على حطب الأخشاب يعلو دخان التنور الطيني لبدء يوم جديد بنكهة العيد في الاهوار، أم نصير تصنع خبزها ذو الأقراص الدائرية التي تجمع بنكهة رائحته عائلتها في هذا اليوم الذي يختلف عن غيره من الأيام، فالملبس الجديد والتواصل بين أفراد العائلة سمة يمضي بها الأهواريون عيدهم المبارك.
تقول أم نصير لـ"الغد برس"، "دأبتُ في كل يوم عيد باستيقاظ مبكر قبل الجميع لإكمال الخبز وإحضار القيمر والشاي، ليستيقظ بعدها أبا نصير والأولاد والبنات ليجتمعوا على سفرة الإفطار"، مضيفة "بعد وجبة الصباح يذهب أبا نصير إلى مضيف الشيخ، أما الأولاد نصير وحسن وكرار بعد إيصال والدهم بالشختورة يتجهون بشباكهم إلى وسط الاهوار لاصطياد السمك كالعادة للحصول على رزقهم اليومي، أما البنات سجى ونرجس وخديجة فقطع القصب وسط مياه الاهوار رحلة عملهم اليومي بعد ترحيل الجاموس وسط المياه لحين عودتهم".
أبو نصير يذكر لـ"الغد برس"، انه "بعد الذهاب إلى مضيف الشيخ لأداء صلاة العيد وتهنئة الشيخ وإفراد العشيرة نعود إلى البيت بعودة الأولاد والبنات للاجتماع على مأدبة الغداء"، مبينا أننا "نعتاد في كل عيد ان تكون أكلة المسموطة كأحد التقاليد المورثة لدينا".
ويضيف "بعد ساعات النهار ننطلق بالشختورة أنا والأولاد إلى مضيف الشيخ لحضور الأهازيج الشعبية وجلسات الشعر، حيث يجتمع أفراد العشيرة أمام مضيف الشيح ليردد المهوال الأهازيج الشعبية التي تعبر عن عز ومفخرة الأبناء بعشيرتهم، وبعدها يبدأ احتساء القهوة داخل المضيف وسط حديث يتخلله الشعر الشعبي لتجسيد حكمة أو عبرة ما في قضية معينة".
سيناريو العيد في الاهوار بتقاليده وعاداته نسيج من التواصل بغدوة المسموطة ورحلة الشختورة "بين قصب المياه وأنغام الطيور".
العيد في الاهوار يختلف بتقاليده وعاداته عن غيره من مدن محافظة ذي قار، فالمسموطة الأكلة الشعبية التي تكاد ان تكون ضيفا في جميع بيوتها خلال العيد، بمراسيم طبخها بالتوابل بعد أن يتم تجفيفها قبل عشرة أيام تحت أشعة الشمس لتصبح جاهزة لغدوة العيد.
من جهتها، تقول أم علي من أهالي هور الحمار، "المسموطة عبارة عن سمك صغير يتم تجفيفه تحت أشعة الشمس اللاهبة لبضعة أيام، ومن ثم يتم وضعه في إناء على النار بإضافة الزيت والبصل والماء حتى يطهى تماما"، موضحة "غالبا ماتكون أكلة المسموطة هي مائدة الغذاء الرئيسة أول أيام العيد، حيث جرت العادة من أمهاتنا ان المسموطة أكلة فيها الداء والشفاء".
أما الرحلة بـ"الشختورة" الزورق في مياه الاهوار بنسيم القصب هي المحطة الأخرى في العيد، حيث تنتقل بها العوائل مابين بيوت الأقارب والأصدقاء للتزاور وتبادل الحديث الذي غالبا ما يحلو باحتساء القهوة والمساجلات الشعرية.
حارث الاسدي احد شيوخ عشيرة بني أسد يوضح لـ"الغد برس"، "الشختورة في الاهوار هي وسيلة النقل الوحيدة و تكون لكل عائلة عادة شختورة للرجال وأخرى للنساء، فأيام العيد نذهب بها بصحبة الأولاد إلى مضيف الشيخ أو زيارة الأقارب والأصدقاء، فيما تذهب النساء لحالهن بشختورة أخرى لزيارة أهلن أو بعض أقاربهن"، مشيراً إلى أن "في بعض الأحيان يكون الخروج بالشختورة وسط للمياه للفسحة بعيدا عن ضجيج الأطفال أو هربا من المشاكل العائلية".
يذكر ان الاهوار في محافظة ذي قار التي تقدر مساحتها بــ(10000) كيلو متر، تضم 350 ألف نسمة بواقع 20 قرية بحسب منظمة طبيعة العراق "منظّمة غير حكومية معتمدة لدى البرنامج البيئي للأمم المتحدة (unep)".