الانترنت هي اعظم ما حققه الانسان من اختراعات منذ اختراع الطباعة. وليس من اختراع اخر استطاع ان يعيد تشكيل الثقافة الانسانية ووسائل الاتصال والتجارة والترفيه كما فعلت الانترنت. ومع هذا تحمل الانترنت مخاطر جوهرية يجب ان يعيها الاباء والامهات للعمل على مكافحتها بالقدر الممكن.

ذلك ان الجرائم التي ترتكب بواسطة الانترنت هي الاوسع انتشارا والابعد اثرا على مستوى العالم – وان كانت بنسب متفاوتة من بلد الى اخر -، والاطفال هم اضعف ضحايا هذه الجرائم نظرا الى ازدياد الاقبال على استعمال الشبكة العالمية بين الاصغر سنا في المدارس والنوادي والبيوت. واكثر الاطفال يعرفون عن الانترنت اكثر مما يعرفه الكبار، ولذلك لا يتابع اكثر الاباء والامهات ما يتعرض له الاطفال من مخاطر وهم يقلبون صفحات الانترنت، ويقرأون بعض ما فيها من سموم ويتفرجون على ما فيها من صور فاضحة ويشاركون في غرف الدردشة التي يتعرفون من خلالها على بعض من ادهى المجرمين واللصوص وقطاع الطرق. ولسوء الحظ لا توجد قواعد قانونية واخلاقية تضبط استعمال الانترنت. فاي شخص يمكن ان يفتح موقعا يسميه ما يشاء ويفعل به ما يشاء.

هناك مواقع تشرح كيف تزرع المخدرات وكيف يتم تعاطيها والاتجار بها. وهناك مواقع تدعو الى الفوضى ونشر الكراهية بين الناس من اتباع الديانات المختلفة وتعمق شقة العداء بين اطياف المجتمعات الدينية والعرقية والاثنية. وفي الانترنت اكبر المواقع لنشر اشرطة الفيديو القصيرة – مثل اليوتيوب – وبالرغم مما يسمى بالضوابط فان في هذه الاشرطة الكثير من الصور الفاضحة واللغة غير المنضبطة. وتشير الاحصاءات الى ان اكثر من ثلاثة مليارات شريط فيديو تتم مشاهدها كل يوم على اليوتيوب. كما تتم اضافة حوالي ربع مليون فيلم طويل الى اليوتيوب كل اسبوع. يضاف الى ذلك مواقع الفيسبوك التي اصبح الكثير من الاهل يشجعون اطفالهم – حتى الصغار منهم في سن العاشرة مثلا – على ان يكون لهم حساب فيها ينشرون عليه صورهم ويتواصلون من خلاله مع الاخرين.

وهناك ملايين – نعم ملايين – من المواقع الاباحية التي تنشر صورا فاضحة للممارسات الجنسية المنحرفة في مجملها والتي لا تميز بين كبير وصغير. وهذه المواقع لها اثرها العميق على الاطفال بشكل خاص لانها تشكل في اذهانهم مواقف مغلوطة عن الجنس وممارسته: فهذه المواقع تبين للطفل ان الجنس لا صلة له بعلاقات اسرية تقوم على المحبة والاحساس بالمسؤولية، وان ممارسته مع عدد غير محدود من الناس شيء طبيعي. وتبين ايضا ان من الطبيعي ايضا اقامة علاقات جنسية عابرة مع الاصدقاء والغرباء – بكل ما يترتب على ذلك من تفكك للاسرة وللبنية الاخلاقية التي تقوم عليها علاقات المجتمع وتماسكه.

والانترنت مرتع ايضا للمجرمين الذين يسعون للايقاع بالاطفال. يتظاهر هؤلاء بحبهم للصداقات والتعرف على الاخرين ومساعدتهم عند الضرورة بالمشورة والمال. وكثير من هؤلاء المجرمين يوقعون بالاطفال في سن المراهقة الذين يرغبون في التعرف على اشخاص يحبونهم ويقدرونهم ويساعدونهم ويرضون حاجاتهم الى الجنس. ويتم الايقاع بالاطفال عادة باغراقهم بالمديح وبالتعاطف والتفهم لاوضاعهم. ثم يتحول ذلك الى علاقات خارج الانترنت على ارض الواقع. وفي كثير من الحالات تتشكل فرص لخطف الاطفال والاتجار بهم.


ولتفادي مخاطر الانترنت من الضروري ان يثقف الاباء والامهات انفسهم في شؤون الكومبيوتر، وان يطلعوا على المخاطر التي تترتب على استعمال الانترنت بدون ضوابط، وان يراقبوا كيف يستعمل اطفالهم الانترنت بالطريقة التي يراقبون بها ما يشاهده الاطفال على شاشة التلفزيون والسينما، وان يحرصوا على معرفة اصدقاء الاطفال والاماكن التي يخرجون اليها مع الاصدقاء. ولا بديل لاشراف الاهل على تصرفات الاطفال: لان الاهل اذا لم يراقبوا تحركات الطفل فان اشخاصا اخرين ينظرون من بعيد وينتظرون الفرصة السانحة للايقاع بالطفل.

ومن الضروري الحديث مع الاطفال بصراحة ووضوح عن مخاطر الانترنت وتنبيههم بالمخاطر المحتملة والعواقب التي يجب تفاديها. يجب ان لا يترك الاطفال وحدهم امام جهاز الكومبيوتر حتى ساعة متأخرة من الليل وفي غرفتهم الخاصة. غرف الدردشة التي يقضي الاطفال فيها ساعات طويلة على درجة عالية من الخطورة، وفيها عادة تبدأ قصص قد تدمر حياة الاطفال واسرهم. ويجب ان يكون الاهل على اطلاع على كلمة السر لحساب الاطفال ولبريدهم الالكتروني. ولهم ان يفتحوا البريد الالكتروني والاطلاع على ما يصل الى الاطفال من رسائل وخاصة من الغرباء. ويجب ان نبين للاطفال انه ليس كل ما يصل الينا عن طريق الانترنت صحيح: فكثير من المعلومات التي تصل الينا معلومات منقوصة او مغلوطة او ذات اغراض غير بريئة. وكثير ممن يتحدث الاطفال اليهم في غرف الدردشة اشخاص لا يؤمن جانبهم ويجب الحذر منهم وعدم الحديث معهم. ومن بين ما يسعون اليه هو دق اسفين بين الاطفال والاهل. وكثيرون منهم يتظاهرون بانهم اطفال وهم في الحقيقة من المجرمين الكبار. ويجب تحذير الاطفال من لقاء اشخاص تعرفوا اليهم عن طريق غرف الدردشة، ويجب تحذيرهم من التصريح بمعلومات من اي نوع على الانترنت مثل الاسم الصريح او العنوان او رقم الهاتف او اسم المدرسة. ويجب ان يعرفوا انه حتى التصريح باسم المدرسة او الحي او باسم صديق يمكن ان يدل عليهم.

ومن الضروري ان يتنبه الاهل لاي تغير في سلوك اطفالهم. فاذا تعرض الاطفال لمتاعب على الانترنت فان ذلك يظهر في شكل انسحاب على سلوكهم او في شكل مغالاة في السرية فيما يقومون به من نشاطات. والعلاقات التي تتشكل مع الاطفال على الانترنت نادرا ما تبقى في اطار الانترنت. ففي مرحلة لاحقة يغدو الحديث على الهاتف شيئا طبيعيا، ويغدو استدراج الاطفال واغواؤهم عن طريق الهاتف اكثر يسرا.

[email protected]