النجفُ لن تخسرَ السيّد فضل الله مرّتين


بقلم : الكاتب الاسلامي / محمد طراف


وعاد السيد محمد حسين فضل الله إلى النجف التي خسرته يوماً لخروجه منها جسداً، ولم يخرج منها روحاً وفكراً وخفقة قلب… وإن بعُد عنها مسافةً ولكنّها عاشت في قلبه وعلى لسانه ترداداً ولهجةً. عاد السيّد بعد عقودٍ خمسة، خرج منها مجتهداً عالماً عاملاً باحثاً يحمل منهجاً وروئً وتطلّعات مغايراً لهذه البيئة، وعاد إليها علاّمة مرجعاً مجدّداً ملأ الدنيا وشغل الناس، أنسى من قبله وشغل من عاصره وسيُتعب من بعده...

لم يعد السيدُ إلى النجف غريباً أو باحثاً عن منازلُ دُرِست آثارها أو أحبّة وأهل مضوا سابقين له إلى ربه… عاد السيد إلى النجف موطن عليٍّ(ع)، وملقى المجتهدين والمراجع والعلماء والمثقفين، وحاملي لواء الإسلام الأصيل في خط أهل البيت(ع).. عاد ليجد عقولاً ظمأى لفكره، وقلوباً تنبض عشقاً، هوت إلى لقياه وأحبة فتح لهم السيّد كوّةً من نورٍ فكريٍّ ليجدّد به الواقع ويضيء الدروب الموصلة إلى الأصالة والعمق الإسلامي الرائد...

وأن يُعقد مؤتمر فكري عن السيد فضل الله(رض) في النجف، وأن يحقق هذا الملتقى نجاحاً وحضوراً مميزاً، من حيث الكثافة والتنوع؛ من علماء وأكاديميين ومثقفين، جاؤوا من مختلف المناطق العراقية باحثين عن متنفّس فكريٍّ منشود انتظروه مطوّلاً، ، له دلالات وأبعاد كبيرة وكثيرة، هذا ناهيك عن حضور فاعل للمرأة العراقية المثقّفة، والتي ظلمتها النظرةُ الدونية التي أو تحمل أفكاراً جاهلية تجاه المرأة… فهذه المرأة التي أعاد لها السيد إنسانيتها المسلوبة، وكرامتها المضطهدة، وأنصفها بعد قرون من الظلم الواقع عليها من ممارسات وأحكام وفتاوى ألصقت بالدين زوراً...

إن هذه الكوّة التي أحدثها فكر السيد في الجدار الذي بنته بعض المواقع، لن يسدّها شيء ولن تمنعها بعد الآن أي محاولات أن تنشر ضوء ونور هذا الفكر، وأن يمنع اتّساع دائرتها… وهذا الجيل الذي تربّى على أفكار السيّد ونشأ عليها من خلال ما قرأ وتابع، ولم تعد البيئة (المحافظة) تروي ظمأه أو تشبع نهمه العلمي الفكري الباحث عمّا يلبي طموحاته ومستوى تفكيره...

المطلوب اليوم البناء على هذه الخطوات والمعطيات، والتهيئة لخطوات متتالية وسريعة، فهذا الفكر هو كلمة الله الطيبة التي تؤتي أُكُلها كلّ حين بإذن ربها، والتباطؤ في ملء هذا الفراغ وريّ هذا الظمأ لهذه الأرضية الخصبة المتعطّشة لهذا الفكر سيؤدّي إلى ملئه بفكر آخر يقصُر عن محاكاة عقولهم. فالمسؤولية الشرعية الملقاة على عاتقنا من خلال ما مكننا به اللهُ، وقدرتنا على ذلك بإذنه، وحقّ السيّد علينا وهو الذي أفنى عمره في إنتاج هذه البذور الطيبة، أن نسارع لبناء هذا المشروع التوعوي التجديدي مع العلماء والباحثين والمفكّرين في النجف وفي كلّ العراق، لأن هناك من يبني على خطواتنا هذه آمالاً كبيرة لنقلة نوعية تحرّك كل هذا السكون...

وليس من باب المصادفة أن يتزامن هذا المؤتمر وعودة الحملات واستعارها من جديد على السيد، وإطلاق سهام البهتان الشيطانية عشوائياً على كلّ ما ومن يتعلق بالسيد. حيث أفرزت الأقلام الحاقدة والمأجورة والمتخلّفة والتي تنتمي إلى (مدارس) تقدّم جهلاً بغلاف الدّين لا يسمن ولا يغني من جوع، وما لا ينفع من علمه ولا يضرّ من جهله، أفرزت حقداً وجهلاً لم يعد يؤثّر في عقول وقلوب حصّنها السيد بفكر أهل البيت وبلقاح العقل والفكر والمحبّة… ولأنّ قافلة هذا الفكر انطلقت لن يوقفها من أخلد إلى الأرض، وليتّعظوا ممّن سبقوهم حيث زال ذكرهم وبقي السيّد وفكره يسموان للعلا...

إنّ توكُّلنا على الله يجعلنا على يقين أنّ هذا الفكر سينمو وهذا التيار سيزداد انتشاراً وزخماً. فكما علّمنا السيد، نقول ونردّد: ما كان لله ينمو، فإن كان هذا العمل لله، فاللهُ كفيلٌ به، وإن لم يكن لله، فليذهب هباءً منثوراً…

والله من وراء القصد