ربيع السلف الصالح!كاظم الحجاج
ربيع السلف الصالح!

كاظم الحجاج



M



.أجداد المسلمين، في مكة ويثرب، لم يكونوا يعرفون الربيع فصلاً من فصول السنة ؛ لأن سنتهم فصلان، لا أكثر! ذكرهما القرآن الكريم في أثناء ذكر ارتحالهم التجاريّ، في الشتاء والصيف فقط. يرتحلون بتجارتهم شتاءً إلى اليمن، لأنها دافئـــة، وصيفاً إلى الشام، لأنها معتدلة.
أما الربيع الذي يرد مرتين في تقويمهم القمريّ، ربيع الأول وربيع الثاني، أو ربيع الآخرة! – الأكثر تناسباً مع ميلهم إلى الموت لا إلى الحياة!- فالرُبَيع هنا، هو بضم الراء وفتح الباء، لأنه تصغير رَبعْ- بالفتح فالسكون – وهو مكان مربّع تقريباً يتخذونه لجلوس المتسامرين، ويسمونه كذلك: المربَع أو المتربَّع. وقد يسمى الربعة بالتأنيث، ومنه يأتي اسم القبيلة العربية رُبيعة– بضم الراء للتصغير كذلك. فالربيع– الفصل لم يرد في شعر الجاهليين، ولا الإسلاميين الأوائل أبداً، لأنه لم يكن موجوداً أصلاً بين فصلي سنتهم الوحيدين الشتاء والصيف. فكيف الحديث عن ربيعين، كما في التقويم؟
نعم. الربيع كان معروفاً، ومحتفلاً به، في العراق ومصر والشام، قبل الإسلام وبعده. أما في الحجاز ونجد فلا ربيع، لا قبل الإسلام ولا بعده، حتى فتح بلدان الربيع الثلاثة! والاحتفال بالربيع ما يزال طقساً في بعض الدول التي كان لها تاريخ قبل الإسلام، مثل العراق ومصر والشام وبلاد فارس. فهي كانت تملك الماء والخضراء والوجه الحَسَن. لحد الآن!
أما مصطلح الربيع العربي فلقد جاء من تونس الخضراء الى مصر هبة النيل الى الشام شريكة العراق في الهلال الخصيب. لكن ربيع العرب الأسبق كان قد جاء من العراق قبل الجميع، العراق الذي هو بستان قريش! لكن الجميع قد داسوا خضرة الربيـع العراقي منذ 1991 حتى الآن! وهو ما يزال يداس من الجميع، فربيع 1991 كان طائفياً! وربيع 2003 كان ربيع الاحتلال! لأنه ربيع بلاد النهرين المخيف! ولذلك أقام الجميع السدود على مجرى نهريه، وحوّلوا أنهارهم الصغيرة عن رافديه وشطه الكبير وعن أهواره. يعرف الجميع أن ربيعنا لا يجاريه ربيع الأول ولا ربيع الآخرة ولا نوروز فارس.
ومع السدود وتحويل الأنهار صاروا يسربون السموم إلى مياهه، سموم المياه وسموم المخدرات وسموم الميليشيات. و التعويضات! نعم. قد يستطيع الصحراويون القاحلون سرقة الماء والخضراء والوجه الحسن. لكنْ إلى حين. فهم أهل آبار لا أنهار. وأهل تيمم لا وضوء. فلا خبرة لهم بالماء ولا خبرة لهم بالزرع، ولا خبرة لهم بالوجوه الحسنة على الأرض! إنهم لا يستطيعون أن يصنعوا ربيعاً حقيقياً، فلا سابقة لهم. أهل الربيع الحقيقيون سوف يستردون ربيعهم من القاحلين ولو بعد حين.
أهل مصر يحتفلون بعيد ربيعهم منذ آلاف السنين، وسيبقون يحتفلون بخضرتهم ومائهم ووجوه حسانهم. وكذلك سوف يستردّ ربيعَهم أهلُ الشام، لأنهم كانوا يحتفلون بمائهم وخضرتهم ووجوه حسانهم منذ آلاف السنين. وطبعاً أهل العراق. أما القاحلون الناشفون فلسوف يرتكسون الى صحرائهم ثانية، فلا ماء لديهم ولا خضرة ولا حسان سوى الجواري! وتلك سنة الأرض والسماء. وتلك سنة الحياة، منذ الطوفان. فبأي آلاء ربكما تكذبان؟!