سَقَيْتُ رَبْعَكَ غَيْثَ المَدْمَعِ الهَطِلِ ** وَبُتُّ أَنْدُبُ مَلْمومَاً عَلَى الطَّلَلِ(١)
مِثْلَ الثُّكَالَى بَرَاها الحُزْنُ في دَهَشٍ ** وَمَنْ كَمِثْليَ لاَقَى لَوْعَةَ الثُّكُلِ(٢)
لا النَّوْحُ يُطْفِيءُ ما بي مِنْ أسَى حُرَقٍ ** وَلاَ التَّسَلّي عَنِ الأحْزانِ يَسْهَلُ لي
أُعَالِجُ الصَّبْرَ مَكْظوماً على غُصَصٍ ** وَلاَعِجُ الرُّزْءِ يودي بي على مَهَلِ(٣)
وقالَ لي صَاحِبَايَ العِيسُ مُرْقِلَةٌ ** فَقُلْتُ إنّي مُقيمٌ غَيرُ مُرْتَحِلِ(٤)
شُدّوا الرِّحَالَ وسيروا في رِعَايَتِهِ ** هُنا مُقامي وهَذا مُنْتَهى أَملي
هُنَا الإقامةُ لا الزَّوْراءُ لي بَلَدٌ ** ولا السّويدُ رَعَاهَا الله مِنْ بَدَلِ
هُنَا الجِنَانُ جِنانُ اللهِ قائمةً ** على ضَريحٍ حَوَى مِنْ خاتَمِ الرُّسُلِ
أنوارَ رَحمَتِهِ أَسرارَ حِكْمَتِهِ ** آثارَ نِعْمَتِهِ كانَتْ وَلَمْ تَزَلِ
خيرُ النَّبيينَ والهَادي لِشِرْعَتِهِ ** والمنقذُ الخَلْقِ يومَ الحَادِثِ الجَلَلِ
فاقَ الخَلائِقَ في ذاتٍ وفي صِفَةٍ ** وفي خَلائِقَ لَمْ تُدْرَكْ وَلَمْ تُنَلِ(٥)
أيُّ النَّبيينَ يَسمو فوقَ رُتْبَتِهِ ** وَهْوَ الُمَرّبي لَهُمْْ في العِلْمِ والعَمَلِ
وَهْوَ الشَّهيدُ عليهِمْ يومَ مَحْشَرِهِمْ ** وَهْوَ الشَّفيعُ لَهُمْ في ساعةَ الوَهَلِ
لَهُ الحسابُ وأَمْرُ الحَشْرِ في يَدِهِ ** والحَوْضُ ثُمَّ اللّوا والناسُ في ذَهَلِ
يومٌ بِهِ تَفْزَعُ الأمْلاكُ قَاطِبَةً ** والإنسُ والجِنُّ مِنْ خَوْفٍ ومِنْ وَجَلِ
إلى النَّبيِّ ابْنِ عَبْدِ اللهِ مَنْ كَمُلَتْ ** بِهِ النُّبوّةُ قبلَ الخَلْقِ في الأَزَلِ
المُصطفى المُرتَضى المَبعوثِ مِنْ مُضَرٍ ** لِلْخَلْقِ أَشرَفِها المَعْصومِ من زَلَلِ
وَهْوَ المُنَادَى بِيَوْمِ الحَشْرِ إِنْ حُشِرَتْ ** كُلُّ الأنامِ بِقُلْ واشْفَعْ وَخُذْ وَسَلِ
أَصْفى مِنَ الدُّرِّ حَوْضٌ مُتْرَعٌ غَدِقٌ ** يَصْفو لِوُرّادِهِ أَحْلَى مِنَ العَسَلِ
بِهِ الأبَاريقُ تَعْدَادُ النُّجومِ فَمَنْ ** لَمْ يُسْقَ مِنْهُ يَعِشْ في لاَعِجِ الغُلَلِ
يُذيدُ عنهُ الأُلَى خَانوا رِسالَتَهِ ** وَحَاربوا آلَهُ بِالبِيضِ وَالأَسَلِ
وَشَايَعَ القَاسِطينَ النَّاكِثينَ وَمَنْ ** وَالاهُمُ فَهْوَ في نارِ الجَحيمِ صَلي
وَحَاربَ الثَّقَلينِ المُفْضِيَيْنِ إلى ** دارِ النَّعيمِ وَظِلٍّ غَيْرِ مُنْتَقِلِ
هُمَا الكتابُ وأهلُ البَيتِ مَنْ نَزَلَتْ ** في فَضْلهِمْ سُوَرُ القُرآنِ ذي المُثُلِ
هَذي فَضَائِلُهُمْ تُتْلى مُرَدَّدَةً ** في مَسْمَعِ الدَّهْرِ في الإصْبَاحِ والأُصُلِ
(مَنْ لمَ ْيُصَلِّ عَليهِمْ لا صَلاةَ لَهُ) ** وَمَا لَهُ مِنْ وُرودِ النَّارِ مِنْ حِوَلِ
بِهِمْ تَمَسَّكْ وَدَعْ مَنْ يُسْتَرابُ بِهِ ** تُسْعَدْ وَتَأْمَنْ بيومِ الرَّوْعِ وَالوَجَلِ
أوصى بِهِمْ أحمدُ المُختارُ فَاتَّبِعوا ** أَمْرَ الرَّسولِ ولا تَصْغوا لِمُنْتَحِلِ
فَرَحمةُ اللهِ وَافَانا بِنِعْمَتِهِ ** يَوْمَ الغَديرِ وَأَوْفَانَا بِخَيْرِ وَلِي
وَقالَ مَنَ أنَا مَوْلاهُ فإنَّ لَكُمْ ** بَعْدي عَلِيّاً وَلِيّاً ليس مِنْ قِبَلي
وَإِنَّمَا اللهُ مَنْ يختارُ فَاتَّخِذوا ** مِنْهُ الوسيلةَ للهِ العَلِيِْ وَ لِي
هَذا خَليفَتُكُمْ بَعْدي فَإنَّ لَهُ ** ميثاقَ وَعْدٍ بِعَهْدِ اللهِ مُتَّصِلِ
الحَمْدُ للهِ لمَ ْنَتْرُكْ وَصِيَّتَهُ ** وَلَمْ نُبَايِعْ دُعَاةَ الإِفْكِ والدَّجَلِ
وَلَمْ نُوَالِ الأُلَى بِالنُّصْبِ قَدْ مَرَقوا ** مِنْ شِرْعَةِ الحَقِّ في صِفِّينَ وَالجَمَلِ
أَئِمَّةَ الجَوْرِ أَعْلامَ الضَّلالِ وَهُمْ ** لِلنَّارِ يَدعونَ تَدْعوهُمْ عَلَى عَجَلِ
عَلِيٌّ الدّينُ دينُ اللهِ لا رُحِمَتْ ** أُمَيَّةُ الشِّرْكِ شِرْكِ اللاّتِ أَوْ هُبَلِ
إِنّي إليكَ رَسولَ اللهِ مُتَّبِعٌ ** حتى المَمَاتِ حَياتي في وِلاَءِ عَلي
فَاشْفَعْ لِعَبْدِكَ وَارْحَمْني إذَا بُلِيَتْ ** مِنّي العِظَامُ بِقَبْرٍ مُوحِشِ النُّزُلِ(٦)
وَوَالِدَيَّ وَإِخْوَانيْ فَكُنْ لَهُمُ ** عَوْناً وَرِدْءاً لِدَرْءِ السُّوءِ مِنْ عَمَلِ(٧)
صَلَّى عليكَ إِلَهُ العَرْشِ مَا بَقِيَتْ ** أَنْفاسُ لُطْفِكَ تُطْفي غُلَّةَ الغُلَلِ
ثُمَّ الصَّلاةُ على آلِ النَّبِيِّ فَهُمْ ** خَيْرُ البَرِيَّةِ قُرْبَى سَيِّدِ الرُّسُلِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) المَلموم: المجنون.
(٢) الدَّهَش: ما يِهب بالعقل من مصيبة وغيرها.
(٣) المَكظوم: المملوء غَمّاً وحزناً.
(٤) مرقلة: من الإسراع والجد في المسير.
(٥) الخلائق الأولى مفردها الخليقة أي الإنس والجن والخلائق الثانية: السجايا.
(٦) النُّزُل: المنـزل.
(٧) الرِّدْء: المعين الناصر. الدَّرْء: الدَّفْع ومنها دَرْءُ المفاسد أي مَحْقُها.