ترونها تذهل كل مرضع عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد
مشاهد تصف حاله الذهول والفزع الذي يسيطر على الناس..وهذه اخرى:
فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين , يغشى الناس هذا عذاب اليم
ومشاهد في السماء:
يرسل عليكم شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران
ولاحظ استخدام القران للفظ (تنتصران) فهو يصبغ المشهد بصبغه الحدث الحربي..فكأنه يصور معركه فضائيه ..ونفس هذا الاستخدام يتكرر في ايه اخرى:
ام لهم ملك السماوات والارض (وما بينهما) فليرتقوا في الاسباب..جند ما هنالك مهزوم من الاحزاب
هل يصف لنا القران معركه فضائيه ستحدث بين السماء والارض ..وهل ورود لفظ (وما بينهما) ليشير لهذا المعنى ..الله تعالى اعلم فهو المؤلف لكل شي وهو المخرج للسينما القرانيه الهائله بالمشاهد والافلام التي تفاعلت مع كل تخيلات الذهنيه البشريه لتغطي مساحتها بالكامل وما على الانسان الذي يطمح للتملي من هذه المشاهد والافلام الا ارتياد هذه السينما والتمتع بمشاهدها الخلابه ..فهي :
صبغه الله ومن احسن من الله صبغه ونحن له عــــابـــدون